أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2014
2011
التاريخ: 10-10-2014
1792
التاريخ: 2023-09-02
1291
التاريخ: 2024-08-26
291
|
أن الطباطبائي لا يرى للتأويل معنىً خاصاً ، أو أنه لا يحصرهُ بردّ المتشابه إلى المحكم ، وإنما يقول بأن للقرآن تأويلاً ، وهو الذي تدور مداره المعارف القرآنية والأحكام الإلهية والقوانين وسائر ما يتضمنه التعليم الإلهي ، «وأن هذا التأويل الذي تستقبله وتتوجه إليه جميع هذه البيانات أمر يقصر عن نيله الأفهام ، وتسقط دون الارتقاء إليه العقول ، إلاّ نفوس طهرهم الله وأزال عنهم الرجس ، فإن لهم خاصة أن يمسوّه . وهذا غاية ما يريده الله تعالى من الإنسان المجيب لدعوته في ناحية العلم أن يهتدي إلى علم كتابه ، الذي هو بيان كل شيء ، ومفتاحه التطهير الإلهي ، وقد قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة : 6] . فجعل الغاية لتشريع الدين هي التطهير . . . (1) .
كما تقدم الكلام أيضاً في ما ذهب إليه الطباطبائي في تفسيره من سورة آل عمران في تفسير المحكم والمتشابه في الآية ، ورأى أن التأويل المذموم الذي يذكره ويذمه القرآن غير المعنى المخالف لظاهر اللفظ ، بناء على أن التأويل في اللغة معناه أن يُرجع باللفظ إلى معاني غير موضوعه في أصل الوضع ، كما تقدم الكلام في اللغة ، وإنما التأويل المذموم هو تأويل الآيات ابتغاء الفتنة ، ومن دون إرجاع المتشابه إلى المحكم ، فإذا تم إرجاع المتشابه إلى المحكم ، فلا يكون تأويلاً حتى ولو خالف ظاهر اللفظ ، يقول الطباطبائي : «إن رد المتشابه إلى المحكم وبيانه ليس من التأويل في شيء ، والتأويل غير التفسير» (2) ، وهذا ما رد به الطباطبائي على من زعم السكوت عن الإثبات بعد النفي ، حيث رأى البعض أن الإثبات بعد النفي خلاف ظاهر اللفظ ، هو من التأويل الذي حرّم الله ابتغاءه في قوله : ﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ، بناء على الوقف على ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾ . بل تعدى بعضهم ، كما يرى الطباطبائي إلى مطلق التفسير فمنعه قائلاً ، كما نقله الألوسي ، أن كل مَن فسّر فقد أوّل ومن لم يفسّر لم يؤول ، لأن التفسير هو التأويل (3) ، وهذا ما يرفضه الطباطبائي لجهة أن التفسير غير التأويل ، ذلك أن المراد بتأويل الآية ليس مفهوماً من المفاهيم التي تدل عليه الآية ، سواء أكان مخالفاً لظاهرها ، أم موافقاً ، بل هو من قبيل الأمور الخارجية ، ولا كل أمر خارجي حتى يكون المصداق الخارجي للخبر تأويلاً له ، وقد فصّل الطباطبائي الكلام بالتفصيل فيما رد به على القائلين بأن التفسير هو التأويل ، فقال : «إن أقل ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنية لا ينال تأويلها ، أي تفسيرها ، أي المراد من مداليلها اللفظية عامة الأفهام ، وليس في القرآن آيات كذلك ، بل القرآن ناطق بأنه إنما أنزل قرآناً ليناله الأفهام ، ولا مناص لصاحب هذا القول إلاّ أن يختار ، أن الآيات المتشابهة إنما هي فواتح السور من الحروف المقطعة حيث لا ينال معانيها عامة الأفهام ، ويرد عليه ، أنه لا دليل عليه ، ومجرد كون التأويل مشتملاً على معنى الرجوع ، وكون التفسير أيضاً غير خال من معنى الرجوع ، لا يوجب كون التأويل هو التفسير ، كما أن الأم مرجع لأولادها ، وليست بتأويلٍ لهم ، والرئيس مرجع للمرؤوس وليس بتأويلٍ له» (4) .
فالتفسير كما بين أهل اللغة ، هو الإبانة ، والكشف عن اللفظ المشكل ، والتأويل : هو ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر . وإذا كان للتفسير هذا المعنى ، فلا يكون له معنى التأويل ، الذي هو من الأمور الخارجية ، فلا يكون تفسيراً ، وقد بين الطباطبائي أن القرآن يفسّر بعضه بعضاً من خلال إرجاع المتشابه إلى المحكم ، وهذا ما يفيده المعنى اللغوي للتفسير لا بما هو تأويل كما زعموا وإنما بما هو إبانة وكشف ، وليس ذلك من التأويل في شيء ، وهذا ما شرحه الطباطبائي بقوله : «وكون التفسير أيضاً غير خال من معنى الرجوع ، لا يوجب كون التأويل هو التفسير» . فالأم مرجع ولكنها ليست بتأويل ، وإرجاع المتشابه إلى المحكم ليس تأويلاً حتى يكون التأويل خاصاً بالمتشابه ، فهو للمحكم والمتشابه معاً (5) ، فلكل آية من آيات الله تعالى تأويل ، والتفسير غير هذا تماماً . فإذا كانت النشأة اللغوية لكل من التفسير والتأويل متقاربة بل واحدة ، وإلى هذا أشار ابن منظور بقوله : «وسئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن التأويل ، فقال : التأويل والمعنى والتفسير واحد» (6) . فالتأويل أعمّ من أن يكون تفسيراً ، والآيات لا توجب تخصيص التأويل بآية دون أُخرى ، طالما أن القرآن قد ميز بين التفسير والتأويل ، فقال : «وأحسن تفسيراً» ، وقال الله تعالى : ﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ . . . ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ . . . ﴾ . وعليه ، فإنه لا معنى لما فسر به قوم التأويل بالتفسير ، أو لما قالته طائفة أخرى من المفسرين ، أن المراد بالتأويل ، هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ ، وقد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه بعدما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الإرجاع أو المرجع (7) .
لقد رفض الطباطبائي ، كما يقول الأوسي وآخرون ، أن يكون التأويل من قبيل صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المرجوح بدليل ، وأوضح أن معنى قولهم هذا هو ما اعتقدوه من أن المتشابه ما أُريد به خلاف ظاهره ، ووصفه بأنه اصطلاح محض ، ولا يمكن استفادته من قوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران : 7] . وقد سبق الكلام فيما رد به الطباطبائي على مَن زعم أن كل مَن فسّر ، فقد أوّل ، مبيناً أن المتشابه إنما هو متشابه من حيث تشابه مراده ومدلوله ، وليس المراد من التأويل المعنى المراد من المتشابه حتى يكون المتشابه متميزاً عن المحكم بأن له تأويلاً وإنما أريد بها معانٍ تعطيها لها آيات أخر محكمة والقرآن يفسر بعضه بعضاً (8) .
يرى علي الأوسي في دراسته لمنهج الطباطبائي ، أن ما يذهب إليه الطباطبائي من قول في التأويل من حيث هو حقائق واقعية تنبعث من مضامين البيانات القرآنية ، هو عين موقف ابن تيمية من التأويل (9) ، وهذا الموقف قد لا يكون على قدر من الصحة نظراً لوجود تمايز كبير بين الموقفين ، ونحن بالإمكان تسجيل بعض الملاحظات حول ما ذهب إليه الأوسي ، فنقول : إن هذا صحيح من حيث أن التأويل هو الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم ، أو موعظة ، أو حكمة ، وأنه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها ، ولكن الأوسي لم يشر من قريب أو بعيد إلى ما عرض له الطباطبائي في سياق رؤيته لما جرى بين النبي موسى (عليه السلام) والخضر ، فيما أجاب به هذا الأخير على ما اعترض عليه موسى (عليه السلام) : ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ . فالذي أريد من التأويل ، كما يقول الطباطبائي ، في هذه الآيات ، هو رجوع الشيء إلى صورته وعنوانه ، نظير رجوع الضرب إلى التأديب (10) . . . وهذا ما ينبغي أن يكون موضع تأمل عند الباحثين ، نظراً لكون التأويل عند الطباطبائي يجاوز ما يذهب إليه ابن تيمية ، وذلك من حيث أنه لا كل أمر خارجي حتى يكون المصداق الخارجي للخبر تأويلاً له ، بل أمر مخصوص خارجي نسبته إلى الكلام نسبة الباطن إلى الظاهر ، وهذا ما عرض له الطباطبائي في كتابه الشيعة في الإسلام من أن الكتاب تم تقريبه إلى الأذهان ، من حيث هو كتاب أحكمت آياته ، ثم فصلت ، ولا يناله إلا مَن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً (11) .
مما تقدم ، نستطيع القول : إن الطباطبائي عالج الرؤية التفسيرية وميزها عن التأويل . وعرض إلى أقوال القدامى والمحدثين فيما عرّفوا به التفسير والتأويل ، فقال : «من جملتها أن التفسير أعم من التأويل ، أو أن التفسير بيان معنى اللفظ ، الذي لا يحتمل إلاّ وجهاً واحداً والتأويل تشخيص أحد محتملات اللفظ بالدليل استنباطاً ، وهناك آراء أُخرى من قبيل القول : إن التفسير هو بيان المعنى المقطوع من جهة اللفظ ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات من المعاني غير المقطوع بها .
ومن جملتها ، كما يعرض لها الطباطبائي ، أن التفسير بيان دليل المراد ، والتأويل بيان حقيقة المراد . ومن جملتها ، أن التفسير بيان المعنى الظاهر في اللفظ ، والتأويل بيان معنى المشكل . . .» (12) ، إلى غير ذلك مما عرض له الطباطبائي في وجوه التعريف بالتفسير والتأويل ، ورده على أصحابه ، إذ لم ير أن هذه الوجوه قد أصابت الحقيقة المبحوث عنها في القرآن ، لكونها خلطت بين التفسير والتأويل ، وجعلت من أحدهما مساوقاً للآخر ، أو مختلفاً عنه فيما يُبحث عنه من آيات قرآنية يقال أنها متشابهة ، ولا بد من تأويلها على قاعدة أن في القرآن آية أُريد فيها ما يخالف الظاهر ، وهذا ما اعتبره الطباطبائي توهماً . وإن أدنى تدبّر في الآيات لا بد أن يكشف عن أن التأويل يتميز عن التفسير في كونه تأويلاً للقرآن كله ، وأن كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة (13) . كما يرى الطباطبائي أيضاً أنه لا ضرورة لحصر التأويل بالمتشابه من الآيات بحيث ترد إلى المحكم ، كما يزعم بعض القدامى والمتأخرين من المفسرين ، وإنما هو لجميع القرآن ، سواءاً كان متشابهاً أم محكماً ، على اعتبار أن التأويل غير التفسير ، وأن التأويل هو حقائق خارجية تستند إليه آيات القرآن في معارفها وشرائعها وسائر ما بينته ، بحيث لو فرض تفسير شيء من تلك الحقائق انقلب ما في الآيات من مضامين (14) ، وذلك من منطلق أن القرآن النازل شيء ، والقرآن ، الذي هو في أُم الكتاب شيء آخر ، فهذا الأخير مما لا تناله العقول . أما القرآن النازل ، فقد ألبسه الله تعالى لباس العربية لعلهم يعقلون ما لا سبيل لهم إلى عقله ومعرفته ما دام في أم الكتاب المدلول عليه بقوله تعالى : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [البروج : 21-22] .
_______________________________
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|