أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-1-2016
3933
التاريخ: 1-2-2016
3820
التاريخ: 25-3-2022
2558
التاريخ: 29-1-2016
4654
|
- تمهيد و تعريف :
يمكننا أن نعرف قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه « مجموعة القواعد التي تحكم نشاط السلطة القضائية في كل ما يفيد في نسبة الجريمة الى محدثها والعقاب عليها » .
ومن هذا التعريف يتضح أن « الجنس » الذي تنتمي اليه هذه القواعد هو جنس القواعد القانونية التي تحكم نشاط السلطة القضائية، أي جنس القواعد التي تتألف منها النظرية العامة للعمل الاجرائي بوجه العموم ، أما «نوع» هذه القواعد - وهو معيار التمييز بينها وبين سائر القواعد الإجرائية - فمؤداه أن ، النشاط القضائي هنا ينحصر في مجال الجريمة والعقاب .
- نشاط السلمية القضائية بوجه العموم :
ويلاحظ أننا ۔ في الاشارة الى جنس هذه القواعد - لا نشير الى « السلطة القضائية و اجمالا وانما تشير الى د نشاط » هذه السلطة المتعلق بمسائل الجريمة والعقاب . ذلك أن نشاط السلطة يمكن أن يكون موضوعا لثلاثة من فروع القانون ، هي الدستور والقانون الاداري والقانون العام للإجراءات .
اولا - الدستور :
يتناول الدستور تنظيم نشاط السلطة القضائية بوصفها وظيفة عامة أعني باعتبارها سلطة عامة تملكها الدولة وتعبر بها عن نظامها في الحكم . وتشير معظم الدساتير في دول العالم الى السلطة القضائية بوصفها احدي السلطات في الدولة . ففي الدستور المصري المؤقت الصادر في 25 آذار (مارس) 1964 هناك في الباب الرابع بيان لنظام الحكم واشارة في الفصل الرابع منه - الى « السلطة القضائية ، باعتبارها احدى السلطات الرئيسية في نظام الحكم .
وفي الدستور اللبناني يتناول الباب الثاني بيان « السلطات » في الدولة . وتشير المادة 20 منه الى « السلطة القضائية » . فتقضي بأن و السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحتفظ بموجبه للقضاة وللمتقاضين بالضمانات اللازمة . أما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون . والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والاحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني ،.
ويلاحظ أن الدستور هو الذي يحدد اختصاصات السلطة القضائية وعلاقتها بغيرها من السلطات . كما يصور الضمانات اللازمة لاستقلال هذه السلطة واستقلال أعضائها من القضاة .
كذلك فان الدستور هو الذي يرسم المرحلة التي يلزم فيها تدخل السلطة القضائية لفض النزاع ، واضعا - بهذه المثابة - التزاما على القضاء بفض النزاع ومحددا النطاق المشروع النشاط السلطة القضائية وموازنا بين اقتضاء العدالة وبين حماية حريات الأفراد وحقوقهم(1) .
ثانيا - القانون الاداري :
أما القانون الاداري فينطوي بدوره على مجموعة من القواعد القانونية الخاصة بالجهاز القضائي . ولكن هذه القواعد تبين كيفية تكوين هذا الجهاز وكيفية اختيار أعضائه وتعيينهم وتحديد رواتبهم ونظام ترقيتهم وتأديبهم ثم كيفية اداء العمل الإداري في الجهاز القضائي ووضع نظام للإحصاءات والتبويب وخزانة الغرامات وتحديد الأماكن والاثاث والمشترات . وكل ذلك من موضوعات القانون الاداري في ذلك الجزء الخاص بنظام السلطة القضائية .
وبالرغم من صدور قانون مستقل خاص بالسلطة القضائية ( القانون رقم 56 لسنة 1959 في مصر وقانون التنظيم القضائي الصادر بالمرسوم رقم 8755 لسنة 1961 في لبنان وقانون نظام القضاء الصادر في سنة 1962 في ليبيا ) برغم ذلك فان من الواضح أن طبيعة القواعد التي ينطوي عليها هذا القانون تعد من قبيل قواعد القانون الاداري .
هذا ويلاحظ أنه من الواجب التفرقة بين الادارة الخاصة بسير الجهاز القضائي و بين « الاعمال الادارية ، التي تقع خلال سير الدعوى . فالأولى هي التي أشرنا اليها من قبل . وهي لا توضع في خدمة دعوي بعينها وانما توضع في خدمة جهاز القضاء كله وحسن ادارته (2)
ثالثا - القانون العام للإجراءات ( او الأصول ):
هذا القانون خاص بكيفية اداء السلطة القضائية لنشاطها القضائي، كما أنه يحدد نوع هذا النشاط ومداه . واختصاص كل جهة من جهات القضاء بالنسبة لكل نزاع ، وعلاقة جهات القضاء بعضها بالبعض الآخر ، والأعمال التي يحق لكل جهة اداءها ، وضمانات « العمل الإجرائي » الجزاءات التي توقع عند عدم مراعاتها .
على أن القانون الإجرائي لا يتناول تنظيم و العمل القضائي » بمعناه الدقيق فحسب وانما يتناول بالتنظيم أيضا تلك الأعمال التي تسبقه أو تصاحبه أو تتبعه . فهي لا تعتبر من قبيل الاعمال القضائية الا لأنها تكمل دورها ومن ثم ينسحب عليها حكمها . ومن هنا يتضح أن التعريف بقانون الأصول يقتضي التعريف بفكرة العمل القضائي .
نظرية العمل القضائي:
- ملاحظات اولية:
من المقدمات التي سلفت نفهم أن الخصيصة الجوهرية في قانون الاجراءات هي في اضطلاعه بتنظيم الأعمال القضائية . فماذا نقصد بالعمل القضائي ؟.
والواقع أن تحديد المقصود بالعمل القضائي معناه تحديد الموضوع الاصيل لنشاط السلطة القضائية . أي تحديد الموضوع الاصيل الذي ينظمه قانون الاصول ، ومن أجل هذا فالبحث في قانون أصول المحاكمات يقتفي - في رأينا أن نبدأ بتحديد ماهية العمل القضائي . ومن أجل هذا تساءل ، ما هو العمل القضائي وما هي طبيعته التي تفرقه عن سائر الأعمال كالعمل التشريعي أو العمل الإداري مثلا ؟
وقبل أن نعرض لتحديد مفهوم العمل القضائي ، نلاحظ أن الفقه يتحدث عن « القضاء ، بمعان ثلاثة :
أولا : بوصفه سلطة من سلطات الحكم في الدولة . فهو بهذا المعنى مظهر من مظهر السيادة في الدولة .
ثانيا : بوصفه مجموعة مركبة من الاعضاء والاجهزة تمارس و الدولة بواسطتهم هذه السلطة .
ثالثا : بوصفه نشاطا يتألف من مجموعة أعمال هذه السلطة ، وهذا هو المعنى الذي يهمنا .
على أن النشاط يمكن أن يوصف بأنه «قضائي» أخذا بمعيارين : اما على أساس البصر بالطبيعة الذاتية للنشاط . واما على أساس الاعتداد بشكل الخارجي ، أي بحسب الأشخاص الذين يقومون بأدائه . فالتحقيق بحسب طبيعته الذاتية عمل قضائي . لكن وصفه يختلف بحسب القائم به ، هل هو أحد رجال الضابطة العدلية أم قاضي النيابة أم قاضي التحقيق . كذلك فان العمل القضائي له معنى ضيق ، كما أن له معني واسعا . فهو بالمعنى الضيق . يعني مجموعة الاجراءات التي تتضمن الخصائص الجوهرية للعمل القضائي ، و بهذا المعنى يقتصر العمل القضائي على أعمال التحقيق ( اذا تولاه قاضي التحقيق ) ، والمحاكمة دون غيرهما .
وهو بالمعنى الواسع ، أي عمل لازم لإتمام العمل القضائي بمعناه الضيق السابق . وبهذا يضاف الى العمل القضائي بمعناه الضيق كل الاعمال التي تسبق مرحلة الحاكمة وهي التي يطلق عليها مرحلة الاستدلال ( او استقصاء الجريمة والتحقيق الابتدائي أو مرحلة الاجراءات الأولية(3) .
- نسبية العمل القضائي :
من هنا ندرك صعوبة تحديد مدلول العمل القضائي . بيد أننا يجب أن نستدرك على الفور لنقرر بأن فكرة العمل القضائي لا يمكن أن تكون فكرة " مطلقة " ، ملائمة لكل زمان ومكان ، شأن فكرة العقد أو فكرة الجريمة ، مثلا .كلا ، ففكرة العمل القضائي فكرة « نسبية . لأن القضاء ذاته فكرة نسبية .
والعمل القضائي يختلف مدلوله باختلاف المكان والزمان . وهو في الدولة الحديثة وليد تطور طويل • ولم يكسب استقلاله وذاتيته الا بعد أن عبر مراحل شتى من التاريخ .
فقديما ، في المجتمعات البدائية ، كان عمل القضاء ينطوي بذاته على التشريع والادارة ، بل ان ذلك موجود في الدولة الحديثة . نان السلطة القضائية نفسها في الجهة التي تتلقى أسانيد الخصم . وهذا ليس بالعمل القضائي ولكنه عمل اداري في الدرجة الأولى .
وقديما كانت تندمج في سلطة القاضي وظيفتان متباينتان ، الاتهام والحكم . وكانت أهم خصيصة في العمل القضائي ، واعني بها خصيصة الحكم بمطابقة الواقع على نموذج القانون ، هذه الخصيصة لم تكن موجودة أصلا في المجتمعات البدائية بل كان القاضي ( وهو عادة رئيس الجماعة ) يحكم بهواه سواء اكان الفعل موصوفا في القانون او غير موصوف .
بل أنه في بعض المجتمعات المتحضرة ( كالمجتمع الروماني القديم ) كانت اجابات الفقهاء تنطوي على « أعمال تشريعية ، اكثر مما تنطوي على و اعمال قضائية .
اكثر من ذلك في المجتمعات الحديثة كثيرا ما يقوم القاضي بعمل تشريعي في الصميم وذلك عندما يقضي في النزاع المطروح أمامه لا طبقا النص القانون ولكن طبقا (( لمبادئ العدالة والقانون الطبيعي )) . فالحق انه في مثل هذه الأحوال انما يقضي في النزاع طبقا للعدالة التي يحسها ضميره هو ، والقانون الطبيعي الذي يفهمه هو . واذن يتجاوز نطاق « القضاء ، الى نطاق د التشريع ،0
- تعريف العمل القضائي :
والآن ماذا نعني بالعمل القضائي ؟.
العمل القضائي هو رفض نزاع بين مصالح متعارضة ، يقوم به بصورة باتنة وملزمة - أشخاص آخرون غير طرفي النزاع ، وذلك استنادا الى نموذج قانوني مطابق للواقعة الخاصة ، يبين الحقوق والالتزامات المتبادلة لطرفي النزاع (4) .
- تحليل هذا التعريف الى عناصره الاولية :
من هذا التعريف نستطيع أن تتبين عناصر العمل القضائي ، والتي يرتب اجتماعها اسباغ الوصف " القضائي " على العمل الاجرائي . "
- فهو اولا : في نزاع بين المصالح المتعارضة :
ومن التزيد أن تقول ان هذا النزاع لا بد وأن يكون د قانونيا » ، بمعنى أنه لا بد أن يتم عرضه ، بالوسائل التي يتطلبها القانون ، أي بواسطة «ادعاء قانوني يتمثل في تكليف بالحضور أمام قاضي الموضوع ( من النيابة أو من المدعي بالحق الشخصي في الدعوى المباشرة ) أو في رفع الدعوى بتوجيه الاتهام مباشرة في الجلسة ( في جرائم الجلسات )، أو بواسطة الاحالة للتحقيق ( الى قاضي التحقيق أو الهيئة الاتهامية ) صادر ممن يملكه قانونا .
- وهو ثانيا : يتم بوسيلة معينة :
هي التحقق من ان الواقعة الخاصة - موضوع النزاع - مطابقة للنموذج القانوني . من هذا نفهم أن العمل القضائي يتضمن - في جوهره دائما - صدور « حكم » ، حتى ولو لم يصل النزاع الى غايته بصدور حكم من قاضي الموضوع . لأنه حتى في أحوال الحفظ ( بالمعنى الواسع ) هناك « حكم » مبناه أن الواقعة الخاصة ليست مطابقة للنموذج القانوني ( أو على الأقل لم تستكمل كل الشرائط المؤهلة لإصدار مثل هذا الحكم كان نكون الواقعة مطابقة ولكن لم تقم ادلة كافية على ثبوتها ) .
وصدور هذا الحكم هو النتيجة في عملية منطقية مركبة اذ مبناه :
1- أن توجد واقعة خاصة ، مادية كانت أو قانونية ارادية أو غير ارادية .
2- أن يوجد النموذج القانوني ، الذي ترسم حدوده وتوضح و دلالته أساليب التفسير المنطقية .
3 - أن ترد الواقعة الخاصة الى نموذجها القانوني المطابق لها نتيجة عملية "تكييف ". وهنا يمكن اصدار حكم القانون
في صدد هذه الواقعة الخاصة . وهكذا يتضح أن وجود « الادعاء ، ينشيء « سببا ، لممارسة النشاط القضائي . أما التثبت من صحة هذا الادعاء ( بواسطة هذه العملية المركبة التي أشرت اليها ) فهي نتيجة هذا النشاط والغاية الاخيرة التي يهدف اليها العمل القضائي .
- وهو ثالثا : يحدد حقوق وواجبات كل طرف من أطراف النزاع بإزاء الطرف الآخر :
وقد يكون تحديد هذه الحقوق والواجبات أمرا لازما عن المرحلة السابقة ، لأن الحكم بمطابقة الواقعة الخاصة - موضوع النزاع - النموذج قانوني ، يؤدي الى ترتيب الآثار القانونية . والآثار القانونية لا تخرج عن كونها تحديدا للحقوق والالتزامات لكل طرف في مواجهة الطرف الآخر ، وسواء أكان هذا الحكم يعتمد على ممارسة القاضي السلطة مقيدة أو سلطة تقديرية ، فان مصدر هذه السلطة على الحالين - هو القانون .
من هنا نفهم ان العمل القضائي ينتهي الى افراد حكم القاعدة القانونية وتخصيصها في واقعة معينة . ذلك أنه اذا كانت القاعدة بطبيعتها قاعدة عامة ومجردة ، فان الحكم بها في واقعة معينة معناه جعلها ۔ قاعدة خاصة بهذه الواقعة وتنحصر بأشخاص معينين . ومن هنا يصح ما يقال بأن الحكم القضائي هو " القانون الخاص " بالواقعة التي صدر فيها والاشخاص المعينين به .
ولكن لا يجب أن يفهم من ذلك أن الحكم قد أنشأ قواعد موضوعية جديدة يطبقها القاضي على موضوع الدعوى .
- وهو رابعا : عمل يقوم به اشخاص آخرون غير اطراف النزاع :
هؤلاء الاشخاص " الآخرون " هم - في الدولة الحديثة - سلطة القضاء . وحتى في الأحوال التي تكون فيها الدولة طرفا في النزاع فان ذلك لا يمنع أن تكون « سلطة القضاء » شخصا آخر غير الدولة طرف النزاع . ففي هذه الحالة تظهر الدولة في سلطة القضاء بوصفها " شخصا معنويا عاما " يمثل المجتمع كافة ، ويرتفع عن الخصومة والخصوم ، حتى ولو كانت « الدولة - ادارة ، هي الطرف الآخر في الخصومة .
ويلاحظ أن هذه الخصيصة ، خصيصة أن يقوم على الحكم أشخاص آخرون غير الخصوم ، هي من أهم معايير العمل القضائي بمعناه الدقيق .
- واخيرا: فانه لا بد أن يكون حسم النزاع نهائيا وملزما :
ذلك أنه يمكن لأي رجل من رجال القانون ان يقوم بعملية تكييف الواقعة الخاصة واعطائها الوصف المخصص لها في القانون ، وبهذا يتوصل الى تحديد صاحب الحق ومن يقع عليه الالتزام . بيد ان النزاع بذلك لا ينحسم ، فلا بد أن يكون العمل القضائي د ملزما ، واكثر من هذا فمن خصائص العمل القضائي أن يحسم النزاع بصورة تمنع من العودة الى اثارته مرة أخرى بمعنى أنه لا بد أن يكون " نهائيا ".
- والان نتساءل :
هل يعد « التنفيذ» عنصرا من عناصر العمل القضائي ؟
ان التنفيذ معناه اقتضاء الحق الذي ثبت وجوده بالحكم جبرا . ومن هنا نتبين أن التنفيذ يتمثل في نشاط د مادي ، . أما العمل القضائي فيتمثل في عمل د ارادي ، لأن مبناه " حكم " يعلن ارادة القانون في واقعة خاصة(5) .
وهكذا فمن الجائز أن يوجد عمل قضائي دون أن يعقبه تنفيذ ، او العكس يمكن أن يوجد تنفيذ دون أن يكون ثمة عمل قضائي بالمعنى الصحيح . ومن هنا نفهم أن العمل القضائي لا يرتبط و بالتنفيذ ، أو بعبارة أخرى لا يعد " التنفيذ" عنصرا من عناصره . بل ان التنفيذ قد يخرج تماما عن ولاية القضاء كما هو الشأن في القانون الجنائي . فتنفيذ العقوبات انما يناط بالنيابة العامة بوصفها سلطة ادارية . وبهذا تخرج في الحقيقة عن فكرة العمل القضائي(6).
- قاعدة الأصول الجزائية : طبيعتها وخصائصها :
بعد أن بينا العناصر اللازمة للتعريف بقانون أصول المحاكمات الجزائية وذلك بالتعريف بفكرة العمل القضائي نريد الآن أن تقدم خطوة أخرى . فنحن نريد أن نعرف طبيعة قواعده ونفهم خصوصيتها بين سائر القواعد القانونية وبالتالي نحدد وظيفتها في النظام القانوني الجزائي .
ولا ش ك أن قاعدة الاصول الجزائية norma processuale شان سائر القواعد القانونية جميعا ۔ تتكون من شقين : تكليف precette وجزاء sanzione بيد أن هذين الشقين من الصعب أن يجتمعا معا في كل نص isposicioneة من نصوص الاجراءات . فالحق أن الغالبية العظمى من هذه النصوص من قبيل النصوص الوصفية descrittive وهذا يعني أنها تتألف في الدرجة الأولى من جملة « التكاليف » precetti منفكه عن الجزاء . لكن هذا لا يعني أن « الجزاء » غير موجود ، اله موجود كما هو موجود في كل قاعدة قانونية . لكنه لا يظهر على الفور بل يأتي في نصوص بعيدة تبدو - في الظاهر - منفكه الصلة بنصوص « التكليف ، وهي في الحقيقة جزء متمم لها وشق لا تكتمل مقومات القاعدة الاجرائية بدون وجوده .
وعلى سبيل المثال : فان « حق الشكوى » تنظمه عدة نصوص تتوزع بين قانون الاصول ( الاجراءات ) الجزائية وقانون العقوبات . بيد أن هذه النصوص يمكن أن تتجمع كلها في قاعدة أصولية (اجرائية) واحدة .
ونفس الشيء يمكن أن يقال بالنسبة « لحق الطعن » . فبرغم أن هناك نصوصا اجرائية عدة تنظم هذا الحق الا أنه من الممكن جمعها في قاعدة اجرائية واحدة تتألف من تكليف وجزاء (7) .
- هذا عن هيكل قاعدة الاجراءات ، وتحديد طبيعتها . أما خصائصها فأبرزها أنها قاعدة « ثنائية » bilaterale بمعنى أنها تنطوي على اعتراف بحق diritto أو سلطة potere في طرف ، كما تفرض - في طرف مقابل - التزاما obbligo او اذعانا suggezione(8)
بيد أن الخصيصة الأولى لقواعد الاجراءات الجنائية هي أنها قواعد صادرة عن الدولة . فهذه القواعد -- لأنها تحد من طغيان السلطة التنفيذية على حقوق الفرد وحرياته التي كفلها له الدستور - انما تنطوي على مجموعة من الاجراءات التي تحرسها الدولة - كسلطة قضائية - في مواجهة الدولة كسلطة تنفيذية او ادارية . وهذا يتطلب بالضرورة أن تكون هذه القواعد صادرة عن الدولة .
ولكن أي نوع من القواعد الصادرة عن الدولة هي ؟ هناك من هذه القواعد نوعان : نوع يتولى وضع قيود على سلوك الأفراد وحرياتهم ونوع آخر يتولى التنظيم وتحديد الوظيفة في جهاز قانوني معين . وبينما تعد قواعد قانون العقوبات من نوع القواعد المقيدة للحرية ، فان قواعد الإجراءات تعد من قبيل القواعد التنظيمية أو المحددة للوظيفة . واذا أردنا أن نحدد المجال الذي تعمل فيه هذه القواعد ، لوجب أن تقول أنه المجال الخاص بتنظيم الدعوى العمومية وسير الخصومة فيها .
على أن هذا لا يكفي لتحديد خصائص قاعدة الاجراءات الجنائية ، فالحق أن القاعدة القانونية يمكن تقسيمها إلى قواعد أصلية أو أولية وقواعد تبعية أو ثانوية . فبينما تعد قواعد قانون العقوبات من قبيل القواعد الأصلية أو الأولية فان قواعد الاجراءات الجنائية تعتبر من قبيل القواعد التبعية أو الثانوية ، ذلك أنه لا يتصور أن تمارس قاعدة الاجراءات وظيفتها الا بافتراض قيام جريمة ترسم قاعدة العقوبات نموذجها التشريعي • ولهذا فلا بد أن تقوم أولا قاعدة العقوبات حتى يتصور بقاعدة الاجراءات أن تؤدي وظيفتها . ومن هنا كانت قاعدة الاجراءات قاعدة أصلية وقاعدة الاجراءات قاعدة تبعية .
- المخاطبون بقاعدة الاصول او الاجراءات :
تتوجه القاعدة الإجرائية بالخطاب الى جميع الأشخاص الذين تضع القاعدة على كاهلهم عبنا أو التزاما أو تعطيهم حقا أو سلطة . وعلى هذا الأساس لا يعتبر الخصوم الاصليون في الدعوى ( النيابة - المتهم - القاضي ) ولا الخصوم المنضمون اليهم ( المدعي المدني والمسؤول عن الحق المدني ) ولا مساعدو القاضي ( الخبراء - المترجمون 000) وحدهم مخاطبين بالقاعدة الاجرائية ، وانما يكون جمهور الحاضرين في الجلسة جميعا مخاطبا بالقاعدة الإجرائية ( اذ يضع على كاهلهم التزاما بمراعاة النظام في الجلسة والا جاز رفع الدعوى عليهم مباشرة طبقا لنص المادة 24۳ اجراءات مصري والمادة ۳99 وما بعدها أصول محاكمات جزائية لبناني) بل قد يكون « الغير ، مخاطبا بالقاعدة الاجرائية ، كما اذا صدر أمر بتفتيش مسكن فان حائز المسكن يكون ملزما بالتمكين القاضي التحقيق من اجراء التفتيش(9) . أو كما في حالة استدعاء شاهد اذا رأى قاضي التحقيق أو القاضي عموما ضرورة سماع أقواله فاذا تخلف جاز أن توقع عليه عقوبة جنائية(10) .
بل أن قاعدة الاجراءات تتوجه بالخطاب الى كل من علم بأمر الجريمة ، اذ يقع عليه عندئذ واجب البلاغ عنها . ( راجع على سبيل المثال المادتين 24، 25، من قانون الاجراءات المصري والمادتين 25 ، 26 أصول لبناني ) . وأحيانا يكون الامتناع عن اداء هذا الواجب جريمة في قانون العقوبات ( راجع على سبيل المثال المادة 84 من قانون العقوبات المصري والمواد ۳98 و ۳99 و 400 من قانون العقوبات اللبناني، والمواد 186 و 258 و 259 و 260 من قانون العقوبات الليبي ) .
على أنه مما لا شك فيه أن أهم الأشخاص المخاطبين بالقاعدة الاجرائية هو القاضي . فبمجرد أن ترفع اليه خصومة بالطرق الصحيحة يلتزم بالفصل فيها والا تعرض للعقوبة المقررة بالمادتين 121 و 122 من قانون العقوبات المصري والمادة ۳71، وما بعدها من قانون العقوبات اللبناني ، وحقت مخاصمته طبقا للمادتين 3 و 565 من قانون الاصول المدنية .
____________
1- في الدستور اللبناني لنص المواد 8 و 14 و 15 على حقوق الأفراد وحرياتهم التي بتولي القانون صيانتها. كذلك المادة 15 و 16 و 19 و 144 و 145 من الدستور الليبي على أهم الحقيق والضمانات المقررة للأفراد وللقضاة في ممارستهم لأعمالهم القضائية .
2- بل اننا نعتقد أن قواعد تأديب القضاة انما هي في طبيعتها قواعد خاصة بالقانون الإداري . وبالرغم من الضمانات المقررة لمحاكمة القضاء الا أن هذا لا يمنع من أن القواعد الخاصة بالمسئولية التأديبية لأعضاء الجهاز القضائي ذات طبيعة ادارية ، وان الجرائم التي يرتكبها امضاء هذا الجهاز هي في الحقيقة جرائم موجهة ضد مرفق الادارة لا مرفق القضاء .
وراجع في ذلك :
GRISPIGNI, Diritto processuale pénale, I, 1945, p. 62.
3- GRISPIGNL, op. cit., p. 16; DE MARSICO, Diritto process suale 1966 No 16 .p
4- لنص المادة الأولى من القانون المدني المصري في فقرتها الثانية بانه " اذا لم يوجد نص لتر بس يمكن تطبينه ، حكم القاني بمنتني البرد ، بدا لم يوجد ، لبمندي التربية الاسلامية ، اذا لم توجد ، فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ".
5- GRISPIGNT, op. cit., p. 90.
6- راجع المواد 445 وما بعدها من قانون اصول المحاكمات اللبناني والمواد 459 وما بعدها من قانون الاجراءات المصري والمواد 420 وما بعدها من قانون الإجراءات الجالية الليبي .
7-G. LEONE, Latituzioni di Diritto Processuale Penale, 1968, oly Vol. 1, No. 2, p. 17.
8- فالقاعدة الاجرائية لعدد مراكز المخاطبين بها على نحو يتفاوت بين الحق diritto والسلطة potesta والرخمة facolta والالتزام obbligo وواجب الاذعان suggezione . فالقواعد المنظمة للخصومة الجنائية نعطي للنيابة العامة " حقا " ، diritto يتحلل في الحقيقة الى حق شخصي diritto soggettivo وسلطة potesta ) ومن ناحية مقابلة نضع على كامل القاضي " التزاما ، بالفصل في الدعوى ، كما تضع على المتهم واجب الاذعان للحكم . وصاحب الحق في الشكوى لديه " رخصة " في استعمالها أو عدم استعمالها طبقا لما برا، وكذلك فان الاوامر التي تصدرها النيابة او قاضي التحقيق بالإحضار او القبض او الحبس ( التوقيف ) تضع على المتهم ( بالمعنى الواسع ) واجبا بالإذعان والخضوع لتنفيذ الامر . وقولنا. ان هناك حقا او سلطة أو رخصة او التزاما او خضوعا لا ينفي أن هناك شروطا، خاصة بالميعاد او بالشكل. ويترتب على عدم مراعاتها جزاء اجرائي معين بتفاوت بين اقدم الصحة Irregolaritar او البطلان nullitA او السقوط decadenza أو عدم التبول n Insmissibilita واخيرا فان القاعدة الإجرائية ند تخاطب اشخاصا من الغير اي من غير الخصوم في الدعوى ، كالشهود والخبراء والمترجمون والحائرون في الجلسة وغير المتهم المراد تفتيش منزله ، وهؤلاء عليهم والتزام ، بتركب على مخالفته تو نبع جزاء قد يكون مقوبة جنائية .
وراجع ما يلي، فقرة 2۳ .
وراجع ايضا : LEONE, op. cit., p. 17.
9- راجع المادة 90 من قانون الاصول الجزائية اللبناني ، والمادة 93 من قانون الإجراءات الجنائية المصري والمادة 76 من قانون الإجراءات الليبي
10- راجع المواد (84 و 164 و 315 من قانون الاصول الجزائية اللبناني والمواد 117 و 119 اجراءات مصري والمادة 210 عقوبات ليبي و 99 اجراءات ليبي .
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|