أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-1-2016
4086
التاريخ: 27-04-2015
3632
التاريخ: 4-1-2016
2643
التاريخ: 12-10-2014
1827
|
يمكن أن يستدل على امتناع النسخ بأمرين :
1- الشيء لا يخلو اما أن يكون ذا مصلحة يؤمر به لأجلها أم لا، فإن كان ذا مصلحة وجب عقلا أن يؤمر به كل مكلف في كل زمان على مذهب العدلية والإمامية القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، وإن لم يكن ذا مصلحة وجب ألا يؤمر به فضلا عما إذا كان فيه مفسدة إذ وجب أن ينهى عنه، ومن المعلوم أن النسخ عبارة عن إزالة الحكم عن الوعاء المناسب له وهو وعاء التشريع، فإذا أمر الشارع بشيء في زمان لا يمكن أن ينهى عنه في زمان آخر.
و الجواب عن هذا الدليل أن الأفعال من حيث الحسن والقبح على نحوين :
الأول : ما يكون حسنا أو قبيحا في جميع الأزمنة والأمكنة، ولكل شخص وفي كل حال، نظير الاعتقاد قلبا بالمعارف الإلهية الحقة لأنه حسن وعدل في عالم العبودية وموافق للبراهين العقلية التي لا تكون قابلة للتخصيص والاستثناء ، لأن قاعدة نشوء المعلول عن العلة واحتياج الممكن المسبوق بالعدم إلى الواجب الموجد له ، لا تختص بشخص دون شخص وزمان دون زمان آخر وحالة دون أخرى، وحينذاك يحكم العقل بوجوب عقد القلب بالواجب الخالق للممكنات ويحكم بقبح الجحد به تعالى وتقدس.
الثاني : ما يكون بحسب طبعه الأولى حسنا أو قبيحا ولكن ربما يطرأ عليه عنوان ينقلب به عما كان عليه من الحسن أو القبح، ولذا قالوا بأن حسن الأفعال وقبحها كما يكون بالذات يكون أيضا بالوجوه والاعتبارات، وقالوا بأن ضرب اليتيم من هذا القسم، إذ ضربه بما هو ضرب إيذاء وظلم، فهو قبيح لا محالة، ولكن ضربه للتأديب حسن، ونحن إذ نقبل ذلك نقول بأن السر في انقلاب الحكم في نظير المثال المذكور إنما هو لعروض عنوان حسن على الفعل يكون أولى مطابقة لعنوان العدل من أصل الفعل فالانقلاب في الحقيقة موضوعي وليس بحكمي فقط، وتوضيح ذلك أن العدل هو الاستواء حسن وله عنوان عام ذو مصاديق غير محصورة بمقدار الموجودات، فالعدل قابل للانطباق على النظام الكوني من الذرة إلى الذروة، وكذا ما يقابله من الظلم وهو التجاوز عن الاستواء وله مصاديق عديدة، فالعدل في نظام الشمس إشراقها، والظلم وهو التعدي عن الاستواء تكويرها، والعدل في المجموعة العلوية التصاق أجزاء كل موجود علوي فيها بعضها ببعض مع حفظ مقدار نور كل واحد منها ومقدار بعد كل عن الآخر، فانفطارها وتفتت أجزائها كالعهن المنفوش إنما هو خلاف عدلها الكوني ونظامها الوجودي، وهذا المقياس موجود في كل شيء ماديا كان أو معنويا، فالعدل في المزاج إنما هو استواء نسبة كل عنصر من العناصر الموجودة في البدن مع الآخر وفقا للخلقة الإلهية المتقنة، وإن شئت عبرت بتعبير القدماء من التعادل بين الأخلاط الأربعة، بحيث لو زاد خلط ونقص آخر لانحرف المزاج وزال العدل وأفضى ذلك إلى الموت، وصح للسعدي أن يقول :
چون يكى چهار شد (1) غالب | جان شيرين برآيد از قالب | |
والعدل في الأخلاق إنما هو بتنظيم الغرائز البهيمية والسبعية والإنسانية، والظلم فيها انحرافها عن الاستواء بالانخفاض أو الارتفاع غير الموزونين، فالعدل في القوة السبعية شجاعة، وانحرافها النزولي جبن، وانحرافها الصعودي تهور، وحينذاك تقول بأن ضرب اليتيم انحراف عن الحقوق البشرية والحدود النظامية، لأنه تصرف فيما ليس للمتصرف التصرف فيه، لأن الضارب شخص واليتيم شخص آخر وليس اليتيم عبدا مقهورا للضارب، فضربه ظلم والظلم قبيح، ولكن العلم بالمعارف الحقة والنظام العملي والتخلق بالأخلاق الفاضلة والتجنب عن الرذائل السيئة عدل، والعدل حسن، وإذا تعارض العدل الأول مع الأخير، فلا ريب في كون المدار على الأخير دون الأول، فضرب اليتيم تأديبا له ايجاد للعدل في مزاجه الروحي. وهذا العدل الروحي الإنساني أعلى رتبة وأرفع درجة من العدل البدني، فإيراد الضرب على البدن وإن كان جورا، إلا أنه لمّا كان سببا لإيجاد الفضائل في الروح - وهو العدل المعنوي - كان حسنا، فالوجوه والاعتبارات المغيرة للحسن أو القبح إلى ضديهما كلها من هذا القبيل فتفطن، وبعد ذلك نقول بأن الحسن ما دام حسنا يكون مأمورا به، وكذلك القبيح ما دام قبيحا يكون منهيا عنه، والأحكام المنسوخة حيث كانت متعلقاتها ذات مصالح زمنية صارت مأمورا بها في تلك الظروف والأزمنة ونسخت بعد ذلك بالمعنى الصحيح للنسخ الذي سنوافيك به.
ولا سبيل للإشكال في نسخها من ناحية المصلحة والملاك، ولكمال التوضيح دقق النظر في أمر إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده ثم نسخ هذا الأمر بعد حضور وقت العمل والشروع في مقدماته القريبة المسببة للقتل، نعم ربما يقال بأن الأوامر الاختبارية التي تنسخ ليست من مقول النسخ المصطلح المبحوث عنه، لأن الحكم المنسوخ لا بد وأن يكون متعلقا بالمتعلق به حقيقة : لا على نحو الوصف بحال متعلق الموصوف، والأمر سهل بعد عدم التفاوت إلا من ناحية أن في الأوامر الاختبارية الأمر الواقعي ومتعلقه ظاهري، وفي النسخ المصطلح متعلق الحكم واقعي والاستمرار ظاهري.
وتوضيح ذلك أن في كليهما يرد اشكال الملاك، فيقال في مورد الأمر بالذبح مثلا ملاك الذبح موجود بدليل الأمر به، فلم لم يتحقق الذبح واكتفى الآمر بمقدماته مصرحا بأنك قد صدقت الرؤيا، وإن لم يكن فيه ملاك، فلم أمر إبراهيم به كما سمعت هذا الاشكال في مورد النسخ المصطلح؟، والجواب عن الاشكال في الأول أن الغرض هو الاختبار وقد حصل، وعن الاشكال في الثاني أن الملاك قابل للتغيير فربما يتغير، وملخص الكلام أنه يمكن أن تكون في الشيء بحسب الظروف الزمانية مصلحة إلى أن يأتي زمان آخر، وربما تتحقق للشيء مصلحة قاهرة بالنسبة إلى المصلحة الموجودة فيه سابقا، كما إذا اقتضت مصلحة التسهيل رفع اليد عن جملة من الأحكام الشاقة، ويشهد على ذلك ما نطلبه من اللّه سبحانه بقولنا حاكيا لكلام اللّه : {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة : 286].
2- إن النسخ يستلزم البداء وهو ملازم للجهل، فنسخ الأحكام يستلزم جهل اللّه بالعواقب، وهذا محال لأن التشريع ينشأ من علمه بالأصلح، وعلمه تعالى بالأشياء تكوينا وتشريعا عين ذاته القديمة، والجهل يستلزم النقص أولا والواجب منزه عنه والانقلاب ثانيا والواجب ليس محلا للتغيير، فالأحكام المطلقة زمانا- غير المحدودة بغاية وغير المؤقتة بوقت- وجب استمرارها في عمود الزمان واستحال طروء الزوال- النسخ- عليها.
والجواب أن الإطلاق الزماني ليس من المداليل الالتزامية للجمل الإنشائية الآمرة بشيء أو الناهية عنه، وإنما هو نتيجة الاطلاق في مقام البيان- الخالي عن التقييد بزمان دون زمان-، وتوضيح ذلك أن للجمل المسوقة لبيان الأحكام إطلاقات ثلاثة بحسب طباعها الأولية، وأعني بالطباع الارسال من النواحي الآتية وعدم التقييد بإحدى القيود الثلاثة :
الأول : الإطلاق من جهة الافراد.
الثاني : الإطلاق من جهة الأحوال.
الثالث : الإطلاق من جهة الزمان.
ونحن إذ نأخذ بالإطلاق الإفرادي للأشخاص في مثل : أكرم العلماء، وللأشياء في مثل : اغرس شجرة، ولا نفرق بين النحوي والصرفي في الأول، ولا بين العنب والرطب في الثاني، فكذلك لنا أن نأخذ بالإطلاق الزماني، ونقول إن وجوب الصدقة حال نجوى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مستمر بحسب الأزمنة، ولكن تلك الاطلاقات ليست مداليل التزامية للجمل المذكورة، كما أنها ليست مداليل مطابقية أو تضمنية لها بالضرورة، ولما كان للمتكلم أن يخصص العام ويقيد المطلق فكذلك له أن ينسخ، ولذا قال الشيخ الأنصاري بأن النسخ تخصيص أزماني، ولكننا نقول أن دليل النسخ حاكم على دليل المنسوخ حكومة مقامية.
وتلخيص الكلام أن النسخ إذا كان بحسب نفس الأمر وفي الواقع يكون مستلزما لجهل الباري جل وعلا ولكنه ليس كذلك، بل هو إزالة للحكم في مرحلة الظاهر على نحو الحكومة المقامية كما مرّ، وهو أنه في مورد النسخ لما كان المقام مقام الإطلاق من ناحية بيان زمان الحكم أخذ العرف بهذا الإطلاق وحكم بالاستمرار وأسنده إلى الشارع تطبيقا للظاهر على الواقع واستدلالا بعالم الإثبات على عالم الثبوت واستمر حكم العرف باستمرار حكم الشارع إلى زمان ورود دليل النسخ وظهر للعرف ما كان مختفيا عليه وهو أن الحكم كان محدودا من جهة الزمان إلى الحد الخاص الذي بيّنه دليل النسخ، فالنسخ والبداء متوافقان في أنهما ظهور بعد الخفاء، وإن شئت قلت ابداء من اللّه للناس ما أخفى عليهم أو كان مختفيا عنهم، وليسا بحدوث علم له تعالى شأنه بعد عدم علمه كما هو واضح، وأما المصحح للتعبير بالنسخ فلأنه إزالة للحكم في مرحلة الظاهر، فلا يرد الإشكال بأن دليل النسخ على ما ذكرتم إنما جاء لبيان انتهاء أمد الحكم، فالحكم لم يكن في نفس الأمر دائما، بل كان مؤقتا إذ يقال في الجواب بأن النسخ ظاهري صوري، نعم لو ذهب أحد إلى أن النسخ واقعي ورد عليه اشكال حدوث العلم للباري تعالى بعد جهله المستلزم لمحذور محدودية علم اللّه ولمحذور وقوع التغير في ذات اللّه وكلاهما مناف لوجوب وجوده، وقد يقرر الدليل العقلي على امتناع النسخ بتقريب يجمع بين الدليلين السابقين فيقال ان نسخ الحكم اما أن يكون لحكمة ظهرت للّه تعالى بعد أن لم تكن ظاهرة له، واما مع عدم الحكمة فإن كان الأول لزم البداء في علم اللّه تعالى، ومعنى البداء نشوء رأي لم يكن، فلا بد حينئذ من أن يكون اللّه جاهلا بالحكم والمصالح وتعالى اللّه عن ذلك لأن علمه بالمصالح الفردية والعائلية والنوعية- النظامية- عبارة عن العلم بالأصلح، والعلم بالأصلح- فرديا أو عائليا أو نظاميا- ذاتي له، ولا يكون بين ذاته المقدسة وبين علمه وسائر صفاته اثنينية وميز وتفاوت، إذ الصفات الذاتية للّه تعالى لا تنفك عنه ولا تتعدد ولا تتكثر، فلا تكون صفاته زائدة على ذاته فيستحيل حدوث التغير في الصفات كما في الذات لأن الصفات عين الذات.
وان كان الثاني لزم اللغو والعبث في التشريع، لأن التشريع كان على نحو الدوام أولا ثم نسخ ثانيا وهذا عبث، والحكيم تعالى منزه عن العبث اذ أن أفعاله طرا معللة بالأغراض، وإن كانت واصلة للبشر ونافعة لهم ولم تكن عائدة إليه تعالى وهو الغني بالذات، ولذا قلنا في محله بأن اللّه تعالى فاعل بالعناية والرضا، بل لابتهاج الذات بالذات أبدع وشرع معا.
والجواب أن الأحكام ناشئة عن الحكم والمصالح الا أنها ليست أبدية مطلقا، بل بعضها مؤقتة وبعضها تجددية وبعضها دائمية حيث تعترف بوجدانك أن شرب الخمر قبيح بحسب الطبع وحسن لحفظ الحياة، فالمراد من ظهور الحكمة بعد الخفاء إن كان عبارة عن عدم علمه تعالى بذلك فهو ممنوع ومستحيل، وإن كان انكشاف محدودية المصلحة السابقة أو تجددها فيما سيأتي من الزمان فهو حق ولا محيص عن الاعتراف به، فتلخص أن النسخ عبارة عن بيان انتهاء أمد الحكم، إلا أن صياغة الحكم على نحو العموم وإلقائه لا مؤقتا كان لمصلحة مختفية علينا، كما في قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة : 12] الآية ... إذ أن المصلحة كانت في إبداء الحكم مطلقا من جهة الأفراد ونسخه اللّه تعالى بعد نجوى علي (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) وتصدقه، وكانت تلك المصلحة هي توجيه الآراء ولفت الأنظار إلى مقام علي (عليه السلام)، وأن من اختص بهذه الميزة والفضيلة يكون أولى الناس بالخلافة وأبرزهم في المنقبة وأقربهم إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، ونحن لا نقول بأن المصلحة متمحضة في إعلامنا بالمنافقين التاركين للعمل بهذه الآية حتى يشكل علينا باستلزام ذلك نفاق كبار الصحابة بل يكفي في مصلحة النسخ إظهار أولوية علي (عليه السلام) بالمناقب والمكرمات من الصحابة.
وقد يستشكل في النسخ بأن دليل النسخ إن كان ناظرا إلى أن الحكم كان من الأول محدودا بغاية ومؤقتا بوقت، لزم ألا يكون هناك نسخ في الواقع لأن النسخ هو الإزالة، ولا إزالة في الحكم المحدود بغاية حين تحقق الغاية، وان كان ناظرا إلى أن الحكم المؤبد في الواقع أزيل من لوح التشريع لزم التناقض، والجواب اختيار الشق الأول، وأن النسخ قطع وإزالة في مرحلة الظاهر لا في نفس الأمر والواقع وأن المصلحة كانت في إبراز العموم أفرادا أو أزمانا فلا يكون في النسخ محذور كما لا يكون في التخصيص محذور.
تبصرة :
ذهب أبو مسلم بن بحر الاصفهاني إلى عدم وقوع النسخ في الأحكام وتجشم في موارد النسخ أمورا تخرج تلك الموارد عن كونها نسخا إلا أن إنكار النسخ مكابرة محضة ومحاولة لإخفاء ما هو بديهي، نعم قد استدل على عدم وقوعه في الخارج بقوله تعالى : {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت : 42] ، بتوهم أن النسخ إبطال للقرآن.
والجواب أن بيان الغاية ممن بيده البيان ليس إبطالا، كيف والقرآن ينص على جواز النسخ في قوله تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة : 106] فلا مانع عقلا من النسخ ولا دليل سمعا على عدم وقوعه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|