المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أنـواع اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
المحرر العلمي
2024-11-28
المحرر في الصحافة المتخصصة
2024-11-28
مـراحل تكويـن اتجاهات المـستهـلك
2024-11-28
عوامـل تكويـن اتـجاهات المـستهـلك
2024-11-28
وسـائـل قـيـاس اتـجاهـات المستهلـك
2024-11-28

معنى كلمة سلك‌
19-11-2015
زينب بنت موسى المبرقع ابن الإمام محمد الجواد
19-9-2017
غزوة الحديبية
11-12-2014
فضيلة تلاوة سورة التحريم
1-12-2014
Beer-making
11-10-2015
محمد بن أبي عمير البزاز بياع السابري
18-8-2020


تفسير الآية (30-35) من سورة الانفال  
  
5384   12:24 صباحاً   التاريخ: 3-5-2021
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة ...
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنفال /

قال تعالى : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنفال : 30 - 33].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : واذكر إذ يحتال الكفار في إبطال أمرك ، ويدبرون في هلاكك ، وهم مشركو العرب ، منهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل بن هشام ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، وأمية بن خلف ، وغيره. {ليثبتوك) أي :

ليقيدوك ويثبتوك في الوثاق ، عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة. وقيل :

ليثبتوك في الحبس. ويسجنوك في بيت ، عن عطا ، والسدي. وقيل معناه : ليثخنوك بالجراحة والضرب ، عن أبان بن تغلب ، والجبائي ، وأبو حاتم ، وأنشد :

فقلت : ويحك ماذا في صحيفتكم؟ قالوا : الخليفة أمسى مثبتا وجعا {أو يقتلوك أو يخرجوك} من مكة إلى طرف من أطراف الأرض. وقيل : أو يخرجوك على بعير ، ويطردونه حتى يذهب في وجهه {ويمكرون ويمكر الله} أي :

ويدبرون في أمرك ، ويدبر الله في أمرهم ، عن أبي مسلم. وقيل : ويحتالون في أمرك من حيث لا تشعر ، فأحل الله بهم ما أراد من عذابه من حيث لا يشعرون ، عن الجبائي. وقيل : يمكرون ، والله تعالى يجازيهم على مكرهم ، كما قال سبحانه :

{وجزاء سيئة سيئة مثلها} {والله خير الماكرين} لأنه لا يمكر إلا ما هو حق وصواب ، وهو إنزال المكروه بمن يستحقه. والعباد قد يمكرون مكرا هو ظلم وباطل ، ومكرهم الذي هو عدل لا يبلغ في المنفعة للمؤمنين مبلغ مكر الله ، فلذلك قال : {خير الماكرين} وقيل معناه : خير المجازين على المكر.

النظم : الآية اتصلت بقوله {واذكروا إذ أنتم قليل} فتقديره : واذكروا تلك الحال ، واذكروا ما مكر الكفار بمكة ، عن أبي مسلم وغيره. وقيل : إنها تتصل بما قبلها من قوله {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} يعني : يجعل لكم نجاة كما جعل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه النجاة من مكر مشركي قريش ، فاذكروا ذلك.

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.

المعنى : ثم أخبر سبحانه عن عناد هؤلاء الكفار ومباهتتهم للحق ، فقال :

{وإذا تتلى عليهم آياتنا} من القرآن {قالوا قد سمعنا} أي : أدركنا بآذاننا ، فإن السماع إدراك الصوت بحاسة الأذن {لو نشاء لقلنا مثل هذا} إنما قالوا ذلك مع ظهور عجزهم عن الإتيان بسورة مثله بعد التحدي ، عداوة وعنادا ، وقد تحمل الانسان شدة العداوة على أن يقول ما لا يعلم. وقيل : إنما قالوا ذلك لأنه لم ينقطع طمعهم من القدرة عليه في المستقبل ، إذ القرآن كان مركبا من كلمات جارية على ألسنتهم ، فطمعوا أن يأتي لهم في ذلك المستقبل ، بخلاف صيرورة العصا حية ، في أنه قد انقطع طمعهم عن الإتيان بمثله ، إذ جنس ذلك لم يكن في مقدورهم.

{إن هذا إلا أساطير الأولين} معناه ما هذه إلا أحاديث الأولين تتلوها علينا ، وكان قائل هذا النضر بن الحارث بن كلدة ، وأسر يوم بدر ، فقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقبة بن أبي معيط قال : يا علي! علي بالنضر أبغيه ، فأخذ علي بشعره ، وكان رجلا جميلا له شعر ، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد! أسألك بالرحم بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش ، إن قتلتهم قتلتني ، وإن فاديتهم فاديتني!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام ، قدمه يا علي فاضرب عنقه. فضرب عنقه ، ثم قال : يا علي! علي بعقبة. فأحضر ، فقال : يا محمد ألم تقل! لا تصبر قريش؟ أي لا يقتلون صبرا. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : وأنت من قريش ، إنما أنت علج من أهل صفورية ، والله لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له ، قال : فمن للصبية؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : النار. ثم قال : حن قدح ليس منها.

قال سعيد بن جبير : قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر ثلاثة نفر من قريش صبرا :

المطعم بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط {وإذ قالوا} أي : واذكر يا محمد إذ قالوا أي : قال هؤلاء الكفار {اللهم إن كان هذا} الذي جاء به محمد {هو الحق من عندك} دون ما نحن عليه {فأمطر علينا حجارة من السماء} كما أمطرته على قوم لوط {أو ائتنا بعذاب أليم} أي : شديد مؤلم ، والقائل لذلك النضر بن الحارث أيضا ، عن سعيد بن جبير ، ومجاهد. وروي في الصحيحين أن هذا من قول أبي جهل.

ويسأل هاهنا فيقال : لم طلبوا العذاب في الله بالحق ، وإنما يطلب الخير والثواب والأجر؟ والجواب : إنهم كانوا يعتقدون أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس بحق من الله ، وإذا لم يكن حقا لم يصبهم شئ. ويقال : لم قال : أمطر من السماء ، والإمطار لا يكون إلا من السماء؟ وفي هذا جوابان أحدهما : إنه يجوز أن يكون إمطار الحجارة من مكان عال غير السماء والثاني : إنه على طريق البيان بمن.

ثم قال سبحانه : {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} ذكر سبحانه سبب إمهالهم ومعناه : وما كان الله يعذب أهل مكة بعذاب الاستئصال ، وأنت مقيم بين أظهرهم لفضلك وحرمتك يا محمد ، فإن الله تعالى بعثك رحمة للعالمين ، فلا يعذبهم إلا بعد أن يفعلوا ما يستحقون به سلب النعمة باخراجك عنهم. قال ابن عباس : إن الله سبحانه لم يعذب قومه حتى أخرجوه منها {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} معناه : وما كان الله يعذبهم وفيهم بقية من المؤمنين بعد خروجك من مكة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة ، بقيت فيها بقية من المؤمنين لم يهاجروا بعذر ، وكانوا على عزم الهجرة ، فرفع الله العذاب عن مشركي مكة ، لحرمة استغفارهم ، فلما خرجوا أذن الله في فتح مكة ، عن ابن عباس ، وعطية ، والضحاك ، واختاره الجبائي.

وقيل معناه : وما يعذبهم الله بعذاب الاستئصال في الدنيا ، وهم يقولون :

غفرانك ربنا ، وإنما يعذبهم على شركهم في الآخرة ، عن ابن عباس ، في رواية أخرى ، ويزيد بن رومان ، وأبي موسى ، ومحمد بن مبشر.

وفي تفسير علي بن إبراهيم : لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقريش : إني أقتل جميع ملوك الدنيا ، وأجري الملك إليكم ، فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه ، تملكون بها العرب ، وتدين لكم العجم. فقال أبو جهل : {اللهم إن كان هذا هو الحق} الآية حسدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال : غفرانك اللهم ربنا ، فأنزل الله {وما كان الله ليعذبهم} الآية.

ولما هموا بقتل رسول الله ، وأخرجوه من مكة ، أنزل الله سبحانه : {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} الآية فعذبهم الله بالسيف يوم بدر ، وقتلوا. وقيل معناه : إنهم لو استغفروا لم يعذبوا ، وفي ذلك استدعاء إلى الاستغفار عن ابن عباس في رواية أخرى ، والسدي ، وقتادة ، وابن زيد. قال مجاهد : وفي أصلابهم من يستغفر ، وقال عكرمة : وهم يسلمون ، فأراد بالاستغفار الاسلام.

وقد روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : كان في الأرض أمانان من عذاب الله ، وقد رفع أحدهما ، فدونكم الآخر ، فتمسكوا به. وقرأ هذه الآية. وروي ذلك عن قتادة أيضا {وما لهم ألا يعذبهم الله} معناه : ولم لا يعذبهم الله ، وأي أمر يوجب ترك تعذيبهم {وهم يصدون عن المسجد الحرام} أي : يمنعون عن المسجد الحرام أولياءه ، فحذف لأن ما بعده يدل عليه {وما كانوا أولياءه} أي وما كان المشركون أولياء المسجد الحرام ، وإن سعوا في عمارته {إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون} معناه : وما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون ، عن الحسن ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. وقيل : معناه وما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون الذين يتركون معاصي الله ويجتنبونها. والأول أحسن.

ويسأل فيقال : كيف يجمع بين الآيتين وفي الأولى نفي تعذيبهم ، وفي الثانية ، إثبات ذلك؟ وجوابه على ثلاثة أوجه أحدها : إن المراد بالأول عذاب الاصطلام والاستئصال ، كما فعل بالأمم الماضية ، وبالثاني عذاب القتل بالسيف ، والأسر ، وغير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم والآخر : إنه أراد : وما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة ، ويريد بالأول عذاب الدنيا ، عن الجبائي والثالث : إن الأول استدعاء للاستغفار يريد أنه لا يعذبهم دنيا ولا آخرة إذا استغفروا وتابوا ، فإذا لم يفعلوا عذبوا.

ثم بين أن استحقاقهم العذاب بصدهم الناس عن المسجد الحرام.

{ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }

ثم وصف سبحانه صلاتهم ، فقال : {وما كان صلاتهم عند البيت} يعني : هؤلاء المشركين الصادين عن المسجد الحرام {إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة ، يصفرون ويصفقون ، وصلاتهم : معناه دعاؤهم ، أي : يقيمون المكاء والتصدية مكان الدعاء والتسبيح. وقيل : أراد ليس لهم صلاة ولا عبادة ، وإنما يحصل منهم ما هو ضرب من اللهو واللعب ، فالمسلمون الذين يطيعون الله ويعبدونه عند هذا البيت ، أحق بمنع المشركين منه. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام ، قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه ، فيصفران ، ورجلان عن يساره يصفقان بأيديهما ، فيخلطان عليه صلاته ، فقتلهم الله جميعا ببدر ، ولهم يقول ولبقية بني عبد الدار {فَذُوقُوا الْعَذَابَ } يعني :

عذاب السيف يوم بدر ، عن الحسن ، والضحاك. وقيل : عذاب الآخرة. على هذا يكون في الكلام حذف أي : يقال لهم إذا عذبوا ذوقوا العذاب {بما كنتم تكفرون} بتوحيد الله.

__________________

1- تفسير مجمع البيان ، الطبرسي ، ج4 ، ص458.463.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{ وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } . في الآية السابقة 26 ذكّر اللَّه سبحانه المسلمين بنعمه عليهم ، وفي هذه الآية ذكّر النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) بنعمه عليه ، وذلك أن المشركين من قريش أجمعوا على الخلاص من محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، واختلفوا في الوسيلة التي يتخلصون بها منه . . فمن قائل : نحبسه ونقيده ، وقال آخر : بل نخرجه من مكة ، ثم اتفقوا على أن يختاروا من كل قبيلة رجلا على أن يقتحم الجميع عليه بيته ، وهو نائم في فراشه ، ويضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه في القبائل كلها ، ويعجز بنو هاشم عن قتال العرب . . قال المفسرون ، ومنهم الطبري والرازي وأبو حيان الأندلسي : ان اللَّه أوحى إلى نبيه بذلك ، وأمره أن يخرج إلى المدينة ، وأن يأمر علي بن أبي طالب بالمبيت في مضجعه ، وبات علي في فراش الرسول ، واتشح ببردته ، ولما بادر القوم إلى المضجع أبصروا عليا فبهتوا . وأوصى النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) عليا أن يرد ودائع للناس كانوا قد أودعوها عند رسول اللَّه .

وقوله تعالى : { لِيُثْبِتُوكَ } يشير إلى من قال : احبسوه وقيدوه . وقوله :

{ أَوْ يُخْرِجُوكَ } يومئ إلى من أشار بإخراجه . وقوله : { أَوْ يَقْتُلُوكَ } أراد به ما اتفقوا عليه من القتل .

{ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ } . أما مكر قريش فهو تآمرهم على قتل محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بأسلوب يعجز الهاشميون عن الاقتصاص من قاتله . أما مكر اللَّه فهو إبطال مكرهم وكيدهم بما دبر سبحانه من خروج النبي ، ومبيت علي في فراشه . وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 54 من آل عمران ج 2 ص 66 .

{ وإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الأَوَّلِينَ } . قالت قريش عن القرآن : انه أساطير ، وانها لو شاءت لقالت مثله ، قالت هذا ، وهي تعلم علم اليقين ان القرآن من عند اللَّه ، لأنه تحداها والناس أجمعين على أن يأتوا بسورة من مثله ويدعوا من يشاؤون ، ولما عجزت قريش لجأت إلى الافتراءات والمناورات تخفي عجزها وضلالها ، شأنها في ذلك شأن كل من عجز عن مجابهة الحق بالحجة والمنطق .

{ وإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ } . قد تأخذ بعض الناس العزة بالإثم تعصبا لكبريائهم تماما كما يتعصبون لدينهم أو أشد ، حتى أنهم ليؤثرون القتل على الخضوع للخصم وان كان محقا ، ويستسلمون للهلاك والعذاب ، ولا يتنازلون عن تعاليمهم وتقاليدهم وفي التاريخ الكثير من هؤلاء ، ذكر القرآن منهم فرعون وقوم نوح وغيرهم . .

وقالت قريش حين دعاها النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى الإسلام : اللهم ان كان محمد محقا في دعواه فأمطر علينا حجارة من السماء . أي انهم يفضلون الهلاك رجما بالحجارة على أن يتبعوا محمدا ، وان كان نبيا مرسلا من اللَّه .

فأجابهم اللَّه سبحانه بأن العذاب أمامهم ، وان الباب إليه ما زال مفتوحا ، وإنما أمهلهم بعض الوقت لسبب واحد أشار إليه بقوله : { وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ } . أي ان اللَّه جل ثناؤه لا يعذب أهل مكة ، ومحمد بين أظهرهم إكراما له ، وتعظيما لشأنه .

{ وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . أي وهم يؤمنون برسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بعد أن قال عز من قائل : انه لا يعذب قريشا ما دام محمد بينهم - قال :

وأيضا لا يعذبهم إذا آمنوا ، سواء أكان محمد بينهم ، أم لم يكن ، فقوله تعالى :

{وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } بمعنى قوله : {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [النساء : 147] ، ويدل على إرادة هذا المعنى قوله بلا فاصل :

{ وما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ } . وقوله مخاطبا قريشا : {فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } .

وبكلمة بسيطة وواضحة ان معنى الآية انه تعالى لا يعذب قريشا إذا كان محمد بينهم ، وأيضا لا يعذبهم إذا أسلموا ، وعبّر عن الإسلام بالاستغفار لأنه من لوازمه . وبهذا يتضح انه لا حاجة إلى التأويلات التي ذكرها المفسرون بالإضافة إلى أنها تترك القارئ في ظلمات لا يهتدي إلى شيء .

{ وما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ } . ما لهم استفهام يتضمن معنى النفي ، أي لا شيء فيهم من دين أو خلق يمنع من عذابهم ، فإنهم إلى جانب شركهم يصدون المسلمين عن عبادة اللَّه في بيته الحرام ، فما كان المسلم ، حتى النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يوم كان بمكة يستطيع الصلاة في المسجد الحرام ، دون أن يتحمل منهم الأذى والتنكيل ، وقد اتفقوا على صد النبي والمسلمين بالقوة عن العمرة عام الحديبية { وما كانُوا أَوْلِياءَهُ } أي ان المشركين ليسوا أصحاب المسجد الحرام ، ولا هم أولياء عليه ، بل هم أعداء اللَّه وأعداء بيته فيجب طردهم ومنعهم عنه ، لأنهم يدنسونه برجسهم ونجاستهم ، ومن أجل هذا حين قوي الإسلام منعهم من قربه : {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة : 28].

{ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } . أي لا يحق لأحد كائنا من كان أن يتولى المسجد الحرام إلا إذا كان برا تقيا إلى جانب إسلامه وإقراره بالشهادتين . فكيف المشرك والجاحد ؟ وموضوع الآية وان كان خاصا بأولياء المسجد الحرام ، ولكن التقوى شرط في كل من يتولى المساجد والمقامات الدينية ، لأن السبب الموجب هو طهارة المكان وقداسته . . والغريب ان أكثر الذين يتولون أمر هذه المقامات هم شرار الخلق الذين يتقنون فن الاحتيال واللصوصية { ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } ان الولي على المساجد والعتبات المقدسة يجب أن يكون برا تقيا ، انه لا ولاية لفاسق .

وتسأل : ان قوله تعالى : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ } يشعر بأن اللَّه قد عذب قريشا ، مع العلم بأنه لم يحل بهم ما حل بقوم الأنبياء السابقين كعاد وثمود وقوم نوح ولوط وغيرهم ؟ .

الجواب : إن الذين آذوا النبي والمسلمين من قريش قتلهم اللَّه يوم بدر بأيدي المسلمين أنفسهم . . وقد كان من جملة القتلى أبو جهل وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وغيرهم من صناديد قريش الذين كانوا يشتدون ويبالغون في أذى المسلمين . ونذكر من باب المثال أمية بن خلف ، فقد كان يملك بلالا مؤذن الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) وكان أمية يعذبه في الرمضاء ، ويذيقه ألوان العذاب ، وفي يوم بدر خرج أمية مع المشركين ، وخرج بلال مع رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) وما أن رأى بلال أمية حتى صرخ : هذا رأس الكفر لا نجوت ان نجا ، واجتمع حول بلال بعض المستضعفين الذين . لاقوا الأذى من أمية بن خلف ، واندفع بلال يضرب أمية بالسيف حتى قتله ، وحمل رأسه على سيفه ، وهو يرقص طربا .

{ وما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وتَصْدِيَةً } . المكاء التصفير ، والتصدية التصفيق ، وكأنّ سائلا يسأل : إن قريشا كانوا يصلون في المسجد الحرام ، فكيف استوجبوا العذاب ؟ فأجاب سبحانه بأن صلاتهم كانت هرجا ومرجا لا خشوع فيها ولا خضوع ، لأنها كانت صفيرا بالأفواه ، وتصفيقا بالأيدي { فَذُوقُوا الْعَذابَ } الذي حل بكم يوم بدر ، وعذاب الآخرة أشد { بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } ولو أسلمتم لسلمتم من عذاب الدنيا والآخرة .

 

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج3 ، ص472-475.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الآيات في سياق الآيات السابقة وهى متصلة بها ومنعطفة على آيات أول السورة إلا قوله : {وإذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق} الآية والآية التي تليها ، فان ظهور اتصالها دون بقية الآيات ، وسيجئ الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : {إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} إلى آخر الآية ، قال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان :

ضرب محمود وذلك أن يتحرى به فعل جميل وعلى ذلك قال : والله خير الماكرين ، ومذموم وهو ان يتحرى به فعل قبيح قال : ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله. وإذ يمكر بك الذين كفروا. فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ، وقال في الامرين : ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ، وقال بعضهم : من مكر الله امهال العبد وتمكينه من اعراض الدنيا ، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. انتهى.

وفي المجمع : الاثبات الحبس يقال : رماه فأثبته أي حبسه مكانه ، وأثبته في الحرب أي جرحه جراحة مثقلة. انتهى.

ومقتضى سياق الآيات ان يكون قوله  : {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية معطوفة على قوله سابقا : {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم} فالآية مسوقة لبيان ما أسبغ الله عليهم من نعمته ، وأيدهم به من اياديه التي لم يكن لهم فيها صنع.

ومعنى الآية : واذكر أو وليذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا من قريش لأبطال دعوتك ان يوقعوا بك أحد أمور ثلاثة : إما ان يحبسوك واما ان يقتلوك واما ان يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

والترديد في الآية بين الحبس والقتل والاخراج بيانا لما كانوا يمكرونه من مكر يدل انه كان منهم شورى يشاور فيها بعضهم بعضا في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما كان يهمهم ويهتمون به من اطفاء نور دعوته ، وبذلك يتأيد ما ورد من أسباب النزول ان الآية تشير إلى قصة دار الندوة على ما سيجئ في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } إلى آخر الآية الأساطير الأحاديث جمع أسطورة ويغلب في الاخبار الخرافية ، وقوله حكاية عنهم : {قد سمعنا} وقوله : {لو نشاء لقلنا} وقوله : {مثل هذا} ولم يقل : مثل هذه أو مثلها كل ذلك للدلالة على اهانتهم بآيات الله وإزرائهم بمقام الرسالة ، ونظيرها قولهم : {ان هذا الا أساطير الأولين}.

والمعنى : وإذا تتلى عليهم آياتنا التي لا ريب في دلالتها على انها من عندنا وهى تكشف عن ما نريده منهم من الدين الحق لجوا واعتدوا بها وهونوا أمرها وأزروا برسالتنا وقالوا قد سمعنا وعقلنا هذا الذي تلى علينا لا حقيقة له الا انه من أساطير الأولين ، ولو نشاء لقلنا مثله غير انا لا نعتني به ولا نهتم بأمثال هذه الأحاديث الخرافية.

قوله تعالى : {وان قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك} إلى آخر الآيتين. الأمطار هو انزال الشئ من فوق ، وغلب في قطرات الماء من المطر أو هو استعارة أمطار المطر لغيره كالحجارة وكيف كان فقولهم : أمطر علينا حجارة من السماء بالتصريح باسم السماء للدلالة على كونه بنحو الآية السماوية والاهلاك الإلهي محضا.

فإمطار الحجارة من السماء عليهم على ما سألوا أحد اقسام العذاب ويبقى الباقي تحت قولهم : {أو ائتنا بعذاب أليم} ولذلك نكر العذاب وأبهم وصفه ليدل على باقي اقسام العذاب ، ويفيد مجموع الكلام : ان أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب آخر غيره يكون أليما ، وانما أفرد أمطار الحجارة من بين افراد العذاب الأليم بالذكر لكون الرضخ بالحجارة مما يجتمع فيه عذاب الجسم بما فيه من تألم البدن وعذاب الروح بما فيه من الذلة والإهانة.

ثم قوله : {ان كان هذا هو الحق من عندك} يدل بلفظه على أن الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلسان القال أو الحال بدعوته هو قوله : {هذا هو الحق من عند الله} وفيه شئ من معنى الحصر ، وهذا غير ما كان يقوله لهم : هذا حق من عند الله فان القول الثاني يواجه به الذي لا يرى دينا سماويا ونبوة إلهية كما كان يقوله المشركون وهم الوثنية : ما انزل الله على بشر من شئ ، واما القول الأول فإنما يواجه به من يرى أن هناك دينا حقا من عند الله ورسالة إلهية يبلغ الحق من عنده ثم ينكر كون ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بعض ما أتى به هو الحق من عند الله تعالى فيواجه بأنه هو الحق من عند الله لا غيره ، ثم يرد بالاشتراط في مثل قوله : اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

فالأشبه ان لا يكون هذا حكاية عن بعض المشركين بنسبته إلى جميعهم لاتفاقهم في الرأي أو رضا جميعهم بما قاله هذا القائل بل كأنه حكاية عن بعض أهل الردة ممن أسلم ثم ارتد أو عن بعض أهل الكتاب المعتقدين بدين سماوي حق فافهم ذلك.

ويؤيد هذا الآية التالية لهذه الآية : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} اما قوله : {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} فان كان المراد به نفى تعذيب الله كفار قريش بمكة قبل الهجرة والنبي فيهم كان مدلوله ان المانع من نزول العذاب يومئذ هو وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم ، والمراد بالعذاب غير العذاب الذي جرى عليهم بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القتل والأسر كما سماه الله في الآيات السابقة عذابا ، وقال في مثلها : {قل هل تربصون بنا إلا أحد الحسنيين ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} التوبة : 52 ، بل عذاب الاستئصال بآية سماوية كما جرى في أمم الأنبياء الماضين لكن الله سبحانه هددهم بعذاب الاستئصال في آيات كثيرة كقوله تعالى : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت : 13] ، وكيف يلائم أمثال هذه التهديدات قوله :

{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} لو كان المراد بالمعذبين هم كفار قريش ومشركو العرب ما دام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة.

ولو كان المراد بالمعذبين جميع العرب أو الأمة ، والمراد بقوله : {وأنت فيهم} حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمعنى : ولا يعذب الله هذه الأمة وأنت فيهم حيا كما ربما يؤيده قوله بعده : {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} كان ذلك نفيا للعذاب عن جميع الأمة ولم يناف نزوله على بعضهم كما سمى وقوع القتل بهم عذابا كما في الآيات السابقة ، وكما ورد ان الله تعالى عذب جمعا منهم كأبى لهب والمستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى هذا لا تشمل الآية القائلين : {اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك} إلى آخر الآية ، وخاصة باعتبار ما روى أن القائل به أبو جهل كما في صحيح البخاري أو النضر بن الحارث بن كلدة كما في بعض روايات أخر وقد حقت عليهما كلمة العذاب وقتلا يوم بدر فلا ترتبط الآية : {وما كان الله ليعذبهم} الآية ، بهؤلاء القائلين : اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك} الآية مع أنها مسوقة سوق الجواب عن قولهم.

ويشتد الاشكال بناء على ما وقع في بعض أسباب النزول انهم قالوا : اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل قوله تعالى : {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع} وسيجئ الكلام فيه وفي غيره من أسباب النزول المروية في البحث الروائي التالي إن شاء الله.

والذي تمحل به بعض المفسرين في توجيه مضمون الآية بناء على حملها على ما مر من المعنى ان الله سبحانه ارسل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين ونعمة لهذه الأمة لا نقمة وعذابا. فيه انه ليس مقتضى الرحمة للعالمين ان يهمل مصلحة الدين ، ويسكت عن مظالم الظالمين وان بلغ ما بلغ وأدى إلى شقاء الصالحين واختلال نظام الدنيا والدين ، وقد حكى الله سبحانه عن نفسه بقوله : {ورحمتي وسعت كل شئ} ولم يمنع ذلك من حلول غضبه على من حل به من الأمم الماضية والقرون الخالية كما ذكره في كلامه.

على أنه تعالى سمى ما وقع على كفار قريش من القتل والهلاك في بدر وغيره عذابا ولم يناف ذلك قوله : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء : 107 ، وهدد هذه الأمة بعذاب واقع قطعي في سور يونس والاسراء والأنبياء والقصص والروم والمعارج وغيرها ولم يناف ذلك كونه صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين فما بال نزول العذاب على شرذمة تفوهت بهذه الكلمة : {اللهم إن كان هذا هو الحق} الخ ، ينافي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة مع أن من مقتضى الرحمة ان يوفى لكل ذي حق حقه ، وأن يقتص للمظلوم من الظالم وأن يؤخذ كل طاغية بطغيانه.

وأما قوله تعالى : {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فظاهره النفي الاستقبالي على ما هو ظاهر الصفة : {معذبهم} وكون قوله : {يستغفرون} مسوقا لإفادة الاستمرار والجملة حالية ، والمعنى : ولا يستقبلهم الله بالعذاب ما داموا يستغفرونه.

والآية كيفما أخذت لا تنطبق على حال مشركي مكة وهم مشركون معاندون لا يخضعون لحق ولا يستغفرون عن مظلمة ولا جريمة ، ولا يصلح الامر بما ورد في بعض الآثار انهم قالوا ما قالوا ثم ندموا على ما قالوا فاستغفروا الله بقولهم : {غفرانك اللهم}.

وذلك - مضافا إلى عدم ثبوته - انه تعالى لا يعبأ في كلامه باستغفار المشركين ولا سيما أئمة الكفر منهم ، واللاغي من الاستغفار لا أثر له ، ولو لم يكن استغفارهم لاغيا وارتفع به ما أجرموه بقولهم : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية لم يكن وجه لذمهم وتأنيبهم بقوله تعالى : {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق} في سياق هذه الآيات المسوقة لذمهم ولومهم وعد جرائمهم ومظالمهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين.

على أن قوله تعالى بعد الآيتين : {وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} الآية لا يلائم نفى العذاب في هاتين الآيتين فإن ظاهر الآية ان العذاب المهدد به هو عذاب القتل بأيدي المؤمنين كما يدل عليه قوله بعده : {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وحينئذ فلو كان القائلون : {اللهم إن كان هذا هو الحق الآية مشركي قريش أو بعضهم وكان المراد من العذاب المنفى العذاب السماوي لم يستقم إنكار وقوع العذاب عليهم بالقتل ونحوه فان الكلام حينئذ يؤول إلى معنى التشديد :

ومحصله : انهم كانوا أحق بالعذاب ولهم جرم آخر وراء ما أجرموه وهو الصد عن المسجد الحرام ، وهذا النوع من الترقي انسب بإثبات العذاب لهم لا لنفيه عنهم.

وإن كان المراد بالعذاب المنفى هو القتل ونحوه كان عدم الملاءمة بين قوله :

{وما لهم أن لا يعذبهم الله } وقوله : {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} وبين قوله :

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} الخ ، أوضح وأظهر.

وربما وجه الآية بهذا المعنى بعضهم بان المراد بقوله : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} عذاب أهل مكة قبل الهجرة ، وبقوله : {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } عذاب الناس كافة بعد هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وإيمان جمع واستغفارهم ولذا قيل : إن صدر الآية نزلت قبل الهجرة ، وذيلها بعد الهجرة!

وهو ظاهر الفساد فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان فيهم بمكة قبل الهجرة كان معه جمع ممن يؤمن بالله ويستغفره ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة كان في الناس فما معنى تخصيص صدر الآية بقوله : {وأنت فيهم} وذيلها بقوله : {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.

ولو فرض ان معنى الآية ان الله لا يعذب هذه الأمة ما دمت فيهم ببركة وجودك ، ولا يعذبهم بعدك ببركة استغفارهم لله والمراد بالعذاب عذاب الاستئصال لم يلائم الآيتين التاليتين : {وما لهم الا يعذبهم الله} الخ مع ما تقدم من الاشكال عليه.

 

__________________

1- تفسير الميزان  الطباطبائي ، ج9 ، ص53-58.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

سِرّ بداية الهِجرَة :

يعتقد بعض المفسّرين أنّ هذه الآية ، وخمس آيات تليها ، نزلت في مكّة لأنّها تشير إِلى هجرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن سياقها يدل على نزولها بعد الهجرة ، إذ تتكلم على حادثة سابقة.

فبناءً على ذلك تكون هذه الآية قد نزلت في المدينة بالرغم من حديثها عن هجرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فتحدث عن الذكرى الكبرى والنعمة العظمى التي منّ الله بها على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين ، فتقول في بدايتها {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ }.

كلمة «المكر» كما ذكرنا سلفاً تعني في اللغة التدبير والتخطيط والحيلة.

ثمّ تضيفُ الآية قائلة : {يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

فإذا أمعنّا النظر في موضوع هجرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّنا سنجد أنّ المشركين قد بذلوا كل ما في وسعهم وجهدهم من طاقات فكرية وجسدية للقضاء على نبيّ الاسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) ، حتى أنّهم أعدّوا جائزة لهذا الغرض وهي مئة ناقة ، وهذا العدد من الإِبل كانَ يُعَدُّ ثروة كبرى يومئذ «هذه الجائزة لكلّ من يقبض على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى بعد أن خرج عن قبضتهم» وقد طفق الكثير يجوبون الفيافي والجبال ليبحثوا عنه طلباً لتلك الجائزة الكبرى حتى بلغوا الغار ، ولكن الله سبحانه أذهب بأتعابهم أدراج الرياح بواسطة نسيج العنكبوت!

ونظراً إِلى أنّ هجرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تمثل مرحلة جديدة في التأريخ الإِسلامي ، بل التأريخ الإِنساني ، فإنّنا نستنتج أنّ الله قد غير مسيرة التأريخ البشري بما نسجته العنكبوت من خيوط! ...

وهذا الأمر لا ينحصر بهجرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل في جميع تأريخ الأنبياء ، فإنّ الله سبحانه أذل أعداءهم ودمرهم وأباد قوى الضلال بأسباب هيّنة كالريح ـ مثلا ـ أو كثرة البعوض ، أو الطير الصغيرة التي تُسمّى بالأبابيل ، ليبيّن حالة الضعف البشري والعجز إزاء قدرته اللامتناهية وليردع الإِنسان عن التفكير بالطغيان والعناد.

وممّا يسترعي النظر أنّ الإِلتجاء إِلى هذه الأساليب الثّلاثة : السجن والنفي والقتل ، لم يكن منحصراً بالمشركين في مواجهة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فحسب ، فإنّ الطغاة يلجأون إِلى هذه الإساليب الثّلاثة دائماً للقضاء على المصلحين وإسكاتهم ، والحيلولة دون بسط نفوذهم بين المستضعفين ، إلاّ أنّه كما كانت النتيجة خلاف ما أراده مشركو مكّة في شأن النّبي وأضحت مقدمة لتحرك إسلامي جديد ، فكذلك مثل هذه الموجهات الشديدة قد باءت نتائجها في مواطن أُخرى بعكس ما كان متوقعاً. (2)

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.

 

القائلون شططاً :

ذُكر في الآية السابقة مثل خرافي من منطق المشركين العملي ، وفي هذه الآيات مثل آخر من منطقهم الفكري ، ليتّضح أنّ هؤلاء لم يمتلكوا سلامةً في الفكر ولا صحة في العمل ، فجميع أساليبهم خاوية بغير أساس.

تقول الآية الأُولى من الآيات محل البحث : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.

كانوا يقولون مثل هذا الكلام عند ما يعجزون عن مواجهة القرآن ومعارضته ، وكانوا يعرفون جيداً أنّهم غير قادرين على معارضة القرآن ، إلاّ أنّهم ولحقدهم وعصبيتهم ، أو لأنّهم يريدون إضلال الناس ، كانوا يقولون : إنّ الإتيان بمثل هذه الآيات غير عسير ولو نشاء لقلنا مثلها ، ولكنّهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثلها أبداً ، وما هذا القول منهم سوى ادعاء فارغ يهدفون بذلك إِلى ابقاء كيانهم الاجتماعي ـ كسائر الجبايرة في التأريخ ـ إِلى أمر معدود.

والآية التّالية تتحدث عن منطق عجيب آخر فتقول : {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.

لقد كانوا يقولون ذلك لشدّة تعصبهم وعنادهم ، وكانوا يتصورون أنّ الدين الإسلامي لا أساس له أبداً ، وإلاّ فإنّ أحداً يحتمل حقانية الإِسلام كيف يمكنه أن يدعو على نفسه بمثل هذا الدعاء؟

كما ويحتمل أيضاً أنّ شيوخ المشركين وسادتهم يقولون ذلك الكلام لتضليل الناس وليثبتوا لبساطائهم أنّ رسالة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) باطلة تماماً ، في حين أنّهم لا يعتقدون بما يقولون. وكأنّهم ـ أي المشركين ـ يريدون أن يقولوا للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّك تتكلم عن الأنبياء السابقين ، وإنّ الله قد أهلك أعداءَهم بحجارة أمطرها عليهم «كما هي الحال في شأن قوم لوط» فإن كنت صادقاً فيما تقول فأمطر علينا حجارة من السماء!

وقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) (في مجمع البيان) أنّه لما نصب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) علياً(عليه السلام) يوم غدير خم فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، طار ذلك في البلاد ، فقدم على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) النعمان بن الحارث الفهري ، فقال : أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ، ثمّ لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أو أمر من عندالله؟

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : «واللّه الذي لا إله إلاّ هو ، إن هذا من الله». فولّى النعمان بن الحارث وهو يقول : اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله(3).

وهذا الحديث لا ينافي نزول الآية في قصّة الغدير ، لأنّ سبب النّزول لم يكن موضوع النعمان ، بل إن النعمان قد اقتبس من الآية في الدعاء على نفسه ، وهذا يشبه قولنا في الدعاء مقتبسين ذلك من القرآن {ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} «وسيأتي تفصيل هذا الموضوع وما ذكرته كتب أهل السنة من أساتيد كثيرة له في ذيل الآية الأُولى من سورة المعارج (سأل سائل بعذاب واقع) بإذن الله».

وفي ماتقدم من الآيات نلاحظ أنّ المشركين وجّهوا إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) اشكالين.

الأوّل منهما : واضح البُطلان ، وهو قولهم : لو نشاء لقلنا مثل هذا. فلم يردّ عليه القرآن. بديهي أن هذا الإِدعاء أجوف كاذب ، لأنّهم لو استطاعوا لما توانوا عنه أبداً ولجاءوا به ، فلا حاجة إذن للردّ عليه.

والإِشكال الثّاني : لو كانت هذه الآيات نازلة من قبل الله فأنزل علينا العقاب والبلاء ، فيرد عليهم القرآن في الآية الثّالثة ، من الآيات محل البحث ، بقوله : {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.

وفي الحقيقة أنّ وجودك ـ يا رسول الله ـ الذي هو رحمة للعالمين ، يمنع من نزول البلاء بسبب هذه الذنوب ، فيهلك قومُك كما هلكت الأُمم السابقة جماعات أو متفرقين.

ثمّ تعقيب الآية بالقول : {وما كان الله معذبهم وهم يسغفرون}.

وللمفسّرين احتمالات متعددة في تفسير الجملة آنفة الذكر ، منها أنّ بعض المشركين ندموا على قولهم الذي ذكرته الآية فقالوا : غفرانك ربّنا ، وكان ذلك سبباً لأن لا ينزل عليهم العذاب حتى بعد خروج النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة.

وقال بعضهم : إنّ الآية تشير إِلى من بقي من المؤمنين في مكّة ، لأنّ بعضاً ممن لم يستطع الهجرة بقي فيها بعد خروج النّبي ، فوجودهم الذي هو شعاع من وجود النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) منع من نزول العذاب.

كما يحتمل أن تكون هذه الجملة التي ذكرتها الآية تتضمّن مفهوم جملة شرطية ، أي أنّهم لو ندموا على فعلهم توجهوا إِلى الله واستغفروه فسيرتفع عنهم عقاب الله.

كما لا يبعد ـ في الوقت ذاته ـ الجمع بين هذه الإِحتمالات كلّها في تفسير الآية ، أي يمكن أن تكون الآية إشارة إِلى جميع هذه الإِحتمالات.

وعلى أية حال ، فإنّ مفهوم الآية لا يختصُّ بمعاصري النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بل هو قانون عام كليّ يشمل جميع الناس. لهذا فقد روي في مصادرنا عن الإِمام علي ، وفي مصادر أهل السنة عن تلميذ الإِمام علي «ابن عباس» أنّه قال(عليه السلام) : «كان في الأرض أمانان من عذاب الله ، وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به. وقرأ هذه الآية»(4).

ويتّضح من الآية ـ محل البحث ، والحديث آنف الذكر ـ أنّ وجود الأنبياء(عليهم السلام)مدعاة لأمن الناس من عذاب الله وبلائه الشديد ، ثمّ الإِستغفار والتوبة والتوجه والضراعة نحو الله ، إذ يعدُّ الإِستغفار والتوبة ممّا يدفع به العذاب.

فإذا انعدم الإِستغفار فإنّ المجتمعات البشرية ستفقد الأمن من عذاب اللّه لما اقترفته من الذنوب والمعاصي.

وهذا العذاب أو العقاب قد يأتي في صورة الحوادث الطبيعية المؤلمة ، كالسيل مثلا ، أو الحروب المدمّرة ، أو في صور أُخرى. وقد جاء في دعاء كميل بن زياد عن الإِمام على(عليه السلام) قوله «اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء».

فهذا التّعبير يدل على أنّه لولا الإِستغفار فإنّ كثيراً من الذنوب قد تكون سبباً في البلاء والكوارث.

وينبغي التذكير بهذه اللطيفة ، وهي أنّ الإِستغفار لا يعني تكرار ألفاظ معينة ، كأن يقول المرءُ «اللهم اغفر لي» بل المراد منه روح الإِستغفار الذي هو حالة العودة نحو الحق والتهيؤ لتلافي ما مضى من العبد قبال ربّه.

والآية التّالية : تقول : إنّ هؤلاء حقيقون بعذاب الله {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.

وهذا التعبير في الآية يشير إِلى يوم كان المسلمون في مكّة ، ولم يكن لهم الحق أن يقيموا صلاة الجماعة بتمام الحرية ، والإِطمئنان عند المسجد الحرام ، إذ كانوا يتعرضون للإيذاء والتعذيب.

أو أنّ هذا التعبير يشير إِلى منع المشركين المسلمين وصدهم إياهم بعد أدائهم مناسك الحج والعمرة ، فلم يأذنوا لهم بالتردد إِلى المسجد الحرام.

والعجيب أنّ هؤلاء المشركين كانوا يتصورون أنّ لهم حق التصرف كيفَما شاءوا في المسجد الحرام ، وأنّهم أولياؤه. إلاّ أنّ القرآن يضيف في هذه الآية قائلا : {وما كانوا أولياءه} وبالرغم من زعمهم أنّهم أولياؤه فـ{إن أولياؤه إلاّ المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون}.

ومع أنّ هذا الحكم ورد في شأن المسجد الحرام ، إلاّ أنّه يشمل جميع المراكز الدينية والمساجد فإنّ سدنتها ينبغي أن يكونوا من أطهر الناس وأتقاهم وأورعهم وأكثرهم إهتماماً بالمحافظة على مراكز العبادة ، ليجعلوها منطلقاً للتعليم وبثّ الوعي والإِيقاظ. إذ لا يصلح لإدارة هذه المراكز حفنةٌ من الحمقى أو باعة الضمائر الملوّثين والمرتبطين بالأجانب ، الذين يسعون إِلى تحويل المساجد ومراكز العبادة إِلى محال تجاربة ، أو جعلها مكاناً لتخدير الأفكار ، والإِبتعاد عن الحقّ. وفي اعتقادنا أنّ المسلمين لو كانوا ملتزمين بتعاليم القرآن في شأن المساجد ، لكانت المجتمعات الإِسلامية اليوم لها وجه آخر وصورةٌ مشرقةٌ!

والأعجب في هذا الشأن أنّ المشركين كانوا يدّعون أنّهم يصلّون ويعبدون الله بما كانوا يقومون به من أعمال قبيحة كالصفير والتصدية عند البيت ، ولهذا فقد قالت الآية التالية عنهم : {وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاءاً وتصدية}.

ونقرأ في التأريخ أنّ طائفة من الأعراب في زمان الجاهلية عندما كانوا يطوفون بالبيت العتيق ، كانوا يخلعون ثيابهم ويصفرون ويصفقون ويسمّون أعمالهم هذه عبادة ، وورد أيضاً أنّ النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) عند ما كان يقف بجانب الحجر الأسود ويتجه بوجهه نحو الشمال ليكون في مقابل الكعبة وبيت المقدس ، ويشرع بالصلاة ، كان يقف إِلى يمينه ويساره رجلان من بني سهم فيأخذ أحدهم بالصياح والآخر بالتصفيق ليؤذياه في صلاته.

تعقب الآية على ما تقدم لتقول : إنّ أعمالكم ـ بل حتى صلاتكم ـ مدعاة للخجل والسفاهة ولذلك {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}.

إنّ الإِنسان حين يقلّب صفحات التأريخ ويتوغّل فيه باحثاً عن جوانب من تاريخ عرب الجاهلية التي وردت الإشارة إليها في القرآن ، يرى ـ ويا للعجب العجاب! ـ في عصرنا الحاضر الذي عُرف بعصر الفضاء والذرة من يُعيد تلك الأعمال التي كانت في زمان الجاهلية ، ويتصوّر نفسه في عبادة ، فيقرؤون الآيات القرآنية أو الأشعار في مدح النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والامام علي(عليه السلام) بالألحان الموسيقية ذات الإِيقاع المثير ، وتهتزّ أيديهم ورؤوسهم بما يشبه حالة الرقص ، ويسمّون ذلك ذكراً

ومدائح ، ويقيمونها في التكايا وغيرها. مع أنّ الإسلام يبرأ من جميع هذه الأعمال ، وهي مثل آخر من أمثلة أعمال «الجاهلية».

ويبقى هنا سؤال واحد ، وهو أنّ الآية الثّالثة من الآيات محل البحث قد نفت نزول العذاب بتوفر شرطين طبعاً ، والآية الرّابعة أثبتت تُرىْ ألا يقع التضاد بين الآيتين؟

والجواب : إنّ الآية السابقة إِلى العقاب الدنيوي ، والآية اللاحقة لعلها إشارة إِلى العقاب الأُخروي ، أو أنّها إشارة إِلى أنّ هؤلاء يستحقون العقاب في الدنيا وهو محدق بهم ، فإذا مضى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتوبوا ويستغفروا ربّهم فإنّه سينزل بهم لا محالة.

________________

1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي ، ج5 ، ص56-63.

2 ـ الملاحظة اللطيفة هنا هو أنّ كتابة هذا التّفسير كانت في الاجزاء السابقة تسير مسيراً بطيئاً ، ولكن بما أن راقم هذه السّطور حين كتابة هذا الجزء من التّفسير كان قد نُفي من قبل حكومة الطاغوت إِلى مدينة «مهاباد» و«أنارك» فإنّ كتابة هذا التّفسير قد سارعت الخطى بحيث إنّني أكلمت تمام هذا الجزء في ذلك المنفى.

3 ـ راجع مجمع البيان ، ج 5 ، ص 352 و تفسير نورالثقلين ، ج 2 ، ص 151.

4 ـ نهج البلاغه ، الكلمات القصار.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .