أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2016
21019
التاريخ: 21-2-2018
1771
التاريخ: 14-08-2015
1715
التاريخ: 24-06-2015
3525
|
أسامة
بن مرشد بن مقلد
ياقوت الحموي
معجم الأدباء
(إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب): ج2، ص100-119
_________________________
ابن
نصر بن منقذ، بن محمد بن منقذ، بن نصر بن هاشم، بن سوار بن زياد، بن رغيب بن مكحول،
بن عمر بن الحارث، بن عامر
بن مالك بن أبي مالك بن عوف بن كنانة بن بكر بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور
بن كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن قضاعة بن مالك بن حمير بن مرة بن زيد
بن مالك بن حميد بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان هكذا ذكر هو نسبه وفيه اختلاف
يسير عند ابن الكلبي ويكنى أبا أسامة وأبا المظفر ويلقب مؤيد الدولة ومجد الدين، زوفي
بني منقذ جماعة أمراء شعراء لكن أسامة أشعرهم وأشهرهم وأنا أذكر لكل واحد من أهله
وترجمته ما يليق ولا أفرقهم.
ذكره عماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن
حامد الأصفهاني في كتاب خريدة القصر وفريدة العصر وأثنى عليه كثيرا فقال ما زال
بنو منقذ هؤلاء مالكي شيزر وهي حصن قريب من حماة معتصمين بحصانتها ممتنعين
بمناعتها حتى جاءت الزلزلة في سنة نيف وخمسين فخربت حصنها وأذهبت حسنها وتملكها
نور الدين محمود بن زنكي عليهم وأعاد بناءها فتشعبوا شعبا وتفرقوا أيدي سبأ.
قال
ان عساكر ذكر لي أسامة أنه ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وقدم دمشق سنة اثنتين
وثلاثين وخمسمائة ومات أسامة في الثالث والعشرين من رمضان سنة أربع وثمانين
وخمسمائة ودفن بجبل قاسيون
قال العماد وأسامة كاسمه في قوة نثره ونظمه يلوح
من كلامه أمارة الإمارة ويؤسس بيت قريضه عمارة العبارة حلو المجالسة حالي المسجلة
ندي الندى بماء الفكاهة عالي النجم في سماء النباهة معتدل التصاريف مطبوع التصانيف
أسكنه عشق الغوطة دمشق المغبوطة ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم فانتقل إلى مصر
فبقي بها مؤمرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام ابن رزيك فعاد إلى الشام وسكن دمشق
مخصوصا بالاحترام حتى أخذت شيرز من أهله ورشقهم صرف الزمان بنبله ورماه الحدثان
إلى حصن كيفا مقيما بها في ولده مؤثرا لها على بلده حتى أعاد الله دمشق إلى سلطنة
الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة سبعين وخمسمائة ولم مشغوفا بذكره مشتهرا
بإشاعة نظمه ونثره والأمير العضد مرهف ولد الأمير مؤيد الدولة جليسه ونديمه وأنيسه.
قال مؤلف هذا الكتاب: وقد رأيت أنا العضد هذا
بمصر عند كوني بها في سنتي إحدى عشرة واثنتي عشرة وستمائة وأنشدني شيئا من شعره
وشعر والده قال فاستدعاه إلى دمشق يعني مؤيد الدولة وهو شيخ قد جاوز الثمانين قال
وأنشدني العامري من شعره بأصبهان وكنت أتمنى لقياه وأشيم على البعد حياه حتى لقيته
في صفر سنة إحدى وسبعين بدمشق وسألته عن مولده فقال ولدت في السابع والعشرين من
جمادى الاخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وأنشدني لنفسه البيتين اللذين سارا له في
قلع ضرسه: [البسيط]
(وصاحب لا أمل الدهر صحبته ... يشقى لنفعي ويسعى
سعي مجتهد)
(لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا ... لناظري
افترقنا فرقة الأبد)
وأنشدني لنفسه من قديم شعره: [الكامل]
(قالوا نهته الأربعون عن الصبا ... وأخو المشيب
يجور ثمت يهتدي)
(كم جار في ليل الشباب فدله ... صبح المشيب على
الطريق الأقصد)
(وإذا عددت سني ثم نقصتها ... زمن الهموم فتلك
ساعة مولدي) قلت أنا هذا كلام نفيس ومعنى لطيف ولكنه أخذ معنى البيت الثاني من قول
ابن الرومي: [الطويل]
(كفى بسراج الشيب في الرأس هاديا ... إلى من
أضلته المنايا لياليا)
(وكان كرامي الليل يرمي فلا يرى ... فلما أضاء
الشيب شخصي رمانيا)
وأخذ معنى البيت الأخير من قول أبي فراس بن
حمدان في مزدوجته: [الرجز]
(ما العمر ما طالت به الدهور ... العمر ما تم به
السرور)
(أيام عزي ونفاذ أمري ... هي التي أحسبها من عمري)
(لو شئت مما قد قللن جدا ... عددت أيام السرور عدا)
ولكن قول أسامة أبلغ في المعنى وهذا ظاهر.
