المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

تصنيف الطرق المعبدة - الطرق الرئيسة ARTERIAL HIGH WAYS
18-9-2021
نفوذ الساسانيون
27-5-2018
الاقتدار وقابلية الانعطاف
21-4-2016
متسلسلة توافقية harmonic series
26-11-2019
ماهية التظهير التأميني
30-4-2017
برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP)
27/10/2022


تفسير الآية (15-17) من سورة هود  
  
3369   04:27 مساءً   التاريخ: 4-5-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الهاء / سورة هود /

 

قال تعالى :{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ } [هود: 15 - 17]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} أي: زهرتها وحسن بهجتها ولا يريد الآخرة { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} أي: نوفر عليهم جزاء أعمالهم في الدنيا تاما {وهم فيها لا يبخسون } أي: لا ينقصون شيئا منه واختلف في معناه فقيل إن المراد به المشركون الذين لا يصدقون بالبعث يعملون أعمال البر كصلة الرحم وإعطاء السائل والكف عن الظلم وإغاثة المظلوم والأعمال التي يحسنها العقل كبناء القناطير ونحوه فإن الله يعجل لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بتوسيع الرزق وصحة البدن والإمتاع بما خولهم وصرف المكاره عنهم عن الضحاك وقتادة وابن عباس ويقال إن من مات منهم على كفره قبل استيفاء العوض وضع الله عنه في الآخرة من العذاب بقدره فأما ثواب الآخرة فلا حظ لهم فيه وقيل المراد به المنافقون الذين كانوا يغزون مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) للغنيمة دون نصرة الدين وثواب الآخرة جازاهم الله تعالى على ذلك بأن جعل لهم نصيبا في الغنيمة عن الجبائي وقيل إن المراد به أهل الرياء فإن من عمل عملا من أعمال الخير يريد به الرياء لم يكن لعمله ثواب في الآخرة ومثله قوله تعالى { وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ } وفي الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال بشروا أمتي بالنساء والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملا للدنيا لم يكن له نصيب في الآخرة.

 { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} ظاهر المراد { وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} فلا يستحقون عليه ثوابا لأنهم أوقعوه على خلاف الوجه المأمور بإيقاعه عليه { وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بطل أعمالهم التي عملوها لغير الله تعالى وهذا يحقق ما ذهبنا إليه من أن الإحباط عبارة عن إبطال نفس العمل بأن يقع علي غير الوجه الذي يستحق به الثواب.

 وذكر الحسن في تفسيره أن رجلا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج من عند أهله فإذا جارية عليها ثياب وهيئة فجلس عندها فقامت فأهوى بيده إلى عارضها فمضت فأتبعها بصره ومضى خلفها فلقيه حائط فخمش وجهه فعلم أنه أصيب بذنبه فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذكر له ذلك فقال أنت رجل عجل الله عقوبة ذنبك في الدنيا أن الله تعالى إذا أراد بعبد شرا أمسك عنه عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة وإذا أراد به خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا .

{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} استفهام يراد به التقرير وتقديره هل الذي كان على برهان وحجة من الله والمراد بالبينة هنا القرآن والمعنى بقوله {أ فمن كان على بينة } النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل المعني به كل محق يدين بحجة وبينة لأن من يتناول العقلاء وقيل هم المؤمنون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الجبائي {ويتلوه شاهد منه } أي: ويتبعه من يشهد بصحته منه.

