المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

الفــــرق Difference
22-11-2015
تفسير «الجواهر في تفسير القرآن»
29-04-2015
ضرورة التعلم
2024-10-23
معنى كلمة ركض
8-06-2015
الافتراضات والمرتكزات والتيارات والفرو قات الأساسية لمفهوم التسويق بالعلاقات.
15-9-2016
الإثارة الكهربائية
30-1-2022


تفسير الآية (9-14) من سورة الأنفال  
  
4448   06:53 مساءً   التاريخ: 7-2-2021
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة ...
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنفال /

قال تعالى : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ } [الأنفال : 9 - 14] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

ذكر سبحانه ما آتى المسلمين من النصر ، فقال {إذ تستغيثون ربكم} أي :  تستجيرون بربكم يوم بدر ، من أعدائكم ، وتسألونه النصر عليهم ، لقلتكم وكثرتهم ، فلم يكن لكم مفزع إلا التضرع إليه ، والدعاء له ، في كشف الضر عنكم ، والاستغاثة :  طلب المعونة والغوث . وقيل :  معناه :  تستنصرونه ، والفرق بين المستنصر والمستجير أن المستنصر طالب الظفر ، والمستجير طالب الخلاص {فاستجاب لكم} والاستجابة هي العطية على موافقة المسألة ، فمعناه :  فأغاثكم وأجاب دعاءكم {أني ممدكم} أي :  مرسل إليكم مددا لكم {بألف من الملائكة مردفين} أي :  متبعين ألفا آخر من الملائكة ، لأن مع كل واحد منهم ردفا له ، عن الجبائي ، وقيل :  معناه :  مترادفين متتابعين ، وكانوا ألفا بعضهم في أثر بعض ، عن ابن عباس ، وقتادة ، والسدي . وقيل :  معناه :  بألف من الملائكة جاؤوا على أثر المسلمين ، عن أبي حاتم .

{وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم} معناه :  وما جعل الله الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر ، ولتسكن به قلوبكم ، وتزول الوسوسة عنها ، وإلا فملك واحد كاف للتدمير عليهم . كما فعل جبريل عليه السلام بقوم لوط ، فأهلكهم بريشة واحدة ، واختلف في أن الملائكة هل قاتلت يوم بدر أم لا ، فقيل :  ما قاتلت ، ولكن شجعت وكثرت سواد المسلمين ، وبشرت بالنصر ، عن الجبائي . وقيل :  إنها قاتلت ، قال مجاهد :  إنما أمدهم بألف مقاتل من الملائكة ، فأما ما قاله سبحانه في آل عمران بثلاثة آلاف ، وبخمسة آلاف ، فإنه للبشارة ، وقد ذكرنا هناك ما قيل فيه .

وروي عن ابن مسعود انه سأله أبو جهل :  من أين كان يأتينا الضرب ، ولا نرى الشخص؟ قال :  من قبل الملائكة . فقال :  هم غلبونا لا أنتم . وعن ابن عباس :  إن الملائكة قاتلت يوم بدر وقتلت . {وما النصر إلا من عند الله} معناه :  إنه لم يكن النصر من قبل الملائكة ، وإنما كان من قبل الله ، لأنهم عباده ، ينصر بهم من يشاء ، كما نصر بغيرهم ، ويحتمل أن يكون المعنى :  ما النصر بكثرة العدد ، ولكن النصر من عند الله ، ينصر من يشاء ، قل العدد أم كثر {إن الله عزيز} لا يمنع عن مراده {حكيم} في أفعاله يجريها على ما تقتضيه الحكمة {إذ يغشيكم النعاس} قد ذكرنا تفسيره عند قوله {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} والنعاس :  أول النوم قبل أن يثقل {أمنة} أي :  أمانا {منه} أي :  من العدو . وقيل :  من الله ، فإن الانسان لا يأخذه النوم في حال الخوف ، فآمنهم الله تعالى بزوال الرعب عن قلوبهم ، كما يقال الخوف مسهر والأمن منيم . والأمنة :  الدعة التي تنافي المخافة ، وأيضا فإنه قواهم بالاستراحة على القتال من العدو .

