أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-6-2020
2925
التاريخ: 13-6-2020
14028
التاريخ: 7-6-2020
21496
التاريخ: 9-6-2020
3844
|
قال تعالى:{ وَيَقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكلْ فى أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسوهَا بِسوء فَيَأْخُذَكمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فى دَارِكمْ ثَلَثَةَ أَيَّام ذَلِك وَعْدٌ غَيرُ مَكْذُوب(65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجَّيْنَا صلِحاً والَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَة مِّنَّا ومِنْ خِزْىِ يَوْمِئذ إِنَّ رَبَّك هُوَ الْقَوِى الْعَزِيزُ(66) وأَخَذَ الَّذِينَ ظلَمُوا الصيْحَةُ فَأَصبَحُوا فى دِيَرِهِمْ جَثِمِينَ(67) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَا كفَرُوا رَبهُمْ أَلا بُعْداً لِّثَمُودَ} [هود: 64، 68]
{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} أشار إلى ناقته التي جعلها الله معجزته لأنه سبحانه أخرجها لهم من جوف صخرة يشاهدونها على تلك الصفة وخرجت كما طلبوه وهي حامل وكانت تشرب يوما جميع الماء فتنفرد به ولا ترد الماء معها دابة فإذا كان يوم لا ترد فيه وردت الواردة كلها الماء وهذا أعظم آية ومعجزة .
وانتصب {آية} على الحال من {ناقة الله} فكأنه قال انتبهوا إليها في هذه الحال والمعنى : إن شككتم في نبوتي فهذه الناقة معجزة لي وأضافها إلى الله تشريفا لها كما يقال بيت الله { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} أي: فاتركوها في حال أكلها فتكون { تأكل في أرض الله } جملة منصوبة الموضع على الحال ويجوز أن يكون مرفوعا على الاستئناف والمعنى: فإنها تأكل في أرض الله من العشب والنبات { ولا تمسوها } أي: لا تصيبوها { بسوء} قتل أوجرح أو غيره { فيأخذكم} إن فعلتم ذلك {عذاب قريب} أي: عاجل فيهلككم { فعقروها} أي: عقرها بعضهم ورضي به البعض وإنما عقرها أحمر ثمود وضربت به العرب المثل في الشؤم { فقال} صالح :
{ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} أي:تلذذوا بما تريدون من المدركات الحسنة من المناظر والأصوات وغيرها مما يدرك بالحواس في بلادكم ثلاثة أيام ثم يحل بكم العذاب بعد ذلك ويقال للبلاد دار لأنها تجمع أهلها كما تجمع الدار أهلها ومنه قولهم ديار ربيعة وديار مضر وقيل :{في داركم} يعني دار الدنيا وقيل معنى قوله {تمتعوا في داركم } عيشوا في بلدكم وعبر عن الحياة بالتمتع لأن الحي يكون متمتعا بالحواس قالوا : لما عقرت الناقة صعد فصيلها الجبل ورغا ثلاث مرات فقال صالح لكل رغوة أجل يوم فاصفرت ألوانهم أول يوم ثم احمرت في الغد ثم اسودت اليوم الثالث فهو قوله { ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} أي: إن ما وعدتكم به من العذاب ونزوله بعد ثلاثة أيام وعد صدق لا كذب فيه وروى جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نزل الحجر في غزوة تبوك قام فخطب الناس وقال: يا أيها الناس! لا تسألوا نبيكم الآيات فهؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم الناقة وكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم ورودها ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يشربون من مائها يوم غبها(2). فعتوا عن أمر ربهم فقال :{تمتعوا في داركم ثلاثة أيام } وكان وعدا من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم إلا رجلا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله تعالى يقال له أبو رغال. قيل له يا رسول الله من أبو رغال؟ قال: أبو ثقيف .
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} مر تفسيره في قصة عاد {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} قال ابن الأنباري هذا معطوف على محذوف تقديره نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ أي: من الخزي الذي لزمهم ذلك اليوم والخزي العيب الذي تظهر فضيحته ويستحي من مثله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} أي: القادر على ما يشاء { العزيز } الذي لا يمتنع عليه شيء ولا يمنع عما أراده { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} قيل: إن الله سبحانه أمر جبرائيل فصاح بهم صيحة ماتوا عندها ويجوز أن يكون الله تعالى خلق تلك الصيحة التي ماتوا عندها .
{فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ} أي منازلهم {جاثمين} أي: ميتين واقعين على وجوههم ويقال جاثمين أي: قاعدين على ركبهم وإنما قال {فأصبحوا} لأن العذاب أخذهم عند الصباح وقيل: أتتهم الصيحة ليلا فأصبحوا على هذه الصفة والعرب تقول عند الأمر العظيم واسوء صباحاه! { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: كأن لم يكونوا في منازلهم قط لانقطاع آثارهم بالهلاك إلا ما بقي من أجسادهم الدالة على الخزي الذي نزل بهم { أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} قد سبق تفسيره .
__________________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص298-299.
2- الغب-بالكسر-:من أوراد الابل أن ترد الماء يوماً، وتدعه يوماً،ثم تعود.
{ ويا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ } . تقدمت في سورة الأعراف الآية 73 ج 3 ص 349 .
{ فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } . أمرهم صالح ( عليه السلام ) ان يتركوا الناقة وشأنها ، فعقروها ولم يكترثوا ، فأنذرهم بنزول العذاب بعد ثلاثة أيام . وعن ابن عباس انه تعالى أمهلهم هذه المدة ترغيبا لهم في الايمان والتوبة ، ولكنهم أصروا على الكفر لأنهم لم يصدقوا صالحا بوعده ووعيده .
{ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ومِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } . وبعد ثلاثة أيام نزل العذاب ، فسلم المؤمنون ، وهلك الكافرون بعد ان قامت عليهم الحجة . . وهذه نهاية كل من لج وتمادى في الغي والفساد .
{ وأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ } . قال هنا :
فأخذ الذين ظلموا الصيحة ، وقال في الآية 78 من سورة الأعراف : فأخذتهم الرجفة . ووجه الجمع ان الصيحة أحدثت في قلوبهم الخوف والرجفة . { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ } أي كأنهم لسرعة زوالهم لم يقيموا في ديارهم ، ولم يتمتعوا بأموالهم وأولادهم ، ولم يضحكوا للدنيا وتضحك لهم . والعاقل من اعتبر بالغير ، وانتفع بالنذر
_____________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج4،ص246-247.
قوله تعالى:{ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} إضافة الناقة إلى الله إضافة تشريف كبيت الله وكتابة الله.
وكانت الناقة آية معجزة له (عليه السلام) تؤيد نبوته، وقد أخرجها عن مسألتهم من صخر الجبل بإذن الله، وقال لهم: أنها تأكل في أرض الله محررة، وحذرهم أن يمسوها بسوء أي يصيبوها بضرب أوجرح أوقتل.
وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك أخذهم عذاب قريب معجل، وهذا معنى الآية.
قوله تعالى:{ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} عقر الناقة نحرها، والدار هي المكان الذي يبنيه الإنسان فيسكن فيه ويأوي إليه هو وأهله، والمراد بها في الآية المدينة سميت دارا لأنها تجمع أهلها كما تجمع الدار أهلها، وقيل المراد بالدار الدنيا، وهو بعيد.
والمراد بتمتعهم في مدينتهم العيش والتنعم بالحياة لأن الحياة الدنيا متاع يتمتع به، أوالالتذاذ بأنواع النعم التي هيئوها فيها من مناظر ذات بهجة والأثاث والمأكول والمشروب والاسترسال في أهواء أنفسهم.
وقوله:{ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} الإشارة إلى قوله:{تمتعوا} إلخ، و{وعد غير مكذوب} بيان له.
قوله تعالى:{فلما جاء أمرنا نجينا صالحا} إلى آخر الآية.
أما قوله:{ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} فقد تقدم الكلام في مثله في قصة هود.
وأما قوله:{ وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} فمعطوف على محذوف والتقدير نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ، والخزي العيب الذي تظهر فضيحته ويستحيي من إظهاره أو أن التقدير: نجيناهم من القوم ومن خزي يومئذ على حد قوله:{ونجني من القوم الظالمين}.
وقوله:{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} في موضع التعليل لمضمون صدر الآية وفيه التفات من التكلم بالغير إلى الغيبة، وقد تقدم نظيره في آخر قصة هود في قوله:{ألا إن عادا كفروا ربهم} والوجه فيه ذكر صفة الربوبية ليدل به على خروجهم من زي العبودية وكفرهم بالربوبية وكفرانهم نعم ربهم.
قوله تعالى:{ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} يقال: جثم جثوما إذا وقع على وجهه، والباقي ظاهر.
قوله تعالى:{كأن لم يغنوا فيها} غني بالمكان أي أقام فيه والضمير راجع إلى الديار.
قوله تعالى:{ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} الجملتان تلخيص ما تقدم تفصيله من القصة فالجملة الأولى تلخيص ما انتهى إليه أمر ثمود ودعوة صالح (عليه السلام)، والثانية تلخيص ما جازاهم الله به، وقد تقدم نظيرة الآية في آخر قصة هود.
______________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج10،ص247-248.
وبعد هذا كلّه ومن أجل البرهان على صدق دعوته ، وبيان المعاجز الإلهية التي دونها قدرة الإنسان جاءهم بالناقة التي هي آية من آيات الله وقال :{ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً } فاتركوها وذروها تأكل في أرض الله{ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} .
ناقة صالح :
«النّاقة» في اللغة هي اُنثى الجمل ، وهي الآية الآنفة في آيات أُخرى أُضيفت لى لفظ الجلالة «الله»(2) وهذه الإضافة تدل على أنّ هذه الناقة لها خصائص معينة، ومع الإلتفات إلى ما عبّر عنها في الآية المتقدمة بأنّها «آية» وعلامة إلهية ودليل على الحقانيّة ، يتّضح أنّها لم تكن ناقة عادية ، بل كانت خارقة للعادة من جهة أو جهات متعددة ! .
ولكن لم ترد في القرآن خصائص هذه الناقة بشكل مفصّل ، غاية ما في الأمر أننا نعرف بأنّها لم تكن ناقة عادية كالنوق الأُخريات ، والشيء الوحيد المذكور عنها في القرآن ـ وفي موردين فحسب ـ أن صالحاً أخبر قومه أن يتقاسموا ماءهم سهمين : سهم لهم وسهم للناقة ، فلهم شرب يوم منه ولها شرب يوم آخر{قال هذه ناقة الله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم}(الشعراء ،155) كما جاء في سورة القمر أيضاً{ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}(القمر ،28).
وفي سورة الشمس إشارة مختصرة إليها أيضاً ، حيث يقول سبحانه {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13].
ولكن لم يتّضح كيف كان تقسيم الماء خارقاً للعادة ؟
هناك احتمالان :
الأوّل : إنّ الناقة كانت تشرب ماءً كثيراً بحيث تأتي على ماء «النبع» كله .
والثاني: إنّه حين كانت ترد الماء لا تجرؤ الحيوانات الأُخرى على الورود إلى الماء معها .
أمّا كيف كانت هذه الناقة تستفيد من جميع الماء؟ فيوجه هذا الإحتمال بأنّ ماء
القرية كان قليلاً كماء القرى التي ليس فيها أكثر من عين ماء واحدة ، وأهل القرية مجبورون على أن يدخروا الماء تمام اليوم في حفرة خاصّة ليجتمع الماء في العين مرّة أُخرى .
ولكن في جزء آخر من سورة الشعراء يتجلّى لنا أنّ ثمود لم يعيشوا في منطقة قليلة الماء ، بل كانت لهم غابات وعيون ونخيل ومزارع حيث تقول الآيات :{أتتركون في ما ههنا آمنين، في جنات وعيون، وزروع ونخل طلعها هضيم}.(الشعراء ،146-148)
وعلى كل حال فإنّ القرآن ذكر قصّة ناقة صالح بشكل مجمل غير أنّنا نقرأ في روايات كثيرة عن مصادر الشيعة وأهل السنة أيضاً ، أنّ هذه الناقة خرجت من قلب الجبل ، ولها خصائص أُخرى ليس هنا مجال سردها .
وعلى كل حال . فمع جميع ما أكّده نبيّهم العظيم «صالح» في شأن الناقة ، فقد صمّموا أخيراً على القضاء عليها ، لأنّ وجودها مع مافيها من خوارق مدعاة لتيقظ الناس والتفافهم حول النّبي صالح ، لذلك فإنّ جماعة من المعاندين لصالح من قومه الذين كانوا يجدون في دعوة صالح خطراً على مصالحهم ، ولا يرغبون أن يستفيق الناس من غفلتهم فتتعرض دعائم استعمارهم للتقويض والانهيار ، فتآمروا للقضاء على الناقة وهيأوا جماعة لهذا الغرض ، وأخيراً أقدم أحدهم على مهاجمتها وضربها بالسكين فهوت إلى الأرض{فعقروها} .
«عقروها» مشتقة من مادة «العُقر» على وزن «الظلم» ومعناه : أصل الشيء وأساسه وجذره ، و«عقرت البعير» معناه نحرته واحتززت رأسه ، لأنّ نحر البعير يستلزم زوال وجوده من الأصل ، وأحياناً تستعمل هذه الكلمة لطعن الناقة في بطنها . أو لتقطيع أطراف الناقة بدل النحر وكل ذلك في الواقع يرجع إلى معنى واحد «فتأمل» !...» .
العلاقة الدّينية :
الطريف أنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الذي عقر الناقة لم يكن إلاّ واحداً ، لكن القرآن ينسب هذا العمل إلى جميع المخالفين من قوم صالح «ثمود» ويقول بصيغة الجمع :{فعقروها) وذلك لأنّ الإسلام يعدّ الرضا الباطني في أمر ما والإرتباط معه ارتباطاً عاطفياً بمنزلة الإشتراك فيه ، وفي الواقع فإنّ التآمر على هذا العمل لم يكن له جانب فردي ، وحتى ذلك الذي أقدم على عمله لم يكن معتمداً على قوته الشخصيّة فجميعهم كانوا مرتاحين لعمله وكانوا يسندونه ، ومن المسلّم أنّه لا يمكن أن يعدّ هذا العمل عملاً فردياً . بل يعد عملاً جماعياً . يقول الإمام علي(عليه السلام) : «وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا»(3) .
وهناك روايات متعددة في المضمون ذاته نقلت عن نبي الإسلام وأهل بيته الكرام ، وهي تكشف غاية الإهتمام من قبل هؤلاء السادة العظام بالعلاقة العاطفية والمناهج الفكرية المشتركة بجلاء ، ونورد هنا على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ عدداً منها .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «من شهد أمراً فَكرِهه كمن غاب عنه ومن غاب عن أمر فرضيه كمن شهده»(4) .
ويقول الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) «لو أنّ رجلاً قُتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عزَّوجلَّ شريك القاتل»(5).
ونقل عن الإمام علي (عليه السلام) أيضاً أنّه قال : «الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه وعلى كل داخل في باطل إثمان إثم العمل به وإثم الرضا به»(6).
ومن أجل أن نعرف عمق العلاقة الفكرية والعاطفية في الإسلام وسعتها بحيث لا يُعرف لها حد من جهة الزمان والمكان ، فيكفي أن نذكر هذا الكلام للإمام علي(عليه السلام) من نهج البلاغة لنلفت إليه الأنظار : «حين انتصر الإمام علي في حرب الجمل على المتمردين ومثيري الفتنة وفرح أصحاب علي بهذا الإنتصار الذي يُعدّ انتصاراً للإسلام على الشرك والجاهلية ، قال له أحد أصحابه : «وودت لو أنّ أخي شهدنا هنا في الميدان ليرى انتصارك على عدوك» .
فالتفت الإمام (عليه السلام) إليه قائلاً : «أهوى أخيك معنا» فقال : «نعم» فقال الإمام (عليه السلام) : «شَهِدنَا» ثمّ قال : «ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان»(7) .
ولا شك أنّ أُولئك الذين يساهمون في منهج ما ويشتركون فيه ويتحملون كل مشاكله وأتعابه ، لهم امتياز خاص ، ولكن هذا لا يعني أن الآخرين لم يشتركوا في ذلك أبداً ، بل سواءً كانوا في عصرهم أو العصور والقرون المقبلة ولهم ارتباط عاطفي وفكري بهم فهم مشتركون معهم بنحو من الانحاء .
هذه المسألة التي قد لا نجد لها نظيراً في أي مذهب من مذاهب العالم ، قائمة على أساس من حقيقة اجتماعية هامة ، وهي أن المنسجمون فكرياً وعقائدياً حتى لو لم يشتركوا في منهج معيّن ، إلاّ أنّهم سيدخلون قطعاً في مناهج مشابهة له في محيطهم وزمانهم ، لأنّ أعمال الناس منعكسة عن أفكارهم ، ولا يمكن أن يرتبط الإنسان بمذهب معين ولا يظهر أثره في عمله .
والإسلام منذ الخطوة الأُولى يهتم بايجاد اصلاحات في روح الإنسان ونفسه لإصلاح عمله تلقائياً وعلى ضوء الرّوايات المتقدمة فإنّ أي مسلم يبلغه أنّ فلاناً
عمل عملاً صالحاً ـ أو سيئاً ـ ينبغي أن يتخذ الموقف الصحيح من ذلك العمل فوراً ويجعل قلبه وروحه منسجمين مع «الصالحات» وأن ينفر من «السيئات» فهذا السعي و«الجد» الداخلي لا شك سيكون له أثر في أعماله ، وسيتعمق الترابط بين الفكر والعمل .
وفي نهاية الآية نقرأ أنّ النّبي «صالحاً» بعد أن رأى تمرّد قومه وعقرهم الناقة أنذرهم{ فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} فهو وعد الله الذي لا يتغير وما أنا من الكاذبين .
نهاية ثمود «قوم صالح»:
في هذه الآيات يتبيّن كيف نزل العذاب على قوم صالح المعاندين بعد أن أمهلهم وقال لهم :{تمتعوا في داركم ثلاثة أيّام} فتقول الآيات :{ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} لا من العذاب الجسماني والمادي فحسب ، بل{ وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ}(8) .
لأنّ الله قوي وقادر على كل شيء ، وله السلطة على كل أمر ، ولا يصعب عليه أي شيء ولا قدرة فوق قدرته{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} .
وعلى هذا فإنّ نجاة جماعة من المؤمنين من بين جماعة كثيرة تبتلى بعذاب
الله ليس بالأمر المشكل بالنسبة لقدرة الله تعالى .
إنّ رحمة الله تستوجب ألاّ يحترق الأبرياء بنار الأشقياء المذنبين ، وألاّ يؤاخذ المؤمنون بجريرة غير المؤمنين{ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} وهكذا هلكوا وصاروا «شذر مذر» ومضت آثارهم مع الريح{ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} عن لطف الله ورحمته .
___________________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج6،ص113-117.
2- مثل هذه الإضافة يقال لها في المصطلح الأدبي إضافة تشريفية . بمعنى أنّها إضافة تدل على شرف الشيء وأهميته ، وفي الآية المتقدمة يلاحظ نموذجان من هذا النوع 1 ـ ناقة الله . 2 ـ أرض الله . وقد ورد في موارد أُخرى غير هذه الكلمات .
3- نهج البلاغة، الكلام رقم 201. .
4- وسائل الشيعة، ج11، ص409.
5- وسائل الشيعة ،ج11،ص410.
6- المصدر السابق،ص411.
7- نهج البلاغة ،الخطبة 12.
8- الخزي في اللغة الإنكسار الذي يصيب الإنسان سواءً من نفسه أو من سواه ، ويشمل كل أنواع الذل أيضاً .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|