المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05



تفسير الآية (10-22) من سورة الشعراء  
  
6989   01:27 صباحاً   التاريخ: 22-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الشين / سورة الشعراء /

قال تعالى : {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [الشعراء : 10 - 22] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ذكر سبحانه أقاصيص رسله تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتحريضا له على الصبر ثقة بنزول النصر وابتدأ بقصة موسى وفرعون فقال {وإذ نادى ربك} أي واذكر يا محمد واتل عليهم الوقت الذي نادى فيه ربك الذي خلقك {موسى إن ائت القوم الظالمين} هذا أمر بعد النداء وتقديره قال له يا موسى إن ائت القوم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي وظلموا بني إسرائيل بأن ساموهم سوء العذاب .

ثم بين القوم الموصوفين بهذه الصفة فقال {قوم فرعون} وهو عطف بيان {ألا يتقون} إنما قاله بالياء لأنه على الحكاية ومعناه أ ما أن لهم أن يتقوا ويصرفوا عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته والتقوى مجانبة القبائح بفعل المحاسن وأصله صرف الأمر بحاجز بين الصارف وبينه {قال} موسى {رب إني أخاف أن يكذبون} بالرسالة ولا يقبلوا مني والخوف انزعاج النفس بتوقيع الضر ونقيضه الأمن وهو سكون النفس إلى خلوص النفع {ويضيق صدري} بتكذيبهم إياي {ولا ينطلق لساني} أي لا ينبعث بالكلام للعقدة التي كانت فيه وقد مر بيانها وقد يتعذر ذلك لآفة في اللسان وقد يتعذر لضيق الصدر وغروب المعاني التي تطلب للكلام .

{فأرسل إلى هارون} أخي يعني ليعاونني كما يقال إذا نزلت بنا نازلة أرسلنا إليك أي لتعيننا وإنما طلب المعاونة حرصا على القيام بالطاعة وقال الجبائي لم يسأل موسى (عليه السلام) ذلك إلا بعد أن أذن الله له في ذلك لأن الأنبياء لا يسألون الله إلا ما يؤذن لهم في مسألته {ولهم علي ذنب} يعني قتل القبطي الذي قتله موسى (عليه السلام) أي لهم علي دعوى ذنب {فأخاف أن يقتلون} خاف أن يقتلوه بتلك النفس لا لإبلاغ الرسالة فإنه علم أن الله تعالى إذا بعث رسولا تكفل بمعونته على تبليغ رسالته .

{قال} الله {كلا} وهو زجر أي لا يكون ذلك ولن يقتلوك به فإني لا أسلطهم عليك {فاذهبا} أنت وأخوك وحذف ذكر هارون وإجابة موسى إلى ما اقترحه من إرساله معه إلى فرعون لدلالة قوله {فاذهبا} عليه {ب آياتنا} أي بدلالاتنا ومعجزاتنا التي خصصناكما بها {إنا معكم مستمعون} أي نحن نحفظكم ونحن سامعون ما يجري بينكم ومستمع هنا في موضع سامع لأن الاستماع طلب السمع بالإصغاء إليه وذلك لا يجوز عليه سبحانه وإنما أتى بهذه اللفظة لأنه أبلغ في الصفة وأوكد وهو قوله {إنني معكما أسمع وأرى} وإنما قال أنا معكم لأنه أجراهما مجرى الجماعة . {فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين} أرسلنا الله إليك لندعوك إلى عبادته وترك الإشراك به ولم يقل رسولا رب العالمين لأن الرسول قد يكون في معنى الجمع قال الهذلي :

ألكني إليها وخير الرسول *** أعلمهم بنواحي الخبر (2)

أي : غير الرسل وقيل إن الرسول بمعنى الرسالة كما في قوله :

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم*** بسر ولا أرسلتهم برسول

 أي برسالة وقال العباس بن مرداس :

ألا من مبلغ عني خفافا *** رسولا بيت أهلك منتهاها

 فأنث الرسول تأنيث الرسالة وقد يقع المصدر موقع الصفة كما تقع الصفة موقع المصدر فيكون مجازه أنا ذوا رسالة رب العالمين {أن أرسل معنا بني إسرائيل} أي أمرك الله بأن أرسلهم وأطلقهم من الاستعباد وخل عنهم وفي الكلام حذف تقديره أنهما أتيا فرعون وبلغا الرسالة على ما أمرهما الله تعالى به .

{قال} فرعون لموسى {أ لم نربك فينا وليدا} والتربية تنشية الشيء حالا بعد حال معناه أ لم تكن فينا صبيا صغيرا فربيناك {ولبثت فينا من عمرك سنين} أي أقمت سنين كثيرة عندنا وهي ثماني عشرة سنة عن ابن عباس وقيل ثلاثين سنة عن مقاتل وقيل أربعين سنة عن الكلبي وإنما قال ذلك امتنانا عليه بإحسانه إليه وقيل أنه أظهر لؤمه حيث ذكر صنائعه {وفعلت فعلتك التي فعلت} يعني قتل القبطي {وأنت من الكافرين} لنعمتنا وحق تربيتنا عن ابن عباس وعطاء ومقاتل وقيل معناه وأنت من الكافرين بإلهك إذ كنت معناه على ديننا الذي تعيب وتقول إنه كفر عن الحسن والسدي .

{قال} موسى : {فعلتها إذا وأنا من الضالين} أي فعلت هذه الفعلة وأنا من الجاهلين لم أعلم بأنها تبلغ القتل وقيل معناه من الناسين عن ابن زيد وقيل من الضالين عن العلم بأن ذلك يؤدي إلى قتله عن الجبائي وقيل من الضالين عن طريق الصواب لأني ما تعمدته وإنما وقع مني خطأ كمن يرمي طائرا فيصيب إنسانا وقيل من الضالين عن النبوة أي لم يوح إلي تحريم قتله .

{ففررت منكم لما خفتكم} أي ذهبت من بينكم حذرا على نفسي إلى مدين لما خفتكم أن تقتلوني بمن قتلته {فوهب لي ربي حكما} أي نبوة وقيل إن الحكم العلم بما تدعو إليه الحكمة وهو الذي وهبه الله تعالى لموسى من التوراة والعلم بالحلال والحرام وسائر الأحكام {وجعلني من المرسلين} أي نبيا من جملة الأنبياء {وتلك نعمة تمنها علي إن عبدت بني إسرائيل} يقال عبده وأعبده إذا اتخذه عبدا وقيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن فيه اعترافا بأن تربيته له كانت نعمة منه على موسى وإنكارا للنعمة في ترك استعباده ويكون ألف التوبيخ مضمرا فيه فكأنه يقول أو تلك نعمة تمنها علي إن عبدت بني إسرائيل ولم تعبدني ( وثانيها ) إنه إنكار للمنة أصلا ومعناه أ تمن علي بأن ربيتني مع استعبادك قومي هذه ليست بنعمة يريد أن اتخاذك بني إسرائيل الذين هم قومي عبيدا أحبط نعمتك التي تمن بها علي ( وثالثها ) إن معناه إنك لوكنت لا تستعبد بني إسرائيل ولا تقتل أبناءهم لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليم فكأنك تمتن علي بما كان بلاؤك سببا له عن الزجاج وزاد الأزهري لهذا بيانا فقال إن فرعون لما قال لموسى (عليه السلام) أ لم نربك فينا وليدا فاعتد عليه بأن رباه وليدا منذ ولد إلى أن كبر فكان من جواب موسى (عليه السلام) له تلك نعمة تعتد بها علي لأنك عبدت بني إسرائيل ولولم تعبدهم لكفلني أهلي فلم يلقوني في اليم فإنما صارت لك علي نعمة لما أقدمت عليه مما حظره الله عليك ( ورابعها ) إن فيه بيان أنه ليس لفرعون عليه نعمة لأن الذي تولى تربيته أمه وغيرها من بني إسرائيل بأمر فرعون لما استعبدهم فيكون معناه أنك تمن علي بأن استعبدت بني إسرائيل حتى ربوني وحفظوني عن الجبائي .