{وينزل عليكم من السماء ماء} أي مطرا {ليطهركم به} وذلك لأن المسلمين قد سبقهم الكفار إلى الماء ، فنزلوا على كثيب رمل ، وأصبحوا محدثين ومجنبين ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس إليهم الشيطان ، فقال :  إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء ، وأنتم تصلون مع الجنابة والحدث ، وتسوخ أقدامكم في الرمل ، فمطرهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة ، وتطهروا به من الحدث ، وتلبدت به أرضهم ، وأوحلت أرض عدوهم . {ويذهب عنكم رجز الشيطان} أي :  وسوسته بما مضى ذكره ، عن ابن عباس . وقيل معناه :  ويذهب عنكم وسوسته بقوله (ليس لكم بهؤلاء طاقة) عن ابن زيد . وقيل معناه :  ويذهب عنكم الجنابة التي أصابتكم بالاحتلام {وليربط على قلوبكم} أي :  وليشد على قلوبكم ، ومعناه :  يشجع قلوبكم ، ويزيدكم قوة قلب ، وسكون نفس ، وثقة بالنصر {ويثبت به الأقدام} أي :  أقدامكم في الحرب بتلبد الرمل ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وجماعة . وقيل :  بالصبر وقوة القلب ، عن أبي عبيدة . والهاء في {به} ترجع إلى الماء المنزل . وقيل :  إلى ما تقدم من الربط على القلوب .

{إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم} يعني الملائكة الذين أمد بهم المسلمين أي :  اني معكم بالمعونة والنصرة ، كما يقال فلان مع فلان على فلان .

والإيحاء :  إلقاء المعنى على النفس من وجه يخفى ، وقد يكون بنصب دليل يخفى إلا على من ألقى إليه من الملائكة {فثبتوا الذين آمنوا} يعني :  بشروهم بالنصر ، وكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل ، ويقول أبشروا فإن الله ناصركم ، عن مقاتل . وقيل معناه :  قاتلوا معهم المشركين ، عن الحسن . وقيل :  ثبتوهم بأشياء تلقونها في قلوبهم ، يقوون بها عن الزجاج {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} أي :  الخوف من أوليائي .

{فاضربوا فوق الأعناق} يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق . قال عطا :  يريد كل هامة وجمجمة ، وجائز أن يكون هذا أمرا للمؤمنين ، وجائز أن يكون أمرا للملائكة ، وهو الظاهر . قال ابن الأنباري :  إن الملائكة حين أمرت بالقتال ، لم تعلم أين تقصد بالضرب من الناس ، فعلمهم الله تعالى {واضربوا منهم كل بنان} يعني الأطراف من اليدين والرجلين ، عن ابن عباس ، وابن جريج ، والسدي ، وقيل :  يعني أطراف الأصابع اكتفى الله به عن جملة اليد والرجل ، عن ابن الأنباري {لذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله} معناه ذلك العذاب لهم ، والأمر بضرب الأعناق والأطراف ، وتمكين المسلمين منهم ، بسبب أنهم خالفوا الله ورسوله . قال ابن عباس :  معناه حاربوا الله ورسوله .

ثم أوعد المخالف فقال {ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} في الدنيا بالإهلاك ، وفي الآخرة بالتخليد في النار {ذلكم فذوقوه} أي :  هذا الذي أعددت لكم من الأمر والقتل في الدنيا ، فذوقوه عاجلا {وأن للكافرين} آجلا في المعاد {عذاب النار} قال الحسن :  ذلكم حكم الله فذوقوه في الدنيا وإن لكم ولسائر الكافرين في الآخرة عذاب النار ، ومعناه :  كونوا للعذاب كالذائق للطعام ، وهو طالب إدراك الطعم بتناول اليسير بالفم ، لأن معظم العذاب بعده .

تمام القصة :  ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر عبأ أصحابه ، فكان في عسكره فرسان :  فرس للزبير بن العوام ، وفرس للمقداد بن الأسود ، وكان في عسكره سبعون جملا كانوا يتعاقبون عليها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي ، يتعاقبون على جمل لمرثد بن أبي مرثد ، وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس . وقيل :  مائتا فرس .

فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال أبو جهل ، ما هم إلا أكلة رأس ، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد! فقال عتبة بن ربيعة :  أترى لهم كمينا أو مددا؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي ، وكان فارسا شجاعا ، فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم رجع فقال :  ليس لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع ، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون ، ويتلمظون تلمظ الأفاعي ، ما لهم ملجأ إلا سيوفهم ، وما أراهم يولون حتى يقتلوا ، ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم ، فارتأوا رأيكم .

فقال له أبو جهل :  كذبت وجبنت! فأنزل الله تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال :  يا معشر قريش إني أكره أن أبدأ بكم ، فخلوني والعرب وارجعوا ، فقال عتبة :  ما رد هذا قوم قط فأفلحوا ، ثم ركب جملا له أحمر ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يجول بين العسكرين ، وينهى عن القتال ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :  إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، وإن يطيعوه يرشدوا . وخطب عتبة فقال في خطبته :  يا معشر قريش! أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ، إن محمدا له إل وذمة (2) ، وهو ابن عمكم ، فخلوه والعرب ، فإن يك صادقا ، فأنتم أعلى عينا به ، وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره .

فغاظ أبا جهل قوله وقال له :  جبنت وانتفخ سحرك ، فقال :  يا مصفر استه!

مثلي يجبن ، وستعلم قريش أينا ألأم وأجبن ، وأينا المفسد لقومه . ولبس درعه وتقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال :  يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش . فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار ، وانتسبوا لهم فقالوا :  ارجعوا إنما نريد الأكفاء من قريش .

فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب ، وكان له يومئذ سبعون سنة ، فقال :  قم يا عبيدة ، ونظر إلى حمزة فقال :  قم يا عم ، ثم نظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :  قم يا علي ، وكان أصغر القوم ، فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم ، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها ، تريد أن تطفئ نور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره . ثم قال :  يا عبيدة عليك بعتبة بن ربيعة ، وقال لحمزة :  عليك بشيبة . وقال لعلي عليه السلام :  عليك بالوليد .

فمروا حتى انتهوا إلى القوم ، فقالوا :  أكفاء كرام ، فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنها (3) ، فسقطا جميعا ، وحمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما ، وحمل أمير المؤمنين علي عليه السلام على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه قال علي :  لقد أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي ، فظننت أن السماء وقعت على الأرض ، ثم اعتنق حمزة وشيبة ، فقال المسلمون :  يا علي أما ترى أن الكلب قد نهز عمك؟! فحمل عليه علي عليه السلام ، ثم قال :  يا عم طأطئ رأسك ، وكان حمزة أطول من شيبة ، فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه علي ، فطرح نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق ، فأجهز عليه ، وفي رواية أخرى أنه برز حمزة لعتبة وبرز عبيدة لشيبة ، وبرز علي عليه السلام للوليد فقتل حمزة عتبة ، وقتل عبيدة شيبة ، وقتل علي عليه السلام الوليد ، فضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها ، فاستنقذه حمزة وعلي ، وحمل عبيدة حمزة وعلي ، حتى أتيا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستعبر ، فقال :  يا رسول الله ألست شهيدا؟ قال :  بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي .

وقال أبو جهل لقريش :  لا تعجلوا ولا تبطروا كما بطر أبناء ربيعة ، عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزرا ، وعليكم بقريش فخذوهم أخذا ، حتى ندخلهم مكة ، فنعرفهم ضلالتهم التي هم عليها! وجاء إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم ، فقال لهم! أنا جار لكم ادفعوا إلي رايتكم ، فدفعوا إليه راية الميسرة ، وكانت الراية مع بني عبد الدار ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لأصحابه :  غضوا أبصاركم ، وعضوا على النواجذ . ورفع يده فقال :  يا رب إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ، ثم أصابه الغشي ، فسري عنه ، وهو يسلت العرق عن وجهه (4) ، فقال :  هذا جبرائيل قد أتاكم بألف من الملائكة مردفين .

وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه ، قال :  لقد رأينا يوم بدر أن أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك ، فيقع رأسه من جسده . قبل أن يصل إليه السيف .

قال ابن عباس :  حدثني رجل من بني غفار قال :  أقبلت أنا وابن عم لي ، حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة ، فبينا نحن هناك إذ دنت منا سحابة ، فسمعنا فيها جمجمة الخيل ، فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم (5) ، ثم قال :  فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثم تماسكت .

وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم بدر :  هذا جبرائيل آخذ برأس فرسه ، عليه أداة الحرب ، أورده البخاري في الصحيح . قال عكرمة ، قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب ، وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت ، وأسلمت أم الفضل ، وأسلمت ، وكان العباس يهاب قومه ، ويكره أن يخالفهم ، وكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه ، وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر ، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة ، وكذلك صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا .

فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا ، قال :  وكنت رجلا ضعيفا ، وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إني لجالس فيها أنحت القداح ، وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل الفاسق أبو لهب ، يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري ، فبينا هو جالس إذ قال الناس :  هذا أبو سفيان ابن حرث بن عبد المطلب ، وقد قدم . فقال أبو لهب ، هلم إلي يا ابن أخي فعندك الخبر . فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال :  يا ابن أخي! أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال :  لا شئ والله ، إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق ، بين السماء والأرض ، ما تليق شيئا ، ولا يقوم لها شئ .

قال أبو رافع :  فرفعت طرف الحجرة بيدي ، ثم قلت :  تلك الملائكة . قال :

فرفع أبو لهب يده وضرب وجهي ضربة شديدة ، فثاورته واحتملني فضرب بي الأرض ، ثم برك علي يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا ، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة ، وقالت :  تستضعفه إن غاب عنه سيده ، فقام موليا ذليلا ، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة ، فقتله .

ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا ما يدفنانه حتى أنتن في بيته ، وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقي الناس الطاعون ، حتى قال لهما رجل من قريش :  ويحكما ألا تستحيان إن أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه؟! فقالا :  إنا نخشى هذه القرحة . قال : فانطلقا فأنا معكما ، فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه ، ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار ، وقذفوا عليه بالحجارة ، حتى واروه .

وروى مقسم ، عن ابن عباس قال :  كان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو ، أخا بني سلمة ، وكان أبو اليسر رجلا مجموعا ، وكان العباس رجلا جسيما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي اليسر :  كيف أسرت العباس يا أبا اليسر؟ فقال :  يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ، ولا بعده ، هيأته كذا وكذا ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد أعانك عليه ملك كريم .

_____________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج4،ص437-443 .

2- الإل :  العهد .

3- أطن الساق :  قطعها .

4- أي يمسحه عن وجهه .

5- حيزوم :  اسم فرس جبرائيل أراد أقدم يا حيزوم .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ } .

لما تأكد المسلمون ان القتال واقع لا محالة مع عدو أقوى عدة ، وأكثر عددا التجأوا إلى اللَّه يطلبون منه النجاة من هذه الشدة ، ولما علم اللَّه منهم صدق النية والعزم أنبأهم جل ثناؤه بلسان نبيه ( صلى الله عليه واله وسلم ) انه قد استجاب دعاءهم ، وانه ينجدهم بألف ملك يأتي بعضهم إثر بعض . وتسأل : قال سبحانه هنا : ممدكم بألف مردفين ، وفي الآية 124 من آل عمران قال : يمدكم بثلاثة آلاف منزلين ، وفي الآية التي بعدها بلا فاصل قال : بخمسة آلاف مسوّمين . فما هو وجه الجمع بين الآيات الثلاث ؟ . وأجبنا عن هذا السؤال في ج 2 ص 152 .

{ وما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ومَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهً عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . يقول جلت عظمته : ان الغرض من هذا الامداد ان تطمئنوا وتصبروا في قتال العدو ، لا أن تتكلوا على الملائكة ، بل عليكم أن تبذلوا كل جهد ، ولا تبقوا منه بقية ، أما النصر فلا يكون ولن يكون إلا بمشيئة اللَّه ، لا بجهودكم ولا بإمداد الملائكة . وتقدمت هذه الآية في سورة آل عمران رقم 126 ج 2 ص 152 .

 

ثم ذكر سبحانه ستة وجوه لنعمته على المسلمين :

1 – { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ } . في يغشيكم ضمير يعود إلى اللَّه ، وكذلك ضمير منه . . خاف المسلمون من المشركين لكثرتهم ، فعالج خوفهم بالنوم ، وما استيقظوا منه إلا وأنفسهم تغمرها السكينة ، وكلنا يعلم بالتجربة ان النوم يخفف الكثير من وطأة الحزن والخوف ، قال الإمام علي (عليه السلام) : ما انقض النوم لعزائم اليوم . أي قد يعزم المرء على أمر فإذا نام وقام انحلت عزيمته .

2 – {ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} . بعد أن أخذ المسلمون قسطا من الراحة بالنوم وجدوا أنفسهم بحاجة إلى الماء ، لأنهم لم يكونوا قد وصلوا إلى بدر آنذاك ، فأنزل اللَّه عليهم المطر فشربوا وتطهروا ، وهذه نعمة ثانية تأتي بعد النوم .

3 – {ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ} . كان الشيطان يوسوس للمسلمين ، ويخوفهم من المشركين ، وقد أذهب اللَّه هذا التخويف الذي عبر عنه برجز الشيطان ، أذهبه بالنوم والإمداد بالملائكة .

4 – {ولِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ} بزوال الخوف والفزع .

5 – {ويُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدامَ} . قال أكثر المفسرين : ان ضمير به يعود إلى الماء ، وان المراد بالأقدام الأرجل ، وذلك أن المسلمين كانوا في رملة لا تثبت فيها قدم ، فلما نزل المطر تلبدت الرملة وتماسكت ، وثبتت عليها أقدام المسلمين .

هذا ما جاء في أكثر التفاسير ، أما نحن فنختار ان ضمير به يعود إلى مصدر متصيد من ليربط قلوبكم ، وان المراد بتثبيت الأقدام الثبات في ميدان القتال ، وعدم الفرار منه ، والمعنى ان اللَّه يثبتكم في القتال بما منحكم من ربط القلوب واطمئنانها .

6 – {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} . الخطاب في ربك لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وفي معكم وثبتوا للملائكة عملا بظاهر السياق ، أي ان اللَّه مع الملائكة يسمع ويرى ، تماما كقوله لموسى وهارون : {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه : 46] .

وتسأل : على أي شكل شارك الملائكة في نصرة المسلمين يوم بدر ؟ هل كانت بالضرب والقتل ، أو بالتشجيع ، وانهم كانوا يسيرون أمام الصف في صورة الرجال المقاتلين ، ولا يقاتلون ، وإنما يقولون للمسلمين : أبشروا فان اللَّه ناصركم ، كما قال بعض المفسرين .

الجواب : لقد أخبر سبحانه انه أمر الملائكة أن يثبتوا المؤمنين ، وليس من شك في أنهم فعلوا ، لأنهم يفعلون ما يؤمرون ، وأيضا ليس من شك ان المشركين هابوا المسلمين وتخوفوا منهم ، لأن اللَّه وعد بذلك ، ووعده الحق ، وان المؤمنين انتصروا على المشركين . . هذا كل ما دل عليه ظاهر النص ، أما التفصيلات والكيفيات فهي من الغيب الذي سكت الوحي عنه ، فبالأولى أن نسكت نحن ، وسكوت الوحي دليل قاطع على أن الإيمان بالتفصيلات ليس من العقيدة في شيء ، وإلا وجب بيانها .

{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْناقِ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ} .

قال بعض المفسرين : الخطاب في اضربوا للملائكة . وقال آخرون : بل للمسلمين . ثم اختلفوا في المراد من فوق الأعناق ، فمن قائل : المراد الأعناق بالذات ، وان فوق بمعنى على ، ومن قائل : المراد الرؤوس ، ومن الطريف قول بعض الصوفية : ان المراد النفوس الخبيثة . . والذي نختاره نحن ان الخطاب للمسلمين ، لأنهم المقصودون بالقتال ، وان قوله : فوق الأعناق وكل بنان كناية عن حث المسلمين على الشدة في قتال المشركين ، وان لا تأخذهم بهم هوادة ، ولا يدعوا فرصة تمر إلا ضربوهم في أي عضو من أعضائهم اتفق ، فهذه الآية أشبه بقوله تعالى : {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [النور : 2] .

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

ذلك إشارة إلى لزوم معاملة المشركين بالشدة ، وبأنهم بيان للسبب الموجب لهذه الشدة ، وهو وقوف المشركين من اللَّه والرسول موقف المخالف والمعاند { ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ } ذا إشارة إلى العقاب الشديد وخطاب كم للذين شاقوا اللَّه والرسول { وأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ } إلى جانب ما أصابهم في الدنيا من القتل والأسر والهزيمة ، وليست هذه بشيء بالقياس إلى النار الكبرى .

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج3 ، ص 456-459 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى :  {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} الاستغاثة طلب الغوث وهو النصرة كما في قوله :  {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص : 15] والامداد معروف ، وقوله :  {مردفين} من الارداف وهو ان يجعل الراكب غيره ردفا له ، والردف التابع ، قال الراغب : الردف التابع ، وردف المرأة عجيزتها ، والترادف التتابع ، والرادف :  المتأخر ، والمردف المقدم الذي اردف غيره . انتهى .

وبهذا المعنى تلائم . الآية ما في قوله تعالى فيما يشير به إلى هذه القصة في سورة آل عمران :  {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران :  123 - 126] .

فإن تطبيق الآيات من السورتين يوضح ان المراد بنزول الف من الملائكة مردفين نزول الف منهم يستتبعون آخرين فينطبق الألف المردفون على الثلاثة آلاف المنزلين .

وبذلك يظهر فساد ما قيل :  ان المراد بكون الملائكة مردفين كون الألف متبعين ألفا آخر لان مع كل واحد منهم ردفا له فيكونون الفين ، وكذا ما قيل :  ان المراد كون بعضهم إثر بعض ، وكذا ما قيل :  إن المراد مجيئهم على أثر المسلمين بأن يكون مردفين بمعنى رادفين ، وكذا ما قيل :  إن المراد إردافهم المسلمين بأن يتقدموا عسكر المسلمين فيلقوا في قلوب الذين كفروا الرعب .

قوله تعالى :  {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} الضميران في قوله :  {جعله} وقوله :  {به} للامداد بالملائكة على ما يدل عليه السياق ، والمعنى ان الامداد بالملائكة إنما كان لغرض البشرى واطمئنان نفوسكم لا ليهلك بأيديهم الكفار كما يشير إليه قوله تعالى بعد :  {إذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} .

وبذلك يتأيد ما ذكره بعضهم :  ان الملائكة لم ينزلوا ليقتلوا المشركين ولا قتلوا منهم أحدا فقد قتل ثلث المقتولين منهم أو النصف علي عليه السلام والثلثين الباقين أو النصف سائر المسلمين . وإنما كان للملائكة تكثير سواد المسلمين حينما اختلطوا بالقوم وتثبيت قلوب المسلمين ، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، وسيجئ بعض الكلام في ذلك .

وقوله :  {وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} بيان انحصار حقيقة النصر فيه تعالى وأنه لو كان بكثرة العدد والقوة والشوكة كانت الدائرة يومئذ للمشركين بما لهم من الكثرة والقوة على المسلمين على ما بهم من القلة والضعف .

وقد علل بقوله :  {إن الله عزيز حكيم} جميع مضمون الآية وما يتعلق به من الآية السابقة فبعزته نصرهم وامدهم ، وبحكمته جعل نصره على هذه الشاكلة .

قوله تعالى :  {إذ يغشيكم النعاس امنة منه} إلى آخر الآية . النعاس أول النوم وهو خفيفه والتغشية الإحاطة ، والأمنة الأمان ، وقوله : {منه} أي من الله وقيل :  أي من العدو ، والرجز هو الرجس والقذارة ، والمراد برجز الشيطان القذارة التي يطرأ القلب من وسوسته وتسويله .

ومعنى الآية :  ان النصر والامداد بالبشرى واطمئنان القلوب كان في وقت يأخذكم النعاس للأمن الذي افاضه الله على قلوبكم فنمتم ولو كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاس ولا نوم ، وينزل عليكم المطر ليطهركم به ويذهب عنكم وسوسة الشيطان وليربط على قلوبكم ويشد عليها - وهو كناية عن التشجيع - وليثبت بالمطر اقدامكم في الحرب بتلبد الرمل أو بثبات القلوب .

والآية تؤيد ما ورد ان المسلمين سبقهم المشركون إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل ، وأصبحوا محدثين ومجنبين ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس إليهم الشيطان فقال :  إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء ، وأنتم تصلون مع الجنابة ، والحدث ، وتسوخ أقدامكم في الرمل فأمطر عليهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة ، وتطهروا به من الحدث ، وتلبدت به أرضهم ، وأوحلت أرض عدوهم قوله تعالى :  {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} إلى آخر الآية حال الظرف في أول الآية كحال الظرف في قوله :  {إذ تستغيثون ربكم} وقوله :  {إذ يغشيكم النعاس} ومعنى الآية ظاهر .

وأما قوله :  {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} فالظاهر أن يكون المراد بفوق الأعناق الرؤوس وبكل بنان جميع الأطراف من اليدين والرجلين أو أصابع الأيدي لئلا يطيقوا حمل السلاح بها والقبض عليه .

ومن الجائز أن يكون الخطاب بقوله :  {فاضربوا} الخ للملائكة كما هو المتسابق إلى الذهن ، والمراد بضرب فوق الأعناق وكل بنان ظاهر معناه ، أو الكناية عن إذلالهم وإبطال قوة الامساك من أيديهم بالارعاب ، وأن يكون الخطاب للمؤمنين والمراد به تشجيعهم على عدوهم بتثبيت أقدامهم والربط على قلوبهم ، وحثهم وإغراؤهم بالمشركين .

قوله تعالى :  {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} المشاقة المخالفة وأصله الشق بمعنى البعض كأن المخالف يميل إلى شق غير شق من يخالفه ، والمعنى إن هذا العقاب للمشركين بما أوقع الله بهم ، لانهم خالفوا الله ورسوله وألحوا وأصروا على ذلك ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب .

قوله تعالى :  {ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار} خطاب تشديدي للكفار يشير إلى ما نزل بهم من الخزي ويأمرهم بأن يذوقوه ، ويذكر لهم أن وراء ذلك عذاب النار .

__________________

1- تفسير الميزان  الطباطبائي ، ج9 ، ص16-18 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

دروس مفيدة من ساحة المعركة :

إنّ هذه الآيات تتحدث عن اللحظات الحساسة من واقعة بدر ، والألطاف الإِلهية الكثيرة التي شملت المسلمين لتثير في نفوسهم الإِحساس بالطاعة والشكر ، ولتعبيد الدرب نحو إنتصارات المستقبل .

وتشير إبتداءً لإِمداد الملائكة فتقول : {وإذ تستغيثون ربّكم} .

جاء في بعض الرّوايات أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستغيث ويدعو ربّه مع بقية المسلمين ، وقد رفع يديه نحو السماء قائلا : «اللّهم أنجز لي ما وعدتني ، اللّهم إنّ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض}(2) .

وعند ذلك {فاستجاب لكم أنّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين} .

وكلمة {مردفين} من {الإِرداف} بمعنى اتّخاذ محل خلف الشيء ، فيكون مفهومها أنّ الملائكة كانت تتابع بعضها بعضاً في النّزول لنصرة المسلمين .

واحتمل معنى آخر في الآية ، وهو أنّ مجموعة الألف من الملائكة كانت تتبعها مجموعات أُخرى ، ليتطابق هذا المعنى والآية (124) من سورة آل عمران ، والتي تقول عن لسان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : {إذ تقول للمؤمنين ألنْ يكفيكم أن يمدكم ربّكم بثلاثةِ آلاف من الملائكة منزلين} .

إلاّ أنّ الظاهر أنّ عدد الملائكة في بدر هو الألف ، وكلمة مردفين صفة هذا الألف . وآية سورة آل عمران كانت وعداً للمسلمين في أنزال ملائكة أكثر لنصرة المسلمين إذا ما اقتضى الأمر .

ولئلا يعتقد بعضٌ بأنّ النصر كان بيد الملائكة فحسب ، فإنّ الآية تقول : {وما جعله الله إلاّ بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلاّ من عند الله إنّ الله عزيز حكيم} . لأنّ الله عزيز ومقتدر لا يستطيع أحد الوقوف مقابل إرادته ، وحكيم لا ينزل نصرته إلاّ للأفراد الصالحين والمستحقين لذلك .

هل قاتلت الملائكة ؟

لقد جرى البحث في هذه المسألة كثيراً بين المفسّرين ، فبعضهم يرى أنّ الملائكة دخلت ساحة القتال وهاجمت الأعداء بأسلحتها الخاصّة ، وقتلت بعضهم . ونقلت بعض الرّوايات في تأييد ذلك .

إلاّ أنّ القرائن تؤيد الرأي الذي يقول : إنّ الملائكة نزلت لتطمئن قلوب المؤمنين ، ويزداد عزمهم ، وهذا الرأي أقرب إلى الواقع لعدّة أدلة:

أوّلا : لقد قرأنا في الآية قوله تعالى : {ولتطمئن قلوبكم} . فإذا ما علم المسلمون بهذا المدد فإنّهم يقاتلون بصورة أفضل ، لا أن الملائكة شاركت في الحرب .

ثانياً : إذا كانت الملائكة هي التي قتلت جنود الأعداء ، فأيّة فضيلة للمجاهدين في معركة بدر وما ورد عن مقامهم ومنزلتهم من روايات كثيرة؟

ثالثاً : كان عدد المقتولين في بدر هو (70 نفراً) وقد كان الكثير منهم قد سقط بسيف علي (عليه السلام) ، والقسم الآخر بيد المقاتلين الآخرين ، وهؤلاء معروفون بأسمائهم في التاريخ ، فبناءً على ذلك ـ من الذي ـ بقي لتقتله الملائكة؟!

ثمّ تذكر الآية النعمة الثّانية التي اكتنفت المؤمنين فتقول : {إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه} .

و {يغشى} من مادة {الغشيان} بمعنى تغطية الشيء وإحاطته . فكأنّ النوم كالغطاء الذي وُضعَ عليهم فغطّاهم .

و{النعاس} يطلق على بداية النوم ، أو النوم القليل أو الخفيف الناعم ولعلها إشارة إلى أنّه بالرغم من هدوئكم النفسِ لم يأتكم نوم عميق يمكّن الأعداء من استغلاله والهجوم عليكم . وهكذا استفاد المسلمون من هذه النعمة العظيمة من تلك الليلة .

والرحمة الثّالثة التي وصلتكم هي : {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان} .

وهذا الرّجز قد يكون وساوس الشيطان ، أو رجزاً بدنياً كجنابة بعضهم ، أو الأمرين معاً . وعلى أية حال ، فإنّ الماء ملأ الوديان من أطراف بدر بعد أن استولى الأعداء على آبار بدر وكان المسلمون بحاجة ماسة للغسل ورفع العطش ، فاذا هذا الماء قد ذهب بكل تلك الأرجاس .

ثمّ أنّ الله تعالى أراد بذلك تقوية معنويات المسلمين وكذلك تثبيت الرمال المتحركة تحت أقدامهم بواسط المطر : {وليربط على قلوبكم ويثبّت به أقدامكم} . . . ويمكن أن يكون المراد من تثبيت الأقدام هو رفع المعنويات وزيادة الثبات والإِستقامة ببركة تلك النعمة ، أو إشارة إلى هذين الأمرين .

والنعمة الأُخرى التي أنعمها الله على المجاهدين في بدر ، هي الرعب الذي أصاب به الله قلوب أعدائهم ، فزلزل معنوياتهم بشدة ، فيقول تعالى {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة إنّي معكم فثبّتوا الذين آمنوا} .

{سألقي في قلوب الذين كفروا الرّعب} .

وإنّه لمن العجب والغرابة أن ينهار جيش قريش القوي أمام جيش المسلمين القليل ، وأن تذهب معنوياتهم ـ كما ينقل التاريخ ـ بصورة يخاف معها الكثير منهم من منازلة المسلمين ، وحتى أنّهم كانوا يفكرون بأنّ المسلمين ليسوا أشخاصاً مألوفين ، وكانوا يقولون بأنّ المسلمين قد جاؤوكم من قرب يثرب {المدينة} بهدايا يحملونها على إبلهم هي الموت .

ولا شك أنّ هذا الرعب الذي أصاب قلوب المشركين ، والذي كان من عوامل النصر ، لم يكن جزافاً ، فلقد أثبت المسلمون شجاعتهم وأقاموا صلاة الجماعة ، وكانت شعارتهم قوية . فإظهار المؤمنون الصادقين وفاءهم وخطبة بعضهم مثل سعد بن معاذ نيابة عن الأنصار أمام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلا:

«بأبي أنت وأمّي ، يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أنّ ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منه ما شئت والذي أخذت منه أحبّ اليّ من الذي تركت منه ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لنحضنا معك . . . . إِنّنا لنرجوا أن يقرّ الله عزّوجلّ عينيك بنا . . . .» .

مثل هذا الحديث سرعان ما انتشر بين الأعداء والأصدقاء ، أضف إِلى ذلك ما رآه المشركون من ثبات راسخ عند المسلمين يوم كانوا في مكّة رجالا ونساءً .

اجتمعت كل هذه الأُمور لترسم صورة الخوف عند المشركين .

ثمّ الريح العاتية التي كانت تهب على المشركين والمطر الشديد عليهم والخواطر المخفية لرؤيا (عاتكة) في مكّة ، وغيرها من العوامل التي كانت تبعث فيهم الخوف والهلع الشديد .

ثمّ آن القرآن يذكّر المسلمين بالأمر الذي أصدره النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)للمسلمين بأنّ عليهم اجتناب الضرب غير المؤثر في المشركين ، حال القتال لئلا تضيع قوتهم فيه ، بل عليهم توجيه ضربات مؤثرة وقاطعة {فأضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان} .

و(البنان) جمع (البنانة) بمعنى رؤوس أصابع الأيدي أو الأرجل ، أو الأصابع نفسها ، وفي هذه الآية يمكن أن تكون كناية عن الأيدي والأرجل أو بالمعنى الأصلي نفسه ، فإنّ قطع الأصابع من الأيدي يمنع من حمل السلاح ، وقطعها من الارجل يمنع الحركة ، ويحتمل أن يكون المعنى هو إذا كان العدو مترجلا ، فيجب أن تكون الأهداف رؤوسهم ، وإذ كان راكباً فالأهداف أيديهم وأرجلهم .

كما أنّ بعضاً ى يرى أنّ هذه الجملة هي خطاب للملائكة ، إلاّ أنّ القرائن تدل على أنّ المخاطبين هم المسلمون ، وإذا كان الملائكة هم المخاطبين فيها فيمكن أن يكون الهدف من الضرب على الرؤوس والأيدي والأرجل ، هو إيجاد الرعب فيهم لترتبك أيديهم وأرجلهم فتسقط وتنحني رؤوسهم . {وبالطبع فإنّ هذا التّفسير يخالف الظاهر من العبارة ، ويجب إثباته بالقرائن تحدثنا عنها سابقاً من مسألة عدم قتال الملائكة} .

وبعد كل تلك الأحاديث ، ولكيلا يقول شخص بأنّ هذه الأوامر الصادقة تخالف الرحمة والشفقة وأخلاق الرجولة ، فإنّ الآية تقول : {ذلك بأنّهم شاقوا الله ورسوله} .

و{شاقوا} من مادة (الشقاق) وهي في الأصل بمعنى الإِنفطار والإِنفصال ، وبما أنّ المخالف أو العدوّ ويبتعد عن الآخرين فقد سمي عمله شقاقاً : {ومن يشاقق الله ورسوله فإنّ الله شديد العقاب} .

ثمّ يؤكّد هذا الموضوع : ويقول : ذوقوا العذاب الدنيوي من القتل في ميدان الحرب والأسر والهزيمة السافرة ، ومع ذلك انتظروا عذاب الاخرة أيضاً : {ذلكم فذوقوه وإنّ للكافرين عذاب النّار} .

 

________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي ، ج5،ص26-30 .

2 ـ مجمع البيان ذيل الآية .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .