أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-8-2020
6447
التاريخ: 22-8-2020
6995
التاريخ: 24-8-2020
4131
التاريخ: 24-8-2020
8012
|
قال تعالى : {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء : 141 - 159] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
أخبر سبحانه عن ثمود فقال {كذبت ثمود المرسلين} وهو مفسر في هذه السورة إلى قوله {أ تتركون فيما هاهنا آمنين} معناه أتظنون أنكم تتركون فيما أعطاكم الله من الخير في هذه الدنيا آمنين من الموت والعذاب وهذا إخبار بأن ما هم فيه من النعم لا يبقى عليهم وأنها ستزول عنهم ثم عدد نعمهم التي كانوا فيها فقال {في جنات} أي بساتين يسترها الشجر {وعيون} جارية {وزروع ونخل طلعها هضيم} الطلع الكفري مشتق من الطلوع لأنه يطلع من النخل والهضيم اليانع النضيج عن ابن عباس وقيل هو الرطب اللين عن عكرمة وقيل هو الضامر بدخول بعضه في بعض عن الضحاك وقيل هو الذي إذا مس تفتت عن مجاهد وقيل هو الذي ليس فيه نوى عن الحسن .
{وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} أي حاذقين بنحتها من فره الرجل فراهة فهو فاره وفرهين أشرين بطرين عن ابن عباس {فاتقوا الله} في مخالفته {وأطيعون} فيما أمركم به {ولا تطيعوا أمر المسرفين} يعني الرؤساء منهم وهم تسعة رهط من ثمود الذين عقروا الناقة ثم وصفهم فقال {الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا} في جوابه {إنما أنت من المسحرين} قد أصبت بسحر ففسد عقلك فصرت لا تدري ما تقول وهو بمعنى المسحورين والمراد سحرت مرة بعد أخرى وقيل معناه من المخدوعين وقيل من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب عن ابن عباس وقيل معناه أنت مخلوق مثلنا لك سحر أي رئة تأكل وتشرب فلم صرت أولى منا بالنبوة {ما أنت إلا بشر مثلنا} أي آدمي مثلنا .
{فأت بآية} أي بمعجزة تدل على صدقك {إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة} وهي الناقة التي أخرجها الله تعالى من الصخرة عشراء ترغو على ما اقترحوه {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} أي لها حظ من الماء لا تزاحموها فيه ولكم حظ لا تزاحمكم فيه وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال إن أول عين نبعت في الأرض هي التي فجرها الله لصالح فقال لها شرب ولكم شرب يوم معلوم {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم} هذا مع ما بعده مفسر في سورة الأعراف والقصة مشروحة هناك .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص346-347 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
تقدمت قصة صالح (عليه السلام) في سورة الأعراف الآية 73 - 79 ج 3 ص 349 - 352 وفي سورة هود الآية 61 - 68 ج 4 ص 243 - 246 .
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهً وأَطِيعُونِ وما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ} .
تقدمت هذه الآيات بألفاظها في المقطع السابق الخاص بهود ، والذي قبله الخاص بنوح ، وقلنا : ان السر في ذلك وحدة الرسالة .
{أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وعُيُونٍ وزُرُوعٍ ونَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ وتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ} . كانت ثمود غارقة في الترف والرخاء . .
أثمار وأنهار ، وقصور وأنعام غافلين عن كل شيء إلا عن شهواتهم وملذاتهم ، فحذرهم أخوهم صالح من سوء العاقبة وقال لهم : أتغفلون عن اللَّه ، وهو غير غافل عنكم ؟ وهل أمنتم المفاجئات والمخبآت ؟ . {فَاتَّقُوا اللَّهً وأَطِيعُونِ ولا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ولا يُصْلِحُونَ} . المراد بالمسرفين المفسدين الرؤساء والزعماء لأنهم أصل الداء والبلاء إلا من ندر ، فلا دين ولا قيم في مفهومهم إلا مصلحتهم ومصلحة ذويهم . . وكان في قوم صالح تسعة من هؤلاء المسرفين المفسدين كما في صريح الآية 48 من سورة النمل : {وكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ولا يُصْلِحُونَ} .
{قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} . لقد سحرك ساحر ، وأفسد عقلك حتى صرت تهرف بما لا تعرف . . وهكذا يقول أكثر شباب اليوم أو الكثير منهم لمن يقول لهم : صلوا وصوموا {ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا} يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، فكيف ينزل عليك الوحي من دوننا ؟ . {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . قالوا هذا ، وهم على عزم سابق أن يصروا على الكفر والعناد حتى ولو أتاهم بألف دليل ودليل ، ولولا ذلك لكان طلبهم حقا وعدلا .
{قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ ولَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} . سألوه أن يأتي بمعجزة تدل على نبوته ، فأتاهم بناقة من الطريق غير المألوف ، واشترط عليهم أن يكون الماء بينها وبينهم مناصفة ، ترده يوما ، ويردونه يوما ، وحذرهم أن يمسوها بأذى وإلا أخذهم اللَّه بعذابه {فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ} . تقدم في الآية 78 من سورة الأعراف ج 3 ص 351 .
__________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 511-512 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
تشير الآيات إلى إجمال قصة صالح (عليه السلام) وقومه وهومن أنبياء العرب ويذكر في القرآن بعد هود (عليه السلام) .
قوله تعالى : {كذبت ثمود المرسلين - إلى قوله - على رب العالمين} قد اتضح معناها مما تقدم .
قوله تعالى : {أ تتركون فيما هاهنا آمنين} الظاهر أن الاستفهام للإنكار و{ما} موصولة والمراد بها النعم التي يفصلها بعد قوله : {في جنات وعيون} إلخ ، و{هاهنا} إشارة إلى المكان الحاضر القريب وهو أرض ثمود و{آمنين} حال من نائب فاعل {تتركون} .
والمعنى : لا تتركون في هذه النعم التي أحاطت بكم في أرضكم هذه وأنتم مطلقو العنان لا تسألون عما تفعلون آمنون من أي مؤاخذة إلهية .
قوله تعالى : {في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم} بيان تفصيلي لقوله : (فيما هاهنا) ، وقد خص النخل بالذكر مع دخوله في الجنات لاهتمامهم به ، والطلع في النخل كالنور في سائر الأشجار والهضيم - على ما قيل - المتداخل المنضم بعضه إلى بعض .
قوله تعالى : {وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} قال الراغب : الفره - بالفتح فالكسر صفة مشبهة - الأشر ، وقوله تعالى : {وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} أي حاذقين وقيل : معناه أشرين .
انتهى ملخصا ، وعلى ما اختاره تكون الآية من بيان النعمة ، وعلى المعنى الآخر تكون مسوقة لإنكار أشرهم وبطرهم .
والآية على أي حال في حيز الاستفهام .
قوله تعالى : {فاتقوا الله وأطيعون} تفريع على ما تقدم من الإنكار الذي في معنى المنفي .
قوله تعالى : {ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} الظاهر أن المراد بالأمر ما يقابل النهي بقرينة النهي عن طاعته وإن جوز بعضهم كون الأمر بمعنى الشأن وعليه يكون المراد بطاعة أمرهم تقليد العامة واتباعهم لهم في أعمالهم وسلوكهم السبل التي يستحبون لهم سلوكها .
والمراد بالمسرفين على أي حال أشراف القوم وعظماؤهم المتبوعون والخطاب للعامة التابعين لهم وأما السادة الأشراف فقد كانوا مأيوسا من إيمانهم واتباعهم للحق .
ويمكن أن يكون الخطاب للجميع من جهة أن الأشراف منهم أيضا كانوا يقلدون آباءهم ويطيعون أمرهم كما قالوا لصالح (عليه السلام) : {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } [هود : 62] ، فقد كانوا جميعا يطيعون أمر المسرفين فنهوا عنه .
وقد فسر المسرفين وهم المتعدون عن الحق الخارجون عن حد الاعتدال بتوصيفهم بقوله : {الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} إشارة إلى علة الحكم الحقيقية فالمعنى اتقوا الله ولا تطيعوا أمر المسرفين لأنهم مفسدون في الأرض غير مصلحين والإفساد لا يؤمن معه العذاب الإلهي وهو عزيز ذو انتقام .
وذلك أن الكون على ما بين أجزائه من التضاد والتزاحم مؤلف تأليفا خاصا يتلاءم معه أجزاؤه بعضها مع بعض في النتائج والآثار كالأمر في كفتي الميزان فإنهما على اضطرابها واختلافها الشديد بالارتفاع والانخفاض متوافقتان في تعيين وزن المتاع الموزون وهو الغاية والعالم الإنساني الذي هو جزء من الكون كذلك ثم الفرد من الإنسان بما له من القوى والأدوات المختلفة المتضادة مفطور على تعديل أفعاله وأعماله بحيث تنال كل قوة من قواه حظها المقدر لها وقد جهز بعقل يميز بين الخير والشر ويعطي كل ذي حق حقه .
فالكون يسير بالنظام الجاري فيه إلى غايات صالحة مقصودة وهو بما بين أجزائه من الارتباط التام يخط لكل من أجزائه سبيلا خاصا يسير فيها بأعمال خاصة من غير أن يميل عن حاق وسطها إلى يمين أو يسار أو ينحرف بإفراط أو تفريط فإن في الميل والانحراف إفسادا للنظام المرسوم ، ويتبعه إفساد غايته وغاية الكل ، ومن الضروري أن خروج بعض الأجزاء عن خطه المخطوط له وإفساد النظم المفروض له ولغيره يستعقب منازعة بقية الأجزاء له فإن استطاعت أن تقيمه وترده إلى وسط الاعتدال فهو وإلا أفنته وعفت آثاره حفظا لصلاح الكون واستبقاء لقوامه .
والإنسان الذي هو أحد أجزاء الكون غير مستثنى من هذه الكلية فإن جرى على ما يهديه إليه الفطرة فاز بالسعادة المقدرة له وإن تعدى حدود فطرته وأفسد في الأرض أخذه الله سبحانه بالسنين والمثلات وأنواع النكال والنقمة لعله يرجع إلى الصلاح والسداد قال تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم : 41] .
وإن أقاموا مع ذلك على الفساد لرسوخه في نفوسهم أخذهم الله بعذاب الاستئصال وطهر الأرض من قذارة فسادهم قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف : 96] .
وقال : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود : 117] ، وقال : { أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [الأنبياء : 105] ، وذلك أنهم إذا صلحوا صلحت أعمالهم وإذا صلحت أعمالهم وافقت النظام العام وصلحت بها الأرض لحياتهم الأرضية .
فقد تبين بما مر أولا أن حقيقة دعوة النبوة هي إصلاح الحياة الإنسانية الأرضية قال تعالى : حكاية عن شعيب : {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود : 88] .
وثانيا : أن قوله : {ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون} إلخ ، على سذاجة بيانه معتمد على حجة برهانية .
ولعل في قوله : {ولا يصلحون} بعد قوله : {الذين يفسدون في الأرض} إشارة إلى أنه كان المتوقع منهم بما أنهم بشر ذوو فطرة إنسانية أن يصلحوا في الأرض لكنهم انحرفوا عن الفطرة وبدلوا الإصلاح إفسادا .
قوله تعالى : {قالوا إنما أنت من المسحرين} أي ممن سحر مرة بعد مرة حتى غلب على عقله ، وقيل : إن السحر أعلى البطن والمسحر من له جوف فيكون كناية عن أنك بشر مثلنا تأكل وتشرب فيكون قوله بعده : {وما أنت إلا بشر مثلنا} تأكيدا له ، وقيل : المسحر من له سحر أي رئة كأن مرادهم أنك متنفس بشر مثلنا .
قوله تعالى : {وما أنت إلا بشر مثلنا - إلى قوله - عذاب يوم عظيم} الشرب بكسر الشين النصيب من الماء ، والباقي ظاهر وقد تقدمت تفصيل القصة في سورة هود .
قوله تعالى : {فعقروها فأصبحوا نادمين} نسبة العقر إلى الجمع - ولم يعقرها إلا واحد منهم - لرضاهم بفعله ، وفي نهج البلاغة ، : أيها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا فقال سبحانه : {فعقروها فأصبحوا نادمين} .
وقوله : {فأصبحوا نادمين} لعل ندمهم إنما كان عند مشاهدتهم ظهور آثار العذاب وإن قالوا له بعد العقر تعجيزا واستهزاء : {يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف : 77] .
قوله تعالى : {فأخذهم العذاب - إلى قوله - العزيز الرحيم} اللام للعهد أي أخذهم العذاب الموعود فإن صالحا وعدهم نزول العذاب بعد ثلاثة أيام كما في سورة هود ، والباقي ظاهر .
_______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص243-246 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
لا تطيعوا المسرفين المفسدين :
القسم الخامس من قصص الأنبياء في هذه السورة ، هو قصّة «ثمود» الموجزة القصيرة ، ونبيّهم «صالح» الذين كانوا يقطنون في «وادي القُرى» بين المدينة والشام ، وكانت حياتهم مترفة مرفهة . . . إلاّ أنّهم لطغيانهم وعنادهم أُبيدوا وأبيروا حتى لم يبق منهم ديّار ولم تترك لهم آثار . . .
وبداية القصّة هذه مشابهة لبداية قصة عاد «قوم هود» وبداية قصة نوح وقومه ، وهي تكشف كيف يتكرر التاريخ ، فتقول : {كذبت ثمود المرسلين} . . .
لأنّ دعوة المرسلين جميعاً دعوة واحدة ، فتكذيب ثمود نبيّهم صالحاً تكذيب للمرسلين أيضاً . . .
وبعد ذكر هذا الإجمال يفصّل القرآن ما كان بين صلاح وقومه ، فيقول : {إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون} . . .
لقد كان النّبي صالح هادياً ودليلا لقومه مشفقاً عليهم ، فهو بمثابه «الأخ» لهم ، ولم يكن لديه نظرة استعلائية ولا منافع ماديّة ، ولذلك فقد عبّر القرآن عنه بكلمة «أخوهم» . . . وقد بدأ دعوته إيّاهم كسائر الأنبياء بتقوى الله والإحساس بالمسؤولية ! . . .
ثمّ يقول لهم معرفاً نفسه : {إنّي لكم رسول أمين} وسوابقي معكم شاهد مبين على هذا الامر {فاتقوا الله وأطيعون} إذْ لا أريد إلاّ رضا الله والخير والسعادة لكم . . .
ولذلك فأنا لا أطلب عوضاً منكم في تبليغي إيّاكم . . . {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على رب العالمين} فأنا أدعوكم له ، وأرجو الثواب منه سبحانه . . .
كان هذا أوّل قسم من سيرة صالح التي تلخصت في دعوته قومه وبيان رسالته إليهم . . .
ثمّ يضع «صالح» اصبعه على نقاط حساسة من حياتهم ، فيتناولها بالنقد ويحاكمهم محاكمة وجدانية ، فيقول : {أتتركون فيما ها هنا آمنين} .
وتتصورون أن هذه الحياة المادية التي تستغفل الإنسان دائمة له وهو خالد فيها! فلذلك تأمنون من الجزاء ، وأن يد الموت لا تنوشكم؟!
وبالأسلوب المتين ، اُسلوب الإجمال والتفصيل . . . يشرح النّبي صالح لقومه تلك الجملة المغلقة والمجملة بقوله : وتحسبون أنّكم مخلّدون {في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم} . (2)
ثمّ ينتقدهم على بيوتهم المرفهة المُحكمة فيقول : {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين} .
«الفارِهُ» مشتق من (فره على وزن فَرِح) ومعناه في الأصل السرور المقرون باللامبالاة وعبادة الهوى . . . كما يستعمل في المهارة عند العمل أحياناً . . . ومع أن المعنيين ينسجمان مع الآية ، إلاّ أنّه مع ملاحظة توبيخ نبيّهم صالح إيّاهم وملامته لهم فيبدو أنّ المعنى الأوّل أنسب . . .
ومن مجموع هذه الآيات وبمقايستها مع ما تقدم من الآيات في شأن عاد ، يستفاد أن عاداً «قوم هود» كان أكثر اهتمامهم في حب الذات والمقام والمفاخرة على سواهم . . . في حين أن ثمود «قوم صالح» كانوا أسرى بطونهم والحياة المرفهة» . . . ويهتمون أكبر اهتمامهم بالتنعم ، إلاّ أنّ عاقبة الجماعتين كانت واحدة ، لأنّهم جعلوا دعوة الأنبياء التي تحررهم من سجن عبادة الذات للوصول إلى عبادة الله ، جعلوها تحت أقدامهم ، فنال كلٌّ منهم عقابه الصارم الوبيل . . .
وبعد ذكر هذه الإنتقادات يتحدث النّبي صالح(عليه السلام) في القسم الثّالث من كلامه مع قومه ، فيقول : {فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} .
وقوله تعالى : {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء : 153 - 159] .
عناد قوم صالح ولجاجتهم :
لقد استمعتم إلى منطق صالح المتين والمحب للخير ، مع قومه المضلين ـ في الآيات المتقدمة ـ والآن لنستمع إلى جواب قومه في هذه الآيات .
إنهم واجهوه بكلام خشن و{قالوا إنّما أنت من المسحّرين} فلذلك فقدت عقلك وتتكلم بكلمات غير موزونة ولا معقولة .
ثمّ بعد هذا كله {ما أنت إلاّ بشر مثلنا} وكل عاقل لا يبيح لنفسه أن يطيع انساناً مثله {فأت بآية إن كنت من الصادقين} لكي نؤمن بك ونتبعك .
كلمة (المسحّر) مشتقّة من (السحر) ومعناها المسحور ، أي المصاب بالسحر ، إذ كانوا يعتقدون أن السحرة كانوا عن طريق السحر يعطلون عمل العقل ، وهذا القول لم يتّهم به النبيّ صالحاً فحسب ، بل اتهم به كثير من الأنبياء ، حتى أن المشركين اتّهموا نبيَّنا محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) به فقالوا : {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [الإسراء : 47] . أجَلْ ، إنّهم كانوا يرون معيار العقل أن يكون الإنسان متوفقاً مع البيئة والمحيط ، فيأكل الخبز ـ مثلا ـ بسعر يومه ، ويطبّق نفسه على جميع المفاسد . . . فلو أن رجلا مصلحاً إلهيّاً دعا الناس للقيام والنهوض بوجه العقائد الفاسدة وإصلاحها ، عَدُّوهُ ـ بحسب منطقهم ـ مجنوناً «مسحّراً» .
وهناك احتمالات أُخر في معنى «المسحّرين» ، صرفنا النظر عنها لعدم مناسبتها . . .
وعلى كل حال فإنّ هؤلاء المعاندين من قوم صالح ، طلبوا منه معجزةً لا من أجل معرفة الحق ، بل تذرعاً بالحُجة الواهية ، وعلى نبيّهم أن يُتم الحجة عليهم ، فاستجاب لهم ـ وبأمر الله ـ قال : {هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} .
و«الناقة» معروفة عند العرب ، وهي أنثى الجمَلِ ، والقرآن لم يذكر خصائص هذه الناقة التي كان لها حالة إعجازية ، إلاّ أنه ذكرها بنحو الإجمال . . . لكننا نعرف أنّها لم تكن ناقة كسائر النياق الطبيعية ، فكما يقول جماعة من المفسّرين : كانت هذه الناقة بحالة من الإعجاز بحيث خرجت من قلب الجبل . ومن خصائصها أنّها كانت تشرب ماء الحيّ في يوم ، واليوم الآخر لأهل الحي «أو القرية» وهكذا دواليك . . . كما أشارت الآية آنفة الذكر إلى هذا المعنى ، ووردت الإشارة إلى هذا المعنى في الآية (28) من سورة القمر أيضاً .
وقد ذكر المفسّرون لها خصائص أُخر (3) .
وعلى كل حال ، كان على صالح(عليه السلام) أن يُعلمَهُم أن هذه الناقة ناقة عجيبة وخارقة للعادة ، وهي آية من آيات عظمة الله المطلقة فعليهم أن يَدَعوها على حالها ، وقال : {ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم} . . .
وبديهي أن المترفين قوم صالح المعاندين كانوا يعلمون أن يقظة الناس ستؤدي إلى الإضرار بمنافعهم الشخصية فتآمروا على نحر الناقة : {فعقروها فأصبحوا نادمين} (4) لأنّهم رأوا انفسهم قاب قوسين من العذاب الالهي .
ولما تجاوز طغيانهم الحدّ ، وأثبتوا بأعمالهم أنّهم غير مستعدين لقبول الحق ، اقتضت إرادة الله ومشيئته أن يطهر الأرض من وجودهم الملوّث {فأخذهم العذاب} .
وكما نقرأ في الآية (78) من سورة الأعراف ، والآية (67) من سورة هود ، ما جاء عن عذاب الله لهم إجمالا . . . أن الأرض زُلزلت من تحتهم ليلا ، فانتبهوا من نومهم وجثوا على الركب فما أمهلهم العذاب وأخذتهم الرجفة والصيحة ، فاهتزت حيطانهم وهوت عليهم فأماتتهم جاثمين على حالهم ففارقوا الدنيا بحال موحشة رهيبة ! . . .
ويقول القرآن في ختام هذه الحادثة ما قاله في ختام حوادث قوم هود وقوم صالح وقوم نوح وقوم إبراهيم (عليه السلام) ، فيعبّر تعبيراً بليغاً موجزاً يحمل بين ثناياه عاقبة أولئك الظالمين : إن في قصة قوم صالح ، وفي صبره وتحمله واستقامته ومنطقه القويم من جهة ، وعناد قومه وغرورهم وانكارهم للمعجزة البيّنة ، والمصير الأسود الذي آلو إليه دروس وعبر : {إنّ في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} .
أجلْ ، ليس لأحد أن يغلب ربّه; فما فوق قوته من قوّة !! وهذه القوّة وهذه القدرة العظيمة لا تمنع أن يرحم أولياءه ، بل أعداءه أيضاً : {وإن ربّك لهو العزيز الرحيم} (5)
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص341-347 .
2 ـ «الطلع» مأخوذ من مادة «الطلوع» ويستعمل في ما يكون منه الرطب بعدئذ ، وهو معروف وشكله جميل منضوم نضيد ، له غلاف ينشقّ عنه العِذقُ أول الربيع . ثمّ يُلقح بيد الإنسان أو بالرياح ليكون الثمر . . . وقد يستعمل الطلع في الثمرة الأُولى للنخل! و«الهضيم»
من مادة «هضم» ، وله معان مختلفة ، فتارة يراد منه الثمرة الناضجة ، وتارة يطلق على الثمر اللين القابل للهضم ، وتارة يطلق على المهضوم ، وقد يستعمل بمعنى المنضوم المنضد ، فإذا كان الطلع في الآية محل البحث بمعنى العذق أوّل طلوعه ، فالهضيم معناه المنضود ، وإذا كان الطلع أول الثمر فالهضيم معناه الناضج اللين اللطيف . . .
3 ـ لمزيد الإيضاح في هذا الصدد يراجع تفسير الآية (61) من سورة هود . . .
4 ـ كلمة (عقروها) مأخوذة من مادة (عُقر) على زنة (قُفل) ومعناها في الأصل أساس الشيء وجذره ، وقد تأتي بمعنى حز الرأس ، وتأتي بمعنى قطع الأرجل من الحيوان ، وما إلى ذلك .
5 ـ تقول الروايات إن الذي قتل ناقة صالح كان واحداً لا غير . . . إلاّ أن القرآن يعبر عن هذا الفعل بصيغة الجمع (فعقروها) . وهذا التعبير لأن الآخرين كانوا راضين بعمله ويضمون أصواتهم إلى صوته ، ويعتقدون بمعتقده . . . وتنفتح نافذة من هنا على أصل اسلامي ، وهو أنّ العلائق الفكرية والمذهبيّة تجعل المنتمين إليها في صف واحد ، وتكون عاقبتهم واحدة . لمزيد الإيضاح يراجع الآية (65) من سورة هود . . .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|