قال وأنشدني من قديم شعره: [المنسرح]
(لم يبق لي في هواكم أرب ... سلوتكم والقلوب تنقلب)
(أوضحتم لي سبل السلو وقد ... كانت لي الطرق عنه
تنشعب)
(إلام
دمعي من هجركم سرب ... قان وقلبي من غدركم يجب)
(إن كان هذا لأن تعبدني الحب ... فقد أعتقتني الريب)
(أحببتكم فوق ما توهمه الناس ... وخنتم أضعاف ما
حسبوا)
وقوله أيضا: [الكامل]
(يا دهر مالك لا يصددك ... عن مساءتي العتاب)
(أمرضت من أهوى ويأبى ... أن أمرضه الحجاب)
(لو كنت تنصف كانت الـ ... أمراض لي وله الثواب)
أخذ هذا المعنى من قول الشاعر: [البسيط]
(يا ليت علته لي غير أن له ... أجر المريض وأني
غير مأجور)
قال العماد وهذا الذي أوردته من شعره نقلته من
تاريخ السمعاني فلما وردت إلى دمشق واجتمعت به قلت له: هل لك معنى مبتكر في الشيب؟
فأنشدني: [الكامل]
(لو كان صد معاتبا ومغاضبا ... أرضيته وتركت خدي
شائبا)
(لكن رأى تلك النضارة قد ذوت ... لما غدا ماء
الشبيبة ناضبا)
(ورأى النهى بعد الغواية صاحبي ... فثنى العنان
يريغ غيري صاحبا)
(وأبيه ما ظلم المشيب وإنه ... أملي فقلت عساه
عني راغبا)
(أنا
كالدجى لما تناهى عمره ... نشرت له أيدي الصباح ذوائبا)
ومن شعره أيضا في محبوس: [الكامل]
(حبسوك والطير النواطق إنما ... حبست لميزتها
على الأنداد)
(وتهيبوك وأنت مودع سجنهم ... وكذا السيوف تهاب
في الأغماد)
(ما الحبس دار مهانة لذوي العلا ... لكنه كالغيل
للآساد)
ومنه قوله في الشمعة: [البسيط]
(أنظر إلى حسن صبر الشمع يظهر للر ... رائين
نورا وفيه النار تستعر)
(كذا الكريم تراه ضاحكا جذلا ... وقلبه بدخيل
الغم منفطر)
وقوله أيضا: [البسيط]
(نافقت دهري فوجهي ضاحك جذل ... طلق وقلبي كئيب
مكمد باك)
(وراحة القلب في الشكوى ولذتها ... لو أمكنت لا
تساوي ذلة الشاكي)
وقوله أيضا: [الطويل]
(لئن غض دهر من جماحي أو ثنى ... عناني أو زلت
بأخمصي النعل)
(تظاهر قوم بالشمات جهالة ... وكم إحنة في الصدر
أبرزها الجهل)
(وهل إنا إلا السيف فلّل حده ... قراع الأعادي
ثم أرهفه الصقل)
وقوله أيضا: [الكامل]
(لا تحسدن على البقاء معمرا ... فالموت أيسر ما
يؤول إليه)
(وإذا دعوت بطول عمر لامرئ ... فاعلم بأنك قد
دعوت عليه)
قال
العماد وتناشدنا بيتا للوزير المغربي في وصف خفقان القلب وتشبيهه بظل اللواء الذي
تخترقه الرياح وهو: [البسيط]
(كأن قلبي إذا عن ادكاركم ... ظل اللواء عليه
الريح تخترق)
فقال لي الأمير مؤيد الدولة أسامة لقد شبهت
القلب الخافق وبالغت في تشبيهه وأربيت عليه في قولي من أبيات وهي: [الكامل]
(أحبابنا كيف اللقاء ودونكم ... عرض المهامه
والفيافي الفيح)
(أبكيتم عيني دما لفراقكم ... فكأنما إنسانها مجروح)
(وكأن قلبي حين يخطر ذكركم ... لهب الضرام
تعاورته الريح)
فقلت له: صدقت فإن المغربي قصد تشبيهه خفقان
القلب وأنت شبهت القلب الواجب باللهيب وخفقانه باضطرابه عند اضطرامه لتعاور الريح
فقد أربيت عليه.
وأنشدني أيضا من قوله أيام شبابه وهو معتقل في الخيال:
[الكامل]
(ذكر الوفاء خيالك المنتاب ... فألم وهو بودنا مرتاب)
(نفسي فداؤك من حبيب زائر ... متعتب عندي له الإعتاب)
(ودي كعهدك والديار قريبة ... من قبل أن تتقطع الأسباب)
(ثبت فلا طول الزيارة ناقص ... منه وليس يزيده الإغباب)
(حظر
الوفاء علي هجرك طائعا ... وإذا اقتسرت فما علي عتاب)
قال وتذاكرنا قول أبي العلاء المعري: [البسيط]
(لو حط رحلي فوق النجم رافعه ... ألفيت ثم خيالا
منك منتظري) [البسيط]
وأبلغ من هذا قول المعري في بعد المسافة: [الكامل]
(وذكرت كم بين العقيق إلى الحمى ... فجزعت من
أمد المدى المتطاول)
(وعذرت طيفك في الجفاء فإنه ... يسري فيصبح
دوننا بمراحل)
وأنشدني:[ الوافر]
(وأعجب ما لقيت من الليالي ... وأي فعالها بي لم
يسؤني)
(تقلب قلب من مثواه قلبي ... وجفوة من ضممت عليه
جفني)
قال واجتمعنا عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف
بن أيوب بدمشق وكان يلعب بالشطرنج فقال الأمير أسامة ألا أنشدك البيتين اللذين
قلتهما في الشطرنج فقلت هات فأنشدني لنفسه: [البسيط]
(أنظر إلى لاعب الشطرنج يجمعها ... مغالبا ثم
بعد الجمع يرميها)
(كالمرء يكدح للدنيا ويجمعها ... حتى إذا مات
خلاها وما فيها)
وأنشدني لنفسه في غرض له في نور الدين محمود
رحمه الله: [البسيط]
(سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا ... له فكل على
الخيرات منكمش)
(أيامه مثل شهر الصوم خالية ... من المعاصي
وفيها الجوع والعطش)
قال وأنشدني لنفسه: [الطويل]
(أأحبابنا
هلا سبقتم بوصلنا ... صروف الليالي قبل أن نتفرقا)
(تشاغلتم بالهجر والوصل ممكن ... وليس إلينا
للحوادث مرتقى)
(كأنا أخذنا من صروف زماننا ... أمانا ومن جور
الحوادث موثقا)
وقال أيضا: [الكامل]
(قمر إذا عاينته شغفا به ... غرس الحياء بوجنتيه
شقيقا)
(وتلهبت خجلا فلولا ماؤها ... مترقرق فيه لصار حريقا)
(وأزور عني مطرقا فأضلني ... أن أهتدي نحو السلو
طريقا)
(فليلحني من شاء فيه فصبوتي ... بهواه سكر لست
منه مفيقا)
وكتب إليه ابنه أبو الفوارس مرهف من حصن كيفا
كتابا على يد مستمنح فلم يمكن الوقت من بلوغ الغرض من البر فكتب أسامة جوابه: [البسيط]
(أبا الفوارس ما لاقيت من زمني ... أشد من قبضه
كفي عن الجود)
(رأى سماحي بمنزور تجانف لي ... عنه وجودي به
فاجتاح موجودي)
(فصرت إن هزني جان تعود أن ... يجني نداي رآني
يابس العود)
وقال أيضا: [الوافر]
(سقوف الدور في خربرت سود ... كستها النار أثواب
الحداد)
(فلا تعجب إذا ارتفعت علينا ... فللحظ اعتناء بالسواد)
(بياض العين يكسوها جمالا ... وليس النور إلا في
السواد)
(ونور الشيب مكروه وتهوى ... سواد الشعر أصناف العباد)
(وطرس
الخط ليس يفيد علما ... وكل العلم في وشي المداد)
وله في مدح صلاح الدين: [الكامل]
(هو من عرفت فلو عصاه نهاره ... لرماه نقع جيوشه
بالغيهب)
قال العماد: وكان قد سألني أن أنتجز له مطلوبا
عند الملك الناصر صلاح الدين فكتب إلي يستحثني: [الوافر]
(عماد الدين مولانا جواد ... مواهبه كمنهلّ السحاب)
(يحكم في مكارمه الأماني ... ولو كلفنه رد الشباب)
(وعذرك في قضا شغلي قضاء ... يصرفه فما عذر الجواب)
ولمؤيد الدولة أسامة بن منقذ تصانيف حسان منها
كتاب القضاء كتاب الشيب والشباب ألفه لأبيه كتاب ذيل يتيمة الدهر للثعالبي كتاب
تاريخ أيامه كتاب في أخبار أهله رأيته. ومن شعر الأمير الأجل مؤيد الدولة مجد
الدين أسامة بن منقذ: [الطويل]
(صديق لنا كالبحر قد أهلك الورى ... ولم تنههم
أخطاره عن ركوبه)
(موداته تحكيه صفوا وخبرها ... كمشربه من حوبه وذنوبه)
ومنه أيضا: [الخفيف]
(كنت
بين الرجاء واليأس منه ... أقطع الدهر بين سلم وحرب)
(ألتقي عتبه بأكرم إعتاب ... ويلقى ذلي بتيه وعجب)
(فبدا للملول أني لو رمت ... سلوا لما سلا عنه قلبي)
(فتجنى لي الذنوب ولا والله ... ما لي ذنب سوى
فرط حبي)
ومنه أيضا: [مجزوء الكامل]
(أنظر بعينك هل ترى ... أحدا يدوم على المودة)
(فترى أخلاء الصفا ... ء عدى إذا نابتك شدة)
ومنه أيضا: [الطويل]
(تنكرني الإخوان حتى ثقاتهم ... وحذرني منهم
نذير التجارب)
(كأني إذا أودعت سري عندهم ... رفعت بنار فوق
أعلى المراقب)
قال العماد وكتبها إلى دمشق بعد خروجه إلى مصر
في أيام بني الصوفي يشير إليهم: [البسيط]
(ولوا فلما رجونا عدلهم ظلموا ... فليتهم حكموا
فينا بما علموا)
(ما مر يوما بفكري ما يريبهم ... ولا سعت بي إلى
ما ساءهم قدم)
(ولا أضعت لهم عهدا ولا اطلعت ... على ودائعهم
في صدري التهم)
(محاسني منذ ملوني بأعينهم ... قذى وذكري في
اذانهم صمم)
(وبعد لو قيل لي ماذا تحب وما ... تختار من زينة
الدنيا لقلت هم)
(هم
مجال الكرى من مقلتي ومن ... قلبي محل المنى جاروا أو اجترموا)
(تبدلوا بي ولا أبغي بهم بدلا ... حسبي بهم
أنصفوا في الحكم أم ظلموا)
(يا راكبا تقطع البيداء همته ... والعيس تعجز
عما تدرك الهمم)
(بلغ أميري معين الدين مألكة ... من نازح الدار
لكن وده أمم)
(هل في القضية يا من فضل دولته ... وعدل سيرته
بين الورى علم)
(تضيع واجب حقي بعد ما شهدت ... به النصيحة
والإخلاص والخدم)
(إذا نهضت إلى مجد تؤثله ... تقاعدوا وإذا شيدته
هدموا)
(وإن عرتك من الأيام نائبة ... فكلهم للذي يبكيك
يبتسم)
(وكل من ملت عنه قربوه ومن ... والاك فهو الذي
يقصى ويهتضم)
(أين الحمية والنفس الأبية إذ ... ساموك خطة خسف
عارها يصم)
(هلا أنفت حياء أو محافظة ... من فعل ما أنكرته
العرب والعجم)
(أسلمتنا وسيوف الهند مغمدة ... ولم يرو سنان
السمهري دم)
(وكنت أحسب من والاك في حرم ... لا يعتريه به
شيب ولا هرم)
(وأن جارك جار للسموءل لا ... يخشى الأعادي ولا
تغتاله النقم)
(هبنا
جنينا ذنوبا لا يكفرها ... عذر فماذا جنى الأطفال والحرم)
ومنها:
(لكن رأيك أدناهم وأبعدني ... فليت أنا بقدر
الحب نقتسم)
(ولا سخطت بعادي إذ رضيت به ... ولا لجرح إذا
أرضاكم ألم)
(تعلقت بحبال الشمس منك يدي ... ثم انثنت وهي
صفر ملؤها ندم)
(لكن فراقك اساني وأسقمني ... ففي الجوانح نار
منه تضطرم)
(فاسلم فما عشت لي فالدهر طوع يدي ... وكل ما
نالني من بؤسه نعم)
ومن شعره أيضا: [مجزوء الكامل]
(إلق الخطوب إذا طرقن ... بقلب محتسب صبور)
(فسينقضي زمن الهموم ... كما انقضى زمن السرور)
(فمن المحال دوام حال ... في مدى العمر القصير)
وتوفي
بعد الثمانين والخمسمائة.
ومنهم أخوة أبو الحسن علي بن مرشد بن علي بن
مقلد بن منقذ سيد بني منقذ ورد بغداد حاجا بعد العشرين والخمسمائة. وقد ذكره
السمعاني في تاريخه وأنشد له: [البسيط]
(ودعت صبري ودمعي يوم فرقتكم ... وما علمت بأن
الدمع يدخر)
(وضل قلبي عن صدري فعدت بلا ... قلب فيا ويح ما آتي
وما أذر)
(ولو علمت ذخرت الصبر مبتغيا ... إطفاء نار
بقلبي منك تستعر)
قال
الأمير علي بن مرشد سمعت دربابا يصيح بدرب حبيب فقلت فيه: [البسيط]
(يا طائرا لعبت أيدي الفراق به ... مثلي فأصبح
ذا هم وذا حزن)
(داني الأسى نازح الأوطان مغتربا ... عن الأحبة
مصفودا عن الوطن)
(بلا نديم ولا جار يسر به ... ولا حميم ولا دار
ولا سكن)
(لكن نطقت فزال الهم عنك ولي ... هم يقلقل
أحشائي ويخرسني)
(وكل من باح بالشكوى استراح ومن ... أخفى الجوى
بث عنه شاهد البدن)
(أرقت عيني بنوح لست أفهمه ... مع ما بقلبي من
وجد يؤرقني)
(وما بكيت ولي دمع غواربه ... إذا ارتمت منه لم
تنشق بالسفن)
قال وكتب إلى صديق له: [الكامل]
(ما فُهت مع متحدث متشاغلا ... إلا رأيتك خاطرا
في خاطري)
(ولو استطعت لزرت أرضك ماشيا ... بسواد قلبي أو
بأسود ناظري)
وكتب إلى أخيه مؤيد الدولة أسامة وهو بالموصل: [الطويل]
(ألا هل لمحزون تذكر إلفه ... فحن وأبدى وجده من
يعينه)
(وعيشا مضى بالرغم إذ نحن جيرة ... ترف على روض
الوصال غصونه)
(لدى منزل كان السرور قرينكم ... به فتولى إذ
تولى قرينه)
(فلو أعشبت من فيض دمعي محوله ... لما رضيت عن
دمع عيني جفونه)
قال وأنشدني له ابن أخيه الأمير مرهف بن أسامة:
[البسيط]
(لأشكرن
النوى والعيس إذ قصدت ... بي معدن الجود والإحسان والكرم)
(فسرت في وطني إذ سرت من وطني ... فمن رأى صحة
جاءت من السقم)
(وقد ندمت على عمر مضى أسفا ... إذ لم أكن لك
جارا فيه في القدم)
(فاسلم ولا زلت محروس العلا أبدا ... ما لاحت
الشهب في داج من الظلم)
وقال أخوه أسامة بن مرشد ونقلت من خط أخي عز
الدولة أبي الحسن علي بن مرشد من شعره وكان استشهد رحمه الله على غزة في شهر رمضان
سنة خمس وأربعين وخمسمائة في حرب الفرنج لعنهم الله قبل أن يكمل من شعره وكان تقطر
به فرسه على باب غزة واستعلى الفرنج على أصحابه فانكشفوا عنه وبقي في المعركة فقتل
وأنشد له أشعارا منها قوله في مرض طال به: [الطويل]
(ظننت وظن الألمعي مصدق ... بأن سقام المرء سجن حمامه)
(فإن لم يكن موت صريح فإنه ... عذاب تمل النفس
طول مقامه)
(وكم يلبث المسجون في قبضة الأذى ... يجرب فيه
الموت غرب حسامه)
وأنشد له قوله عند رحيله عن بغداد إلى الحجاز: [الطويل]
(ترحلت عن بغداد لا كارها لها ... وفي القلب
منها لوعة وحريق)
(فسقيا لأيام تقضت بربعها ... إذ العيش غض
والزمان أنيق)
(بإخوان صدق ليس فيهم مشاقق ... وكلهم حان علي شفيق)
وأنشد
له أيضا: [الطويل]
(ولما أعارتني النوى منك نظرة ... أحب إلى قلبي
من البارد العذب)
(تعقبها البين المشتّ فليتنا ... بقينا على
تأميلنا لذة القرب)
وأنشد له: [الخفيف]
(ليت شعري علام صدك عنا ... بعد ما كنت تدعي الأشواقا)
(لا تجار الزمان سبقا إلى الهجر ... فما زال
صرفه سباقا)
(أنت غر بغدره فلهذا ... قد تعجلت بالصدود الفراقا)
وأنشد له: [البسيط]
(بني أبي إن عدا دهرٌ ففرقنا ... فهم نفسي بكم
ما عشت مجتمع)
(هل تعلمون الذي في النفس من أسف ... عليكم
وحنين ليس ينقطع)
(نزحتم أدمعي حتى لقد محلت ... جفون عيني ومات
اليأس والطمع)
(وإن دهرا رمى عن جيده دررا ... أمثالكم لزمان
عاطل ضرع)
ومنهم جده سديد الملك أبو الحسن علي بن مقلد بن
منقذ وكان من شرطه أن يقدم على بنيه. قال هو جد الجماعة موفور الطاعة أحكم اساس
مجده وشادها وفضل أمراء ديار بكر والشام وسادها.
قال أبو يعلى حمزة بن أسد: في سنة أربع وسبعين
وأربعمائة في رجب ملك الأمير أبو الحسن علي بن مقلد بن منقذ حصن شيزر من الأسقف
الذي كان فيه بمال بذله له وأرغبه فيه إلى أن حصل في يده وشرع في عمارته وتحصينه
والمصانعة عنه إلى أن تمكنت حاله فيه وقويت نفسه في حمايته والمدافعة عنه. والأمير
سديد الملك هو ممدوح فحول الشعراء الذي امتدحه ابن حيوس بقصيدته التي أولها وكتبها
إليه من طرابلس وهو بحلب: [البسيط]
(أما الفراق فقد عاصيته فأبى ... وطالت الحرب
إلا أنه غلبا)
(أراني البين لما حم عن قدر ... وداعنا كل جد
بعده لعبا)
قال وسألت ابن ابنه الأمير أسامة بن مرشد بن علي
عن وفاة جده فقال مات سنة خمس وسبعين وأربعمائة قال وأنشدني مجد العرب العامري
بأصبهان قال أنشدني الأمير أبو سلامة مرشد لأبيه الأمير أبي الحسن علي بن مقلد في
غلام له ضربه وقد أبدع في هذا المعنى وأغرب: [البسيط]
(أسطو عليه وقلبي لو تمكن من ... كفي غلهما غيظا
إلى عنقي)
(وأستعير إذا عاتبته حنقا ... وأين ذل الهوى من
عزة الحنق)
قال وأنشدني له أيضا: [الكامل]
(ماذا النجيع بوجنتيك وليس من ... شدخ الأنوف
على الخدود رعاف)
(ألحاظنا
جرحتك حين تعرضت ... لك أم أديمك جوهر شفاف)
وقرأت له في مجموع: [البسيط]
(إذا ذكرت أياديك التي سلفت ... مع سوء فعلي
وزلاتي ومجترمي)
(أكاد أقتل نفسي ثم يمنعني ... علمي بأنك مجبول
على الكرم)
وله أيضا: [البسيط]
(من كان يرضى بذل في ولايته ... من خوف عزل فإني
لست بالراضي)
(قالوا فنركب أحيانا فقلت لهم ... تحت الصليب
ولا في موضع القاضي)
وله أيضا: [السريع]
(لا تعجلوا بالهجر إن النوى ... تحمل عنكم مؤنة الهجر)
(وظاهرونا بوفاء فقد ... أغناكم البين عن الهجر)
وله أيضا: [البسيط]
(ألقى المنية في درعين قد نسجا ... من المنية لا
من نسج داود)
(إن الذي صور الأشياء صورني ... نارا من البأس
في بحر من الجود)
وهذان البيتان يرويان لعبد المؤمن ملك الغرب. ولسديد
الملك من مجموع أسامة: [الكامل]
(كيف السلو وحب من هو قاتلي ... أدنى إلي من
الوريد الأقرب)
(إني لأعمل فكرتي في سلوة ... عنه فيظهر في ذل المذنب)
وله
أيضا: [مجزوء الكامل]
(بكرت تنظر شيبي ... وثيابي يوم عيد)
(ثم قالت لي بهزء ... يا خليقا في جديد)
(لا تغالطني فما تصـ ... لح إلا للصدود)
قال العماد أنشدت هذه الأبيات والقطع جميعها
الأمير مؤيد الدولة أسامة في سنة اثنتين وسبعين فأنكر أن يكون لجده سوى البيتين
اللذين أولهما:
(لا تعجلوا بالهجر إن النوى ...)
وأنشدني لجده وكان كتب بها إلى القاضي جلال
الملك أبي الحسن علي بن عمارة صاحب طرابلس: [البسيط]
(أحبابنا لو لقيتم في مقامكم ... من الصبابة ما
لاقيت في ظعني)
(لأصبح البحر من أنفاسكم يبسا ... كالبر من
أدمعي ينشق بالسفن)
ومنهم الأمير أبو سلامة مرشد بن علي بن مقلد بن
نصر بن منقذ ولد المقدم ذكره له البيت القديم والفضل العميم من فروع الأملاك،
الفارعي الأملاك.
قال السمعاني في تاريخه: رأيت مصحفا بخطه كتبه
بماء الذهب على الطاق الصوري ما رأيت ولا أظن أن الرائين رأوا مثله فقد جمع إلى
فضائله حسن خطه وتقدم بحسن تدبيره على رهطه وأسن وعمر وله أولاد نجباء أمجاد كرماء
أجواد وكان مولده سنة ستين وأربعمائة ومات بشيزر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فيما
حكاه ولده أسامة للسمعاني.
وذكره مجد العرب أبو فراس العامري وقال كنت
مقيما مدة بشيزر في كنفهم حاظيا برفدهم ساميا بشرفهم
وأثنى على خلفهم وترحم على سلفهم قال وكان
الأمير حينئذ بقلعة شيزر السلطان أبو العساكر أخوه وهو ممدوحي الذي حباني الإكرام
والإحسان وكان الأمير مرشد يقربني ويكرمني وقال في أبياتا منها: [الوافر]
(لئن نسي امرؤ عهدا فإني ... لعهد أبي الفوارس
غير ناس)
(وما عاش الأمير أبو فراس ... فما مات الأمير
أبو فراس)
كنية العامري أبو فراس. وأبو فراس الاخر هو أبو
فراس بن حمدان وكان العامري يتبجح بالبيتين وذكر السمعاني في تاريخه أنشدني ولده
أبو عبد الله محمد بن مرشد بن علي بن مقلد بن منقذ من حفظه عند القبة التي فيها
قبر أيوب النبي صلى الله عليه وسلم عند عقبة أفيق بنواحي الأردن قال وأنا قائم
أكتب وهو وغلمانه على الخيل قال أنشدني والدي مرشد بن علي لنفسه بشيزر: [الطويل]
(ظلوم أبت في الظلم إلا التماديا ... وفي الصد
والهجران إلا تناهيا)
(شكت هجرنا والذنب في ذاك ذنبها ... فيا عجبا من
ظالم جاء شاكيا)
(وطاوعت الواشين في وطالما ... عصيت عذولا في
هواها وواشيا)
(ومال بها تيه الجمال إلى القلى ... وهيهات أن
أمسي لها الدهر قاليا)
(ولا ناسيا ما استودعت من عهودها ... وإن هي
أبدت جفوة وتناسيا)
ومنها
في العتاب:
(وقلت أخي يرعى بني وأسرتي ... ويحفظ فيهم عهدتي
وذماميا)
(ويجزيهم ما لم أكلفه فعله ... لنفسي فقد أعددته
من تراثيا)
(فأصبحت صفر الكف مما رجوته ... أرى اليأس قد
غطى سبيل رجائيا)
(فما لك لما أن حنى الدهر صعدتي ... وثلّم مني
صارما كان ماضيا)
(تنكرت حتى صار برك قسوة ... وقربك منهم جفوة وتناسيا)
(على أنني ما حلت عما عهدته ... ولا غيرت هذي
الشؤون وداديا)
(فلا زعزعتك الحادثات فإنني ... أراك يميني
والأنام شماليا)
قال وقرأت في بعض الكتب كلمة نظمها الخطيب أبو
الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي في جواب رسالة وصلته من الأمير علي بن مرشد من شيزر
وهي: [الطويل]
(حوى مرشد وابناه غر المناقب ... وحلوا من
العلياء أعلى المراتب)
(ذوائب مجد ما علمت بأنهم ... من العلم أيضا في
الذرى والذوائب)
(أتت من علي روضة جاد روضها ... سحائب فضل لا
كجود السحائب)
(بأبيات شعر أفحمت كل شاعر ... وآيات نثر أعجبت
كل خاطب)
(وغر معان أعجزت كل عالم ... وأسطر خط أرعشت كل كاتب)
(وربع لورد واقد لمطالع ... ربيع لوفد وارد بمطالب)
(وخود
رمت بالسحر عن قوس حاجب ... لها في العلا فخر على قوس حاجب)
(فلو قطبت يوما لما قطبت لها ... وجوه ولا غطت
على حكم شارب)
ومنهم حميد بن مالك بن مغيث بن نصر بن منقذ بن
محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو الغنائم الملقب بمكين الدولة ولد بشيزر في تاسع
جمادى الاخرة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ونشأ بها وانتقل إلى دمشق فسكنها مدة
طويلة وكتب في العسكر وكان يحفظ القرآن وله شعر جيد وفيه شجاعة وعفاف ومات في نصف
شعبان سنة أربع وستين وخمسمائة بحلب ومن شعره: [البسيط]
(ما بعد جلّق للمرتاد منزلة ... ولا كسكانها في
الأرض سكان)
(فكلها لمجال الطرف منتزهٌ ... وكلهم لصروف
الدهر أقران)
(وهم وإن بعدوا عني بنسبتهم ... إذا بلوتهم
بالود إخوان)
وقال في أخيه يحيى: [الكامل]
(بالشام لي حدث وجدت بفقده ... وجدا يكاد القلب
منه يذوب)
(فيه من البأس المهيب صواعق ... تخشى ومن ماء
السماء قليب)
(فارقت حتى حسن صبري بعده ... وهجرت حتى النوم
وهو حبيب)
قال
الحافظ علي بن الحسن بن هبة الله وأنشدنا لنفسه: [الطويل]
(يذكرني
يحيى الرماح شوارعا ... وبيض المواضي جردت للوقائع)
(وأقسم ما رؤياه في العين بهجة ... بأحسن من
أوصافه في المسامع)
قال وأنشد لنفسه: [الكامل]
(وسلافة أزرى احمرار شعاعها ... بالورد والوجنات
والياقوت)
(جاءت مع الساقي تنير بكأسها ... فكأنها اللاهوت
في الناسوت)
قال وأنشدنا لنفسه في صديق له يعاتبه: [البسيط]
(أدنو بودي وحظي منك يبعدني ... هذا لعمرك عين
الغبن والغبن)
(وإن توخيتني يوما بلائمة ... رجعت باللوم إبقاء
على الزمن)
(وحسن ظني موقوف عليك فهل ... غيرت بالظن بي عن
رأيك الحسن)
ومنهم الأمير شرف الدين أبو الفضل إسماعيل بن
أبي العساكر سلطان بن علي بن منقذ كان أبوه عم مؤيد الدولة أسامة بن مرشد أمير
شيزر وكان شابا فاضلا سكن لما أخذت منهم شيزر بدمشق ومات بها سنة إحدى وستين
وخمسمائة. قال العماد: وسمعت من شعره: [الكامل]
(ومهفهف كتب الجمال بخده ... سطرا يحير ناظر المتأمل)
(بالغت في استخراجه فوجدته ... لا رأي إلا رأي
أهل الموصل)
وذكره ابن عمه الأمير مرهف بن أسامة وأثنى عليه
وأنشدني له أشعارا منها بيتان في النحل والزنبور وهما: [الكامل]
(ومغردين ترنما في مجلس ... فنفاهما لأذاهما الأقوام)
(هذا يجود بما يجود بعكسه ... هذا فيحمد ذا وذاك
يذام)
يعني
العسل من النحل وعكسه اللسع من الزنبور. وأنشدني أيضا له: [البسيط]
(سقيت كأس الهوى علا على نهل ... فلا تزدني كأس
اللوم والعذل)
(نأى الحبيب فبي من نأيه حرق ... لو لابست جبلا
هدت قوى الجبل)
(ولو تطلبت سلوانا لزدت هوى ... وقد يزيد رسوبا
نهضة الوحل)
(عفت رسومي فعج نحوي لتندبني ... فالصب غب زيال
الحب كالطلل)
(صحوت من قهوة تنفى الهموم بها ... لكنني ثمل من
طرفه الثمل)
(أصبّر النفس عنه وهي قائلة ... مالي بعادية
الأشواق من قبل)
(كم ميتة وحياة ذقت طعمهما ... مذ ذقت طعم النوى
لليأس والأمل)
(والنفس إن خاطرت في غمرة وألت ... منها وإن
خاطرت في الوجد لم تئل)
(لها دروع تقيها من سهام يد ... فهل دروع تقيها
أسهم المقل)
(فانظر إليه تر الأقمار في قمر ... وانظر إلي تر
العشاق في رجل)
(بأي أمر سأنجو من هوى رشأ ... في جفنه سحر
هاروت وسيف علي)
(إذا
رمى طرفه باللحظ قال له ... قلبي أعد لا رماك الله بالشلل)
(أمن بني الروم ذا الرامي الذي فتكت ... سهامه
بالورى أم من بني ثعل)
(إن خفت روعة هجران الحبيب فقد ... أمنت في حبه
من روعة العذل)
ومنهم الأمير أبو الفتح يحيى بن سلطان بن منقذ
لقبه فخر الدولة ذكره الأمير مرهف بن أسامة وذكر أنه قتل على بعلبك في سنة أربعين
وخمسمائة. وأنشدني من شعره ما كتبه إلى أبيه عز الدين يطلب منه رمحا: [السريع]
(يا خير قوم لم يزل مجدهم ... في صفحات الدهر مسطورا)
(عبدك يبغي أسمرا ذكره ... ما زال بين الناس مذكورا)
(مسدد والجور من شأنه ... إن نال وترا صار موتورا)
(فإن تفضلت به عاد عن ... صدور أعدائك مكسورا)
ومنهم الأمير عز الدولة أبو المرهف نصر بن علي
بن مقلد بن نصر بن منقذ عم مؤيد الدولة أسامة قال العماد كنا حضرنا عند الملك
الناصر ليلة بدمشق سنة إحدى وسبعين والأمير مؤيد الدولة حاضر وتناشدنا ملح القصائد
ونشدنا ضالة الفوائد وجرى حديث اقتضى إنشاد الأمير أسامة بيتين لبعضهم في المشط
الأسود والمشط الأبيض وهما لأبي الحسن أحمد بن محمد بن الدريدة المغربي كان في زمن
بني صالح: [الخفيف]
(كنت أستعمل السواد من الأمشاط ... والشعر في
سواد الدياجي)
(أتلقى مثلا بمثل فلما ... صار عاجا سرحته بالعاج)
ثم
قال الأمير وقد هذا المعنى عمي نصر وعكسه وقال:
(كنت
أستعمل البياض من الأمشاط ... عجبا بلمتي وشبابي)
(فاتخذت السواد في حاله الشيب ... سلوا عن الصبا
بالتصابي)
وقال لي الأمير أسامة كان عمي نصر قد أخرج حجة
عن والدته فراها في النوم كأنها تنشده فأتيته والأبيات على حفظه وهي: [البسيط]
(جزيت من ولد بر بصالحة ... فقد كسبت ثوابا آخر الزمن)
(وقد حججت إلى البيت الحرام وقد ... أتيته زائرا
يا خير محتضن)
(فلا تنلك يد الأيام ما طلعت ... شمس وما صدحت
ورقاء في فنن)
وكان نصر هذا صاحب قلعة شيزر بعد والده سديد
الملك وكان كريما ذا أريحية. حدثني الأمير مرهف بن أسامة بحضرة والده قال كتب
القاضي أبو مسلم وادع المعري إلى الأمير نصر في نكبة نالته: [الكامل]
(يا نصر يا ابن الأكرمين ومن ... شفع التلاد
بطارف الفخر)
(هذا كتاب من أخي ثقة ... يشكو إليك نوائب الدهر)
(فامنن بما عودت من حسن ... هذا أوان النفع والضر)
فكتب إليه نصر إنه لم يحضرني سوى ما هو عندك مودع
وهو ستة آلاف دينار فاصرفها في بعض مصالحك واعذر. وذكر أن نصرا كان برا بوالده
سديد الملك فقال فيه سديد الملك: [الطويل]
(جزى الله نصرا خير ما جزيت به ... رجال قضوا
فرض العلاء ونفلوا)
(هو الولد البر العطوف وإن رمى ... به حادث فهو
الحمام المعجل)
(يفديك يا نصر رجال محلهم ... من المجد والإحسان
أن يتطولوا)
(سأثني بما أوليت بالموقف الذي ... تقر به
الأقدام أو تتزلزل)
(وألقاك يوم الحشر أبيض ناصعا ... وأشكر عند
الله ما كنت تفعل)
وتوفي نصر بن علي في جمادى الاخرة سنة إحدى
وتسعين وأربعمائة بشيزر. ومنهم الأمير عضد الدين أبو الفوارس مرهف بن أسامة بن
مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ. قال مؤلف الكتاب فارقته في جمادى الأولى سنة
اثنتي عشرة وستمائة بالقاهرة يحيا ولقيته بها وهو شيخ ظريف واسع الخلق شائع الكرم
جماعة للكتب وحضرت داره واشترى مني كتبا وحدثني أن عنده من الكتب ما لا يعلم
مقداره إلا أنه ذكر لي أنه باع منها أربعة الاف مجلد في نكبة لحقته فلم يؤثر فيها
وسألته عن مولده فقال ولدت سنة عشرين وخمسمائة فيكون عمره إلى وقتنا هذا اثنتين
وتسعين سنة وكان قد أقعد لا يقدر على
الحركة إلا أنه صحيح العقل والذهن والفطنة والبصر يقرأ الخط الدقيق كقراءة الشبان
إلا أن سمعه فيه ثقل وكان ذلك يمنعني من مكاثرته ومذاكرته. وكان السلطان صلاح
الدين رحمه الله قد أقطعه ضياعا بمصر فهو يصرفها في مصالحه وأجراه الملك العادل
أخو صلاح الدين على ذلك وكان الملك الكامل ابن العادل يحترمه ويعرف له حقه وأنشدني
شيئا من شعره وشعر أهله لم يحضرني منه في هذا الوقت ما أورده.
وذكر له العماد في كتاب الخريدة ما ذكر أنه سمعه
منه وهو: [الطويل]
(سمحت بروحي في رضاك ولم يكن ... ليعجزني لولا
رضاك المذاهب)
(وهانت لجراك العظائم كلها ... علي وقد جلت لدي النوائب)
(فكان ثوابي عن ولائي لحبكم ... رمتني به منك
الظنون الكواذب)
(فمهلا فلي في الأرض عن منزل العلا ... مسار إذا
أخرجتني ومسارب)
(وإن كنت ترجو طاعتي بإهانتي ... وقسري فإن
الرأي عنك لعازب)
وأنشدني أيضا لنفسه قال وهو حاضر عند والده وذكر
أنه مما كتبه إلى والده: [الطويل]
(رحلتم وقلبي بالولاء مشرق ... لديكم وجسمي
للعناء مغرب)
(فهذا سعيد بالدنو منعم ... وهذا شقي بالبعاد معذب)
(وما أدعي شوقا فسحب مدامعي ... تترجم عن شوقي
إليكم وتعرب)
(ووالله
ما اخترت التأخر عنكم ... ولكن قضاء الله ما منه مهرب)
ومات الأمير عضد الدين ابن مرهف في الثاني من
صفر سنة ثلاث عشرة وستمائة.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|