المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

العلاقة بين الرياح والأمواج
5-4-2016
بلاغة غلام
10-10-2017
سليمان في القرآن والتوراة
6-4-2016
Russian Multiplication
20-11-2019
كتل الجليد
9/9/2022
نسب المقداد (رض).
2023-10-04


تفسير الاية (39-43) من سورة الرعد  
  
7171   07:09 مساءً   التاريخ: 22-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الراء / سورة الرعد /

 

قال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَونَتَوَ فَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُو سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد: 39 - 43]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} قيل في المحووالإثبات أقوال  أحدها: إن ذلك في الأحكام من الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس وقتادة وابن زيد وابن جريج وهو اختيار أبي علي الفارسي  والثاني : أنه يمحو من كتاب الحفظة المباحات وما لا جزاء فيه ويثبت ما فيه الجزاء من الطاعات والمعاصي عن الحسن والكلبي والضحاك عن ابن عباس والجبائي والثالث : أنه يمحوما يشاء من ذنوب المؤمنين فضلا فيسقط عقابها ويثبت ذنوب من يريد عقابه عدلا عن سعيد بن جبير الرابع : أنه عام في كل شيء فيمحو من الرزق ويزيد فيه ومن الأجل ويمحو السعادة والشقاوة ويثبتهما عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي وائل وقتادة وأم الكتاب أصل الكتاب الذي أثبت فيه الحادثات والكائنات.

 وروى أبو قلابة عن ابن مسعود أنه كان يقول اللهم أن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء وأثبتني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب وروي مثل ذلك عن أئمتنا (عليهم السلام) في دعواتهم المأثورة وروى عكرمة عن ابن عباس قال هما كتابان كتاب سوى أم الكتاب يمحوالله منه ما يشاء ويثبت وأم الكتاب لا يغير منه شيء ورواه عمران بن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).

 وروي محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: سألته عن ليلة القدر فقال: ينزل الله فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون من أمر السنة وما يصيب العباد وأمر ما عنده موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب وروى الفضيل قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول العلم علمان علم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحد يحدث فيه ما يشاء وروى زرارة عن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: هما أمران موقوف ومحتوم فما كان من محتوم أمضاه وما كان من موقوف فله فيه المشيئة يقضي فيه ما يشاء  والخامس : أنه في مثل تقتير الأرزاق والمحن والمصائب يثبته في أم الكتاب ثم يزيله بالدعاء والصدقة وفيه حث على الانقطاع إليه سبحانه والسادس: إنه يمحو بالتوبة جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات يبينه قوله { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } عن عكرمة  والسابع : أنه يمحوما يشاء من القرون ويثبت ما يشاء منها كقوله { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } وقوله { كم أهلكنا قبلهم من القرون } وروي ذلك عن علي (عليه السلام) والثامن: إنه يمحو ما يشاء يعني القمر ويثبت يعني الشمس وبيانه فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة عن السدي وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدل لأن الكتب المنزلة انتسخت منه فالمحو والإثبات إنما يقع في الكتب المنتسخة لا في أصل الكتاب عن أكثر المفسرين.

 وقيل إن ابن عباس سأل كعبا عن أم الكتاب فقال علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون فقال لعلمه كن كتابا فكان كتابا وقيل إنما سمي أم الكتاب لأنه الأصل الذي كتب فيه أوسيكون كذا وكذا لكل ما يكون فإذا وقع كتب أنه قد كان ما قيل إنه سيكون والوجه في ذلك ما فيه من المصلحة والاعتبار لمن تفكر فيه من الملائكة الذين يشاهدونه إذا قابلوا ما يكون بما هو مكتوب فيه وعلموا أن ما يحدث على كثرته قد أحصاه الله تعالى وعلمه قبل أن يكون مع أن ذلك أهول في الصدور وأعظم في النفوس حتى كان من تصوره وفكر فيه شاهدا له { وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ } يا محمد { بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ } أي: نعد هؤلاء الكفار من نصر المؤمنين عليهم بتمكينك منهم بالقتل والأسر واغتنام الأموال { أو نتوفينك } أي: ونقبضنك إلينا قبل أن نريك ذلك وبين بهذا أنه يكون بعض ذلك في حياته وبعضه بعد وفاته أي فلا تنتظر أن يكون جميع ذلك في أيام حياتك وأن يكون مما لا بد أن تراه { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} أي: عليك أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم وتقول بما أمرناك بالقيام به وعلينا حسابهم ومجازاتهم والانتقام منهم إما عاجلا وإما آجلا وفي هذه دلالة على أن الإسلام سيظهر على سائر الأديان ويبطل الشرك في أيامه وبعد وفاته وقد وقع المخبر به على وفق الخبر .

ثم ذكر سبحانه ما يكون للكفار كالبينة على الاعتبار فقال: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا} أي: نقصدها { من أطرافها } واختلف في معناه على أقوال  أحدها : أ ولم ير هؤلاء الكفار أنا ننقص أطراف الأرض بإماتة أهلها ومجازه ننقص أهلها من أطرافها كقوله { وأسأل القرية } أي: أ فلا يخافون أن نفعل مثل ذلك بهم عن ابن عباس وقتادة وعكرمة  وثانيها : ننقصها بذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها عن عطا ومجاهد والبلخي وروي نحوذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال عبد الله بن مسعود موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار وثالثها : أن المراد نقصد الأرض ننقصها من أطرافها بالفتوح على المسلمين معناه فننقص من أهل الكفر ونزيد في المسلمين يعني ما دخل في الإسلام من بلاد الشرك عن الحسن والضحاك ومقاتل قال الضحاك أ ولم ير أهل مكة أنا نفتح لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما حولها من القرى.

 وقال الزجاج : علم الله تعالى أن بيان ما وعد المشركون من قهرهم قد ظهر أي أ فلا يخافون أن نفتح لمحمد أرضهم كما فتحنا له غيرها وقد روي ذلك أيضا عن ابن عباس قال القاضي وهذا القول أصح لأنه يتصل بما وعده من إظهار دينه ونصرته  ورابعها: أن معناه أ ولم يروا ما يحدث في الدنيا من الخراب بعد العمارة والموت بعد الحياة والنقصان بعد الزيادة عن الجبائي { والله يحكم } أي: يفصل الأمر { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ولا راد لقضائه عن ابن عباس ومعناه لا يعقب أحد حكمه بالرد والنقض { وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } أي: سريع

المجازاة على أفعال العباد على الطاعات بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب ثم بين سبحانه أن مكرهم يضمحل عند نزول العذاب بهم فقال { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يريد أن الكفار الذين كانوا قبل هؤلاء قد مكروا بالمؤمنين واحتالوا في كفرهم ودبروا في تكذيب الرسل بما في وسعهم فأبطل الله مكرهم كذلك يبطل مكر هؤلاء { فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا} أي: له الأمر والتدبير جميعا فيرد عليهم مكرهم بنصب الحجج لعباده وقيل معناه فالله يملك الجزاء على المكر عن أبي مسلم وقيل يريد بالمكر ما يفعل الله تعالى بهم من المكروه عن الجبائي.

 { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} فلا يخفى عليه ما يكسبه الإنسان من خير وشر لأنه عالم بجميع المعلومات وقيل يعلم ما يمكرونه في أمر الرسول فيبطل أمرهم ويظهر أمره ودينه { وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} هذا تهديد لهم بأنهم سوف يعلمون من تكون له عاقبة الجنة حين يدخل المؤمنون الجنة والكافرون النار وقيل معناه وسيعلمون لمن العاقبة المحمودة لكم أم لهم إذا أظهر الله دينه { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} لك يا محمد { لَسْتَ مُرْسَلًا} من جهة الله تعالى إلينا { قل } لهم { كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أي كفى الله شاهدا بيني وبينكم بما أظهر من الآيات وأبان من الدلالات على نبوتي.

 { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قيل فيه أقوال  أحدها : أن من عنده علم الكتاب هوالله عن الحسن والضحاك وسعيد بن جبير واختاره الزجاج قال ويدل عليه قراءة من قرأ ومن عنده علم الكتاب  والثاني : إن المراد به مؤمنوا أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري عن ابن عباس وقتادة ومجاهد واختاره الجبائي وأنكر الأولون هذا القول بأن قالوا السورة مكية وهؤلاء أسلموا بعد الهجرة والثالث : إن المراد به علي بن أبي طالب وأئمة الهدى (عليهم السلام) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) .

وروي عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله أنه قال إيانا عنى وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروى عنه عبد الله بن كثير أنه وضع يده على صدره ثم قال عندنا والله علم الكتاب كملا ويؤيد ذلك ما روي عن الشعبي أنه قال ما أحد أعلم بكتاب الله بعد النبي من علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن الصالحين من أولاده وروي عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب (عليه السلام) للقرآن وروى أبوعبد الرحمن أيضا عن عبد الله بن مسعود قال لو كنت أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني لأتيته قال فقلت له فعلي؟ وقال: أ ولم آته ؟!.

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص48-54.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ } . أم الكتاب كناية عن علمه تعالى بما كان ويكون ، ولو جاز لنا تفسير الألفاظ بالذوق والاستحسان لفسرنا الكتاب بالكون ، والأم بعناصره وأسراره ، لأن للَّه كتابين وفي كل منهما آيات بينات على وجوده ووحدانيته ، وجلاله وعظمته : أحدهما ينطق بلسان الحال ، وهو الكون ، والآخر بلسان المقال ، وهو القرآن .

أما المحو والإثبات فقد نقل الطبرسي في معناهما ثمانية أقوال ، وأقربها ان المراد بالمحو نسخ الشريعة كالشرائع القديمة ، أو نسخ بعض أحكامها كنسخ الصلاة إلى بيت المقدس من الشريعة الاسلامية . أما الإثبات فالمراد به إقرار الأحكام  ورسوخها إلى بوم القيامة ، وعليه يكون المعنى ان اللَّه سبحانه ينسخ أو يقر الشريعة كلا أو بعضا حسبما تستدعيه الحكمة والمصلحة ، وهو جلت عظمته عالم بما يصلح العباد وما يفسدهم ، فينهاهم عن هذا ، ويؤمرهم بذاك دواما أو مؤقتا على مقتضى علمه بأمد المضار والمنافع . . وتكلمنا عن النسخ عند تفسير الآية 106 من سورة البقرة ج 1 ص 169 .

{ وإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وعَلَيْنَا الْحِسابُ } .

هذه الآية تتصل بالآية 31 من هذه السورة ، وهي قوله تعالى : « ولا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ » . ووجه الاتصال ظاهر حيث قال اللَّه لنبيه : انه سينزل العذاب على من كذبه لا محالة ، ثم قال له في الآية التي نحن بصددها : سواء أريناك عذابهم أم توفيناك قبل ذلك فان مهمتك الأولى والأخيرة ان تؤدي رسالتك على وجهها وكفى وما عدا ذلك علينا ، لا عليك .

{ أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها } . الأرض كرة لا أطراف لها كما للجسم المسطح ، ولكنها كبيرة تتسع لملايين الأجناس والأنواع من الكائنات والمخلوقات ، وهي في تغير دائم . . فبينا يرى الإنسان أو يسمع ان هذه البقعة من الأرض آهلة بالسكان وأسباب الحضارة وأنواعها ، وتلك البقعة صحراء جرداء وإذا بالآهلة خراب يباب ، وبالصحراء جنات وعيون . . وأهل الأرض كذلك :

حضارات تحيا ، وأخرى تموت ، وملك يقوم ، وآخر يزول . . وهكذا دواليك ، لا يدوم بؤس ولا نعيم في هذه الأرض . . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « احذروا الدنيا فإنها غدارة غرارة ، خدوع معطية منوع ، ملبسة نزوع ، لا يدوم رخاؤها ، ولا ينقضي عناؤها » . وقوله تعالى : { نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها } يشير إلى هذا المعنى ، وان العاقل يتعظ ويعتبر بهذه التقلبات والتغيرات : « أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ - 109 يوسف » .

{ واللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ} . وقد حكم بالهلاك على القوم المجرمين ، فنفذ فيهم حكمه وبأسه : « وإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ - 11 الرعد » .

{ وقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً } . والمراد بمكر اللَّه إبطال مكر الماكرين وتدبيرهم . انظر تفسير الآية 54 من سورة آل عمران ، فقرة اللَّه خير الماكرين ج 2 ص 68 { يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } لأنه واسع عليم { وسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ } يوم ينقلبون إلى ربهم ، ويقولون : هذا يوم عسير .

{ ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا } . أنكروا رسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) رغم البينات والدلائل . . لأنها حرب وثورة على الظلم والطغيان ، وعلى كل تقليد يحول دون الإنسان وحريته وأمنه وسعادته .

راحة الضمير والوجدان :

{ قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ } . أمر اللَّه نبيه في هذه الآية ان يقول للمشركين : إذا أنكرتم رسالتي فإن اللَّه يشهد بأني رسول من عنده ، وأيضا المنصفون من علماء التوراة والإنجيل يشهدون بذلك . . هذا هو المعنى الظاهر ، وهو المراد ، وعليه جميع المفسرين ، ونحن معهم ، ولكنا نلمس من وراء هذا الظاهر معنى كبيرا وجليلا ينطبق على كل من آمن بالحق وعمل به ، وأنكره عليه المفسدون في الأرض ، ولاقى منه ما لاقاه الأنبياء والمصلحون ، ويتلخص هذا المعنى الكبير الجليل الذي ترمز إليه الآية بأن كل من استراح ضميره إلى شيء وشهد معه الوجدان السليم فإن اللَّه أيضا يشهد وملائكته والمنصفون من عباده بأنه على حق ، نبيا كان أو غير نبي .

وتسأل : متى يكون الإنسان مرتاح الضمير ، ويشهد معه الوجدان السليم ؟ .

الجواب : ان الإنسان لا يكون من أهل الضمير الحي والوجدان السليم الا إذا آمن بقيم إنسانية كالعدالة والحرية والصدق والأمانة ، وما إلى ذلك مما يعود خيره على الجميع ، ومتى آمن الإنسان بالقيم ، ولاءم بين تصرفاته وإيمانه استراح ضميره وشهد له وجدانه ، ومتى وقع الانفصال بين التصرف والايمان تأرق ضميره ، وأنحى عليه لوما وتقريعا .

وأهل الضمير والوجدان لا يهتمون الا بقيمتهم أمام ضميرهم ، وأمام الناس الطيبين من أمثالهم الذين يشاركونهم الايمان بالمثل والقيم الإنسانية ، أما قيمتهم عند من لا ضمير له ، ولا يرى الا نفسه وصالحه فلا يهتمون بها على الإطلاق ، بل يتهمون أنفسهم ، ويتوبون إلى اللَّه إذا رضي عنهم المفسدون .

وفي يقيني ان أكثر الناس سعادة هم أهل المبادئ الحقة الذين لا يعملون الا بما استراحت إليه ضمائرهم .

وتقول : ان كثيرا من الناس يشعرون بالسعادة إذا وجدوا ما يبتغون ، ومع ذلك لا يؤمنون بقيمة ولا مبدأ . . وهل السعادة الا شعور الإنسان بأنه يجد ما أراد ؟

وهل الشقاء الا الاحساس بحرمانه مما يريد ؟ .

الجواب : أولا ان حديثنا مقصور منذ البداية على أهل الضمير دون غيرهم ، وهؤلاء لا ضمير لهم . ثانيا : ان كثيرا من الذين يجاهرون بإنكار القيم يقرونها في قرارة أنفسهم ، ولكن لما غلبت عليهم شقوتهم حاولوا إخفاء هذا الغلب والعجز بإنكار ما يقرون ويؤمنون ، وقالوا كاذبين على أنفسهم : لو كان هناك قيم لالتزمنا بها وحرصنا عليها ، تماما كما ينكر المجرم جريمته وهو على يقين منها .

__________________

1- التفسير الكاشف، ج ٤، محمد جواد مغنية، ص 415-418.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } محو الشيء هو إذهاب رسمه وأثره يقال: محوت الكتاب إذا أذهبت ما فيه من الخطوط والرسوم قال تعالى:{ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}: الشورى: 24 أي يذهب بآثار الباطل كما قال:{فأما الزبد فيذهب جفاء} وقال:{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً }: الاسراء: 12 أي أذهبنا أثر الإبصار من الليل فالمحو قريب المعنى من النسخ يقال: نسخت الشمس الظل أي ذهبت بأثره ورسمه.

وقد قوبل المحو في الآية بالإثبات وهو إقرار الشيء في مستقره بحيث لا يتحرك ولا يضطرب يقال: أثبت الوتد في الأرض إذا ركزته فيها بحيث لا يتحرك ولا يخرج من مركزه فالمحو هو إزالة الشيء بعد ثبوته برسمه ويكثر استعماله في الكتاب.

ووقوع قوله:{ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } بعد قوله:{لكل أجل كتاب} واتصاله به من جانب وبقوله:{وعنده أم الكتاب} من جانب ظاهر في أن المراد محو الكتب وإثباتها في الأوقات والآجال فالكتاب الذي أثبته الله في الأجل الأول إن شاء محاه في الأجل الثاني وأثبت كتابا آخر فلا يزال يمحى كتاب ويثبت كتاب آخر.

وإذا اعتبرنا ما في الكتاب من آية وكل شيء آية صح أن يقال لا يزال يمحو آية ويثبت آية كما يشير إليه قوله:{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }: البقرة: 106، وقوله:{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ } الآية: النحل: 101.

فقوله:{يمحوا الله ما يشاء ويثبت} على ما فيه من الإطلاق يفيد فائدة التعليل لقوله:{لكل أجل كتاب} والمعنى أن لكل وقت كتابا يخصه فيختلف فاختلاف الكتب باختلاف الأوقات والآجال إنما ظهر من ناحية اختلاف التصرف الإلهي بمشيته لا من جهة اختلافها في أنفسها ومن ذواتها بأن يتعين لكل أجل كتاب في نفسه لا يتغير عن وجهه بل الله سبحانه هو الذي يعين ذلك بتبديل كتاب مكان كتاب ومحو كتاب وإثبات آخر.

وقوله:{ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } أي أصله فإن الأم هي الأصل الذي ينشأ منه الشيء ويرجع إليه، وهو دفع للدخل وإبانة لحقيقة الأمر فإن اختلاف حال الكتاب المكتوب لأجل بالمحو والإثبات أي تغير الحكم المكتوب والقول المقضي به حينا بعد حين ربما أوهم أن الأمور والقضايا ليس لها عند الله سبحانه صورة ثابتة وإنما يتبع حكمه العلل والعوامل الموجبة له من خارج كأحكامنا وقضايانا معاشر ذوي الشعور من الخلق أو أن حكمه جزافي لا تعين له في نفسه ولا مؤثر في تعينه من خارج كما ربما يتوهم أرباب العقول البسيطة أن الذي له ملك - بكسر اللام - مطلق وسلطنة مطلقة له أن يريد ما يشاء ويفعل ما يريد على حرية مطلقة من رعاية أي قيد وشرط وسلوك أي نظام أو لا نظام في عمله فلا صورة ثابتة لشيء من أفعاله وقضاياه عنده، وقد قال تعالى:{ما يبدل القول لدي}: ق: 29، وقال:{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ }: الرعد: 8 إلى غير ذلك من الآيات.

فدفع هذا الدخل بقوله:{ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } أي أصل جنس الكتاب والأمر الثابت الذي يرجع إليه هذه الكتب التي تمحى وتثبت بحسب الأوقات والآجال ولو كان هو نفسه تقبل المحو والإثبات لكان مثلها لا أصلا لها ولو لم يكن من أصله كان المحو والإثبات في أفعاله تعالى إما تابعا لأمور خارجة تستوجب ذلك فكان تعالى مقهورا مغلوبا للعوامل والأسباب الخارجية مثلنا والله يحكم لا معقب لحكمه.

وإما غير تابع لشيء أصلا وهو الجزاف الذي يختل به نظام الخلقة والتدبير العام الواحد بربط الأشياء بعضها ببعض جلت عنه ساحته، قال تعالى:{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}: الدخان: 39.

فالملخص من مضمون الآية أن لله سبحانه في كل وقت وأجل كتابا أي حكما وقضاء وأنه يمحو ما يشاء من هذه الكتب والأحكام والأقضية ويثبت ما يشاء أي يغير القضاء الثابت في وقت فيضع في الوقت الثاني مكانه قضاء آخر لكن عنده بالنسبة إلى كل وقت قضاء لا يتغير ولا يقبل المحو والإثبات وهو الأصل الذي يرجع إليه الأقضية الآخر وتنشأ منه فيمحو ويثبت على حسب ما يقتضيه هو.

ويتبين بالآية أولا: أن حكم المحو والإثبات عام لجميع الحوادث التي تداخله الآجال والأوقات وهو جميع ما في السماوات والأرض وما بينهما، قال تعالى:{ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى}: الأحقاف: 3.

وذلك لإطلاق قوله:{ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } واختصاص المورد بآيات النبوة لا يوجب تخصيص الآية لأن المورد لا يخصص.

وبذلك يظهر فساد قول بعضهم: إن ذلك في الأحكام وهو النسخ وقول ثان: إن ذلك في المباحات المثبتة في صحائف الأعمال يمحوها الله ويثبت مكانها طاعة أو معصية مما فيه الجزاء، وقول ثالث: إنه محو ذنوب المؤمنين فضلا وإثبات ذنوب للكفار عقوبة، وقول رابع: إنه في موارد يؤثر فيها الدعاء والصدقة في المحن والمصائب وضيق المعيشة ونحوها، وقول خامس: إن المحو إزالة الذنوب بالتوبة والإثبات تبديل السيئات حسنات، وقول سادس: إنه محو ما شاء الله من القرون والإثبات إنشاء قرون آخرين بعدهم، وقول سابع: إنه محو القمر وإثبات الشمس وهو محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة، وقول ثامن: إنه محو الدنيا وإثبات الآخرة، وقول تاسع: إن ذلك في الأرواح حالة النوم يقبضها الله فيرسل من يشاء منهم ويمسك من يشاء، وقول عاشر: إن ذلك في الآجال المكتوبة في ليلة القدر يمحو الله ما يشاء منها ويثبت ما يشاء.

فهذه وأمثالها أقوال لا دليل على تخصيص الآية الكريمة بها من جهة اللفظ البتة وللآية إطلاق لا ريب فيه ثم المشاهدة الضرورية تطابقه فإن ناموس التغير جار في جميع أرجاء العالم المشهود، وما من شيء قيس إلى زمانين في وجوده إلا لاح التغير في ذاته وصفاته وأعماله، وفي عين الحال إذا اعتبرت في نفسها وبحسب وقوعها وجدت ثابتة غير متغيرة فإن الشيء لا يتغير عما وقع عليه.

فللأشياء المشهودة جهتان جهة تغير يستتبع الموت والحياة والزوال والبقاء وأنواع الحيلولة والتبدل، وجهة ثبات لا تتغير عما هي عليها وهما إما نفس كتاب المحو والإثبات وأم الكتاب، وإما أمران مترتبان على الكتابين وعلى أي حال تقبل الآية الصدق على هاتين الجهتين.

وثانيا: أن لله سبحانه في كل شيء قضاء ثابتا لا يتغير وبه يظهر فساد ما ذكره بعضهم أن كل قضاء يقبل التغيير واستدل عليه بمتفرقات الروايات والأدعية الدالة على ذلك والآيات والأخبار الدالة على أن الدعاء والصدقة يدفعان سوء القضاء.

وفيه أن ذلك في القضاء غير المحتوم.

وثالثا: أن القضاء ينقسم إلى قضاء متغير وغير متغير وستستوفي تتمة البحث في الآية عن قريب إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:{ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }{إن ما} هو إن الشرطية وما الزائدة للتأكيد والدليل عليه دخول نون التأكيد في الفعل بعده.

وفي الآية إيضاح لما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الوظيفة وهو الاشتغال بأمر الإنذار والتبليغ فحسب فلا ينبغي له أن يتبع أهواءهم في نزول آية عليه كما اقترحوا حتى أنه لا ينبغي له أن ينتظر نتيجة بلاغه أو حلول ما أوعدهم الله من العذاب بهم.

وفي الآية دلالة على أن الحساب الإلهي يجري في الدنيا كما يجري في الآخرة.

قوله تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } إلخ كلام مسوق للعبرة بعد ما قدم إليهم الوعيد بالهلاك، ومنه يعلم أن إتيان الأرض ونقصها من أطرافها كناية عن نقص أهلها بالإماتة والإهلاك فالآية نظيرة قوله:{ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ }: الأنبياء: 44.

وقول بعضهم إن المراد به أ ولم ير أهل مكة أنا نأتي أرضهم فننقصها من أطرافها بفتح القرى واحدة بعد واحدة للمسلمين فليخافوا أن نفتح بلدتهم وننتقم منهم يدفعه أن السورة مكية وتلك الفتوحات إنما كانت تقع بعد الهجرة.

على أن الآيات بوعيدها ناظرة إلى هلاكهم بغزوة بدر وغيرها لا إلى فتح مكة.

وقوله:{ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} يريد به أن الغلبة لله سبحانه فإنه يحكم وليس قبال حكمه أحد يعقبه ليغلبه بالمنع والرد وهو سبحانه يحاسب كل عمل بمجرد وقوعه بلا مهلة حتى يتصرف فيه غيره بالإخلال فقوله:{والله يحكم} إلخ في معنى قوله في ذيل آية سورة الأنبياء المتقدمة:{أ فهم الغالبون}.

قوله تعالى:{ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا } إلى آخر الآية.

أي وقد مكر الذين من قبلهم فلم ينفعهم مكرهم ولم يقدروا على صدنا من أن نأتي الأرض فننقصها من أطرافها فالله سبحانه يملك المكر كله ويبطله ويرده إلى أهله فليعتبروا.

وقوله:{يعلم ما تكسب كل نفس} في مقام التعليل لملكه تعالى كل مكر فإن المكر إنما يتم مع جهل الممكور به وأما إذا علم به فعنده بطلانه.

وقوله:{وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار قطع للحجاج بدعوى أن مسألة انتهاء الأمور إلى عواقبها من الأمور الضرورية العينية لا تتخلف عن الوقوع وسيشهدونها شهود عيان فلا حاجة إلى الإطالة والإطناب في إعلامهم ذلك فسيعلمون.

الآية خاتمة السورة وتعطف الكلام على ما في مفتتحها من قوله:{والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} وهي كرة ثالثة على منكري حقية كتاب الله يستشهد فيها بأن الله يشهد على الرسالة ومن حصل له العلم بهذا الكتاب يشهد بها.

قوله تعالى:{ويقول الذين كفروا لست مرسلا} إلخ بناء الكلام في السورة على إنكارهم حقية الكتاب وعدم عدهم إياه آية إلهية للرسالة ولذا كانوا يقترحون آية غيره كما حكاه الله تعالى في خلال الآيات مرة بعد مرة وأجاب عنه بما يرد عليهم قولهم فكأنهم لما يئسوا مما اقترحوا أنكروا أصل الرسالة لعدم إذعانهم بما أنزل الله من آية وعدم إجابتهم فيما اقترحوه من آية فكانوا يقولون:{لست مرسلا}.

فلقن الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجة عليهم لرسالته بقوله:{قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} وهو حجة قاطعة وليس بكلام خطابي ولا إحالة إلى ما لا طريق إلى حصول العلم به.

فقوله:{قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم} استشهاد بالله سبحانه وهو ولي أمر الإرسال وإنما هي شهادة تأدية لا شهادة تحمل فقط فإن أمثال قوله تعالى:{إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} من آيات القرآن وكونه آية معجزة من الله ضروري، وكونه قولا وكلاما له سبحانه ضروري واشتماله على تصديق الرسالة بدلالة المطابقة المعتمدة على علم ضروري أيضا ضروري، ولا نعني بشهادة التأدية إلا ذلك.

ومن فسر شهادته تعالى من المفسرين بأنه تعالى قد أظهر على رسالتي من الأدلة والحجج ما فيه غنى عن شهادة شاهد آخر ثم قال: وتسمية ذلك شهادة مع أنه فعل وهي قول من المجاز حيث إنه يغني غناها بل هو أقوى منها. انتهى.

فقد قصد المطلوب من غير طريقه.

وذلك أن الأدلة والحجج الدالة على حقية رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) إما القرآن وهو الآية المعجزة الخالدة، وإما غيره من الخوارق والمعجزات وآيات السورة - كما ترى - لا تجيب الكفار على ما اقترحوه من هذا القسم الثاني ولا معنى حينئذ للاستشهاد بما لم يجابوا عليه، وأما القرآن فمن البين أن الاستناد إليه من جهة أنه معجزة تصدق الرسالة بدلالتها عليها أي كلام له تعالى يشهد بالرسالة، وإذا كان كذلك فما معنى العدول عن كونه كلاما له تعالى يدل على حقية الرسالة أي شهادة لفظية منه تعالى على ذلك بحقيقة معنى الشهادة إلى كونه دليلا فعليا منه عليها سمي مجازا بالشهادة؟.

على أن كون فعله تعالى أقوى دلالة على ذلك من قوله ممنوع.

فقد تحصل أن معنى قوله:{ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أن ما وقع في القرآن من تصديق الرسالة شهادة إلهية بذلك.

وأما جعل الشهادة شهادة تحمل ففيه إفساد المعنى من أصله وأي معنى لإرجاع أمر متنازع فيه إلى علم الله واتخاذ ذلك حجة على الخصم ولا سبيل له إلى ما في علم الله في أمره؟ أ هو كما يقول أوفرية يفتريها على الله؟.

وقوله:{ومن عنده علم الكتاب} أي وكفى بمن عنده علم الكتاب شهيدا بيني وبينكم، وقد ذكر بعضهم أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ويتعين على هذا أن يكون المراد بالموصول هو الله سبحانه فكأنه قيل: كفى بالله الذي عنده علم الكتاب شهيدا{إلخ}.

وفيه أولا أنه خلاف ظاهر العطف، وثانيا أنه من عطف الذات مع صفته إلى نفس الذات وهو قبيح غير جائز في الفصيح ولذلك ترى الزمخشري لما نقل في الكشاف، هذا القول عن الحسن بقوله: وعن الحسن:{لا والله ما يعني إلا الله} قال بعده: والمعنى كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح إلا هو شهيدا بيني وبينكم.

انتهى فاحتال إلى تصحيحه بتبديل لفظة الجلالة {الله} من{الذي يستحق العبادة} وتبديل {من} من{الذي} ليعود المعطوف والمعطوف عليه وصفين فيكون في معنى عطف أحد وصفي الذات على الآخر وإناطة الحكم بالذات بما له من الوصفين كدخالتهما فيه فافهم ذلك.

لكن من المعلوم أن تبديل لفظ من لفظ يستقيم إفادته لمعنى لا يوجب استقامة ذلك في اللفظ الأول وإلا لبطلت أحكام الألفاظ.

على أن التأمل فيما تقدم في معنى هذه الشهادة وأن المراد به تصديق القرآن لرسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعطي أن وضع لفظة الجلالة في هذا الموضع لا للتلميح إلى معناه الوصفي بل لإسناده الشهادة إلى الذات المقدسة المستجمعة لجميع صفات الكمال لأن شهادته أكبر الشهادات قال سبحانه:{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }.

وذكر آخرون: أن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل أو خصوص التوراة والمعنى وكفى بعلماء الكتاب شهداء بيني وبينكم لأنهم يعلمون بما بشر الله به الأنبياء في ويقرءون نعتي في الكتاب.

وفيه أن الذي أخذ في الآية هو الشهادة دون مجرد العلم، والسورة مكية ولم يؤمن أحد من علماء أهل الكتاب يومئذ كما قيل ولا شهد للرسالة بشيء فلا معنى للاحتجاج بالاستناد إلى شهادة لم يقم بها أحد بعد.

وقيل: المراد القوم الذين أسلموا من علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود وسلمان الفارسي، وقيل هو عبد الله بن سلام، و رد بأن السورة مكية وهؤلاء إنما أسلموا بالمدينة.

وللقائلين بأنه عبد الله بن سلام جهد بليغ في الدفاع عنه فقال بعضهم: إن مكية السورة لا تنافي كون بعض آياتها مدنية فلم لا يجوز أن تكون هذه الآية مدنية مع كون السورة مكية.

وفيه أولا: أن مجرد الجواز لا يثبت ذلك ما لم يكن هناك نقل صحيح قابل للتعويل عليه.

على أن الجمهور نصوا على أنها مكية كما نقل عن البحر.

وثانيا: أن ذلك إنما هو في بعض الآيات الموضوعة في خلال آيات السور النازلة وأما في مثل هذه الآية التي هي ختام ناظرة إلى ما افتتحت به السورة فلا إذ لا معنى لإرجاء بعض الكلام المرتبط الأجزاء إلى أمد غير محدود.

وقال بعضهم: إن كون الآية مكية لا ينافي أن يكون الكلام إخبارا عما سيشهد به.

وفيه أن ذلك يوجب رداءة الحجة وسقوطها فأي معنى لأن يحتج على قوم يقولون:{لست مرسلا} فيقال: صدقوا به اليوم لأن بعض علماء أهل الكتاب سوف يشهدون به.

وقال بعضهم: إن هذه الشهادة شهادة تحمل لا يستلزم إيمان الشهيد حين الشهادة فيجوز أن تكون الآية مكية والمراد بها عبد الله بن سلام أوغيره من علماء اليهود والنصارى وإن لم يؤمنوا حين نزول الآية.

وفيه أن المعنى حينئذ يعود إلى الاحتجاج بعلم علماء أهل الكتاب وإن لم يعترفوا به ولم يؤمنوا، ولو كان كذلك لكان المتعين أن يستشهد بعلم الذين كفروا أنفسهم فإن الحجة كانت قد تمت عليهم بكون القرآن كلام الله ولا يكون ذلك إلا عن علمهم به فما الموجب للعدول عنهم إلى غيرهم وهم مشتركون في الكفر بالرسالة ونفيها على أنه تقدم أن الشهادة في الآية ليست إلا شهادة أداء دون التحمل.

وقال بعضهم: - وهو ابن تيمية وقد أغرب - أن الآية مدنية بالاتفاق. وهو كما ترى.

وذكر بعضهم: أن المراد بالكتاب القرآن الكريم، والمعنى أن من تحمل هذا الكتاب وتحقق بعلمه واختص به فإنه يشهد على أنه من عند الله وأني مرسل به فيعود مختتم السورة إلى مفتتحها من قوله:{ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ } وينعطف آخرها على أولها وعلى ما في أواسطها من قوله:{ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }.

وهذا في الحقيقة انتصار وتأييد منه تعالى لكتابه قبال ما أزرى به واستهانه الذين كفروا حيث قالوا:{لولا أنزل عليه آية من ربه} مرة بعد مرة و{لست مرسلا} فلم يعبئوا بأمره ولم يبالوا به وأجاب الله عن قولهم مرة بعد مرة ولم يتعرض لأمر القرآن ولم يذكر أنه أعظم آية للرسالة وكان من الواجب ذلك فقوله:{قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} استيفاء لهذا الغرض الواجب الذي لا يتم البيان دونه وهذا من أحسن الشواهد على ما تقدم أن الآية كسائر السورة مكية.

وبهذا يتأيد ما ذكره جمع ووردت به الروايات من طرق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن الآية نزلت في علي (عليه السلام) فلو انطبق قوله:{ومن عنده علم الكتاب} على أحد ممن آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ لكان هو فقد كان أعلم الأمة بكتاب الله وتكاثرت الروايات الصحيحة على ذلك ولو لم يرد فيه إلا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريق:(لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) لكان فيه كفاية.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج11،ص307-317.

 
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

الآية الأُخرى بمنزلة التأكيد والإستدلال لما ورد في ذيل الآية السابقة، وهو أنّ لكلّ حدث وحكم زمن معيّن كما يقال: إنّ الأُمور مرهونة بأوقاتها، وإذا رأيت أنّ بعض الكتب السّماوية تأخذ مكان البعض الآخر وذلك بسبب{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} فيحذف بعض الأُمور بمقتضى حكمته وإرادته ويثبت اُموراً أُخرى، ولكن الكتاب الأصل عنده.

وفي النهاية وللتأكيد أكثر بالنسبة للعقوبات التي كان يوعدهم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بها وكانوا ينتظرونها حتّى أنّهم يقولون: لماذا لا تصبح هذه الوعود عملية؟ يقول تعالى{ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} (من إنتصارك عليهم وهزيمتهم وتحرير أتباعك وأسر أتباعهم في حياتك) أو نتوفينّك فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب}.

البشرية فانية ووجه الله باق:

بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث مع منكري رسالة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد تابعت هذه الآيات كذلك نفس البحث. والهدف هو دعوتهم إلى التفكّر، ثمّ الإصلاح عن طريق الإنذار والإستدلال وغيرها.

يقول تعالى أوّلا:{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } من الواضح أنّ المقصود من الأرض هنا هم أهل الأرض، يعني أنّ هؤلاء لا ينظرون إلى هذا الواقع من أنّ الأقوام والحضارات والحكومات في حال الزوال والإبادة، الأقوام الذين كانوا أكثر منهم قوّة وآثاراً قد اُلحدوا تحت الثرى حتّى العلماء والعظماء ـ الذين هم قوام الأرض ـ التحقوا بالرفيق الأعلى.

فهل أنّ هذا القانون العامّ للحياة الذي يسري على جميع الأفراد وكلّ المجتمع البشري صغيره وكبيره، غير كاف لإيقاظهم وتفهيمهم أنّ هذه الأيّام القلائل للحياة ليست أبدية؟!

ثمّ يضيف:{ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ولذلك فإنّ قانون الفناء مكتوب على جبين كلّ الأفراد والاُمم من جهة، ومن جهة أُخرى لا يستطيع أحد أن يغيّر هذا الحكم ولا الأحكام الأُخرى، ومن جهة ثالثة أنّ حساب العباد سريع جدّاً، وبهذا الترتيب يكون جزاؤه قاطعاً.

وقد جاءت في روايات متعدّدة في تفسير «البرهان» و «نور الثقلين» وسائر منابع الحديث، إنّ تفسير الآية أعلاه هو «فقدان العلماء» لأنّ فقدهم نقصان الأرض ونقص المجتمع الإنساني.

ونقل المفسّر الكبير الطبرسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية قال: «ننقصها بذهاب علمائها، وفقهائها وخيارأهلها»(2).

ونقرأ في حديث آخر أنّ «عبدالله بن عمر» تلا هذه الآية حين إستشهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام){إنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}.

ثمّ قال: «ياأمير المؤمنين، لقد كنت الطرف الأكبر في العلم، اليوم نقص علم الإسلام ومضى ركن الإيمان».(3)

إنّ للآية ـ بدون شكّ ـ معنىً واسعاً كما قلنا، وهي تشمل كلّ نقص في ذهاب الأفراد والمجتمع وأهل الأرض، وإنذار لكلّ الناس، الصالح منهم والطالح، حتّى العلماء الذين يشكّلون أركان المجتمع البشري يكون موت أحدهم أحياناً نقصاناً للدنيا، فهذا إنذار بليغ وساطع.

وأمّا ما إحتمله بعض المفسّرين من أنّ المقصود بالنقصان هو نقض أرض الكفّار وإضافتها إلى أرض المسلمين، فلا نراه صحيحاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنّ السورة مكّية، لأنّ الفتوحات في ذلك الوقت لم تكن موجودة حتّى يراها الكفّار أو يشير إليها القرآن الكريم.

وأمّا ما قاله بعض المفسّرين الذين غرقوا في العلوم الطبيعيّة، من أنّ الآية أعلاه تشير إلى نقص الأرض من ناحية القطبين واستواؤها في خطّ الإستواء، فهذا كذلك نراه بعيداً عن الواقع، لأنّ القرآن الكريم ليس في مقام الإشارة إلى ذلك.

ثمّ يستمرّ البحث في الآية الثانية ويقول: ليست هذه الفئة فقط نهضت بمكرها ومحاربتها لك، بل{وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }. لكن خططهم كُشفت، واُجهضت مؤامرتهم بأمر من الله، لأنّه أعلم الموجودات بهذه المسائل{فللَّه المكر جميعاً}ذاك هو العالم بكلّ شيء و{يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ}. ثمّ يحذرهم بصيغة التهديد من عاقبة عملهم ويقول:{ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}.

الآية الأخيرة من هذا البحث (كما بدأت هذه السورة بكتاب الله والقرآن) تُنهي سورة الرعد في التأكيد أكثر على معجزة القرآن يقول تعالى:{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا}.

فهم يصطنعون كلّ يوم عذراً، ويطلبون في كلّ وقت المعاجز، ثمّ آخر الأمر يقولون: لست بنبي! قل في جوابهم{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} فالله سبحانه وتعالى يعلم بأنّي رسوله، وكذلك هؤلاء لهم المعرفة الكافية بأنّ القرآن هو كتاب سماوي، فهم يعلمون جيّداً أنّ هذا الكتاب ليس من صنع البشر، ولا يمكن نزوله إلاّ من قبل الله.

وهذا تأكيد جديد على إعجاز القرآن بمختلف جوانبه وقد ذكرنا ذلك في أماكن أُخرى.

وبناءاً على ما قلناه أعلاه فإنّ المقصود بـ{مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} هم العالمون بمحتوى القرآن الكريم.

وإحتمل بعض المفسّرين أنّها تشير إلى علماء أهل الكتاب الذين قرأوا علائم نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتبهم السّماوية، ومن جهة حبّهم ومعرفتهم آمنوا به.

لكن التّفسير الأوّل نراه أقرب إلى الصحّة.

وقد ذكرت كثير من الرّوايات أنّ المقصود بـ{مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأئمّة الهدى، وهذه الرّوايات جُمعت في تفسير نور الثقلين والبرهان.

وهذه الرّوايات غير دالّة على الحصر، وكما قلنا مراراً فإنّها تشير إلى مصداق أو مصاديق تامّة وكاملة، وعلى أيّة حال فالتّفسير الأوّل الذي ذكرناه يؤيّد ذلك.

ومن المناسب أن ننهي حديثنا هنا بهذه الرّواية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله جلّ ثناؤه:{ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ }(النمل،40) قال: «ذاك وصي أخي سليمان بن داود» فقلت له: يارسول الله:{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال: «ذاك علي بن أبي طالب»(4).

اللهمّ افتح لنا أبواب رحمتك وألهمنا من علم الكتاب.

ربّنا أنِر قلوبنا بمعرفة القرآن واحبس أفكارنا على الحاجة إليك حتى لا نتوجّه لغيرك في مسائلنا، إنّك موضع الحاجات.

______________

1- تفسير الامثل ،الشيخ مكارم الشيرازي،ج6،ص465-474.

2- تفسير مجمع البيان ،ج5،ص300.

3- تفسير البرهان،ج2،ص301.

4- تفسير الميزان ،ج11،ص427.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .