أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2020
5930
التاريخ: 14-11-2014
1950
التاريخ: 14-11-2014
3071
التاريخ: 10-10-2014
2082
|
التأويل يُستعمل بمعنى توجيه المتشابه ، وهو تفعيل من الأوّل بمعنى الرجوع ؛ لأنّ المؤوِّل عندما يُخرِّج للمتشابه وجهاً معقولاً ، هو آخِذٌ بزمام اللفظ ليعطِفه إلى الجهة الّتي يحاول التخريج إليها ، ومن ثمَّ يستعمل في تبرير العمل المتشابه أيضاً ، كما في قصَّة الخِضْر ( عليه السلام ) ، قال لصاحبه : {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف : 78] أي سأُطلِعُك على السرِّ المبرّر لأعمالٍ أثارَت شكوكك ودَعتْك إلى الاعتراض .
إذاً فكلّ لفْظ أو عمل متشابه ـ أي مثير للرَيب ـ إذا كان له توجيه صحيح ، فهذا التوجيه تأويله لا محالة ، وعليه فالفَرْق بين التفسير والتأويل : هو أنّ الأوّل توضيح ما لجانب اللفظ من إبهام ، والثاني توجيه ما فيه من مَثار الرَيب ، وقد سبق ما بين عوامل الإبهام والتشابه من فَرْق .
هذا ، وقد اصطلحوا أيضاً على استعمال التأويل في معنىً ثانوي للآية ، فيما لم تكن بحسَب ذاتها ظاهرة فيه ، وإنَّما يتوصّل إليه بدليل خارج ، ومن ثمَّ يعبَّر عنه بالبَطْن ، كما يعبَّر عن تفسيرها الأوَّلي بالظَهْر ، فيقال : تفسير كلّ آية ظهْرها ، وتأويلها بطْنها .
والتأويل بهذا المعنى الأخير عامٌّ لجميع آيِ القرآن ، كما في الأثر : ( ما في القرآن آية إلاّ ولَها ظهْرٌ وبطْن ) ، وقد سُئل الإمام محمّد بن علي الباقر ( عليه السلام ) عن ذلك ، فقال : ( ظهْرُه تنزيلُه ، وبطْنُه تأويلُه ، منه ما قد مضى ، ومنه ما لم يكن ، يجري كما يجري الشمس والقمر ) (1) ، وقال ( عليه السلام ) أيضاً : ( ظَهْر القرآن الَّذين نزل فيهم ، وبطْنه الَّذين عملوا بمثل أعمالهم ) (2) ، فقد جاء التنزيل في كلامه ( عليه السلام ) بمعنى التفسير ، أي أنّ للآية مورد نزول يكشف عن مدلولها الأوَّلي المنصرم ، ويعبَّر عنه بسبب النزول ، ولا غنى للمفسِّر عن معرفة أسباب النزول في كشْف إبهام الآية ، كما في : آية النسيء (3) ، وآية نفي الجُناح عن السعي بين الصفا والمروة (4) ، وآية النهي عن دخول البيوت من ظهورها (5) ، ونحوها كثير .
نعم ، هناك عموم ثابت أبديّ تنطوي عليه الآية ، وبذلك تشمل عامَّة المكلَّفين مع الأبديَّة ، وهو بطْنها وتأويلها الَّذي يعرفه الراسخون في العلم ؛ ولولا ذلك لبطلت الآية ، قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات أولئك القوم ماتت الآية لَمَا بقيَ من القرآن شيء ، ولكنَّ القرآن يجري أوَّله على آخِره ما دامت السماوات والأرض من خيرٍ أو شرٍّ ) (6) .
وقد صحّ عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال : ( إنَّ فيكم مَن يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلتُ على تنزيله ، وهو عليُّ بن أبي طالب ) (7) ، فقد قاتل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) على تطبيق القرآن الخاصّ حسب مورد نزوله ، وقاتل عليٌّ ( عليه السلام ) على تطبيقه العامّ على مشابه القوم .
فقوله تعالى : {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة : 189] نزلت رادعة لعادةٍ جاهلية ، كان الرجُل إذا أحرم نقبَ في مؤخّر بيته نقْباً ، منه يدخل ومنه يخرج ، وهذه العادة أصبحت لا وجود لها بعد أن بادَ أهلُها ، غير أنَّ الآية لم تمُت بذلك ، وإنَّما بقي عموم ردْعها عن إتيان الأمور من غير وجوهها بصورة عامَّة (2) ، فهذا تأويلها المنطوي عليه الآية ، يُعمَل بها مع الأبد .
وقوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك : 30] تفسيرها : إنَّ الله هو الَّذي {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} [الزمر : 21] ، وهذا معنىً ظاهريّ يدلّ عليه ظاهر اللفظ .
وجاء في تأويلها : إذا فقدتُم حجَّة من حُجج الله الّذين كنتم ترتَوون من عَذْب نميرهم ، فمَن الَّذي يأتيكم بحجَّة أخرى يواصل هدْيكم في ركْب الحياة (5) ، وهذا المعنى يعبَّر عنه بالبطْن ، لا يجرؤ أحد على بيانه إلاّ بنصّ معصوم ، واستعارة ينبوع الماء لمصدر الهداية الربّانية شيء متناسب ، فكما أنّ الماء هو أصل الحياة المادّية ، كذلك الهداية الإلهية هي أصل الحياة العُليا السعيدة .
_________________________
(1) بصائر الدرجات : ص195 . البحار : ج92 ص97 رقم 64 .
(2) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص11 . البحار : ج92 ، ص94 ، رقم 46 .
(3) التوبة : 37 .
(4) البقرة : 158 .
(5) البقرة : 189 .
(6) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص10 . الصافي : ج1 ، ص14 .
(7) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص15 ـ 16 .
(8) راجع تفسير شبّر : ص67 طبعة الكشميري .
(9) راجع تفسير الصافي : ج2 ، ص727 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|