 واختلف في معناه فقيل الشاهد جبرائيل (عليه السلام) يتلوالقرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الله تعالى عن ابن عباس ومجاهد والزجاج وقيل شاهد من الله تعالى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروي ذلك عن الحسين بن علي (عليهماالسلام) وابن زيد واختاره الجبائي وقيل شاهد منه لسانه أي يتلو القرآن بلسانه عن محمد بن علي أعني ابن الحنفية والحسن وقتادة وقيل الشاهد منه علي بن أبي طالب (عليه السلام) يشهد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو منه وهو المروي عن أبي جعفر وعلي بن موسى الرضا (عليهماالسلام) ورواه الطبري بإسناده عن جابر بن عبد الله عن علي (عليه السلام) وقيل الشاهد ملك يحفظه ويسدده عن مجاهد وقيل بينة من ربه حجة من عقله وأضاف البينة إليه تعالى لأنه ينصب الأدلة العقلية والشرعية ويتلوه شاهد منه يشهد بصحته وهو القرآن عن أبي مسلم {ومن قبله} أي: ومن قبل القرآن لأنه مدلول عليه فيما تقدم من الكلام وقيل معناه ومن قبل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {كتاب موسى} يتلوه أيضا في التصديق لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بشر به موسى في التوراة {إماما} يؤتم به في أمور الدين {ورحمة} أي: ونعمة من الله تعالى على عباده وقيل معناه ذا رحمة أي سبب الرحمة لمن آمن به {أولئك يؤمنون به} معناه: أولئك الذين هم على بينة من ربهم يؤمنون بالقرآن وقيل بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتقدير الآية أ فمن كان على بينة من ربه وبصيرة كمن ليس على بينة ولا بصيرة إلا أنه اختصر وقيل تقديره أ فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه على صدقه ويتقدمه شاهد فآمن بهذا كله كمن أراد الحياة الدنيا وزينتها ولم يؤمن ثم أخبر عنه فقال {أولئك يؤمنون به }.

 وقوله { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} معناه: ومن يكفر بالقرآن أوبمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مشركي العرب وفرق الكفار كاليهود والنصارى وغيرهم فالنار موعده ومصيره ومستقره وفي الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لا يسمع بي أحد من الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار {فلا تك في مرية} أي: في شك {منه} الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد جميع المكلفين وقيل إن تقديره لا تك أيها الإنسان أوأيها السامع في مرية من ربك أي من أمره وإنزاله {إنه الحق من ربك} الهاء راجع إلى القرآن وقيل إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل معناه أن الخبر الذي أخبرتك به حق من عند الله تعالى { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} بصحته وصدقه لجهلهم بالله تعالى وجحدهم لنبوة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم)

_____________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص252-256.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ }.

من يزرع يحصد ، ومن يتاجر متقنا فن التجارة يربح ، ومن يجتهد في مدرسته ينجح ، ومن يقم المصانع ، ويحفر المناجم ، ويحتكر المعادن تكدس الأموال في خزائنه . . وهكذا كل من سعى لشيء يلقى ثمرة سعيه مؤمنا كان أوكافرا ، فالأرزاق تأتي نتيجة للأعمال لا ينقصها كفر ، ولا يزيدها ايمان ، وهذا هوالذي أراده اللَّه من قوله : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ }. أجل للأوضاع الفاسدة تأثيرها كما ذكرنا في ج 3 ص 94 .

ونعيم الحياة في الآخرة يناط بالعمل في الدنيا تماما كالزينة في هذه الحياة ، سنة اللَّه في خلقه ، ولن تجد لسنة اللَّه تبديلا ، قال تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ - 142 آل عمران } .

وقال : {ومَنْ أَرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها وهُومُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً - 19 الاسراء } . ومن سعى لرزقه الحلال الطيب فقد سعى للدنيا والآخرة معا .

{ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ }. أولئك إشارة إلى الذين انغمسوا في الدنيا وانصرفوا عن غيرها ، ولا جزاء لهم عند اللَّه إلا عذاب الحريق { وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ }. ضمير فيها يعود إلى الحياة الدنيا ، والمعنى ان جميع أعمالهم ليست بشيء عند اللَّه ، حتى لوانتفع بها الناس ما دام القصد منها غير وجه الخير والانسانية .

والخلاصة ان من سلك سبيلا أدت به إلى غاياتها ونتائجها ، والعاقل من يختار لنفسه سبيل النجاة ، ولا تخدعه المغريات .

وبعد ان ذكر سبحانه من يعمل لحياة الدنيا منصرفا عما سواها ذكر من يعمل للَّه ، ويدعوإليه ، وهوعلى بينة من أمره ، وفيما يلي التفصيل :

1 - { أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ }. المراد به محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وبينته من اللَّه القرآن .

2 - { ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ }. قال الطبري والرازي وأبوحيان الأندلسي وغيرهم من المفسرين : {اختلفوا في المراد من هذا الشاهد الذي يشهد لمحمد بالرسالة ، قيل : انه جبريل ، وقيل : لسان محمد ، وقيل : انه علي بن أبي طالب » .