_____________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص323-325 .

2- قوله : ألكني اليها اي : كن رسولي ، وتحمل رسالتي اليها .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

هذه الآيات إلى الآية 68 هي في قصة موسى (عليه السلام) التي تقدمت مرات ، وعند تفسير الآية 9 من سورة طه ذكرنا السبب الموجب لتكرارها {وإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} . تقدم في الآية 24 من سورة طه .

{أَلا يَتَّقُونَ} . هذه جملة مستأنفة ، ومعناها لقد آن الأوان ان يخاف فرعون وقومه عاقبة البغي والطغيان {قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} . وفي الآية 45 من سورة طه : { إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى} أي يعجل علينا بالعقوبة قبل أن نبلغه الرسالة ( ويَضِيقُ صَدْرِي ولا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ} .

أمر اللَّه سبحانه موسى أن يحمل رسالته إلى فرعون . . وهذا تكليف شاق وعسير لطغيان فرعون وقوة سلطانه من جهة ، ولأن الرسالة بذاتها حمل ثقيل من جهة ، قال تعالى يخاطب نبيه الكريم محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } - 5 المزمل . وموسى سريع الغضب للحق ، وفي لسانه عقدة تمنعه من الانطلاق في الكلام ، فخاف ان يقصّر في أداء الرسالة الكبرى والقيام بواجبها . . ولا أحد كالأنبياء يخاف من التقصير في حق اللَّه ، وبالخصوص أولي العزم ، وهذا من العصمة ، ومن ثمّ طلب موسى من اللَّه ان يرسل جبريل إلى أخيه هارون ليكون عونا له على هذه المهمة .

{ولَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} . يشير بهذا إلى ما حدث له من قتل الفرعوني حين استغاثه العبري كما في الآية 15 من سورة القصص : {فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ} . . خاف موسى ان هو حمل رسالة اللَّه إلى فرعون أن يقتلوه قبل أن يبلغ الرسالة ويفوت الغرض منها ، أما إذا كان معه أخوه هارون ، وحدث ذلك فيقوم مقامه في التبليغ .

( قالَ ) - اللَّه – { كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ} . خاف موسى من ضيق الصدر ، وحبس اللسان ، والقتل ، فأمنه اللَّه وقال له : لن يكون شيء من ذلك لأني أنا الناصر لكما والمعين . وتقدم مثله في الآية 46 و 47 من سورة طه .

{قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ولَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ، وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ} . انطلق موسى وهارون إلى فرعون ، ودخلا عليه ، وهما يلبسان مدارع الصوف ، وبيديهما العصي ، ودعواه إلى اللَّه ، وشرطا له بقاء ملكه ودوام عزه ان أسلم وأطاع . . وسخر فرعون من هذين اللذين يشترطان له دوام العز وبقاء الملك ، ولا جاه لهما ولا مال . . ولكنه تمالك ، ولم يأمر بقتلهما خشية أن يقال : لمّا عجز عن مقارعة الحجة بالحجة لجأ إلى السيف . . ولكن بأية حجة يتذرع فرعون ؟ وبأي منطق يجادل ويناقش ؟ . . لا شيء سوى أن يلف ويدور ، وان يذكّر موسى بالماضي والإنعام عليه . . ألم نحضنك رضيعا ، ونربك غلاما ، وأقمت في بيتنا أعواما ، ثم قتلت منا رجلا ، وهربت خائفا تترقب ؟ أهكذا تجحد نعمتنا ، وتكفر بإحساننا ؟ وفوق ذلك تدعي انك رسول اللَّه إلينا ؟ وكيف تجمع بين ماضيك ، وهو فقر وتشريد ، وبين ادعائك الرسالة من عند اللَّه ؟ أتريدنا أن نسمع لك ونطيع ، ونحن سادتك وأولياء نعمتك ؟ . ثم التفت فرعون إلى جلسائه وقال : { فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ } . . ان في الذهب وحده يكمن السر كل السر في منطق الطغاة . . فلا نبوة ولا سيادة ولا فضل إلا للذهب وبالذهب .

وأجاب موسى (عليه السلام) عن قتل الفرعوني {قالَ فَعَلْتُها إِذاً وأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي من الجاهلين بأن وكزتي تؤدي إلى القتل . . اني قصدت بها الردع والتأديب فأخطأت القصد ، فأي ذنب لي في ذلك ؟ وبالمناسبة فإن العمد ركن أساسي من أركان الجناية عند أهل التشريع {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} . ما فررت من وجه العدالة ، بل فررت من الظلم والخوف ان تعاملوني معاملة المجرم القاتل المتعمد . .

وكان قد قال قائل لموسى : {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص - 20] .

{فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} . ذكره فرعون بالفقر والتشريد فقال له موسى : ان الكرامة لا تقاس بالمال والسلطان ، وإنما هي بيد اللَّه يهبها من يشاء من عباده ، وقد وهب لي العلم بدينه وشريعته ، وبأوجه الخير والصواب ، وكرمني بالرسالة إليك وإلى قومك .

وقال موسى ردا على قول فرعون : ألم نربك فينا وليدا ، قال يرد عليه :

{وتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ} . أتمن علي يا فرعون بتربيتك لي ، وتتجاهل ان السبب هو طغيانك وعدوانك ، وانك ذبحت أبناء قومي ، واستعبدت نساءهم ، ولما خافت عليّ أمي من جورك قذفتني في البحر . . وكان الذي كان من حياتي في بيت غريب بعيدا عن حنان الأم ، وعطف الأب ؟ . .

أهذا هو فضلك عليّ ؟ ما كان أغناك عن الحالين ؟ فألقم فرعون حجرا ، وراح يلتمس لأباطيله ما تقرأه فيما يلي .

__________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 489-492 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

شروع في ذكر قصص عدة من أقوام الأنبياء الماضين موسى وهارون وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب (عليهما السلام) ليظهر أن قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سائرون مسيرهم وسيردون موردهم ، لا يؤمن أكثرهم فيؤاخذهم الله تعالى بعقوبة العاجل والآجل ، والدليل على ذلك ختم كل واحدة من القصص بقوله : {وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} كما ختم به الكلام الحاكي لإعراض قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول السورة ، وليس ذلك إلا لتطبيق القصة على القصة .

كل ذلك ليتسلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يضيق صدره ويعلم أنه ليس بدعا من الرسل ولا المتوقع من قومه غير ما عامل به الأمم الماضون رسلهم ، وفيه تهديد ضمني لقومه ويؤيده تصدير قصة إبراهيم (عليه السلام) بقوله : {واتل عليهم نبأ إبراهيم} .

قوله تعالى : {وإذ نادى ربك موسى} - إلى قوله - أ لا يتقون} أي واذكر وقتا نادى فيه ربك موسى وبعثه بالرسالة إلى قوم فرعون لإنجاء بني إسرائيل على ما فصله في سورة طه وغيرها .

وقوله : {أن ائت القوم الظالمين} نوع تفسير للنداء ، وتوصيفهم أولا بالظالمين ثم بيانه ثانيا بقوم فرعون للإشارة إلى حكمة الإرسال وهي ظلمهم بالشرك وتعذيب بني إسرائيل كما في سورة طه من قوله : {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} [طه : 43 - 47] .

وقوله : {أ لا يتقون} بصيغة الغيبة ، وهو توبيخ غيابي منه تعالى لهم وإيراده في مقام عقد الرسالة لموسى (عليه السلام) في معنى قولنا : قل لهم إن ربي يوبخكم على ترك التقوى ويقول : أ لا تتقون .

قوله تعالى : {قال رب إني أخاف أن يكذبون} - إلى قوله – {فأرسل إلى هارون} ، قال في مجمع البيان : ، الخوف انزعاج النفس بتوقع الضر ونقيضه الأمن وهو سكون النفس إلى خلوص النفع ، انتهى .

وأكثر ما يطلق الخوف على إحساس الشر بحيث يؤدي إلى الاتقاء عملا وإن لم تضطرب النفس ، والخشية على تأثر النفس من توقع الشر بحيث يورث الاضطراب والقلق ، ولذا نفى الله الخشية من غيره عن أنبيائه وربما أثبت الخوف فقال : { وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب : 39] ، وقال : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً } [الأنفال : 58] .

وقوله : {إني أخاف أن يكذبون} أي ينسبني قوم فرعون إلى الكذب ، وقوله : {ويضيق صدري ولا ينطلق لساني} الفعلان مرفوعان وهما معطوفان على قوله : {أخاف} فالذي اعتل به أمور ثلاثة : خوف التكذيب وضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان ، وفي قراءة يعقوب وغيره يضيق وينطلق بالنصب عطفا على {يكذبون} وهو أوفق بطبع المعنى ، وعليه فالعلة واحدة وهي خوف التكذيب الذي يترتب عليه ضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان .

ويطابق ما سيجيء من آية القصص من ذكر علة واحدة هي خوف التكذيب .

وقوله : {فأرسل إلى هارون} أي أرسل ملك الوحي إلى هارون ليكون معينا لي على تبليغ الرسالة يقال لمن نزلت به نائبة أو أشكل عليه أمر : أرسل إلى فلان أي استمد منه واتخذه عونا لك .

فالجملة أعني قوله : {فأرسل إلى هارون} متفرعة على قوله : {إني أخاف} إلخ ، وذكر خوف التكذيب مع ما معه من ضيق الصدر وعدم انطلاق اللسان توطئة وتقدمة لذكرها وسؤال موهبة الرسالة لهارون .

وإنما اعتل بما اعتل به وسأل الرسالة لأخيه ليكون شريكا له في أمره ، معينا مصدقا له في التبليغ لا فرارا عن تحمل أعباء الرسالة ، واستعفاء منها ، قال في روح المعاني : ومن الدليل على أن المعنى على ذلك لا أنه تعلل وقوع {فأرسل} بين الأوائل وبين الرابعة أعني قوله : {ولهم علي ذنب} إلخ ، فآذن بتعلقه بها ولوكان تعللا لأخر ، انتهى .

وهو حسن وأوضح منه قوله تعالى في سورة القصص في القصة : {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ } [القصص : 33 ، 34] .

قوله تعالى : {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون} قال الراغب في المفردات : ، الذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء يقال : ذنبته أصبت ذنبه ، ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتبارا لما يحصل من عاقبته .

انتهى .

وفي الآية إشارة إلى قصة قتله (عليه السلام) ، وكونه ذنبا لهم عليه إنما هو بالبناء على اعتقادهم أو الاعتبار بمعناه اللغوي المذكور آنفا ، وأما كونه ذنبا بمعنى معصية الله تعالى فلا دليل عليه وسيوافيك فيه كلام عند تفسير سورة القصص إن شاء الله تعالى .

قوله تعالى : {قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} كلا للردع وهو متعلق بما ذكره من خوف القتل ، ففيه تأمين له وتطييب لنفسه أنهم لا يصلون إليه ، وأما سؤاله الإرسال إلى هارون فلم يذكر ما أجيب به عنه ، غير أن قوله : {فاذهبا بآياتنا} دليل على إجابة مسئوله .

وقوله : {فاذهبا بآياتنا} متفرع على الردع فيفيد أن اذهبا إليه بآياتنا ولا تخافا ، وقد علل ذلك بقوله : {إنا معكم مستمعون} والمراد بضمير الجمع موسى وهارون والقوم الذين أرسلا إليهم ولا يعبأ بقول من قال : إن المراد به موسى وهارون بناء على كون أقل الجمع اثنين فإنه مع فساده في أصله لا تساعد عليه ضمائر التثنية قبله وبعده كما قيل .

والاستماع هو الإصغاء إلى الكلام والحديث وهو كناية عن الحضور وكمال العناية بما يجري بينهما وبين فرعون وقومه عند تبليغ الرسالة كما قال في القصة من سورة طه : {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه : 46] .

ومحصل المعنى : كلا لا يقدرون على قتلك فاذهبا إليهم بآياتنا ولا تخافا إنا حاضرون عندكم شاهدون عليكم معتنون بما يجري بينكم .

قوله تعالى : {فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل} بيان لقوله في الآية السابقة : {فاذهبا بآياتنا .

وقوله : {فقولا إنا رسول رب العالمين} تفريع على إتيان فرعون ، والتعبير بالرسول بلفظ المفرد إما باعتبار كل واحد منهما أو باعتبار كون رسالتها واحدة وهي قولهما : {أن أرسل} إلخ ، أو باعتبار أن الرسول مصدر في الأصل فالأصل أن يستوي فيه الواحد والجمع ، والتقدير إنا ذوا رسول رب العالمين أي ذوا رسالته كما قيل .

وقوله : {أن أرسل معنا بني إسرائيل} تفسير للرسالة المفهومة من السياق والمراد بإرسالهم إطلاقهم لكن لما كان المطلوب أن يعودوا إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم وهي أرض آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب (عليهما السلام) سمي إطلاقهم ليعودوا إليها إرسالا منه لهم إليها .

قوله تعالى : {قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين} الاستفهام للإنكار التوبيخي ، و{نربك} من التربية ، والوليد الصبي .

لما أقبل فرعون على موسى وهارون وسمع كلامهما عرف موسى وخصه بالخطاب قائلا أ لم نربك إلخ ومراده الاعتراض عليه أولا من جهة دعواه الرسالة يقول : أنت الذي ربيناك وأنت وليد ولبثت فينا من عمرك سنين عديدة نعرفك باسمك ونعتك ولم ننس شيئا من أحوالك فمن أين لك هذه الرسالة وأنت من نعرفك ولا نجهل أصلك؟ قوله تعالى : {وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} الفعلة بفتح الفاء بناء مرة من الفعل ، وتوصيف الفعلة بقوله : {التي فعلت} للدلالة على عظم خطره وكثرة شناعته وفظاعته نظير ما في قوله : {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه : 78] ، ومراده بهذه الفعلة قتله (عليه السلام) القبطي .

وقوله : {وأنت من الكافرين} ظاهر السياق على ما سيأتي الإشارة إليه أن مراده بالكفر كفران النعمة وأن قتله القبطي وإفساده في أرضه كفران لنعمته عليه بالخصوص بما له عنده من الصنيعة حيث كف عن قتله كسائر المواليد من بني إسرائيل ورباه في بيته بل لأنه من بني إسرائيل وهو يراهم عبيدا لنفسه ويرى نفسه ربا منعما عليهم فقتل الواحد منهم رجلا من قومه وإفساده في الأرض خروج من طور العبودية وكفر بنعمته .

فمحصل اعتراضه المشار إليه في الآيتين أنك الذي ربيناك صبيا صغيرا ولبثت فينا من عمرك سنين ، وأفسدت في الأرض بقتل النفس فكفرت بنعمتي وأنت من عبيدي الإسرائيليين فمن أين جاءتك هذه الرسالة؟ وكيف تكون رسولا وأنت هذا الذي نعرفك ؟ .

وبذلك يظهر عدم استقامة تفسير بعضهم الكفر بالكفر المقابل للإيمان ، وأن المعنى وأنت من الكافرين بألوهيتي أو أنت من الكافرين بالله على زعمك حيث خالطتنا سنين وأنت في ملتنا ، وكذا قول بعضهم : إن المراد وأنت من الكافرين بنعمتي عليك خاصة .

قوله تعالى : {قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل} ضمير {فعلتها} راجع إلى الفعلة والظاهر أن {إذا} مقطوع عن الجواب والجزاء ويفيد معنى حينئذ كما قيل ، وعبده تعبيدا وأعبده إعبادا إذا اتخذه عبدا لنفسه .

والآيات الثلاث جواب موسى (عليه السلام) عما اعترض به فرعون ، والتطبيق بين جوابه (عليه السلام) وما اعترض به فرعون يعطي أنه (عليه السلام) حلل كلام فرعون إلى القدح في دعواه الرسالة من ثلاثة أوجه : أحدها استغراب رسالته واستبعادها وهو الذي يعلم حاله وقد أشار إليه بقوله : {أ لم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين} والثاني استقباح فعلته ورميه بالإفساد والجرم بقوله : {وفعلت فعلتك التي فعلت} والثالث المن عليه بأنه من عبيده ويستفاد ذلك من قوله : {وأنت من الكافرين} وقد اقتضى طبع ما يذكره في الجواب أن يغير الترتيب في الجواب فيجيب أولا عن اعتراضه الثاني ثم عن الأول ثم عن الثالث .

فقوله : {فعلتها إذا وأنا من الضالين} جواب عن اعتراضه بقتل القبطي وقد استعظمه حيث لم يصرح باسمه بل كنى عنه بالفعلة التي فعلت صونا للأسماع أن تقرع باسمه فتتألم .

والتدبر في متن الجواب ومقابلته الاعتراض يعطي أن قوله : {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما} من تمام الجواب عن القتل فيتقابل الحكم والضلال ويتضح حينئذ أن المراد بالضلال الجهل المقابل للحكم والحكم إصابة النظر في حقيقة الأمر وإتقان الرأي في تطبيق العمل عليه فيرجع معناه إلى القضاء الحق في حسن الفعل وقبحه وتطبيق العمل عليه ، وهذا هو الذي كان يؤتاه الأنبياء ، قال تعالى : {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} .

فالمراد أني فعلتها حينئذ والحال أني في ضلال من الجهل بجهة المصلحة فيه والحق الذي يجب أن يتبع هناك فأقدمت على الدفاع عمن استنصرني ولم أعلم أنه يؤدي إلى قتل الرجل ويؤدي ذلك إلى عاقبة وخيمة تحوجني إلى خروجي من مصر وفراري إلى مدين والتغرب عن الوطن سنين .

ومن هنا يظهر ما في قول بعضهم : إن المراد بالضلال الجهل بمعنى الإقدام على الفعل من غير مبالاة بالعواقب كما في قوله : ألا لا يجهلن أحد علينا .  فنجهل فوق جهل الجاهلينا .

وكذا قول بعض آخر : إن المراد بالضلال المحبة كما فسر به قول بني يعقوب لأبيهم : {تالله إنك لفي ضلالك القديم} أي في محبتك القديمة ليوسف ، فالمعنى : فعلتها حينئذ وأنا من المحبين لله لا ألوي عن محبته إلى شيء .

أما الوجه الأول ففيه أنه اعتراف بالجرم والمعصية ، وآيات سورة القصص ناصة على أن الله سبحانه آتاه حكما وعلما قبل واقعة القتل وهذا لا يجامع الضلال بهذا المعنى من الجهل .

وأما الوجه الثاني ففيه مضافا إلى عدم مساعدة السياق : أن من الممتنع من أدب القرآن أن يسمي محبة الله سبحانه ضلالا .

وأما قول القائل : إن المراد بالضلال الجهل بمعنى عدم التعمد وأنه إنما فعل ذلك جاهلا به غير متعمد إياه فإنه (عليه السلام) إنما تعمد وكز القبطي للتأديب فأدى إلى ما أدى .

وكذا قول القائل : إن المراد بالضلال الجهل بالشرائع كما فسر به بعضهم قوله : {ووجدك ضالا فهدى} .

وكذا قول القائل : إن المراد بالضلال النسيان كما فسر به قوله تعالى : { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة : 282] .

وأن المعنى فعلتها ناسيا حرمتها أو ناسيا أن الوكز مما يفضي إلى القتل عادة .

فوجوه يمكن أن يوجه كل منها بما يرجع به إلى ما قدمناه .

وقوله : {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما} متفرع على قصة القتل ، والسبب في خوفه وفراره ما أخبر الله به في سورة القصص بقوله : {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص : 20 ، 21] .

وأما الحكم فالمراد به - كما استظهرناه - إصابة النظر في حقيقة الأمر وإتقان الرأي في العمل به .

فإن قلت : صريح الآية أن موهبة الحكم كانت بعد واقعة القتل ومفاد آيات سورة القصص أنه (عليه السلام) أعطي الحكم قبلها ، قال تعالى : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ } [القصص : 14 ، 15] ، ثم ساق القصة وذكر القتل والفرار .

قلت : إنما ورد لفظ الحكم هاهنا وفي سورة القصص منكرا وهو مشعر بمغايرة كل منهما الآخر وقد ورد في خصوص التوراة أنها متضمنة للحكم ، قال تعالى : {وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ } [المائدة : 43] ، وقد نزلت التوراة بعد غرق فرعون وإنجاء بني إسرائيل .

فمن الممكن أن يقال : إن موسى (عليه السلام) أعطي مراتب من الحكم بعضها فوق بعض قبل قتل القبطي وبعد الفرار قبل العود إلى مصر وبعد غرق فرعون ، وقد خصه الله في كل مرة بمرتبة من الحكم حتى تمت له الحكمة بنزول التوراة ، وهذا بحسب التمثيل نظير ما يرزق بعض الناس أوان صباه سلامة في فطرته قلما يميل معها طبعه إلى الشر والفساد ثم إذا نشأ يعطى اعتدالا في التعقل وجودة في التدبير فينبعث إلى اكتساب الفضائل فيرزق ملكة التقوى والصفات الثلاث في الحقيقة سنخ واحد ينمو ويزيد حالا بعد حال .

ويظهر بما تقدم عدم استقامة تفسير بعضهم الحكم بالنبوة لعدم دليل عليه من جهة اللفظ ولا المقام .

على أن الله سبحانه ذكر الحكم والنبوة في مواضع من كلامه وفرق بينهما كقوله : {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [آل عمران : 79] ، وقوله : {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام : 89] ، وقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الجاثية : 16] إلى غير ذلك .

وقوله : {وجعلني من المرسلين} جواب عن الاعتراض الأول وهو استغراب رسالته واستبعادها وهم يعرفونه ، وقد شاهدوا أحواله حينما كانوا يربونه فيهم وليدا ولبث فيهم من عمره سنين ، وتقريره أن استغرابهم واستبعادهم رسالته استنادا إلى سابق معرفتهم بحاله إنما يستقيم لو كانت الرسالة أمرا اكتسابيا يمكن أن يحدس به أو يتوقع حصوله بحصول مقدماته الاختيارية ، وليس الأمر كذلك بل هي أمر وهبي لا تأثير للأسباب العادية فيها وقد جعله الله من المرسلين كما وهب له الحكم بغير اكتساب هذا ما يعطيه التدبر في السياق .

وأما ما ذكروه من أن قوله : {أ لم نربك فينا وليدا} إلخ ، مسوق للمن على موسى (عليه السلام) دون الاستغراب والاستبعاد كما ذكرناه ، فالآية في نفسها وإن لم تأب الحمل على ذلك لكن سياق مجموع الجواب لا يساعد عليه ، وذلك أن فيه إفساد السياق من حيث يتعين أن يجعل قوله : {وتلك نعمة تمنها علي} إلخ ، جوابا عن المن وهولا ينطبق عليه ، ويجعل قوله : {فعلتها إذا} إلخ جوابا عن الاعتراض بالقتل ، ويبقى قوله : {وجعلني من المرسلين} فضلا لا حاجة إليه فافهم ذلك .

وقوله : {وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل} جواب عن منه عليه وتقريعه بأنه من عبيده وقد كفر نعمته وتقرير الجواب أن هذا الذي تعده نعمة وتقرعني بكفرانها سلطة ظلم وتغلب إذ عبدت بني إسرائيل والتعبيد ظلما وتغلبا ليس من النعمة في شيء .

فالجملة استفهامية مسوقة للإنكار و{أن عبدت بني إسرائيل} بيان لما أشير إليه بقوله : {تلك} والمحصل أن الذي تشير إليه بقولك : {وأنت من الكافرين} من أن لك علي نعمة كفرتها إذ كنت ولي نعمتي وسائر بني إسرائيل – أو إذ كنت ولي نعمتنا معشر بني إسرائيل - ليس بحق إذ كونك وليا منعما ليس إلا استنادا إلى التعبيد ، والتعبيد ظلم والولاية المستندة إليه أيضا ظلم وحاشا أن يكون الظالم وليا منعما له على من عبده نعمة وإلا كان التعبيد نعمة وليس نعمة ، ففي قوله : {أن عبدت بني إسرائيل} وضع السبب موضع المسبب .

والقوم حللوا كلام فرعون : {أ لم نربك} إلخ ، إلى اعتراضين - كما أشرنا إليه - المن عليه بتربيته وليدا وكفرانه النعمة وإفساده في الأرض بقتل القبطي فأشكل عليهم الأمر من جهتين - كما أشرنا إليه .

إحداهما صيرورة قوله : {وجعلني من المرسلين} فضلا لا حاجة إليه في سوق الجواب .

والثانية : عدم صلاحية قوله : {وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل} جوابا عن منه على موسى (عليه السلام) بتربيته في بيته وليدا .

وقد ذكروا في توجيهه وجوها : منها : أنه مسوق للاعتراف بأن تربيته لموسى كانت نعمة عليه وإنكار أن يكون ترك استعباده نعمة وهمزة الإنكار مقدرة فكأنه يقول : أ وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ولم تعبدني هذا ، وأنت ترى أن فيه تقديرا لما لا دليل عليه من جهة اللفظ ولا إشارة .

ومنها : أنه إنكار لأصل النعمة عليه لمكان تعبيده بني إسرائيل كأنه يقول : إن تربيتك لي ليست نعمة يمن بها علي لأنك عبدت قومي فأحبطت به عملك فقوله : {أن عبدت} إلخ في مقام التعليل للإنكار هذا ، وهذا الوجه وإن كان أقرب إلى الذهن من سابقه لكن هذا الجواب غير تام معنى فإن تعبيده لبني إسرائيل لا يغير حقيقة ما له من الصنيعة عند موسى في تربيته وليدا .

ومنها : أن المعنى أن هذه النعمة التي تمن بها علي من التربية إنما سببه ظلمك بني إسرائيل بتعبيدهم فاضطرت أمي لذلك أن ألقتني في اليم فأخذتني فربيتني فإذ كانت هذه التربية مسببة عن ظلمك بالتعبيد فليست بنعمة هذا والشأن في استفادة هذا المعنى من لفظ الآية .

ومنها : أن الذي رباني أمي وغيرها من بني إسرائيل حيث استعبدتهم فأمرتهم فربوني فليست هذه التربية نعمة منك تمنها علي لانتهائها إلى التعبيد ظلما هذا ، وهذا الوجه أبعد من سابقه من لفظ الآية .

ومنها : أن ذلك اعتراف منه (عليه السلام) بنعمة فرعون عليه والمعنى وتلك التربية نعمة منك تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركت تعبيدي هذا وأنت خبير بأن لا دليل على ما قدره من قوله : وتركت تعبيدي .

________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ،ص205-212 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

بداية رسالة موسى :

قلنا إنّ في هذه السورة بياناً لقصص سبعة من الأنبياء الكرام العظام ، ليكون درس اعتبار لعامّة المسلمين ، ولا سيما المسلمين الأوائل في عصر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) . . .

فأوّل قصّة تتناولها هذه السورة هي قصة موسى(عليه السلام) ، وتشرح جوانب مختلفة من حياته ومواجهته لفرعون واتباعه حتى هلاكهم بالغرق في النيل !

وقد جاء الكلام عن بني إسرائيل وموسى وفرعون وقومه حتى الآن في سور شتى «كالبقرة والمائدة والأعراف ويونس والإسراء وطه» كما ورد الكلام في هذا الشأن أيضاً في بعض السور التالية ! . . .

وهذه البحوث وإن تكررت ـ بحسب الظاهر ـ إلاّ أن الإمعان أو التدقيق فيها يكشف عن أن كلّ بحث منها يتناول جانباً خاصّاً من هذه القصّة ذات المحتوى الغزير ، ويعوّل على هدف معين ! . . .

مثلا . . حين نزلت الآيات ـ محل البحث ـ كان المسلمون قلّةً ضعافاً وكان أعداؤهم كثرةً أولي قوّة وبأس شديد ، بحيث لا يمكن الموازنة بين الفرقتين ، فكان ينبغي أن يبيّن الله قصص الأُمم السابقة المشابهة لحال هؤلاء ، ليعلم المسلمون أن هذه القوّة التي يمتلكها الأعداء وهذا الضعف الظاهري الذي يكتنف المسلمين لن يؤدي أيٌّ منهما بنفسه إلى اندحار المسلمين ، ولتزداد معنويات المسلمين وتثّبت استقامتهم ومقاومتهم . . .

وممّا يلفتُ النظر تكرار عبارة : {وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم} بعد تمام الحديث عن كل نبي . . . وهو التعبير ذاته الوارد في بداية هذه السورة في شأن النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) . . وهذا الإتساق في التعبير شاهد حيّ على أن ذكر هذه الجوانب من قصص الأنبياء إنّما هو للظروف المتشابهة التي أكتنفت المسلمين من حيث الحالة النفسية والإجتماعية كما كان عليها الأنبياء السابقون . . .

فتقول الآيتان الأُوليان من الآيات محل البحث {وإذ نادى ربك موسى أن أئت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون} . ويتركون ظلمهم وفسادهم وعنادهم للحق .

وينبغي الإلتفات إلى أنّ الصفة الوحيدة المذكورة عن قوم فرعون هنا هي الظلم ، ومن الواضح أن الظلم له معنى جامعٌ واسع ومن مصاديقه الشرك كما تقول الآية (13) من سورة لقمان {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان : 13] . . .

كما أنَّ استعباد بني إسرائيل واستثمارهم وما قارنهما من زجر وتعذيب من المصاديق الأُخرى أيضاً ، ثمّ بعد هذا كله فإن قوم فرعون ظلموا أنفسهم بأعمالهم المخالفة ، وهكذا يمكن تلخيص أهداف دعوة الأنبياء جميعهم بمبارزة الظلم بجميع أبعاده! . . .

ويحكي القرآن مقالة موسى الكليم لربّ العزة وما طلبه منه من مزيد القوة والعون لحمل الرسالة العظمى ، فيقول في الآية التالية : {قال ربّ إنّي أخاف أن يكذبونِ} وأخشى أن أُطرد قبل أن أكمل أداء رسالتي بما أُلاقيه من صخب وتكذيب فلا يتحقق الهدف المنشود . . .

وكان لموسى الحق في كلامه هذا تماماً ، لأنّ فرعون وأتباعه وحاشيته كانوا مهيمنين على مصر ، بحيث لم يكن لأحد أن يخالفهم ولو برأيه ، وإذا أحسّوا بأدنى نغمة مخالفة لأي شخص بادروا إلى الإجهاز عليه فوراً . .

وإضافة إلى ذلك فان صدري لا يتّسع لاستيعاب هذه الرسالة الالهية : {ويضيق صدري} .

ثمّ بعد هذا كله فلساني قد يعجز عن بيانها : {ولا ينطلق لساني} . . .

فلذلك فإني أطلب أن تشدّ أزري بأخي {فأرسل إلى هارون} . (2)

لنؤدي رسالتك الكبرى بأكمل وجه بتعاضدنا في مواجهة الظالمين والمستكبرين .

وبغض النظر عن كلّ ذلك فإنّ قوم فرعون يطاردونني {ولهم عليّ ذنب} كما يعتقدون لأنّي قتلت واحداً منهم ـ حين كان يتنازع مع إسرائيلي مظلوم ـ بضربة حاسمة ! وأنا قلق من ذلك {فأخاف أن يقتلونِ} .

وفي الحقيقة إنّ موسى(عليه السلام) كان يرى أربع مشاكل كبرى في طريقه ، فكان يطلب من الله حلّها لأداء رسالته وهذه المشاكل هي . . .

مشكلة التكذيب .

مشكلة ضيق الصدر .

مشكلة عدم الفصاحة الكافية .

ومشكلة القصاص !

ويتّضح ضمناً أنّ موسى لم يكن خائفاً على نفسه ، بل كان خوفه أن لا يصل إلى الهدف والمقصد للأسباب آنفة الذكر ، لذلك فقد كان يطلب من الله سبحانه مزيد القوّة لهذه المواجهة ! . . .

طلبات موسى(عليه السلام) من الله في هذا الصدد خير شاهد على هذه الحقيقة ، إذ طلب أن يشرح صدره وحلّ عقدة لسانه وأن يرسل إلى هارون للمعاضدة في التبليغ كما جاء ذلك في سورة طه بصورة أكثر تفصيلا إذ قال : {ربّ اشرح لي صدري ويسِّرلي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً} .

فاستجاب الله طلب موسى ودعوة الصادقة و(قال كلاّ) فلن يستطيعوا قتلك ، أوكلاّ لن يضيق صدرك وينعقد لسانك ، وقد أجبنا دعوتك أيضاً في شأن أخيك ، فهو مأمور معك في هذه المهمّة : {فاذهبا بآياتنا} لتدعوا فرعون وقومه إلى توحيد الله .

ولا تظنّا بأنّ الله بعيد عنكم أولا يسمع ما تقولان {إنّا معكم مستمعون} . . .

فإنا معكما ولن اتتركما أبداً ، وسأنصركما في الحوادث الصعبة ، فاذهبا مطمئني الخاطر ، وامضيا في هذا السبيل بأقدام ثابتة وعزيمة راسخة! . . .

وهكذا فإنّ الله سبحانه أعطى لموسى الإطمئنان الكافي في جمل ثلاث وحقّق له طلبه . . . إذ طمأنه بقوله : (كلا) على أنّ قوم فرعون لن يقتلوه ولن يستطيعوا ذلك . . . ولن تحدث له مشكلة بسبب ضيق صدره أو التلكؤ في لسانهِ وبقوله : {فاذهبا بآياتنا} أرسل أخاه ليعينه على أمره . وبقوله : {إنا معكم مستمعون} وعدهما أنّهما سيكونان أبداً تحت ظل خيمته وحمايته! . . .

وممّا ينبغي الإلتفات إليه ورود الضمير في آخر الجملة بصيغة الجمع في قوله : (إنا معكم) ولعل ذلك إشارة إلى أن الله حاضر مع موسى وهارون ومن يواجهانهما من الطغاة والفراعنة في جميع المحاورات ، ويسمع ما يدور بينهم جميعاً ، فينصر موسى وأخاه هارون على أولئك الطغاة ! . . .

وما ذهب إليه بعض المفسّرين من أن كلمة «مع» دالة على النصرة والحماية فلا تشمل قوم فرعون ، غير سديد ، بل إن «مع» تعني حُضور الخالق الدائم في جميع الميادين والمحاورات حتى مع المذنبين ، حتى مع المذنبين ، وحتى مع الموجودات التي لا روح فيها ، فهو في كل مكان ولا يخلو منه مكان .

والتعبير بـ «مستمعون» ، أي الإصغاء المقرون بالتوجه هو تأكيد على هذه الحقيقة أيضاً .

 

وقوله : {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [الشعراء : 16 - 22] .

 

مواجهة فرعون مواجهةً منطقية وقاطعة :

انتهت في الآيات المتقدمة المرحلة الأُولى لمأمورية «موسى(عليه السلام)» وهي موضوع الوحي «والرسالة» وطلبه أسباب الوصول إلى هذا الهدف الكبير ! . . .

وتعقيباً على المرحلة الآنفة تأتي الآيات ـ محل البحث ـ لتمثل المرحلة الثّانية ، أي مواجهة موسى وهارون لفرعون ، والكلام المصيري الذي جرى بينهم !

تقول الآية الأُولى من هذه الآيات مقدمةً لهذه المرحلة : {فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول ربّ العالمين} .

وجملة {فأتيا فرعون} تكشف عن أنّهما ينبغي أن يواجها فرعون نفسه بأيّة قيمة أو أيّ ثمن كان . . .

والتعبير بـ «رسول» بصيغة الإفراد مع أنّهما «موسى وهارون» نبيّان مرسلان ، يشير إلى وحدة دعوتهما ، فكأنّهما روحان في بدن واحد لهما خِطّة واحدة وهدف واحد . (3)

وضمن دعوتكما لفرعون بأنّكما رسولا ربّ العالمين اطلبا منه أن يُرسل بني إسرائيل ويرفع يده عنهم : {أن أرسل معنا بني إسرائيل} .

وبديهي أن المراد من الآية أن يرفع فرعون عن بني إسرائيل نيرْ العبوديّة والقهر والإستعباد ، ليتحرروا ويأتوا مع موسى وهارون ، وليس المراد هو إرسال بني إسرائيل معهما فحسب .

وهنا يلتفت فرعون فيتكلم بكلمات مدروسة وممزوجة بالخبث والشيطنة لينفي الرسالة ويقول لموسى : {ألم نربّك فينا وليداً . . .} .

إذْ التقطناك من أمواج النيل الهادرة فإنقذناك من الهلاك ، وهيّأنا لك مرضعة ، وعفونا عن الحكم الصادر في قتل أبناء بني إسرائيل الذي كنت مشمولا به ، فتربّيت في محيط هادىء آمن منعّماً . . . وبعد أن تربيت في بيتنا عشت زماناً {ولبثت فينا من عمرك سنين} .

ثمّ توجه إلى موسى وذكرّه بموضوع قتل القبطي فقال : {وفعلت فعلتك التي فعلت} .

إشارةً إلى أنه كيف يمكنك أن تكون نبيّاً ولديك مثل هذه السابقة ؟!

ثمّ بعد هذا كله : {وأنت من الكافرين} ! (أي بنعمة فرعون) فلطالما جلست على مائدتنا وتناولت من زادنا فكيف تكون نبيّاً وأنت كافر بنعمتي ؟!

وفي الحقيقة; كان فرعون يريد أن يجعل موسى محكوماً بهذه التهم المواجهة إليه ، وبهذا المنطق الإستدراجي .

والمراد من قصّة القتل المذكورة هنا هو ما جاء في سورة القصص «الآية 15 منها» حيث جاء فيها أن موسى وجد رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه ، فاستغاثة الذي هو من شيعته على الذي من عدوّه فوكزه موسى فقضى عليه انتصاراً لشيعته! . . .

وعندما سمع موسى كلمات فرعون الممزوجة بالخبث والشيطنة أجاب على إشكالات فرعون الثلاثة ، إلاّ أنه قدّم الإجابة على الإشكال الثّاني نظراً لأهميته . (أو أنه أساساً لم يجد الإشكال الأوّل يستحق الإجابة ، لأن تربية الشخص لا تكون دليلا على عدم جواز هداية مربّية إن كان المربي ضالا ، ليسلك سبيل الرشاد)

وعلى كل حال أجابه موسى (عليه السلام) : {قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين} .

وهنا كلام طويل بن المفسّرين على المراد من كلمة «الضالين» الواردة في تعبير موسى (عليه السلام) . . . لأنّه كما نعلم لا مجال لأن تكون للنبيّ سابقةُ سوء حتى قبل مرحلة النبوّة . . لأنّها تزلزل موقعه في أفكار عامّة الناس ، ويبقى الهدف من بعثته ناقصاً غيرِ تام ، ولذلك فإنّ العصمة في الأنبياء لازمة حتى قبل زمان نبوتهم ! . . . هذا من جهة . . .

ومن جهة أُخرى ينبغي أن يكون هذا الكلام جواباً مسكتاً ومضحماً لفرعون ! لذلك فإن كثيراً من المفسّرين يعتقدون أن المراد من «الضال» هنا هو كونُه أخطأ في الموضوع ، أي أن موسى كانت ضربته للرجل القبطي لا بقصد القتل ، بل لكي يحمي المظلوم ويدافع عنه ، ولم يدر أنّه ستؤول ضربته إلى الإجهاز عليه وقتله ، فبناءً على ذلك فإنّ الضالّ هنا معناه «الغافل» والمراد منه الغافل عن العاقبة التي أدّى عمله إليها .

وقال بعض المفسّرين : إنّ المراد من ذلك أنّه لم يكن أيّ خطأ في قتل القبطي الظالم لأنّه كان مستحقاً ، بل إنّ موسى (عليه السلام) يريد أن يقول : إنّه لم يدر أن عاقبة عمله ستكون على هذا الوجه ، وأنه لا يستطيع البقاء في مصر وعليه أن يخرج بعيداً عن وطنه ، وأن يتأخر منهجه «في أداء رسالته» .

ولكن الظاهر أنّ هذا لا يعدّ جواباً لفرعون ، بل هو موضوع كان لموسى أن يبيّنه لأتباعه ومن حوله من محبّيه! لا أنه ردّ على إشكال فرعون ! . . .

والتّفسير الثّالث الذي من المحتمل أن يكون مناسباً أكثر لمقام موسى (عليه السلام) ـ من جهات متعددة ـ ويتلاءم وعظمة كيانه ، أن موسى (عليه السلام) استخدم التورية في تعبيره جواباً على كلام فرعون ، فقال كلاماً ظاهره أنّه لم يعرف طريق الحق في ذلك الزمان . . . لكنّ الله عرّفه إياه بعدئذ ، ووهب له حكماً ـ فجعله من المرسلين ، إلاّ أنه كان يقصد في الباطن أنه لم يدر أن عمله حينئذ سيؤدي إلى هذه النتيجة ! من الجهد والعناء واضطراب البال ـ مع أَنّ أصل عمله كان حقاً ومطابقاً لقانون العدالة «أو أنه يوم كانت هذه الحادثة قد وقعت كان موسى (عليه السلام) قد ضلّ طريقه فصادف أمامه هذه القضيّة» . . .

ونحن نعرف أن «التورية» هي أن يقول الإنسان كلاماً باطنه حق ، إلاّ أن الطرف الآخر يفهمُ من ظاهره شيئاً آخر ، وهذا الأمر يقع في موارد خاصّة يُبتلى الإنسان فيها بالحرج أو الضيق ، ولا يريد أن يكذب ، وهو في الوقت ذاته على ظاهر كلامه . . . (4)

ثمّ يضيف موسى قائلا : {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين} !

وهناك اختلاف بين كلمات المفسّرين في المراد من «الحكم» في هذه الآية ، أهو مقام النبوة ، أم مقام العلم ، أم سواهما ؟! لكن مع ملاحظة ذيل الآية نفسها المذكور فيها مقام الرسالة بإزاء الحكم يتّضح أنّه غير الرسالة والنبوّة !

والشاهد الآخر على هذا الموضوع الآية (79) من سورة آل عمران إذ قال : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران : 79] .

إن كلمة «الحكم» تعني في اللغة : المنع من أجل الإصلاح ، هذا هو الأصل في ما وضعت له ، ولذا سمّوا لجام الحيوان «حَكَمةً» على وزن (صَدَقَة) ثمّ أطلقت هذه الكلمة على ما يطابق الحكمة ، ومن هنا سمي العقل والعلم حكماً أيضاً لهذا التناسب ، وقد يقال : إنّه يستفاد من الآية (14) من سورة القصص أن موسى(عليه السلام) كان قد بلغ مقام الحكم والعلم قبل هذه القضية إذ تقول : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص : 14] .

فنجيب على ذلك أن للعلم والحكمة مراحل مختلفة ، فكان موسى(عليه السلام) قد بلغ مرحلة منهما من قبل ، وحين بلغ مقام النبوّة أدرك المرحلة الأكمل ! . . .

ثمّ يردّ موسى(عليه السلام) على كلام فرعون الذي يمنُّ به عليه في أنّه ربّاه وتعهده منذ طفولته وصباهُ ، معترضاً عليه بلحن قاطع فيقول : {وتلك نعمة تمنُّها عليّ أن عبّدتِ بني إسرائيل} .

صحيح أنّ يد الحوادث ساقتني ـ وأنا طفل رضيع ـ إلى قصرك ، لأتربّى في كنفك ، وكان في ذلك بيان لقدرة الله ، لكن ترى كيف جئت إليك؟ ولم لا تربيتُ في أحضان والديّ وفي بيتهما ؟!

ألم يكن ذلك لأنّك عبّدت بني إسرائيل وصفّدت أيديهم بنير الأسر ! حتى أمرت أن يُقتل الأطفال الذكور وتستحيا النساء للخدمة ؟!

فهذا الظالم المفرط من قبلك ، كان سبباً لأن تضعني اُمي في الصندوق حفاظاً عليّ ، وتلقيني في أمواج النيل ، وكانت مشيئة الله أن تسوق الأمواج «زورقي» الصغير حتى توصله إلى قصرك . . . أجل إن ظلمك الفاحش هو الذي جعلني رهين منّتك وحرمني من بيت أبي الكريم ، وصيرني في قصرك الملوّث ! . . .

وبهذا التّفسير يتّضح ارتباط جواب موسى بسؤال فرعون تماماً .

كما يحتمل في تفسير هذه الآية أنّ مراد موسى(عليه السلام) هو الإِعتراض على فرعون بأنّه لو كانت تربيتي عندك نعمةً من قبلك ، فهي إزاء ظلمك لبني إسرائيل بمثابه القطرة في مقابل البحر ، فأية نعمةَ لك عليّ مع ما عندك من الظلم والجور على الناس ؟!

والتّفسير الثّالث لجواب موسى لفرعون ، هو أنّه : لو تربيت في قصرك وتمتعت بنعمك المختلفة ، فلا تنس بُناة قصرك الأوائل فهم أرقّاء من قومي ، والموجدون لجميع تلك النعم هم أسراؤك من بني إسرائيل ، فكيف تمنّ عليّ بجهود قومي وأتعابهم ؟!

وهذه التفاسير الثلاثة لا تتنافى جميعاً ، وإن كان التّفسير الأوّل من بعض الجهات أكثر وضوحاً !

ويستفاد من عبارة : «من المرسلين» ضمناً بأنّني لست الوحيد المرسل من قبل الله . فمن قبلي جاء رُسُل عدّة ، وأنا واحدٌ منهم ، إلاّ أن فرعون نسيَهم أو تناساهم !!

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص276-284 .

2 ـ في هذه الجملة حذفٌ وتقديره : فأرسل جبرئيل إلى هارون .

3 ـ يقول الراغب في «المفردات» : «الرّسول» من الكلمات التي تطلق على المفرد والجمع ، وإن جمعت أحياناً على «الرسُل» فمنهم من يرى أنها مصدر أيضاً ومعناها الرسالة ، ونعرف أنه لا تثنية ولا جمع في المصدر . وقد ورد في لسان العرب أن الرّسول بمعنى الرسالة ، إلاّ أن هذه الكلمة تحمل المعنى الوصفي حتماً ، وكثيراً ما تجمع أو تثنى وقد ورد في سورة طه عن هذه القصة وقصة موسى وهارون : «إنّا رسولا ربك» ! . . .

4 ـ هذا الكلام يوافق مضمون الحديث الوارد عن الإمام الرضا(عليه السلام) في تفسير الآية ، راجع كتاب عيون اخبار الرضا ، ج 4 ، ص 48 نقلا عن «نور الثقلين» .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .