الفصل الثاني 

                                     الافكار الاشتراكيـة بين النظريـة والتطبيـق  

 • الاشتراكية في دول اوربا الشرقية     

منذ انطلاقة الافكار الحديثة ومع نشوء المذهب المركنتالي (التجاري) والذي احدث قفزة نوعية في اوربا ، تخلصت فيه دول اوربا الغربية وبالأخص انكلترا وفرنسا من السيطرة الاقتصادية للاقطاع والسيطرة الروحية للكنيسة ، بدأ الجيل الصاعد التفكير الفعلي بالتغيير واعتماد الافكار الاكثر حداثة ، ولا يخفى على احد بأن الفكر الاشتراكي ما ظهر الا بسبب جور ملاك الاراضي على الفلاح اولاً ، ثم جور الرأسمالي على العمال ثانياً واصبحت الافكار الحديثة متاحة لكل فرد ولم يتخذ الفرد قراره الا بعد المشاهدة والتجربة ، والدليل على ذلك الافكار الفيزيوقراطية في فرنسا مع نضوجها ولكن لم تتعدى فرنسا بسبب ملاحظة النتائج والترقب لما يمكن ان يحصل وما هي نتائج الافكار المتحصل عليها ومدى سلبياتها من ايجابياتها . 

ان ما ورد من حديث في اعلاه يتوافق مع كيفية تطبيق الافكار في مرحلة المركنتالية وهو الآخر ينطبق على الفكر الاشتراكي ومدى امكانية الاستفادة من هذه الأفكار خلال الفترة التي ظهر بها البيان الشيوعي ، وكيفية الاستفادة من الآراء الجديدة للمدرسة الاشتراكية في بناء اقتصاد البلدان الراغبة بتطبيق الاشتراكيـة .

لقد تزامن هذه الافكار مع ظهور المدرسة الحدية وما لديها من وسائل اقناع جديدة في الفكر الاقتصادي غيرت من آراء نظرية ماركس ، والتي كانت تمثل احدث الآراء في حينها ، ولم يكن للآراء الحدية شيء يُذكر في عام 1848م اي في العام الذي ظهر به البيان الشيوعي ، لقد اضافت المدرسة الحدية للفكر الاقتصادي امور كثيرة مهمة وجديدة واكثر نضوجاً وعلمية والدليل على نضوج الافكار وصحة النظرية هو ظهورها في ثلاثة بلدان اوربية بنفس العام وبأساليب مختلفة ولكنهم توصلوا من خلالها الى نفس النتائج في عام 1871 اي في فارق بين النظريتين قدره 23 عام حيث ظهور البيان الشيوعي 1848 .   

ان هذه الطروحات قللت من الحماس الذي كان متواجد أثناء فترة بيان الحزب الشيوعي واصبح النظر للنظرية برتابة وتعقل وتحليل من قبل المتابعين للأحداث وهم من ذوي الاختصاص واصبح الحماس لتطبيق الشيوعية في انكلترا اقل شأناً من قبل وأكثر تريثاً في مجال تطبيق آراء الفكر الاشتراكي ، ليس فقط في انكلترا وانما في جميع اوربا الشرقية ، ولم يطبق ما اراده ماركس في انكلترا حيث يرى الباحث ان موضوع المنفعة لآخر وحدة من السلع الانتاجية لم تُطرق في افكار كارل ماركس ، ومع ذلك فإن المفكر ماركس وضع كيان النظرية الاشتراكية واخذ به المفكر السياسي فلاديمير ايلتش اليانوف (1870- 1924)⁽¹⁾ (والذي اطلق عليه تسمية لينين) وقد قاد ثورة التغيير وطبقها على حيز التنفيذ بعد انتصار الثورة البلشفية (ثورة العمال) في روسيا عام(1917-1991).   

كما اتضح لنا بأن التغيير الذي تم في الفكر الاشتراكي لم يطبق في البيئة الرأسمالية وليس في البلد الذي ارادت الطبقة العمالية تطبيقه واستخدامه كخارطة طريق ، وقد اتخذ الماركسيون من الفكر الاشتراكي الذين انتهجوا فيه النهج الاشتراكي نظاماً سياسياً ولم ينظر لها كنظاماً اقتصادياً بل هي وسيلة للحكم استلم فيها مقاليد الحكم وتطبيق مبادئ الحزب الشيوعي في روسيا واصبح نظاماً سياسياً اشتراكياً مصبوغاً بالصبغة الاقتصادية ولم يكن تطبيقه من قبل الطبقة العمالية للإطاحة بالرأسماليين المحتكرين والمضطهدين لحقوق العمال وإنما الذي كان في روسيا النظام الاقطاعي البعيد عن مصادر الثورة الصناعية واضطهاد العمال⁽²⁾ .   

وقد هيأ الظرف المناسب لتطبيق الاشتراكية كنظام سياسي لأول مرة في التاريخ وقد ادخل جملة من الاضافات بالشكل الذي يتلائم مع التطبيق العملي لقيادة دولة جديدة وبناء نظاماً اقتصادياً غير مألوف من قبل وبكامل التفاصيل المعقدة ، وقد كان لينين المفكر والقائد الذي استمد نهجه من نظرية كارل ماركس وله ايضاً الكثير من الآراء والأفكار التي تتناسب مع سمة العصر وطبيعة المرحلة لذا سميت الافكار التي تم تطبيقها بالافكار الماركسية اللينينية وهذا يعني ان لمنهج لينين لمسات على النظام الاقتصادي الشيوعي الجديد واعترافاً بمنهج لينين في تطبيقه للمنهج الماركسي اللينيني .

لقد كانت بدايات الاشتراكية الماركسية اللينينية تقتصر على الجمهوريات الروسية ثم امتدت ما بعد الحرب العالمية الثانية ليشمل ثلث الكرة الارضية في اوربا وآسيا وقد جاء هذا الامر بفضل ما تحقق من انتصارات بعد الحرب العالمية الثانية وقد سمي بالاتحاد السوفيتي ، واستمر سبعة عقود ونيف من الزمان .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  

1ـ احمد شبلي ، الاشتراكية ، دراسة علمية نقدية ، مكتبة النهضة المصرية ، 1968 ، ص143 . 

2ـ بول لويس ، الاشتراكي في مائة وخمسين سنة ، مصدر سبق ذكره ، ص285 .