والذين قالوا هذا استدلوا بحديث رواه البخاري في الجزء الخامس من صحيحه ، وهذا نصه بالحرف : « قال النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) لعلي : أنت مني وأنا منك ، وقال عمر توفي رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وهوعنه راض » .

3 - { ومِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً ورَحْمَةً }. لقد بشرت التوراة بمحمد ونبوته قبل ان يشهد له القرآن ، والتوراة كتاب اللَّه أنزله على موسى ، وإمام يقتدى به في الأمور الدينية ، ورحمة لمن عمل بها قبل التحريف .

{ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }. ضمير به عائد إلى محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وأولئك إشارة إلى الذين يتبعون دلائل الحق وبيناته ، كالقرآن وكتاب موسى كما نزل عليه ، وهؤلاء المشار إليهم لم يذكروا صراحة في الآية ، ولكنهم مذكورون فيها بأوصافهم { ومَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ }. المراد بالأحزاب من أجمعوا على عداوة رسول اللَّه وحربه ، قال صاحب تفسير المنار والشيخ المراغي : « قال مقاتل : هم بنوأمية وبنوالمغيرة بن عبد اللَّه المخزومي وآل طلحة بن عبد اللَّه ، ومن إليهم من اليهود والنصارى » .

{ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ }. المرية الشك والريب ، وضمير منه وانه يعودان إلى محمد أوالقرآن ، والخطاب في لا تك موجه لكل من سمع برسالة محمد ، والمعنى لا ينبغي لعاقل أن يشك في أن محمدا رسول اللَّه ، وان القرآن وحي من اللَّه بعد أن قامت الدلائل والبينات على ذلك .

وإذا ساغ لإنسان أن يشك بأن التوراة والإنجيل قد بشّرا بنبوة محمد فهل يسوغ له أن يشك في أن محمدا قد منح الناس أسباب الحياة ، وانه قد أتى بما لم يأت به نبي ولا مصلح . { ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ }بالحق ، لأنه عدوألد لبغيهم وفسادهم في الأرض ، أولأنهم لا يهتمون بالدين حقا كان أوباطلا ، ما دامت معايشهم لا تعتمد عليه . . ونحن ندع هؤلاء وما يختارون على أن يتركوا غيرهم وما يختار ، ولا يطعنوا في دين لا يعرفون منه الا الاسم .

____________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج4،ص 217-219.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}التوفية إيصال الحق إلى صاحبه وإعطاؤه له بكماله، والبخس نقص الأجر.

وفي الآية تهديد لهؤلاء الذين لا يخضعون للحق لما جاءهم ولا يسلمون له إيثارا للحياة الدنيا ونسيانا للآخرة، وبيان لشيء من سنة الأسباب القاضية عليهم باليأس من نعيم الحياة الآخرة.

وذلك أن العمل كيفما كان فإنما يسمح للإنسان بالغاية التي أرادها به وعمله لأجلها، - فإن كانت غاية دنيوية تصلح شئون الحياة الدنيا من مال وجمال وحسن حال ساقه العمل - إن أعانته سائر الأسباب العاملة - إلى ما يرجوه بالعمل وأما الغايات الأخروية فلا خبر عنها لأنها لم تقصد حتى تقع، ومجرد صلاحية العمل لأن يقع في طريق الآخرة وينفع في الفوز بنعيمها كالبر والإحسان وحسن الخلق لا يوجب الثواب وارتفاع الدرجات ما لم يقصد به وجه الله ودار ثوابه.

ولذلك عقبه بقوله تعالى:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فأخبر أنهم إذا وردوا الحياة الآخرة وقعوا في دار حقيقتها أنها نار تأكل جميع أعمالهم في الحياة كما تأكل النار الحطب وتبير وتهلك كل ما تطيب به نفوسهم من محاسن الوجود، وتحبط جميع ما صنعوا فيها وتبطل ما أسلفوا من الأعمال في الدنيا، ولذلك سماها سبحانه في موضع آخر بدار البوار أي الهلاك فقال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ  جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا:}إبراهيم: - 28،29، وبذلك يظهر أن كلا من قوله:{وحبط ما صنعوا فيها}وقوله:{وباطل ما كانوا يعملون}يفسر قوله:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}نوعا ما من التفسير.

وبما تقدم يظهر أولا: أن المراد من توفية أعمالهم إليهم توفية نتائجها وإيصال الآثار التي لها بحسب نظام الأسباب والمسببات لا ما يقصده الفاعل بفعله ويرجوه بمسعاه فإن الذي يناله الفاعل في هذه النشأة بفعله هونتيجة الفعل التي يعينه سائر الأسباب العاملة عليها لا ما يؤمه الفاعل كيفما كان فما كل ما يتمنى المرء يدركه.

وقد عبر تعالى عن هذه الحقيقة في موضع آخر بقوله:{ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ:}الشورى: - 20، فقال تعالى:{نؤته منها}ولم يقل: نؤته إياها، وقال في موضع آخر:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا:}إسراء: - 18 فذكر ما يريده الإنسان من الدنيا ويناله منها وزاد بيانا أنه ليس كل من يريد أمرا يناله ولا كل ما يراد ينال بل الأمر إلى الله سبحانه يعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء ويقدم من يريد ويؤخر من يريد على ما تجري عليه سنة الأسباب.

وثانيا: أن الآيتين أعني قوله:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ }إلى آخر الآيتين تبينان حقيقة من الحقائق الإلهية.

ظاهر الآيات أنها واقعة موقع التطييب لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقوية إيمانه بكتاب الله وتأكيد ما عنده من البصيرة في أمره فالكلام جار على ما كان عليه من خطابه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كان وجه الكلام إليه حتى انتهى إلى ما اتهموه به من الافتراء على الله سبحانه فأمره أن يتحدى عليهم بإتيان عشر سور مثله مفتريات ثم أمره أن يطيب نفسا ويثبت على ما عنده من العلم بأنه منزل من عند الله فإنما هوعلى الحق وليس بمفتر فلا يستوحش من إعراض الأكثرين ولا يرتاب.

قوله تعالى:{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}الجملة تفريع على ما مضى من الكلام الذي هوفي محل الاحتجاج على كون القرآن كتابا منزلا من عند الله سبحانه، و{من}مبتدأ خبره محذوف والتقدير: كغيره، أوما يؤدي معناه، والدليل عليه قوله تلوا:{أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}.

والاستفهام إنكاري والمعنى: ليس من كان كذا وكذا كغيره ممن ليس كذلك وأنت على هذه الصفات فلا تك في مرية من القرآن.

وقوله:{على بينة من ربه}البينة صفة مشبهة معناها الظاهرة الواضحة غير أن الأمور الظاهرة الواضحة ربما أوضحت ما ينضم إليها ويتعلق بها كالنور الذي هوبين ظاهر ويظهر به غيره، ولذلك كثر استعمال البينة فيما يتبين به غيره كالحجة والآية، ويقال للشاهد على دعوى المدعي بينة.

وقد سمى الله تعالى الحجة بينة كما في قوله:{ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ:}الأنفال: - 42 وسمى آيته بينة كما في قوله:{ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً:}الأعراف: - 73 وسمى البصيرة الخاصة الإلهية التي أوتيها الأنبياء بينة كما في قوله حكاية عن نوح (عليه السلام):{ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ:}هود: - 28 أومطلق البصيرة الإلهية كما هوظاهر قوله تعالى:{أ فمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم:}سورة محمد: - 14 وقد قال تعالى في معناه:{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا:}الأنعام: - 122.

والظاهر أن المراد بالبينة في المقام هوهذا المعنى الأخير العام بقرينة قوله بعد:{أولئك يؤمنون به}وإن كان المراد به بحسب المورد هوالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الكلام مسوق ليتفرع عليه قوله:{فلا تك في مرية منه}.

فالمراد بها البصيرة الإلهية التي أوتيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نفس القرآن النازل عليه فإنه لا يحسن ظاهرا أن يتفرع عليه قوله:{فلا تك في مرية منه}وهوظاهر ولا ينافيه كون القرآن في نفسه بينة من الله من جهة كونه آية منه تعالى كما في قوله:{ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ:}الأنعام: - 57 فإن المقام غير المقام.

وبما مر يظهر أن قول من يقول: إن المراد بمن كان إلخ، النبي خاصة إرادة استعمالية ليس في محله وإنما هومراد بحسب انطباق المورد.

وكذا قول من قال: إن المراد به المؤمنون من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا دليل على التخصيص.

ويظهر أيضا فساد القول بأن المراد بالبينة هوالقرآن، وكذا القول بأنها حجة العقل وأضيفت إلى الرب تعالى لأنه ينصب الأدلة العقلية والنقلية.

ووجه فساده أنه لا دليل على التخصيص ولا تقاس البينة القائمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ناحيته تعالى بالتعريف الإلهي القائم لنا من ناحية العقول.

وقوله تعالى:{ويتلوه شاهد منه}المراد بالشهادة تأدية الشهادة التي تفيد صحة الأمر المشهود له دون تحملها فإن المقام مقام تثبيت حقية القرآن وهوإنما يناسب الشهادة بمعنى التأدية لا بمعنى التحمل.

والظاهر أن المراد بهذا الشاهد بعض ما أيقن بحقية القرآن وكان على بصيرة إلهية من أمره فآمن به عن بصيرته وشهد بأنه حق منزل من عند الله تعالى كما يشهد بالتوحيد والرسالة فإن شهادة الموقن البصير على أمر تدفع عن الإنسان مرية الاستيحاش وريب التفرد فإن الإنسان إذا أذعن بأمر وتفرد فيه ربما أوحشه التفرد فيه إذا لم يؤيده أحد في القول به أما إذا قال به غيره من الناس وأيد نظره في ذلك زالت عنه الوحشة وقوي قلبه وارتبط جأشه وقد احتج تعالى بما يماثل هذا المعنى في قوله:{قل أ رأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم:}الأحقاف: - 10.

وعلى هذا فقوله:{يتلوه}من التلولا من التلاوة، والضمير فيه راجع إلى{من}أوإلى{بينة}باعتبار أنه نور أودليل، ومآل الوجهين واحد فإن الشاهد الذي يلي صاحب البينة يلي بينته كما يلي نفسه والضمير في قوله:{منه}راجع إلى{من}دون قوله:{ربه}وعدم رجوعه إلى البينة ظاهر ومحصل المعنى: من كان على بصيرة إلهية من أمر ولحق به من هومن نفسه فشهد على صحة أمره واستقامته.

وعلى هذا الوجه ينطبق ما ورد في روايات الفريقين أن المراد بالشاهد علي (عليه السلام) إن أريد به أنه المراد بحسب انطباق المورد لا بمعنى الإرادة الاستعمالية.

وللقوم في معنى الجملة أقوال شتى فقيل: إن{يتلو} من التلاوة كما قيل: إنه من التلو، وقيل: إن الضمير في {يتلوه} راجع إلى{بينة} كما قيل: إنه راجع إلى{من}.

وقيل: المراد بالشاهد القرآن: وقيل: جبرائيل يتلوالقرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعله مأخوذ من قوله تعالى:{لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون:} النساء: - 166، وقيل: الشاهد ملك يسدد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحفظه القرآن، ولعله لنوع من الاستناد إلى الآية المذكورة.

وقيل: الشاهد هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا:} الأحزاب: 45، وقيل: شاهد منه لسانه أي يتلوالقرآن بلسانه.

وقيل: الشاهد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد وردت به عدة روايات من طرق الشيعة وأهل السنة.

والتأمل في سياق الآية وظاهر جملها يكفي مئونة إبطال هذه الوجوه غير ما قدمناه من معنى الآية فلا نطيل الكلام بالبحث عنها والمناقشة فيها.

وقوله تعالى:{ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً } الضمير راجع إلى الموصول أوإلى البينة على حد ما ذكرناه في ضمير{يتلوه} والجملة حال بعد حال أي أ فمن كان على بصيرة إلهية ينكشف له بها أن القرآن حق منزل من عند الله والحال أن معه شاهدا منه يشهد بذلك عن بصيرة والحال أن هذا الذي هوعلى بينة سبقه كتاب موسى إماما ورحمة أوقبل بينته التي منها القرآن أوهي القرآن المشتمل على المعارف والشرائع الهادية إلى الحق كتاب موسى إماما فليس هوأوما عنده من البينة ببدع من الأمر غير مسبوق بمثل ونظير بل هناك طريق مسلوك من قبل يهدي إليه كتاب موسى.

ومن هنا يظهر وجه توصيف كتاب موسى وهوالتوراة بالإمام والرحمة فإنه مشتمل على معارف حقة وشريعة إلهية يؤتم به في ذلك ويتنعم بنعمته، وقد ذكره الله بهذا الوصف في موضع آخر من كلامه فقال:{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ - إلى أن قال - وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ:} الأحقاف: - 12.

والآيات - كما ترى - أقرب الآيات مضمونا من الآية المبحوث عنها تذكر أولا: أن القرآن بينة إلهية أوأمر قامت عليه بينة إلهية ثم تذكر شهادة الشاهد من بني إسرائيل عليه وتأيده بها ثم تذكر أنه مسبوق فيما يتضمنه من المعارف والشرائع بكتاب موسى الذي كان إماما ورحمة يأتم به الناس ويهتدون، وطريقا مسلوكا مجربا، والقرآن كتاب مثله مصدق له منزل من عند الله لإنذار الظالمين وتبشير المحسنين.

ومن هنا يظهر أيضا: أن قوله:{إماما ورحمة} حال من كتاب موسى لا من قوله:{شاهد منه} على ما ذكره بعضهم.

قوله تعالى:{ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} المشار إليهم بقوله:{أولئك} بناء على ما تقدم من معنى صدر الآية هم الذين كانوا على بينة من ربهم المدلول عليهم بقوله:{أ فمن كان} إلخ، وأما إرجاع الإشارة إلى المؤمنين لدلالة السياق عليهم فبعيد عن الفهم.

وكذا الضمير في قوله:{به} راجع إلى القرآن من جهة أنه بينة منه تعالى أوأمر قامت عليه البينة، وأما إرجاعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يلائم ما قررناه من معنى الآية فإن في صدر الآية بيان حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنحوالعموم حتى يتفرع عليه قوله:{ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} كأنه قيل: إنك على بينة كذا ومعك شاهد وقبلك كتاب موسى، ومن كان على هذه الصفة يؤمن بما أوتي من كتاب الله، ولا يصح أن يقال: ومن كان على هذه الصفة يؤمن بك، والكلام في الضمير في{ومن يكفر به}كالكلام في ضمير{يؤمنون به}.

وأمر الآية فيما يحتمله مفردات ألفاظها وضمائرها عجيب فضرب بعضها في بعض يرقى إلى ألوف من المحتملات بعضها صحيح وبعضها خلافه.

قوله تعالى:{ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} المرية كجلسة النوع من الشك، والجملة تفريع على صدر الآية، والمعنى أن من كان على بينة من ربه في أمر وقد شهد عليه شاهد منه وقبله إمام ورحمة ككتاب موسى ليس كغيره من الناس الغافلين المغفلين فهويؤمن بما عنده من أمر الله ولا يوحشه إعراض أكثر الناس عما عنده، وأنت كذلك فإنك على بينة من ربك ويتلوك شاهد ومن قبلك كتاب موسى إماما ورحمة وإذا كان كذلك فلا تك في مرية من أمر ما أنزل إليك من القرآن إنه محض الحق من جانب الله ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.

وقوله:{إنه الحق من ربك} تعليل للنهي وقد أكد بإن ولام الجنس للدلالة على توافر الأسباب النافية للمرية وهي قيام البينة وشهادة الشاهد وتقدم كتاب موسى إماما ورحمة.

____________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج10،ص136-145.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

الآيات أعلاه أكملت الحجة مع «دلائل إِعجاز القرآن» على المشركين والمنكرين، ولكن جماعة منهم امتنعوا عن القبول ـ لحفظ منافعهم الشخصيّة ـ بالرّغم من وضوح الحق، فالآيات هذه تشير إِلى مصير هؤلاء فتقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} من رزق مادي وشهرة وتلذذ بالنعم {نُوَفِّ إليهم}نتيجة {أعمالهم فيها} في هذه الدنيا { وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} أي لا ينقص من حقهم شيء في الدنيا!

«البخس» في اللغة نقصان الحق، وجملة { وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} إِشارة إِلى أنّهم سينالون نتيجة أعمالهم بدون أقل نقصان من حقوقهم.

هذه الآية سنة إِلهية دائمة، وهي أنّ الأعمال «الإِيجابية» والمؤثرة لاتضيع نتائجها، مع فارق وهوأنّه إِذا كان الهدف الأصلي منها هوالوصول إِلى الحياة المادية في هذه الدنيا فإِنّ ثمراتها في الدنيا فحسب، وأمّا إِذا كان الهدف هو«الله» وكسب رضاه فإِنّ تأثيرها ونتائجها ستكون في الدنيا وفي الآخرة أيضاً حيث تكون النتائج كثيرة الثمار.

الواقع إنّ القسم الأوّل من هذه الأعمال كالبناية المؤقتة والقصيرة العمر، فلا يستفاد منها إلاّ قليلا، ثمّ مصيرها الى الزوال والفناء.

أمّا القسم الثّاني منها فإِنّها تشبه البناء المرصوص المحكم الذي يدوم قروناً وينتفع به مدّة مديدة.

وهذا من قبيل مانراه بوضوح على أرض الواقع المعاش، فالعالم الغربي فتح أسراراً كثيرة من العلم بسعيه المتواصل والمنسّق، وأصبح متسلطاً على قوى الطبيعة وحصل على مواهب كثيرة لتصديه الدائب لمشاكل الحياة الدنيوية بصبر واستقامة وجد. فلا كلام في نيل العالم الغربي جزاء أعماله وتحقيقه انتصارات مشرقة، ولكن لأنّ هدفه الحياة الماديّة فحسب، فإِنّ أعماله لاتثمر غير توفر الإِمكانات المادية، حتى الأعمال الإِنسانية كبناء المستشفيات والمراكز الصحية والمراكز الثقافية وإِعانة بعض الأُمم الفقيرة وأمثال ذلك، «مصيدة» لاستعمارهم واستثمارهم للآخرين .. فلأنّها تحمل هدفاً مادياً فقط ومن أجل حفظ المنافع المادية فإِنّ أثرها يكون ماديّاً فحسب. كذلك الحال بالنسبة لمن يعمل رياءً.

فلذلك يقول سبحانه عنهم في الآية التالية: { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} ليزول كل أثر اُخروي لما عملوا في هذه الدنيا ولا ينالون عليه أي ثواب { وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} وكل ما كان لغير الله فسيزول أثره { وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

«الحَبْط» في الأصل يطلق على حالة خاصّة من أكل الحيوانات للعلف بشكل غير طبيعي، فتنتفخ بُطونها ويتعطل الجهاز الهضمي عندها فتبدووكأنّها قد سمنت ولكنّها في الباطن وفي الحقيقة مريضة.

هذا التعبير الطريف يقال للأعمال التي تبدوفي الظاهر مفيدة وإنسانية، إلاّ أنّها في الباطن مقرونة بنية ذميمة وخبيثة!

هناك أقوال كثيرة ـ في تفسير الآية أعلاه ـ بين المفسّرين، ولهم نظرات مختلفة في جزئيات الآية وكلماتها وضمائرها والأسماء الموصولة فيها وأسماء الإِشارة، وما نُقلَ عنهم يخالف طريقتنا في هذا التّفسير، ولكنّ تفسيرين منها أشد وضوحاً من غيرهما ننقلهما هنا على حسب الأهميّة:

1 ـ في بداية الآية يقول الحق سبحانه:

{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} أي من الله تعالى { وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً...}. أي التوراة التي تويّد صدقه وعظمته، مثل هذا الشخص هل يستوي ومن لا يتمتع بهذه الخصال والدلائل البينة.

هذا الشخص هوالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، «البيّنة» ودليله الواضح هوالقرآن المجيد،والشاهد المصدق بنبوّتهِ كلّ مؤمن حق أمثال علي(عليه السلام)، ومن قَبلُ وردتْ صفاته وعلائمه في التوراة، فعلى هذا ثبتت دعوته عن طرق ثلاثة حقّة واضحة.

الأوّل: القرآن الكريم الذي هو بيّنة ودليل واضح في يده.

الثّاني: الكتب السماوية التي سبقت نبوّته وأشارت إِلى صفاته بدقّة، وأتباع هذه الكتب السماوية في عصر النّبي كانوا يعرفونه حقاً، ولهذا السبب كانوا ينتظرونه.

والثّالث: أتباعه وأنصاره المؤمنون المضحّون الذين كانوا يبيّنون دعوته ويتحدثون عنه، لأن واحداً من علائم حقانيّة مذهب ما هو إخلاص اتباعه وتضحيتهم ودرايتهم وإيمانهم وعقلهم، إذ أن كلّ مذهب يُعرف بأتباعه وأنصاره.

ومع وجود هذه الدلائل الحيّة، هل يمكن أن يقاس مع غيره من المدعين، أم هل ينبغي التردّد في صدق دعوته؟!(2).

ثمّ يشير بعد هذا الكلام إلى طلاب الحقّ والباحثين عن الحقيقة، يدعوهم إلى الإيمان دعوة ضمنية فيقول: {أُولئك يؤمنون به} أي النّبي الذي لديه هذه الدلائل الواضحة.

وبالرغم من أنّ مثل هؤلاء الذين اُشير إليهم بكلمة «أُولئك» في الآية لم يذكروا في الآية نفسها، ولكن مع ملاحظة الآيات السابقة يمكن استحضارهم في جوهذه الآية والإشارة إليهم.

ثمّ يعقب بعد ذلك ببيان عاقبة المنكرين ومصيرهم بقوله تعالى:{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ }.

وفي ختام الآية ـ كما هي الحال في كثير من آيات القرآن ـ يوجه الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويبيّن درساً عاماً لجميع الناس، ويقول: بعدَ هذا كلّه من وجود الشاهد والبيّنة والمصدق بدعوتك، فلا تتردد في الطريق ذاته { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ}لأنّه من قبل الله سبحانه {إِنّه الحقّ من ربّك} ولكن كثيراً من الناس ونتيجةً لجهلهم وأنانيتهم لايؤمنون { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}.

2 ـ التّفسير الثّاني لهذه الآية هوأنّ هدفها الأصل بيان حال المؤمنين الصادقين الذين يؤمنون بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع وجود الدلائل الواضحة والشواهد على صدق دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء في الكتب السماوية السابقة في شأنه، فأُولئك هم المؤمنون، واستناداً إِلى هذه الدلائل جميعاً يؤمنون به (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعلى هذا يكون المقصود من قوله: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} جميع الذين لديهم دلائل مقنعة، حيث سارعوا إِلى الإِيمان بالقرآن ومن جاء به، وليس المقصود بكلمة «مَن» في الآية هوالنّبي.

والذي يرجع هذا التّفسير على التّفسير السابق هووجود الخبر في الآية صريحاً وليس محذوفاً، والمشار إِليه «أُولئك» مذكور في الآية نفسها، والقسم الأوّل من الآية يبدأ بقوله: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} إِلى قوله: {أُولئك يؤمنون به} ويشكل جملة كاملة من دون أي حذف وتقدير .. ولكن من دون شك فإِنّ التعبيرات الأُخرى في هذه الآية لاتنسجم مع هذا التّفسير كثيراً، ولهذا جعلنا هذا التفسير في المرحلة الثّانية «فتأمل»!

وعلى كل حال، فالآية تشير إِلى امتيازات الإِسلام والمسلمين الصادقين واستنادهم إِلى الدلائل المحكمة في اختيار مذهبهم هذا .. وفي قبال ذلك تذكر ما بصير إِليه المنكرون والمستكبرون من مآل مشؤوم أيضاً ..

__________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص38-43.

2- طبقاً لهذا التّفسير يكون المقصود بـ«من» هوالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والبيّنة هي القرآن، والشاهد ويراد به معنى «الجنس» من كل مؤمن صادق وفي مقدمتهم الإِمام علي أميرالمؤمنين(عليه السلام)ويعود الضمير في كلمة «منه» إِلى الله سبحانه، ويعود الضمير في كلمة «من قبله» إِلى القرآن أوالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومجموع الجملة مبتدأ وخبره محذوف تقديره: كمن ليس كذلك، أوكمن يريد الحياة الدنيا.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .