أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2020
3987
التاريخ: 2-10-2020
17550
التاريخ: 1-10-2020
11228
التاريخ: 2-10-2020
2839
|
قال تعالى : {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت : 25 - 29] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {وقيضنا لهم قرناء} أي هيأنا لهم قرناء من الشياطين عن مقاتل ومعناه بدلناهم قرناء : سوء من الجن والإنس مكان قرناء الصدق الذين أمروا بمقارنتهم فلم يفعلوا بين الله سبحانه إنه إنما فعل ذلك عقوبة لهم على مخالفتهم ونظيره ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهوله قرين وقيل : معناه خلينا بينهم وبين قرناء السوء بما استوجبوه من الخذلان عن الحسن .
{فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا حتى آثروه وعملوا له وما خلفهم من أمر الآخرة بدعائهم إلى أنه لا بعث ولا جزاء عن الحسن والسدي وقيل فزينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب وما خلفهم من أمر الدنيا من جمع الأموال وترك النفقة في وجوه البر عن الفراء وقيل : ما بين أيديهم ما قدموه من أفعالهم السيئة حتى ارتكبوها وما خلفهم ما سنوه لغيرهم ممن يأتي بعدهم {وحق عليهم القول} أي وجب عليهم الوعيد والعذاب {في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} : أي صاروا في أمم أمثالهم كذبوا لتكذيبهم قد مضوا قبلهم وجب عليهم العذاب بعصيانهم ثم قال سبحانه {إنهم كانوا خاسرين} خسروا الجنة ونعيمها .
ثم عطف سبحانه على ما تقدم من ذكر الكفار فقال {وقال الذين كفروا} أي قال رؤساؤهم لأتباعهم أوقال بعضهم لبعض يعني كفار قريش {لا تسمعوا لهذا القرآن} الذي يقرؤه محمد ولا تصغوا إليه {والغوا فيه} أي عارضوه باللغو والباطل وبما لا يعتد به من الكلام {لعلكم تغلبون} أي لتغلبوه باللغو والباطل ولا يتمكن أصحابه من الاستماع وقيل الغوا فيه بالتخليط في القول والمكاء والصفير عن مجاهد وقيل : معناه ارفعوا أصواتكم في وجهه بالشعر والرجز عن ابن عباس والسدي لما عجزوا عن معارضة القرآن احتالوا في اللبس على غيرهم وتواصوا بترك استماعه والإلغاء عنه فيه عند قراءته .
ثم أوعدهم الله سبحانه فقال {فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا} في الدنيا بالأسر والقتل يوم بدر وقيل في الآخرة {ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون} أي نجازيهم بأقبح الجزاء على أقبح معاصيهم وهو الكفر والشرك وخص الأسوأ بالذكر للمبالغة في الزجر وقيل : معناه لنجزينهم بأسوأ أعمالهم وهي المعاصي دون غيرها مما لا يستحق به العذاب {ذلك} يعني ما تقدم الوعيد به {جزاء أعداء الله} الذين عادوه بالعصيان والكفر وعادوا أولياءه من الأنبياء والمؤمنين {النار} وهي النار والكون فيها {لهم فيها دار الخلد} أي منزل الدوام والتأبيد {جزاء} لهم وعقوبة {بما كانوا ب آياتنا يجحدون} يعني القرآن يجحدون بأنه من عند الله عن مقاتل .
{وقال الذين كفروا} أي وسيقول الكفار في النار {ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس} يعنون إبليس الأبالسة وقابيل بن آدم أول من أبدع المعصية روي ذلك عن علي (عليه السلام) وقيل المراد بذلك كل من أبدع الكفر والضلالة من الجن والإنس والمراد باللذين جنس الجن والإنس كما في قوله واللذان يأتيانها منكم {نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} تمنوا لشدة عداوتهم لهم و بغضهم إياهم بما أضلوهم و أغووهم أن يجعلوهم تحت أقدامهم في الدرك الأسفل من النار وقيل : إن المراد به ندوسهما ونطاؤهما بأقدامنا إذلالا لهما ليكونا من الأسفلين الأذلين قال ابن عباس ليكونا أشد عذابا منا .
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص18-20 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{وقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ} . المراد بما بين أيديهم الدنيا وحطامها ، وبما خلفهم الآخرة وهي مجرد خرافة عند الجاحدين ، والمعنى ان اللَّه سبحانه هيأ للطغاة المجرمين قرناء سوء يغرونهم بالسيئات ، ويزهدونهم بالحسنات .
وتسأل : إذا كان اللَّه هو الذي قيض لهم من يغريهم بالضلالة والمعصية فمن الظلم والجور أن يعاقبهم ويقول : {حق عليهم القول} أي العذاب ؟
الجواب : اللَّه سبحانه فعل بهم ذلك بعد أن سلكوا طريق الضلال والغواية بسوء اختيارهم . . وقد أوضح سبحانه ذلك في الآية 36 من سورة الزخرف حيث قال : {ومَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُولَهُ قَرِينٌ} .
وقال : {فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} [الصف - 5] . وتقدم ذلك مرات ومرات .
{وحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ والإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ} . طغوا وبغوا فاستحقوا العذاب تماما كما استحق أمثالهم من الأمم الماضية ، وتدل الآية على أن الجن أمم وأجيال ، وان فيهم رسلا وأنبياء ، وان منهم الصالحين ومنهم دون ذلك تماما كالإنس {وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} . دهش الطغاة حين رأوا أثر القرآن وسلطانه على النفوس ، وماجوا في حيرة : ما ذا يصنعون بعد أن عجزوا عن مقارعته بالبرهان ، ومقابلة الحجة بالحجة . . ثم اتفقوا أن يحاربوه بالباطل ، ويصفوه بالسحر والأساطير ، ويقابلوا تلاوته بالتشويش والهذيان . . بهذا السخف والجهل ينتصرون لباطلهم ، ويريدون أن يطفئوا نور القرآن . . وإذا دل قولهم : {والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} إذا دل على شيء فإنما يدل على اعترافهم بالعجز الا عن اللغو والهذيان ، وان القرآن هو حصن اللَّه الحصين الذي أعجز ويعجز الفكر الإنساني على مدى العصور والأزمان .
{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ} ينقسم عمل المجرمين إلى قسمين : سيئ وأسوأ ، وكذلك الجزاء ، لأن {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها} [غافر - 40] وانما ذكر سبحانه أسوأ أعمالهم ليبين ان جزاءهم غدا أسوأ الجزاء تماما كأعمالهم {ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ} . ذلك إشارة إلى الجزاء على أسوأ الأعمال ، وهو الخلود في نار جهنم ، وهذا الخلود قد جعله اللَّه جزاء كل جاحد ومعاند لما أقامه اللَّه من الدلائل الواضحة على وحدانيته وعظمته . . وفي الآية إيماء إلى أن الجاحد والمشرك لا عذر لهما على الإطلاق ، وان الجهل إنما يكون عذرا في غير الجحود والشرك لأن دلائل الوحدانية لا غموض فيها ولا خفاء ، ولا تحتاج معرفتها والايمان بها إلا إلى النظر المجرد عن الهوى والتقليد .
{وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} من الضعفاء التابعين : {رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ والإِنْسِ} المتبوعين {نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأَسْفَلِينَ} . سألوا اللَّه سبحانه أن يسلطهم على من أضلهم من شياطين الإنس والجن ليدوسوهم بالأقدام ويكونوا في مكان أعمق من مكانهم في الجحيم . . ولكن اللَّه سبحانه قد كفاهم ذلك حيث أخذ كلا بذنبه السيء والأسوأ .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص487-488 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} إلى آخر الآية .
أصل التقييض - كما في المجمع ، - التبديل ، والقرناء جمع قرين وهو معروف .
فقوله : {وقيضنا لهم قرناء} إشارة إلى أنهم لو آمنوا واتقوا لأيدهم الله بمن يسددهم ويهديهم كما قال : { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } [المجادلة : 22] لكنهم كفروا وفسقوا فبدل الله لهم قرناء من الشياطين يقارنونهم ويلازمونهم ، وإنما يفعل ذلك بهم مجازاة لكفرهم وفسوقهم .
وقيل : المعنى بدلناهم قرناء سوء من الجن والإنس مكان قرناء الصدق الذين أمروا بمقارنتهم فلم يفعلوا ، ولعل ما قدمناه أحسن .
وقوله : {فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} لعل المراد التمتعات المادية التي هم مكبون عليها في الحال وما تعلقت به آمالهم وأمانيهم في المستقبل .
وقيل : ما بين أيديهم ما قدموه من أعمالهم السيئة حتى ارتكبوها ، وما خلفهم ما سنوه لغيرهم ممن يأتي بعدهم ، ويمكن إدراج هذا الوجه في سابقه .
وقيل : ما بين أيديهم هوما يحضرهم من أمر الدنيا فيؤثرونه ويقبلون إليه ويعملون له ، وما خلفهم هو أمر الآخرة حيث يدعوهم قرناؤهم إلى أنه لا بعث ولا نشور ولا حساب ولا جنة ولا نار ، وهو وجه بعيد إذ لا يقال لمن ينكر الآخرة أنها زينت له .
وقوله : {وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} أي ثبت ووجب عليهم كلمة العذاب حال كونهم في أمم مماثلين لهم ماضين قبلهم من الجن والإنس وكلمة العذاب قوله تعالى : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة : 39] كقوله : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص : 85] .
وقوله : {إنهم كانوا خاسرين} تعليل لوجوب كلمة العذاب عليهم أو لجميع ما تقدم .
ويظهر من الآية أن حكم الموت جار في الجن مثل الإنس .
وقوله تعالى : {وقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا لا تَسمَعُوا لهَِذَا الْقُرْءَانِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلّكمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنّ الّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شدِيداً ولَنَجْزِيَنهُمْ أَسوَأَ الّذِى كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِك جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللّهِ النّارُ لهَُمْ فِيهَا دَارُ الخُْلْدِ جَزَاءَ بمَا كانُوا بِئَايَتِنَا يجْحَدُونَ (28) وقَالَ الّذِينَ كفَرُوا رَبّنَا أَرِنَا الّذَيْنِ أَضلانَا مِنَ الجِْنِّ والانسِ نجْعَلْهُمَا تحْت أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسفَلِينَ} .
رجوع إلى حديث كفرهم بالقرآن المذكور في أول السورة وذكر كيدهم لإبطال حجته ، وفي الآيات ذكر الكفار وبعض ما في عقبى ضلالتهم وأهل الاستقامة من المؤمنين وبعض ما لهم في الآخرة ومتفرقات أخر .
قوله تعالى : {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} اللغو من الأمر ما لا أصل له ومن الكلام ما لا معنى له يقال : لغا يلغى ويلغو لغوا أي أتى باللغو ، والإشارة إلى القرآن مع ذكر اسمه دليل على كمال عنايتهم بالقرآن لإعفاء أثره .
والآية تدل على نهاية عجزهم عن مخاصمة القرآن بإتيان كلام يعادله ويماثله أو إقامة حجة تعارضه حتى أمر بعضهم بعضا أن لا ينصتوا له ويأتوا بلغو الكلام عند قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن ليختل به قراءته ولا تقرع أسماع الناس آياته فيلغو أثره وهو الغلبة .
قوله تعالى : {فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا} إلخ اللام للقسم ، والمراد بالذين كفروا بحسب مورد الآية هم الذين قالوا : لا تسمعوا لهذا القرآن وإن كانت الآية مطلقة بحسب اللفظ .
وقوله : {ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون} قيل : المراد العمل السيئ الذي كانوا يعملون بتجريد أفعل عن معنى التفضيل ، وقيل : المراد بيان جزاء ما هو أسوأ أعمالهم وسكت عن الباقي مبالغة في الزجر .
قوله تعالى : {ذلك جزاء أعداء الله النار} إلخ {ذلك جزاء} مبتدأ وخبر و{النار} بدل أو عطف بيان من {ذلك} أو خبر مبتدأ محذوف والتقدير هي النار أو مبتدأ خبره {لهم فيها دار الخلد} .
وقوله : {لهم فيها دار الخلد} أي النار محيطة بهم جميعا ولكل منهم فيها دار تخصه خالدا فيها .
وقوله : {جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون} مفعول مطلق لفعل مقدر ، والتقدير يجزون جزاء أو للمصدر المتقدم أعني قوله : {ذلك جزاء} نظير قوله : { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء : 63] .
قوله تعالى : {وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس} محكي قول يقولونه و هم في النار ، يسألون الله أن يريهم متبوعيهم من الجن و الإنس ليجعلوهما تحت أقدامهم إذلالا لهما و تشديدا لعذابهما كما يشعر به قولهم ذيلا : {نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} .
_______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص313-316 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
تشير الآية الاولى إلى العذاب الدنيوي لهؤلاء فتقول : {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} حيث قام هؤلاء الجلساء بتصوير المساويء لهم حسنات .
«قيضنا» من (قيض) على وزن (فيض) وتعني في الأصل قشرة البيضة الخارجية ، ثمّ قيلت لوصف الأشخاص الذين يسيطرون على الإنسان بشكل كامل ، كسيطرة القشرة على البيضة .
وهذه إشارة إلى أنّ أصدقاء السوء والرفاق الفاسدين يحيطون بهم من كل مكان ، حيث يصادرون أفكارهم ، ويهيمنون عليهم بحيث يفقدون معه قابلية الإدراك والإحساس المستقل ، وعندها ستكون الأمور القبيحة السيئة جميلة حسنة في نظرهم ، وبذلك ينتهي الإنسان إلى الوقوع في مستنقع الفساد وتغلق بوجهه أبواب النجاة .
في بعض الأحيان تستخدم كلمة «قيضنا» لتبديل شيء مكان شيء آخر ، ووفقاً لهذا المعنى سيكون مقصود الآية ، هو أنّنا سنأخذ منهم الأصدقاء الصالحين ونسلب منهم رفاق الخير ، لنبدلهم بأصدقاء السوء والقرناء الفاسدين .
لقد ورد هذا المعنى بشكل أوضح في الآيتين (36 ـ 37) من سورة «الزخرف» في قوله تعالى : {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهوله قرين وإنّهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنّهم مهتدون} .
إنّ التمعّن بالمجتمعات الفاسدة والفئات المنحرفة الضالة ينتهي بنا ـ بسهولة ـ إلى اكتشاف آثار أقدام الشياطين في حياتهم ، إذ يحاصرهم رفاق السوء وقرناء الشر من كلّ جانب وصوب ، ويسيطرون على أفكارهم ويقلبون لهم الحقائق .
قوله تعالى : {ما بين أيديهم وما خلفهم} لعله إشارة لإحاطة الشياطين من كل جانب وتزيين الأُمور لهم .
وقيل أيضاً في تفسيرها أنّ {ما بين أيديهم} إشارة إلى لذات الدنيا وزخارفها ، {وما خلفهم} هو إنكار القيامة والبعث .
وقد يكون (ما بين أيديهم) إشارة إلى وضعهم الدنيوي (وما خلفهم) إلى المستقبل الذي سينتظرهم وأبناءهم ، إذ عادة ما يرتكب هذه الجرائم تحت شعار تأمين المستقبل .
وبسبب هذا الوضع تضيف الآية بأن الامر الالهي صدر بعذابهم وان مصيرهم هو مصير الاُمم السالفة : {وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} (2) .
ثم تنتهي الآية بقوله تعالى : (إنهم كانوا خاسرين) .
إنّ هذه الآيات تعتبر ـ في الواقع ـ الصورة المقابلة والوجه الآخر ، وسوف تتحدث الآيات القادمة عن المؤمنين الصالحين المنصورين في الدنيا والآخرة بالملائكة التي تبشرهم بكل خير ، وتكشف عنهم الغم والحزن .
وقوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت : 26 - 29] .
الضجيج في مقابل صوت القرآن !!
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن الأقوام الماضين كقوم عاد وثمود ، وتحدثت عن جلساء السوء وقرناء الشر ، تتحدث المجموعة التي بين أيدينا من الآيات البينات عن جانب من جوانب الإنحراف لمشركي عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لقد ورد في بعض الرّوايات أنّ رسول اللّه (عليهم السلام) ما أن يرفع صوته في مكّة ليتلو القرآن بصوته الجميل وأُسلوبه الخاشع ، حتى كان المشركون يقومون بإبعاد الناس عنه ويقولون : أطلقوا الصفير وارفعوا أصواتكم بالشعر حتى لا تسمعوا كلامه (3) !
القرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى في هذه الآيات ، حيث يقول : {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} .
هذا الأسلوب في مواجهة تأثير الحق ونفوذه بالرغم من كونه أُسلوباً قديماً ، إلاّ أنّه يستخدم اليوم بشكل أوسع وأخطر لصرف أفكار الناس وخنق أصوات المنادين بالحق والعدالة ، فهؤلاء يقومون بملء المجتمع بالضوضاء حتى لا يسمع صوت الحق . ومع الالتفات الى أن معنى كلمة «والغوا» المشتقة من «لغو» لها معنى واسع يشمل أي كلام فارغ ، ندرك جيداً سعة هذا المنهج المتبع .
فتارة يتمّ اللغو بواسطة الضجة والضوضاء والصفير .
واُخرى بواسطة القصص الكاذبة والخرافية .
وثالثة بواسطة قصص الحب والعشق المثيرة للشهوات !
وقد يتجاوز مكرهم مرحلة القول فيقومون بتأسيس مراكز خاصة بالفساد وأنواع الأفلام المبتذلة والمطبوعات المنحرفة الرخيصة ، ، والألاعيب السياسية الكاذبة والمثيرة ، إنّهم يعمدون إلى الإستعانة بأي أسلوب يؤدي إلى حرف أفكار الناس واهتماماتهم عن الحق .
والانكى من ذلك طرح بعض البحوث والقضايا الفارغة التافهة في الاوساط العلمية لتثار حولها ضجة تهيمن على اهتمامات الناس ووعيهم ، وتصدّهم عن التفكير بالقضايا الأساسية والأُمور المهمّة .
لكن . . . هل استطاع المشركون التغلّب على القرآن الكريم بأعمالهم هذه ؟! لقد عمّهم الفناء وذهبت أساليبهم الشريرة ادراج الرياح ، وامتد القرآن واتسع في تأثيره حتى استوعب أرجاء الدنيا .
الآية الأُخرى تشير إلى عذاب هؤلاء فتقول : {فلنذيقنّ الذين كفروا عذاباً شديداً} خاصة أُولئك الذين يمنعون الناس من سماع آيات الله .
وهذا العذاب يمكن أن يشملهم في الدنيا بأن يقتلوا على أيدي أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يقعوا في أسرهم ، وقد يكون في الآخرة ، أو يكون العذاب في الدنيا والآخرة معاً .
قوله تعالى : {ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون} .
فهل لهؤلاء عمل أسواً من الكفر والشرك وإنكار آيات الله ومنع الناس وصدّهم عن سماع كلام الحق ؟
لكن لماذا أشارت الآية إلى «أسوأ» بالرغم من أنّهم يرون جزاء كلّ أعمالهم ؟
قد يكون هذا التعبير للتأكيد على موضوع الجزاء والتهديد به بيان حديثه ، وفيه إشارة لمنعهم الناس عن سماع كلام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
كما أنّ قوله تعالى : (كانوا يعملون) دليل على أنّه سيتمّ التأكيد على الأعمال التي كانوا يقومون بها دائماً ، وبعبارة اُخرى : إنّ ما يعملونه لم يكن أمراً مؤقتاً بل كانت سنتهم وسيرتهم الدائمة .
وللتأكيد على قضية العذاب ، يأتي قوله تعالى : {ذلك جزاء أعداء الله النّار} (4) .
وهذه النّار ليست مؤقتة زائلة بل : (لهم فيها دار الخلد) نعم ، فذلك : {جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون} (5) .
إنهم لم ينكروا الآيات الإلهية وحسب ، بل منعوا الآخرين من سماعها .
«يجحدون» من «جحد» على وزن «عهد» وتعني في الأصل كما يرى «الراغب» في «المفردات» : إلغاء ونفي شيء ثابت في القلب ، أو إثبات شيء منفي في القلب . أو هو بعبارة اُخرى : إنكار الحقائق مع العلم بها ، وهذا من أسوأ أنواع الكفر (راجع نهاية الآية (14) من سورة النمل) .
إنّ الإنسان عندما يصاب ببلاء معين ، خاصة إذا كان بلاءاً شديداً ، فإنّه يفكر بمسببه الأصلي كي يعثر عليه وينتقم منه ، وأحياناً يود تقطيعه قطعة قطعة إذا استطاع ذلك .
لذلك تشير الآية التالية إلى هذا المعنى الذي سيشمل الكفار وهم في الجحيم فيقول : {وقال الذين كفروا ربّنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} .
إنّ أُولئك كانوا ينهونا عن سماع قول النّبي وكانوا يقولون : إنّه ساحر مجنون ، ثم كانوا يكثرون من اللغو حتى لا نسمع صوته وكلامه ، وبدلا عن ذلك كانوا يشغلوننا بأساطيرهم وأكاذيبهم .
أمّا الآن وقد فهمنا أن كلامه(صلى الله عليه وآله وسلم) هو روح الحياة الخالدة ، وأنّ نغمات صوته حياة النفوس الميتة ، ولكن «ولات ساعة ندم» .
لا ريب أنّ المقصود من الجن والإنس ـ في الآية ـ هم الشياطين ، والناس الذين يقومون بالغواية مثل الشياطين ، وليس هما شخصان معينان .
ولا مانع من تثنية الفعل عندما يكون الفاعل مجموعتان ، كما في قوله تعالى : {فبأي آلاء ربّكما تكذبان} .
قال بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى : {ليكونا من الأسفلين} : المقصود أنّ المضلين من الجن والإنس سيكونون في أسفل درك من الجحيم ، ولكن الأظهر منه أنّ شدة غضبهم يدفعهم إلى وضع من أغواهم تحت أقدامهم ليركلونهم ويكونوا في أدنى مقام في مقابل ما كان لهم من مقام ومكانة عليا في الحياة الدنيا .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص177-182 .
2 ـ «في أمم» متعلقة بفعل محذوف ، وفي التقدير تكون الجملة : «كائنين في أمم قد خلت» .
ومن المحتمل أن تكون «في» هنا بمعنى «معَ» .
3 ـ تفسير المراغي ، المجلد 24 ، صفحة 125 ، وتفسير روح المعاني ، المجلد 24 ، أيضاً ، صفحة 106 .
4 ـ «النّار» يمكن أن تكون «عطف بيان» أو «بدل» لـ «جزاء» أو أن تكون (خيراً لمبتدأ محذوف) والتقدير هو النّار» .
5 ـ «جزاء» يمكن أن تكون مفعولا لفعل محذوف تقديره «يجزون جزاء» أوأن تكون مفعولا لأجله .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|