المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مقبرة (انحور خعوي) مقدم رب الأرضين في مكان الصدق في جبانة في دير المدينة
2024-11-24
اقسام الأسارى
2024-11-24
الوزير نفررنبت في عهد رعمسيس الرابع
2024-11-24
أصناف الكفار وكيفية قتالهم
2024-11-24
الكاهن الأعظم «لآمون» (رعمسيس نخت) وأسرته
2024-11-24
نقل تماثيل الملك «رعمسيس الرابع»
2024-11-24

السيد عز الدين حسين بن السيد المرتضى
2-7-2017
Sickle cell anemia (hemoglobin S disease)
1-9-2021
The standard language
7-3-2022
النظرية الكلاسيكية للمجال classical field theory
22-4-2018
البيعة لإِبراهيم بن المهدي
26-8-2017
k-Cyclic Graph
1-3-2022


نفی التحریف عند الإمام الخمیني في کتاب «کشف الأسرار»  
  
2480   07:00 مساءاً   التاريخ: 27-04-2015
المؤلف : جواد علي كسار
الكتاب أو المصدر : فهم القرآن دراسة على ضوء المدرسة السلوكية
الجزء والصفحة : ص 559-572.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / تاريخ القرآن / التحريف ونفيه عن القرآن /

لقد أثار الكتاب عند نشره مترجما من قبل دار أردنية في النصف الثاني من الثمانينيات ضجّة مفتعلة ومؤسفة، ترتدّ بجميع دوافعها إلى الصراع السياسي بين المشروع الإحيائي الخميني ومناوئيه. ولم يكن اكتشافا باهرا أن يعرف الجميع أنّ ما أثير من حول الترجمة العربية لهذا الكتاب إنّما كان صدى لشرارة الحرب العراقية الإيرانية التي كانت مستعرة يومئذ، وانعكاسا لطبيعة تحالفات القوى واصطفافها مع المشروع الإسلامي أو ضدّه.

المؤسف أنّ طبيعة التعامل مع هذا الكتاب في مسألة التحريف التي تعنينا، أعادت إلى الأذهان مرّة اخرى قصة توظيف السياسة لقضايا علمية لها صلة مسيسة بعقيدة الامّة وسلامة دينها، منها مسألة التحريف التي تحوّلت إلى أداة في الصراع السياسي والاحتقانات المذهبية، وابتعدت من ثمّ عن روح البحث العلمي الذي ينشد الحقيقة بالبرهان.

لقد كان يمكن أن نعزف عن هذه الضجّة وما نسبته من أقاويل باطلة إلى الشيعة والإمام الخميني في قضية سلامة القرآن ونغضي عنها تماما، لو لا تورّط بعض الأقلام الجادة فيها. فهذا بالضبط ما دعانا إلى أن نمكث معها قليلا.

الشكعة والتحريف!

بعد انتصار الثورة الإسلامية شهدنا جهودا حثيثة لامتصاص الزخم العام للمشروع الخميني، في محاولة تسعى لمحاصرته داخل حدود إيران، والقضاء على أي فرصة لتفاعل العالم الإسلامي مع معطياته. وفي هذا السياق بدأ تسخير موروث الصراع القديم واضحا في هذه المعركة، فقد استعيد بما كان يحفل به من شحناء وشبهات وأقاويل، فثارت مجددا شبهة تحريف القرآن، وتطاولت الأقلام برمي الشيعة بها، بل تبرّع بعضهم للصق الشبهة بالإمام الخميني متّهما إياه بالقول بالتحريف!

لقد قيل الكثير على هذا الصعيد، بيد أنّ ما يبعث على الأسف هو تورّط بعض الأقلام الجادّة، كما حصل ذلك للدكتور مصطفى الشكعة في كتابه «إسلام بلا مذاهب». فقبل أكثر من أربعة عقود من الآن، بالتحديد سنة (1960 م) صدر كتاب الشكعة وهو يتميّز بروح وصل المسلمين إلى بعضهم، وجمع كلمتهم على الوحدة والألفة وعدم تضخيم الخلافات المذهبية.

