أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015
2332
التاريخ: 29-03-2015
2839
التاريخ: 29-03-2015
7170
|
إيضاح العلل
لقد كان الخليل أو من تحدث عن العلل النحوية و حينما سئل عمن أخذها، أهي من العرب أم من اختراعه. فأجاب بأن العرب نطقت على سجيتها و طباعها، و عرفت مواقع كلامها، و قام في عقولها علله، و إن لم ينقل ذلك عنها. ثم بين الخليل أمثله في العمل مثل من رأى دارا محكمة البناء فصار يقول لقد وضع هذا من أجل هذا، و أنه قد اعتل بما رأى أنه علة لما علله، فإن سنح لغيره أليق مما ذكره فليأت به(1). ثم إن النحويين من بعده مباشرة اكتفوا بشروح نوعيات العلل التي اقتبسوها من الخليل. غير أن تعليلاتهم ظلت في إطار مجموعات من الجزئيات لا ترتبط بقواعد شاملة تستند إلى مذهب معين. و لما تطورت مناهج الجدل و المناظرات في أصول الفقه و عرفت ضوابط المنطق الأرسطي نشأ تصور جديد في الفكر النحوي، من أهم ميزاته إدراج قواعده في منظومة المنهج الأصولي عند المتكلمين، و بدأت بوادر هذا المنهج تظهر عند العلماء الذين جمعوا بين علمي الكلام و النحو. و تمثل مقدماته في تطوير فكرة التعليل. و قد روي أن ابن السراج ألف في العلل لكن إيضاح الزجاجي هو أول ما اشتهر في هذا النوع من التنظير.
و لقد اتبع في نسقه خطة تشبه خطة المناهج الهندسية الرياضية لأنه بدأ بالحدود ليفسر الاصطلاح التصوري، مبينا ما لهذه المصطلحات من خصوصيات و ما بينها من فروق. ثم أوضح أسس الأصول العامة و القواعد الشمولية و خلص بعد ذلك إلى أقسام العلل و إنماطها.
لقد اهتم الزجاجي في كلامه عن الحدود بأن يميز بين التصور الفلسفي العام، و بين الاصطلاح النحوي. و أثار الفروق المنطقية بين الحد و الرسم.
و حرص على أن يلتزم تطبيق منهجه على كلام العرب في نطاق الأوضاع النحوية. فحين تكلم عن حد الاسم قال حد الاسم في كلام العرب ما كان فاعلا أو مفعولا أو واقعا في حيزهما، و انتقد بعض النحويين الذين حدوه بحدود خارجة عن أوضاع النحو، فقالوا الاسم صوت موضوع دال على معنى غير مقرون بزمان، فقال إن غرضهم غير غرضنا و مغزاهم غير مغزانا (2).
و هذا الحد الذي تصوروه يتماشى في رأيه مع المنطق النحوي في أكمل صوره. لأنه ناقش آراء النحاة من قبله، و ذكر أن سيبويه اكتفى بالتمثيل للاسم، و لم يحده، و لم يشر إلى أن أمثلة سيبويه تناولت الإنسان و الحيوان و الجماد.
ص171
و اعترض على الأخفش تحديده للاسم بقوله إنه ما جاز فيه الإخبار عنه، بأنه لا يدخل في هذا الحد كيف و أين و متى. و قال إن الحد الذي اعتمده ابن السراج في قوله إنه ما دل على معنى، غير صحيح لأنه يدخل حروف المعاني، و أن حد ابن كيسان الذي قال: إن الأسماء ما آلت على الأشخاص و تضمنت معانيها لا ينطبق على المصادر.
و أخذ على المبرد قوله إن ما دخل عليه حرف خفض فهو اسم، و أما ما امتنع منه فليس باسم، لأن كيف وصه و مه أسماء لا تدخل عليها حروف الخفض (3).
ثم تحدث عن الأصول، و هذه الكلمة لها عنده عدة معان منها أنها القواعد النحوية و على هذا يفسر عنوان كتاب ابن السارج، إذ يقول الزجاجي في مقدمة كتاب الإيضاح إنه أنشأه في العلل دون الأصول لأن الكتب المصنفة في الأصول كثيرة جدا (4).
و بعد تقريب القاعدة التي يسميها بالأصل، يوضح أن الاستثناء لا يخرج الحكم عن أصله. و يمثل لذلك بمسائل نحوية، و قضايا فقهية، فيقول و قد ذكرنا أن الشيء يكون له أصل يلزمه، و نحو يطرد فيه ثم يعترض لبعضه علة تخرجه عن جمهور بابه، و لا يكون ذلك ناقضا للباب، و يعطي مثالا على أن الأصل الإعراب للأسماء، و أصل البناء للحروف و الأفعال، و عند من لا يزعم أن الأفعال تستحق الإعراب مثل الأسماء. على أن الإجماع على أن الأسماء كلها تستحق الإعراب، ثم نرى كثيرا منها غير معرب لعلل فيها و لا يكون ذلك مخرجا لها عن الاسمية. و يرى الزجاجي أن هذا موجود في سائر العلوم حتى في علوم الديانات كما يقال بالإطلاق: الصلاة واجبة على البالغين من الرجال و النساء ثم نجد من تلحقه علة تسقط عنه فرضها. و كما يقال: من سرق من حرز قطع، و قد يكون القطع ساقطا عن بعضهم. و لهذا نظائر كثيرة (5).
ففي تصوره للقاعدة النحوية، نلاحظ بوضوح التقرب من مناهج الأصوليين في عموم القاعدة، و في الموانع التي تحول دون تطبيق حكمها، و في التمثيل بالقواعد الفقهية، كما أنه ركز عرضه على العلاقة بين الحكم و العلة ليبرز بصورة خاصة دور العلل لهذا المنهج.
و بعد أن رسم حدود الكلم، و بين أصول القواعد، خلص إلى العلل و قد قال في مقدمة الإيضاح إنه كتاب أنشأه في علل النحو خاصة، و في الاحتجاج له و ذكر أسراره
ص172
و كشف المستغلق من لطائفه و غوامضه، و قال إنه لم يأل جهدا في تهذيبه و ترتيبه و اختياره حسب الطاقة مع ارتجاله له و تكلف جمعه من مواقعه، غير عامل على مثال سبقه و لا محتكم بنظم تقدمه (6)
و في كلامه عن العلل، قال إنها مستنبطة و ليست موجبة و إنها على ثلاثة أضرب:
1. علل تعليمية: و هي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب بالقياس على النظير، و ذلك أنا لما سمعنا قام زيد فهو قائم، عرفنا من ذلك أن اسم الفاعل من ذهب هو ذاهب.
2. علل قياسية: كعلة نصب «إن» لاسمها هي و أخواتها و ذلك لمضارعتها للفعل المتعدي فشبهت به و قيست عليه.
3. علل جدلية: و هي العلل النظرية التي تأتي جوابا عن الأسئلة الواردة بعد تقرير العلل الأوائل، مثل من أي جهة شابهت «إن» الفعل و بأي الأفعال شبهتموها (7).
و يذكر الدكتور شوقي ضيف أن «الزجاجي استقصى علل النحو البصري و الكوفي، و نص على أن الذين حرروا العلل الكوفية هم ابن الأنباري (أبو بكر) و أوائل البغداديين: ابن كيسان، و ابن شقير و ابن الخياط و أضاف أن له في ذلك نصيبا إذا قال (و أكثر ما أذكره من احتجاجات الكوفيين إنما أعبر عنه بألفاظ البصريين) (8).
و لعل هذا ما حمل الدكتور شوقي ضيف على تصنيفه في المدرسة البغدادية، مع أن آراءه في كتاب الجمل بصرية المنحى، إذ لا غرابة أن يسير في فلك شيخه أبي إسحق الزجاج، الذي نسب إليه، بيد أن إضافاته في التفكير النحوي معروفة، و واضح تأثيرها في نظريات ابن جني، و أبي البركات ابن الأنباري.
ص173
_____________________
(1) الإيضاح في علل النحو: 65-66.
(2) الإيضاح في علل النحو:48.
(3) الإيضاح في علل النحو:49-51.
(4) الإيضاح في علل النحو:38.
(5) الإيضاح في علل النحو:51-52.
(6) الإيضاح في علل النحو:38.
(7) الإيضاح في علل النحو: 64-66.
(8) الإيضاح في علل النحو: ص252.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|