أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2015
2324
التاريخ: 22-10-2015
3548
التاريخ: 7-12-2017
2445
التاريخ: 2024-02-18
985
|
تنطوي حرية الرأي والتعبير على حريتين متلازمتين يستحيل الفصل بينهما هما: حرية الرأي ، وحرية التعبير عن الرأي ، ويقصد بحرية الرأي هي رغبة فطرية موجودة داخل الفرد في التعبير عما يجول في ذاته ولحق التحدث بحرية (1)، اما حرية التعبير عن الرأي يقصد بها قدرة الفرد في إظهار آرائه وأفكاره الخاصة بحرية تامة بغض النظر عن الوسيلة التي يستخدمها سواء أكان عن طريق الاتصال المباشر مع الناس او عن طريق الكتابة ، والاذاعة ، والصحف ، او بواسطة الرسائل(2).
وطبقاً لذلك تُعدّ حرية الرأي والتعبير إحدى الحقوق المعنوية التي تتميز بأنها ذات طابع سياسي ، إذ تبرز أهميتها بكونها اداة لإصلاح الحكم عن طريق توعية السلطة في التعرف على رغبات المواطنين والنظر الى أوجه النقص فيها ومحاولة علاجها كما تؤدي دوراً مهماً في السماح للشعب بممارسة الرقابة على حكامه عن طريق التعليق على تصرفات المسؤولين وكشفهم لكل اخطائهم ، وبالتالي إجبارهم الى الامتثال للنظام والقانون .
وهي بذلك تُعدّ في مقدمة الوسائل للقضاء على الطغيان ومقاومة الظلم بإجبار الحكام بالعدول عن تصرفاتهم الباطلة والزامهم باحترام الحقوق والحريات ، و تتمثل بكونها شرطاً اساسياً لتحقيق المشاركة في الحكم عن طريق اصدار القرارات(3) كما انها تُعد من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية الحرة لكونها مقدمة أساسية لممارسة حريات وحقوق انسانية اخرى كالحق في المشاركة في الحياة العامة ، وحق تقرير المصير، والحق في التعليم والثقافة، والحق في تشكيل الجمعيات والانضمام اليها (4).
ويتفرع عن حرية الرأي والتعبير حرية الصحافة وتتمثل بحق الفرد في التعبير عن آرائه ومعتقداته في محررات مطبوعة بصرف النظر عن الاسم او العنوان الذي تحمله والتي قد تصدر في صيغة مجلة او صحيفة او منشور(5) ، وهي حرية يقتضيها النظام الديمقراطي وليس المقصود بها مجرد ان يعبر الناقد عن ذاته ولكن غايتها النهائية الوصول الى الحقيقة من خلال تدفق المعلومات وعرضها في افاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها او تتصادم في جوهرها وصولا للحقيقة المبتغاة(6) ، وبهذا تُعدّ الصحافة من اهم ضمانات حرية التعبير ومن دونها تكون حرية التعبير كلاماً نظرياً مفرغاً من المضمون ، الا ان ممارسة حرية الصحافة ليست مطلقة بل تحدها حقوق أخرى جديرة بالحماية ويترتب على المشرع عند تنظيمه لها ان يعمد على الموازنة بين المصالح الجديرة بالحماية ولا يضع من الحدود الا ما كان لازما لحماية حقوق اكثر جدارة بالحماية (7).
ومّما يجب توضيحه هو إن حرية التعبير عن الرأي تعد من الحريات المكفولة دستورياً فقد نصت عليها أغلب الدساتير إلا إنها اختلفت في الصياغة ، فمنها من اورد حرية الرأي دون بيان الوسائل التي يعبر بواسطتها عن هذا الرأي ، ومنها من اورد تلك الوسائل .فمن الدساتير التي اخذت بالاتجاه الأول الدستور الفرنسي لسنة 1958 اذ نص على احترام الدولة للآراء والمعتقدات كافة(8)، ودستور جمهورية العراق لسنة 2005 اذ نص على ان ( تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب ، حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل) (9)
اما الدساتير التي اخذت بالاتجاه الآخر الدستور المصري لسنة 1971 الذي أشار إلى أنّ حرية الرأي مكفولة ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بوسائل التعبير وذلك في حدود القانون والنقد الذاتي والنقد البناء من اجل ضمان سلامة البناء الوطني(10).
ونعتقد ان مصطلح النقد الذاتي لا مسوغ لذكره ، لا نه يراد به نقد الشخص لنفسه. اما النقد البناء فهو الذي ينسجم مع حرية التعبير ، اي ان ينتقد الانسان اداء السلطة والمظاهر السلبية في المجتمع بحرية وبدون قيود او بدون تجاوز على حقوق الاخرين التي يحميها القانون(11).
من خلال ما تقدم يتضح ان الدستور العراقي اتفق مع كل من دستور مصر وفرنسا في كفالته لحرية التعبير عن الرأي ، إلا إن مما يؤخذ عليه هو تقييده لممارسة هذه الحرية بما لا يخالف النظام العام و الآداب العامة وهو قيد لا نجده في الدساتير سالفة الذكر، ويكون على جانب كبير من الخطوره لأن من شأنه الحد من النطاق التنفيذي للحرية ويتيح امكانية تقييد السلطات التنفيذية لأنواع معينة من التعبير وفقاً لاشتراط بسيط كونها لا تتوافق مع النظام العام والآداب العامة فتكون بذلك سبيلاً للتسلط من جانب الحكومة.
فمن المعروف ان كل تصرف يجب ان لا يتعارض مع النظام العام والآداب العامة بوصفها القيم العليا في المجتمع او هي الناموس الأدبي الذي يلتزم الناس بالخضوع له ومن ثم فهي تقييد التصرفات والحريات والحقوق دون حاجة الى نص يقرر ذلك .
وبغض النظر عن ذلك نجد ان الحقيقة هي ان النص في الدساتير على حق الإنسان في التعبير عن رأيه بحرية لا ينسجم مع الواقع ، حيث يعاني الإنسان العربي من أساليب القمع وتكميم الأفواه ، وتسيطر أغلب الحكومات على وسائل الاعلام المختلفة ، مما يجعل القول بوجود حرية الرأي والتعبير في الوطن العربي منافياً للحقيقية والواقع ، لأن احترام هذا الحق يرتبط بوجود النظام الديمقراطي الحقيقي وليس الصوري، وان واقع الحال يدلل على ان اغلب الحكام العرب يخيرون مواطنيهم بين أمرين ، هما: الصمت المطبق او قطع اللسان ، حيث لا يمكن لكائن من كان ان يعبر عن رأيه وينتقد الحاكم لان مصيره الاعدام ، وذلك من خلال تلفيق التهم الجاهزة له*(12).
اما في العراق فتعرضت حرية التعبير عن الرأي في ظل الاحتلال الأمريكي الى عراقيل عديدة إذ لجأت الحكومة العراقية عن طريق بعض وزاراتها ودوائرها الى اتخاذ بعض الإجراءات لمنع نشر مطبوع او توزيعه والامر بتعطيل وسيلة الاعلام لفترات محدودة او منعها من مزاولة عملها وغلق مكاتبها دون تحديد لمده واعتقال الصحفيين والمراسلين من دون تهم محدده ومن دون احالتهم للمحاكم مما دفع الى القول بعدم تحقق حرية التعبير في العراق لان هذه الحرية تحتاج الى بيئه اجتماعية عامة ، ووضع ثقافي جيد، اضافة الى استقرار سياسي في البلد (13).
من خلال العرض السابق يتضح لنا أن كفالة حرية التعبير عن الرأي تعد الأساس اللازم لبناء مجتمع ديمقراطي حُرّ، كما أنها تُعدّ مقياساً أساسياً للدرجة التي وصلت اليها كل دولة في سلم التحول الديمقراطي ، وبدون ذلك لن يكون هناك انسان سياسي واجتماعي بمفهوم الايجابية الانسانية في الحياة السياسية والاجتماعية ، وانما تسود السلبية واللامبالاة والانفصال الوجداني بين الانسان والسلطة او بينه وبين المجتمع عموماً ، وتلك اكبر افآت التخلف والتدني والتراجع الأمر الذي يدفع الى ضرورة احترام حرية التعبير عن الرأي وعدم تكبيلها بفرض القيود بما يصد المواطنين عن ممارستها ، وان الطريق الى السلامة القويمة يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح ، لمواجهة اشكال المعاناة وتقرير مايناسبها من الحلول النابعة من الأرادة العامة.
_____________
1- Paul L.Murphy , the meaning of freedom of speech , greenwood company , 1972, p.11.
2- د. فيصل شنطاوي ، حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، الطبعة الثانية ، دار الحامد ، الأردن ، 2001، ص75.
3- د. محمود شريف بسيوني ، الديمقراطية والحريات العامة ، الطبعة الاولى ، بدون ذكر الناشر ، 2010، ص88،87.
4- حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية في 7/5/1988 ، القضية رقم 44 ، لسنة 7 قضائية دستورية ، مجموعة احكام المحكمة الدستورية العليا ، الجزء الرابع ، نقلاً عن د. محمد صلاح عبد البديع ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ،الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2009 ، ص214.
5- د. مازن ليلو راضي ، د.حيدر ادهم عبد الهادي ، مدخل لدراسة حقوق الانسان ، الطبعة الاولى ، بدون ذكر الناشر ، بدون ذكر مكان للنشر ، 2010، ص164،163.
6- حكم المحكمة الدستورية المصرية العليا في 20/5/1995 ، القضية رقم 42 ، لسنة 16 قضائية دستورية، مجموعة احكام المحكمة الدستورية العليا ، الجزء السادس ، نقلاً عن د.محمد صلاح عبد البديع ، مصدر سبق ذكره ، ص220.
7- د. محمد صلاح عبد البديع ، المصدر السابق ، ص221.
8- د. محمد عبد اللطيف ، الحريات العامة ، الطبعة الاولى ، كلية الحقوق ، الكويت ، 1995
، ص196.
9- المادة (38/اولاً ) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
10- ينظر نص المادة(47) من دستور جمهورية مصر لسنة 1971.
11- د.حميد حنون خالد ، حقوق الإنسان ، الطبعة الاولى ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2012 ، ص107.
*ذهبت السيدة عائشة بنت الرئيس الليبي بعد انتفاضة الشعب الليبي ضد ابيها الى القول ( من لايريد القذافي فهو لايستحق الحياة ) ، وهذا كلام يعبر بوضوح عن استهتار الكثير من الحكام واولادهم بحرية التعبير عن الراي لدى الكثير من المواطنين . للمزيد من المعلومات راجع د.حميد حنون خالد ، حقوق الإنسان ، المصدر السابق ، هامش رقم 2 ، ص108.
12- د.حميد حنون خالد ، حقوق الإنسان ، المصدر السابق ، ص108،107.
13- مجموعة رصد الديمقراطية ، التقرير السنوي لواقع الحقوق والحريات في العراق لعام 2006 ، الطبعة الاولى، المعهد العراقي ،2007 ، ص85،97.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|