كانت هذه الرغبة واضحة في مقدّمة الكاتب للطبعة الاولى، كما في تقديم الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر للكتاب، بالإضافة إلى انبساط النهج الموضوعي وسريانه في معالجاته. ففيما يتعلّق بالشيعة الإمامية تحديدا؛ يمكن القول إنّ المؤلّف انتهج في الطبعات الاولى روحا معتدلة بعيدة عن الشحناء والأهداف المبيّتة، دون أن يعني التسليم بكلّ ما ذكره.

ما كنّا نتمنّاه للكاتب أن لا ينزلق بقلمه إلى نار الفتنة التي أثيرت لأهداف‏ معروفة، بعيدة كلّ البعد عن مرامي العلم والأغراض النزيهة، بخاصّة وأنّ الكتاب يرمي إلى تحقيق غاية نبيلة متمثّلة بجمع كلمة المسلمين، عبر التركيز على القواسم المشتركة والنظر بروح موضوعية أخويّة لمواضع الخلاف، بيد أنّه لم يفلح!

فقد سمح لنفسه وقلمه أن يتورّطا بما تورّط به غيره من تخرّصات وأكاذيب رخيصة، ليحمل بذلك أزره ويمضي إلى ربّه فيقف بين ساحته كي يحاسب على كلّ كلمة خطها قلمه.

ثمّ كثير ممّا كان ينبغي أن ينبّه إليه المؤلّف ويناقش فيه ما كتب، بيد أنّنا سنهتم بما أثاره حيال القرآن الكريم، بالتحديد ما نسبه إلى الإمام الخميني وهو يزعم :

أوّلا : إنّ الإمام الخميني يميل للقول بالتحريف، وبنص الدكتور الشعكة : «إنّ آية اللّه الخميني يقول بترجيح تحريف القرآن» (1)!

ثانيا : لا يقف الدكتور الشعكة عند حدود هذه التهمة وإنّما يتجاوزها إلى فرية كبيرة، حين يتهم الإمام بأنّه يوحي بالقول أنّ القرآن مع صنع النبي، ومن ثمّ فهو مفتوح للزيادة والنقيصة! يقدّم الكاتب هذه الفرية من خلال النص التالي : «و في موضع آخر من كتاب (كشف الأسرار) في أمر يتصل أيضا بالإمامة، يصوغ آية اللّه الخميني فكرته في أسلوب يوحي إيحاء مباشرا بأنّ القرآن من صنع محمّد». ثمّ يضيف مباشرة وبالنصّ : «و ما دام الأمر كذلك ومحمّد بشر، فإنّه من الممكن أن يتعرّض القرآن للتحريف». ثمّ يخلص للقول : «إنّ آية اللّه الخميني يقول بترجيح تحريف القرآن بسبب النص على أنّ الإمامة وظيفة إلهية كالنبوّة، ويوحي في موقع‏

آخر بأنّ القرآن من النبي. وهما بادرتان لهما خطرهما، لأنّهما صادرتان من أكبر مرجع ديني شيعي في هذين العقدين من الزمان» (2).

عند ما تفقد الأقلام مسئوليتها، وحين تنأى الكلمة عن خطّ الأمانة وتتحوّل إلى «بضاعة» يتقاذفها اللاعبون في ما زاد الصراع السياسي والطائفي، لن تأتي النتائج أفضل ممّا رأيناه عند الشكعة!

أ ليس عجيبا أن يتحوّل الخميني الذي يسجّل صراحة بأنّ الإسلام مدين في بقائه للقرآن، هذا «القرآن الذي بقي محفوظا لم تتغيّر منه حتّى كلمة واحدة» (3) بل لم «يزد عليه حرف ولم ينقص منه حرف» (4)؛ أن يتحوّل وفاقا للغة الافترائية هذه إلى مائل للقول بالتحريف؟! وألا يبعث هذا التخرّص على الأسف والإمام قد سجّل نصّا في كتاب صادر باللغة العربية قبل نصف قرن بطلان مزعمة التحريف وأنّه لا يركن إليها «ذو مسكة» (5)؟ ثمّ ألا تكون المصيبة في ذلك أدهى والفاجعة بها أعظم والإمام يصف مزعمة التحريف ب «القول الفظيع والرأي الشنيع» وب «الفساد»؛ وإنّها «ممّا بكت عليه السماوات وكادت تتدكدك على الأرض» (6)، ويشدّد النكير على محدّث شيعي من المحدّثين قال بها (7)، بل يلوم معاصريه من العلماء لغفلتهم عن ردعه، ويقطع غائلته بأتمّ حجّة وأكملها، يفعل ذلك كلّه ويخطّه بيمينه باللغة العربية قبل (55) عاما من الآن‏ (8)، ثمّ يأتي مثل الدكتور مصطفى الشكعة يتجاهل ذلك كلّه وينسب إليه ترجيح القول بالتحريف، ثمّ والأنكى من ذلك فريته : إنّ الإمام يوحي بأنّ القرآن من النبي؟!

لقد مضى الإمام روح اللّه إلى ربّه، وكذلك الشكعة وسيقفان بين يدي مليك مقتدر، ولا أحسب أنّ الشكعة وأضرابه بقادر على أن ينجو بنفسه من هذه الفرية العظيمة، وأن يخرج بمفازة يوم الحساب. هذا فضلا عن أنّ مثل هذا الكذب المفضوح والافتراء الشنيع يحوّل صاحبه إلى سبّة بل إلى لعنة تجري على لسان كلّ إنسان حر يتحلّى بالمسئولية والضمير اليقظ ، جراء ما اجترحته يداه وأثر التبعات الاجتماعية الكبيرة والإضرار النفسية المدمّرة التي تتركها هذه الأكاذيب على وضع الامّة المسلمة وانسجامها، وما اللّه بظلام للعبيد.

الترجمة المشئومة!

ما هو المستند الذي أقام عليه الدكتور الشكعة دعاواه في نسبة ما نسبه إلى الامام؟ لقد أهمل الكاتب كلّ تراث الإمام الموضوع باللغة العربية مباشرة أو المترجم إليها، واستند إلى ترجمة عربية لكتاب «كشف الأسرار» صادرة عن دار نشر أردنية (9).

والواقع أنّ الدكتور الشكعة لم يكن الوحيد الذي جرّته هذه الترجمة إلى المنزلق الخطير- هذا إذا كانت القضية فعلا قضية منزلق- بل كان معه آخرون ممّن ساهم بردود فعل حادّة عبّرت عن نفسها بكتب أو مقالات‏ (10).

أسجّل في البدء أنّ كتاب «كشف الأسرار» الذي أصدره الإمام بالفارسية مطلع الأربعينيات الميلادية بعد عزل الحلفاء لملك إيران الأسبق رضا خان، لم يترجم إلى العربية من قبل أية مؤسّسة تابعة لإيران في الداخل أو الخارج، برغم كثرة ما صدر مترجما إلى العربية من كتب الإمام وبياناته وخطبه. وبذلك فلا يزال الطريق الوحيد الذي يسلكه الناطقون بالعربية إلى هذا الكتاب، الترجمة الأردنية.

لا تسع صفحات هذا الكتاب لفتح ملف هذه الترجمة وما ألحقته من تحريف مقصود بالنص الفارسي يفضح الأهداف المبيّتة التي تقف وراء المحاولة برمتها، وإنّما أكتفي بملاحظات سريعة أقتبسها من الدراسة النقدية الموسعة التي نشرتها عنها مجلة «عالم الكتاب» تحت عنوان دال، هو «تساؤلات ومحاكمات!»، ذيّلته بعنوان فرعي، هو «كشف الأسرار الخمينية بين أصله الفارسي والترجمة الأردنية»، ساهم في كتابة نص الدعوى الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا رئيس قسم اللغات‏

الشرقية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة (11).

قدّم الدكتور شتا لدعواه ضدّ الترجمة العربية بكلام دال، جاء فيه : «لطالما لاحظت أنّ هناك أناسا لا يهمّهم أن ينهدم بناء الإسلام نفسه، بشرط أن يسقط على أمّ رأس آية اللّه الخميني. أمّا والرجل قد لقي ربّه فالقضية هنا علمية في حاجة فعلا إلى مدّع عام لا ببليوغرافي، بل إلى مدّع عام فحسب، لأنّ هذه الترجمة صارت مصدرا لكلّ ناعق على ثورة إيران الإسلامية وقائدها».

انطلاقا من خبرته المشهودة باللغة الفارسية واستنادا إلى العدد الكبير من الترجمات والتأليفات التي قدّمها عن إيران ومشهدها الأدبي والفكري والسياسي‏ (12)،

قدّم شتا تقويمه لمستوى مترجم الكتاب ثمّ لمقدّمه والمعلّق عليه. عن المترجم أبدى شكوكه في الدكتوراة التي يحملها، وهو إن كان دكتورا فليس باللغة الفارسية بالتأكيد، ثمّ قال : «على كلّ حال، فإنّ المترجم الذي تصدّى لهذا الكتاب الذي ألّفه فقيه بارز في ظروف خاصّة، وردّا على كتب معيّنة، ومستخدما مصطلحا معيّنا يجهله المترجم كلّ الجهل، يدلّ بترجمته هذه التي نسميها ترجمة تجاوزا، على خلوّ ذهنه تماما من كلّ هذه الجوانب».

عن المقدّم كتب الدكتور شتا نصا : «عند ما تكون الترجمة من تقديم أستاذ في الشريعة هو أحمد الخطيب، يرى أنّ قول الإمام الخميني ببقاء الأرواح بعد فناء الأجساد هو إيمان بالتناسخ وكفر بالبعث والحساب، وأنّ مجرّد مخالفة رأي الشيعة لرأي شريحة من أهل السنة بشأن زيارة القبور يجعلهم مشركين، وأنّ الإفراط في محبّة آل البيت هو هدم للتوحيد، وأنّ آية اللّه الخميني المتوفى سنة 1989 م هو أوّل من قال بالبداء، تلك القضية التي خاضت فيها كلّ الفرق الإسلامية من شيعة وسنّة ومعتزلة ومرجئة وقدرية ... عند ما يكون الكتاب من تقديم أستاذ في الشريعة هذا أسلوبه، علينا إذن أن نطوي كشحا عنه وألا نخوض فيه».

أمّا بالنسبة إلى المعلّق سليم الهلالي، فيكتب عنه الدكتور شتا، بالنص :

«لأوّل مرّة أجد إلى جوار أستاذ الشريعة الذي يدلّ كلامه على انعدام أية صلة بالتراث الإسلامي؛ أجد أيضا شيئا جديدا لا سابقة له في الكتب؛ أجد معلّقا يسمّى سليم الهلالي، وفي أوّل تعليق له أخرج فيلسوف الإسلام العظيم أبا علي بن سينا من‏ حظيرة الإسلام، وجعله : ملحدا من القرامطة!». ثمّ يشير إلى محتوى تعليقات الهلالي، بقوله : «لا يخرج تعليق المعلّق في كلّ الأحيان عن شتائم مقذعة يصبّها على مؤلّف الكتاب آية اللّه الخميني ... ولأوّل مرّة- ولعلها آخر مرّة- يبصر فيها المرء اسما على كتاب تكون كلّ إسهاماته في هذا الكتاب شتائم من هذا القبيل، وقد ساعده المترجم بتقديم ترجمة خاطئة تفتح شهيته للشتائم».

ثمّ ينتقل الدكتور شتا في مقاله النقدي المهمّ، لإعطاء الأدلّة والشواهد الرقمية المكثّفة على خطأ الترجمة وتحريفها لنصوص كتاب «كشف الأسرار» مقارنا بين النص الفارسي والترجمة العربية ليخلص للقول بعد مطاف طويل : «لا يكاد المترجم يترك فرصة واحدة لتشويه الكتاب دون أن يأخذها». وأيضا قوله :

«لا تكاد توجد صفحة واحدة من الترجمة تخلو من حذف».

عند ما شعر الدكتور شتا أنّه ربّما أدخل الملالة على القارئ بكثرة استشهاداته ومقارناته لما اجترحه المترجم من أخطاء وتشويهات، حسم أمره بالقول : «و لكي أعدد أخطاءه يلزمني القيام بترجمة الكتاب من جديد». ثمّ راح يتساءل : «لا أدري مهما أجهدت فكري لما ذا يعتبر هذا الكتاب (المنتج) عن عمد أو قصد أو جهل أو عن كلّ هذا معا وثيقة، واتخاذه حجّة ضدّ آية اللّه الخميني، وهو حجّة في الحقيقة على من كتبوه؟!» (13).

على مثل هذه الترجمة التي كشف مقال مجلة «عالم الكتاب» عن أجوائها وملابساتها ومضمونها، ثمّ مدى ما تحظى به من أمانه وصدق، اعتمد الدكتور مصطفى الشعكة والشيخ عبد المنعم النمر وغيرهما ممّا نسبوه إلى الإمام حول‏

القرآن الكريم وبقية المسائل.

ربّ سائل يقول : وما يدري هؤلاء بحقيقة الترجمة ومحتواها وأنّها محرّفة؟

الجواب واضح. فالترجمة الدعائية التي تقدّم نفسها في إطار أهداف سياسية مبيّتة، واضحة كلّ الوضوح، وليس من المعقول أنّها تخفى على أمثال كاتب كالشكعة.

فالدار أردنية، وموقف الأردن الرسمي السابق معروف من إيران والثورة الإسلامية والإمام الخميني. ثمّ إنّ التعليقات فاضحة تكشف نوايا أهلها وأصحابها ومن يقف وراءها، فضلا عن ما يرافق النص من تعابير واصطلاحات، هي أنأى ما تكون عن أسلوب العلماء والفقهاء، فعالم كبير كالشيخ عبد المنعم النمر وكاتب من وزن مصطفى الكشعة لا تفوت عليهما مثل هذه الأساليب، وهما المأنوسان بعبارات العلماء وأسلوبهم في الكتابة!

ما ذا جاء في «كشف الأسرار»؟

مادّة كتاب «كشف الأسرار» مادّة واسعة، فعلى مدار أكثر من ثلاثمائة صفحة، قدّم الإمام محاولة لتحليل واقع المجتمع في إيران بعد انتهاء عهد رضا خان، وبروز فسحة من الانفتاح السياسي إبّان المرحلة الانتقالية التي دفع به الحلفاء محمد رضا شاه للحكم خلفا لأبيه الذي عزلوه. في ظلّ أجواء الانفتاح تلك، أطلّت تيارات الفكر بتلويناتها المختلفة على المجتمع الإيراني، وراحت تبثّ ثقافة هجينة تجمع بين الليبرالية، والميول المادية وبعض النزعات المنحرفة التي تتلبّس ثوب الإسلام، ويتلفّع بعضها بدعوات تجديد الفكر الديني وممارسة الإصلاح المذهبي.

على أساس هذه الخلفية انطلق كتاب «كشف الأسرار» يجمع في تركيبته‏ بين التحليل الاجتماعي لواقع المجتمع الإيراني آنئذ، مع إشارات مباشرة إلى الواقع السياسي، مضافا إلى معالجة الشبهات التي راحت تحوم من حول عدد من القضايا العقيدية والمفاهيم الإسلامية، مستفيدا في ذلك كلّه من المناسبة التي أتاحها كتاب «حكمي زاده» وضرورة الردّ عليه‏ (14)، حيث عطّل الإمام درسه لمدّة شهرين وتفرّغ للجواب على إثارته وشبهاته، بالإضافة إلى تحليل ونقد المرتكزات التي يقوم عليها هذا النمط من التفكير.

بيد أنّ ما يعنينا من ذلك كلّه، هو ما جاء عن مسألة تحريف القرآن، لنلمس هل أنّ ما جاء فيه يمكن أن يسمح بأدنى التباس يسوّغ للآخرين ادعاءاتهم؟

على طريقته في الكتاب كلّه، ذكر الإمام في البدء الشبهة التي أثارها حكمي زاده على هذا الصعيد محصورة بين قوسين، ثمّ شرع بالجواب عليها. كتب ما نص ترجمته : «و يقول [يقصد حكمي زاده‏] أيضا : لقد ذكرت الإمامة في القرآن كثيرا، ولكنّهم أسقطوها». ينسب مؤلّف كتاب «أسرار عمرها ألف عام» هذه الدعوى إلى الشيعة، فيردّ عليه الإمام بما نص ترجمته : «مع من تحدّثت حيال هذه المسألة وممّن سمعت الجواب؟ ربّما تكون قد رجعت بنفسك إلى بعض الكتب أو بعض الأخبار، ممّا يوحي للوهلة الاولى ومن خلال النظرة العامية [النظرة السطحية غير المتعمّقة ولا المتأمّلة] بأنّ شيئا من القرآن قد سقط منه. إنّ ما تفعله أنت‏ وأمثالك من خلال الرجوع إلى الأخبار ومطالعة الكتب العلمية، عبر هذا المستوى العقلي والعلمي يعدّ بذاته عيبا من العيوب. ففهم الأخبار وكتب العلماء يتطلّب جهودا عظيمة. فهذه ليست كتبا قصصية وروائية بحيث يمكن الرجوع إليها هكذا، ويصار إلى فهم شي‏ء منها على هذا النحو.

إنّ رجوعك مباشرة إلى تلك الكتب هو كرجوع الفلاح إلى الفلسفة العالية أو مطالعة الحمامي للرياضيات العالية. فهم الكتب العلمية يحتاج للتخصّص، ولأنّك دخلت دائرة الأخبار والكتب بجهل وكحاطب ليل، فقد جاءت النتيجة [قولك‏] إنّهم [الشيعة] يقولون بأنّ الإمامة كانت موجودة في القرآن، وقد أسقطوها [أي أسقطها الآخرون ممّن لا يروق لهم تصريح القرآن بالإمامة نصّا على حد هذه المزعمة].

الأخبار التي رجعت إليها [و فهمت منها التحريف‏] ترتبط بالتفسير والتأويل.

ما نقوله نحن؛ أنّ‏ {أُولِي الْأَمْرِ}[ النساء : 59] في القرآن و{أَهْلَ الذِّكْرِ} [ النحل :  43 والأنبياء : 7] في كثير من الآيات، و{أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب : 33]‏ في آية التطهير، والصادقين في آية : {كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[ التوبة : 119]‏ ، و{حبل اللّه} [آل عمران  : 103] في آية الاعتصام بحبل اللّه‏، وصراط اللّه والصراط المستقيم، والمؤمنون في آية {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ‏}[ المائدة : 55] ، والأمانة في الآية : { إِنَّاعَرَضْنَا الْأَمانَةَ}[ الاحزاب : 72] ومئات غير هذه الآيات تدور بأجمعها حول الإمامة والإمام ، لا أنّ اسم الإمام قد ذكر على نحو الخصوص في القرآن.

على أنّ هذا الذي نذكره لا يقتصر على أخبار الشيعة وحدها، بل ذكره أهل السنّة أيضا، وهو موجود في كتبهم، وبمقدور أيّ إنسان أن يعود إلى الكتب المصنّفة في هذا الباب، لو شاء. إنّ كثيرا من تلك المصنّفات مذكور في كتاب «غاية المرام» (15) ، كما مرّ عليها إجمالا كتاب «المراجعات» (16) للعلامة الكبير السيّد شرف الدين العاملي المعاصر، بحيث يمكنك الرجوع إلى ذينيك المصدرين.

أجل، ثمّ شي‏ء هنا يتمثّل في أنّ بعض الأخباريين والمحدّثين الشيعة والسنّة ممّن لم يعبأ العلماء بأقوالهم، خدع بظاهر بعض الأخبار، فأعلن مثل هذا الرأي [القول بالتحريف‏]. لكن العلماء ردّوا عليه، ولا وزن لكتابه‏ (17) في المجتمع العلمي» (18).

لست أدري ما الذي يمكن أن يثير الالتباس في هذا النصّ أو يوهم بأنّ الإمام يميل إلى القول بالتحريف؟ أولا تكون المصيبة أدهى حين نضيف إليه ما سبقه من نصوص الإمام زمنيا وما تلاه، وهي بأجمعها تلتقي على نفي التحريف نفيا قاطعا واستنكار القول به؟

يبقى تساؤل أخير يرتبط بطبيعة البواعث التي أملت على مترجم النسخة العربية من «كشف الأسرار» ودفعته إلى أن يحذف من الصفحة (80) من النص الفارسي بضعة أسطر تحدّث فيها الإمام عن القرآن. فبعد أنّ ردّ الإمام أقاويل حكمي زاده عن المعجزة والدعاء والبداء والشفاعة وغيرها، ذكر أنّ الهدف الأساسي للتيّار التشكيكي ليس العلماء وكتبهم وإنّما القرآن، وبنص تعبيره : «القرآن هو الهدف الأساسي لهؤلاء». لذلك كلّه راح يحذّر شعبه بالقول : «لقد نبّهناكم، وكشفنا لكم أحابيل هؤلاء وأكاذيبهم، وأثبتنا بالاستناد إلى القرآن بطلان أقاويلهم». ثمّ أخذ يهيب بشعبه ويستنهضه لكي يبادر إلى استئصال شأفة التشكيكيين الطامعين، ويتوسّل بالقرآن أن يكون لهم خير معين، وهو يقول نصّا : «يا امّة القرآن الغيورة اقطعي أيادي هؤلاء الطامعين، وحطّمي أقلام هؤلاء الجناة، ليبق لك القرآن تاج كرامتك وعنوان شرفك. أيّها القرآن العزيز، ويا هدية السماء، ويا أيّها الدستور الإلهي الجليل، ويا مرشد البشر إلى السعادة، ويا أيّتها الشمس الطالعة من افق الغيب، ويا رصيد كرامة امّة الإسلام ومبعث فخرها، ويا محطّم قواعد الباطل؛ أيقظ أمّتنا، ونبّه شباب وطننا، وهبهم روح الوحدة والاخوّة، وأحي فيهم نبض الجهاد وروح التضحية والفداء، وكن سندا وملاذا وملجأ لشبابنا» (19).

لا أعرف سببا دعى مترجم النسخة العربية إلى حذف هذه الكلمات التي تفيض بمدح القرآن وتمجيده، غير ما ذكره الدكتور شتا الذي أضمّ إليه صوتي، وهو يقول : «تراه ضنّ على المؤلف بأن يبدو عاشقا للقرآن الكريم؟» (20). ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم!

___________________
(1)- إسلام بلا مذاهب : 209.

(2)- نفس المصدر : 208- 209.

(3)- صحيفه امام 4 : 448.

(4)- نفس المصدر 20 : 92.

(5)- راجع : تهذيب الاصول 2 : 165.

(6)- راجع : أنوار الهداية 1 : 247 و245.

(7)- هو الشيخ حسين النوري.

(8)- انتهى الإمام من تعليقته على كتاب «كفاية الاصول» الموسومة بأنوار الهداية، بتاريخ رمضان المبارك سنة 1368 كما هو مثبت يخط يده في مصورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة المطبوعة مقدمة النسخة المطبوعة. راجع : أنوار الهداية 1 : 28.

(9)- كشف الأسرار، ترجمة الدكتور محمد البنداري، دار عمان للطباعة والنشر، الاردن 1987. هذا وقد اقترن الكتاب بالإضافة إلى المترجم باسمين آخرين، هما سليم الهلالي كمعلق على مواضع من الترجمة، ومحمد أحمد الخطيب مقدما للكتاب بوصفه دكتورا واستاذا للشريعة الإسلامية.

(10)- راجع على سبيل المثال : مع الخميني في كشف أسراره، للطبيب الفلسطيني أحمد كمال شعث، الفتنة الخمينية، سعيد حوّى، وكذلك مجموعة من المقالات التي صدرت في عواصم مختلفة كبغداد وعمّان والقاهرة، من بينها مقالة الدكتور عبد المنعم النمر نشرتها صحيفة الأخبار المصرية في شباط 1979.

(11)- تتألّف دراسة دورية «عالم الكتاب» من ثلاثة أجزاء، هي : خلفية وتمهيد وهو من تقديم المجلة، نص الدعوى وهو بقلم الدكتور شتا وأخيرا تعليق موسع للمجلة.

جدير ذكره أنّنا اعتمدنا في الرجوع إلى الدراسة على مجلة «التوحيد» التي أعادت نشرها كاملة في عددها الخامس والخمسين. (راجع : التوحيد، العدد 55، السنة العاشرة، ربيع الأوّل وربيع الثاني 1412 ه/ تشرين الأوّل وتشرين الثاني 1991 م : 133- 151).

(12)- كان أوّل ما قرأته من كتب الدكتور شتا ترجمته لمجموعة قصص الأديب الإيراني المعروف صادق هدايت والمقدمة الطويلة التي تناول بها حياته والأدب الفارسي. ثمّ اطلعت على مؤلّفه «الثورة الإيرانية : الجذور والإيديولوجية»، ومؤلّفه الآخر «الثورة الإيرانية : الصراع الملحمة النصر» الذي جاء في واقعه مكمّلا للإصدار الأوّل. ومنه شخصيا رحمه اللّه استلمت نسخة هدية من ترجمته لأهم أعمال المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي «العودة إلى الذات» تلك الترجمة التي منحت بمكانة المترجم وتقديمه وإيضاحاته الغنية في الهوامش، منحت فكر شريعتي دفعة كبيرة في العالم العربي، وجاءت ثانية بعد العمل التأسيسي الذي بادر إليه المثقّف العراقي المرحوم فاضل رسول في تعريف شريعتي إلى العرب لقد سعدت بإجراء أكثر من لقاء إذاعي وصحفي مع المرحوم شتا، حيث ذكر أنّ أعماله عن إيران تصل إلى العشرين بين ترجمة وتأليف ودراسات مستقلة.

(13)- راجع في توثيق النصوص : مجلة التوحيد، العدد 55 : 133- 151.

(14)- كان السبب المباشر الذي دفع الإمام لتأليف هذا الكتاب، هو الردّ على ما كتبه أكبر حكمي زاده في كتابه الموسوم «أسرار هزار ساله» والجواب بخاصّة على ما نسبه إلى الشيعة وعلمائهم بعد ذكر كلامه نصّا. الجدير بالذكر أنّ هذا الكتيّب صدر عام 1943 في (38) صفحة، حيث كانت الأفكار الوهابية تفوح منه برغم أنّ كاتبه ابن أحد علماء «قم» الكبار!

(15)- غاية المرام، تأليف السيد هاشم البحراني، المتوفى سنة 1138 ه.

(16)- المراجعات، للسيّد شرف الدين العاملي (1290- 1377 هـ) حيث تكرّرت طباعته عشرات المرّات بمختلف اللغات، مضافا إلى ما لكتبه الاخرى من أهمّية مثل «الفصول المهمّة في تأليف الامة»، «النص والاجتهاد»، «أبو هريرة»، «الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء» وغيرها كثير.

(17)- يبدو أنّه يعني به الشيخ حسين النوري.

(18)-  كشف الأسرار : 131- 132.

(19)- کشف الأسرار: 80، وکان مترجم النسخۀ العربیۀ قد حذف هذا المقطع تماما . راجع : کشف الأسرار، الترجمۀ العربیة : 96.

(20)- مجلة التوحيد، العدد 55 : 139.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .