أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-10-2019
2762
التاريخ: 24-5-2021
2221
التاريخ: 11-6-2020
2516
التاريخ: 13-12-2019
1760
|
الإمام عليه السلام يتهيأ للمواجهة مع الناكثين
* ـ عن محمّد وطلحة: كتب علىّ إلي قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام، وإلي عثمان بن حُنيف، وإلي أبى موسي مثل ذلك، وأقبَل على التهيّؤ والتجهّز، وخطبَ أهلَ المدينة، فدعاهم إلي النهوض فى قتال أهل الفرقة وقال:
. . . انهضوا إلي هؤلاء القوم الذين يريدون يفرّقون جماعتكم، لعلّ الله يُصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق ، وتقضون الذى عليكم .فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر وتمام علي خلاف فقام فيهم بذلك فقال : . . . ألا وإنّ طلحة والزبير واُمّ المؤمنين قد تمالؤوا علي سخط إمارتى ، ودَعَوا الناس إلي الإصلاح ، وسأصبر ما لم أخف علي جماعتكم ، وأكفّ إن كفّوا ، وأقتصر علي ما بلغنى عنهم .
* ـ لمّا اجتمع القوم علي ما ذكرناه من شقاق أمير المؤمنين والتأهّب للمسير إلي البصرة، واتّصل الخبر إليه، وجاءه كتاب بخبر القوم، دعا ابن عبّاس، ومحمّد بن أبى بكر، وعمّار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وأخبرهم بالكتاب وبما عليه القوم من المسير.
فقال محمّد بن أبى بكر: ما يريدون يا أمير المؤمنين؟ فتبسّم وقال: يطلبون بدم عثمان! فقال محمّد: والله، ما قتل عثمانَ غيرُهم، ثمّ قال أمير المؤمنين: أشيروا علىَّ بما أسمع منكم القول فيه.
فقال عمّار بن ياسر: الرأي المسير إلي الكوفة، فإنّ أهلها لنا شيعة، وقد انطلق هؤلاء القوم إلي البصرة .
وقال ابن عبّاس: الراي عندى يا أمير المؤمنين أن تُقدِّم رجلاً إلي الكوفة فيبايعون لك، وتكتب الى الأشعري أن يبايع لك ، ثمّ بعده المسير حتي نلحق بالكوفة ، وتعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة ، وتكتب إلي اُمّ سلمة فتخرج معك ، فإنّها لك قوّة .
فقال أمير المؤمنين: بل أسير بنفسي ومن معي فى اتّباع الطريق وراء القوم، فإن أدركتهم فى الطريق أخذتهم، وإن فاتوني كتبت إلي الكوفة واستمددت الجنود من الأمصار وسرت إليهم. وأمّا اُمّ سلمة فإنّى لا أري إخراجها من بيتها كما رأي الرجلان إخراج عائشة.
فبينما هم فى ذلك إذ دخل عليهم اُسامة بن زيد بن حارثة وقال لأمير المؤمنين: فداك أبى وأمي! لا تسِر سيراً واحداً، وانطلق إلي يَنْبُع، وخلِّف علي المدينة رجلاً، وأقِم بما لَكَ، فإنّ العرب لهم جولة ثمّ يصيرون إليك .
فقال له ابن عبّاس: إنّ هذا القول منك يا اُسامة إن كان علي غير غِلٍّ فى صدرك فقد أخطأت وجه الراي فيه، ليس هذا برأى بصير، يكون والله كهيئة الضبع فى مغارتها. فقال اُسامة: فما الراي؟ قال : ما أشرتُ به ، أو ما رآه أمير المؤمنين لنفسه .
ثمّ نادي أمير المؤمنين فى الناس: تجهّزوا للمسير، فإنّ طلحة والزبير قد نكثا البيعة، ونقضا العهد ، وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لإثارة الفتنة ، وسفك دماء أهل القبلة .ثمّ رفع يديه إلي السماء فقال : اللهمّ إنّ هذين الرجلين قد بغيا علىَّ ، ونكثا عهدي ، ونقضا عقدي ، وشقّانى بغير حقّ منهما كان فى ذلك ، اللهمّ خذهما بظلمهما لى ، واظفرني بهما ، وانصرني عليهما .
* ـ قال امير المؤمنين عليه السلام لمّا اُشير عليه بألاّ يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال ـ: والله لا أكون كالضَّبُع، تنام علي طول اللَّدْم حتي يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكنّى أضرب بالمقبل إلي الحقّ المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصىَ المريب أبداً حتي يأتى علىَّ يومى . فوَ الله ما زلت مدفوعاً عن حقّى مستأثَراً علىَّ منذ قبض الله نبيّه حتى يوم الناس هذا.
اقتل في العراق
* ـ المستدرك علي الصحيحين عن أبى الأسود الدؤلي عن الإمام علىّ : أتاني عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلى فى الغَرْز وأنا اُريد العراق فقال : لا تأتِ العراق ، فإنّك إن أتيته أصابك به ذباب السيف . قال علىّ : وايم الله ، لقد قالها لى رسول الله قبلك . قال أبو الأسود : فقلت في نفسى ، يا الله ما رأيت كاليوم رجل محارب يُحدّث الناس بمثل هذا .
* ـ تاريخ الطبرى : بلغ عليّاً الخبر ـ وهو بالمدينة ـ باجتماعهم علي الخروج إلي البصرة ، وبالذى اجتمع عليه ملؤهم ، طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم ، وبلغه قول عائشة ، وخرج علىّ يبادرهم فى تعبيته التى كان تعبّي بها إلي الشام ، وخرج معه من نشط من الكوفيّين والبصريّين متخفّفين فى سبعمائة رجل ، وهو يرجو أن يدركهم ، فيحول بينهم وبين الخروج ، فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال : يا أمير المؤمنين لا تخرج منها ، فوَ الله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ، ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً ، فسبّوه فقال : دعوا الرجل ، فنعم الرجل من أصحاب محمّد . وسار حتي انتهي إلي الرَّبَذة فبلغه ممرّهم، فأقام حين فاتوه يأتمر بالربَذة .
* ـ ثمّ خرج فى سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار، واستخلف علي المدينة تمّام بن العبّاس، وبعث قُثَم بن العبّاس إلي مكّة، ولمّا رأي أمير المؤمنين التوجّهَ إلي المسير طالباً للقوم رَكب جملا أحمر وقاد كُميتاً وسار وهو يقول:
سيروا أبابيل وحثّوا السيرا *** كى نلحق التَّيمىَّ والزبيرا
إذ جلبا الشرّ وعافا الخيرا *** يا ربّ أدخلهم غداً سعيرا
وسار مُجدّاً فى السير حتي بلغ الربذة ، فوجد القوم قد فاتوا ، فنزل بها قليلا ثمّ توجّه نحو البصرة ، والمهاجرون والأنصار عن يمينه وشماله ، محدقون به مع من سمع بمسيرهم ، فاتّبعهم حتي نزل بذى قار فأقام بها .
تحشيد الكوفة
* ـ من كتاب لامير المؤمنين عليه السلام إلي أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلي البصرة ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي أهل الكوفة ، جبهة الأنصار ، وسنام العرب .
أمّا بعد ، إنّى اُخبركم عن أمر عثمان حتي يكون سمعه كعيانه : إنّ الناس طعنوا عليه ، فكنت رجلاً من المهاجرين اُكثر استعتابه ، واُقلّ عتابه ، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حِدائهما العنيف ، وكان من عائشة فيه فلتة غضب . فأتيح له قوم فقتلوه، وبايعني الناس غير مُستكرَهين ولا مجبَرين، بل طائعين مخيَّرين.
واعلموا أنّ دار الهجرة قد قَلَعت بأهلها وقَلعوا بها، وجاشت جيش المِرجَل ، وقامت الفتنة علي القُطْب ، فأسرِعوا إلي أميركم ، وبادروا جهاد عدوّكم ، إن شاء الله عزّ وجلّ .
الوصول إلى الربذة
* ـ الإرشاد: لمّا توجّه أمير المؤمنين إلي البصرة نزل الرَّبَذة، فلقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو فى خبائه ، قال ابن عبّاس : فأتيته فوجدته يخصف نعلا ، فقلت له : نحن إلي أن تُصلح أمرنا أحوج منّا إلي ما تصنع ، فلم يكلمني حتي فرغ من نعله ، ثمّ ضمّها إلي صاحبتها ثمّ قال لى : قومّها ؟ فقلت : ليس لها قيمة . قال : علي ذاك ! قلت: كسر درهم، قال : والله لهما أحبّ إلىّ من أمركم هذا إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلا .
قلت: إنّ الحاجّ قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك، فتأذن لى أن أتكلّم، فإن كان حسناً كان منك ، وإن كان غير ذلك كان منّى ؟ قال : لا ، أنا أتكلّم . ثمّ وضع يده علي صدري ـ وكان شَثْن الكفّين ـ فآلمنى ، ثمّ قام فأخذت بثوبه فقلت : نشدتك الله والرحم ؟ قال : لا تنشدني . ثمّ خرج فاجتمعوا عليه، فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال :
أمّا بعد، فإنّ الله تعالي بعث محمّداً وليس فى العرب أحد يقرأ كتاباً ولا يدّعى نبوّة ، فساق الناس إلي منجاتهم ، أمَ والله ما زلت فى ساقتها ، ما غيّرت ولا خُنتُ حتي تولّت بحذافيرها .
مالي ولقريش؟ أمَ والله لقد قاتلتهم كافرين ، لاقاتلنهم مفتونين ، وإنّ مسيري
هذا عن عهد إلىّ فيه ، أمَ والله : لأبقرنّ الباطل حتي يخرج الحقّ من خاصرته . ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم فأدخلناهم فى حيِّزنا وأنشد :
أدمتَ لعمرى شربَك المحض خالصاً *** وأكلك بالزبد المقشّرة البُجرا
ونحن وهبناك العلاء ولم تكن ** عليّاً وحطنا حولك الجُرْدَ والسُّمْرا
قدوم الإمام البصرة
* ـ عن المنذر بن الجارود: لمّا قدم علىّ البصرة دخل ممّا يلى الطفّ ـ إلي أن قال ـ: فساروا حتي نزلوا الموضع المعروف بالزاوية، فصلّي أربع ركعات، وعفّر خدّيه علي التراب، وقد خالط ذلك دموعه، ثمّ رفع يديه يدعو: اللهمّ ربّ السموات وما أظلّت والأرضين وما أقلّت، وربّ العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، وأعوذ بك من شرّها ، اللهمّ أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين ، اللهمّ إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا علىّ ونكثوا بيعتي ، اللهمّ أحقن دماء المسلمين .
* ـ من كلامه حين دخل البصرة وجمع أصحابه فحرّضهم علي الجهاد ـ: عباد الله! انهدوا إلي هؤلاء القوم منشرحةً صدوركم بقتالهم ، فإنّهم نكثوا بيعتي وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرّح والعقوبة الشديدة ، وقتلوا السيابجة وقتلوا حكيم بن جبلة العبدى وقتلوا رجالا صالحين ، ثمّ تتبّعوا منهم من نجا يأخذونهم فى كلّ حائط وتحت كلّ رابية ، ثمّ يأتون بهم فيضربون رقابهم صبراً ، ما لهم قاتلهم الله أنّي يؤفكون ؟ !انهدوا إليهم وكونوا أشدّاء عليهم ، والقوهم صابرين محتسبين ، تعلمون أنّكم منازلوهم ومقاتلوهم ، وقد وطّنتم أنفسكم علي الطعن الدعسى والضرب الطلخفى ومبارزة الأقران ، وأي امرئ منكم أحسّ من نفسه رَباطة جأش عند اللقاء ، ورأي من أحد من إخوانه فشلاً ، فليذُبّ عن أخيه الذى فضّل عليه كما يذبّ عن نفسه ، فلو شاء الله لجعله مثله .
الإمام علي عليه السلام في ذي قار
أخذ البيعة
* ـ قال علىّ بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل ; لا يزيدون رجلاً، ولا ينقصون رجلاً ، يبايعوني علي الموت .
قال ابن عبّاس: فجزعت لذلك، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه ; فيفسد الأمر علينا، ولم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتي ورد أوائلهم، فجعلت اُحصيهم، فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلاً، ثمّ انقطع مجيء القوم.
فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟ فبينا أنا مفكّر فى ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتي دنا ; فإذا هو راجل عليه قَباء صوف معه سيفه وتُرْسُه وإداوته، فقرب من أمير المؤمنين فقال له: امدد يدك اُبايعْك .
فقال له أمير المؤمنين: وعلام تبايعني؟ قال : علي السمع والطاعة ، والقتال بين يديك حتي أموت أو يفتح الله عليك .
فقال له : ما اسمك ؟ قال : اُوَيْس .
قال : أنت اُويس القَرَنى ؟ قال : نعم .
قال: الله أكبر ، أخبرني حبيبي رسول الله أنّى اُدرك رجلاً من اُمّته يقال له : اُويس القرنى ، يكون من حزب الله ورسوله ، يموت علي الشهادة ، يدخل فى شفاعته مثل ربيعة ومضر .
قال ابن عبّاس: فسُرّى عنّى .
* ـ عن ابن عبّاس: لمّا نزل (الإمام علىّ بذي قار أخذ البيعة علي من حضره، ثمّ تكلّم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله) ثمّ قال :
قد جرت اُمور صبرنا عليها ـ وفى أعيننا القذي ـ تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به رجاء الثواب علي ذلك، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون وتُسفك دماؤهم.
نحن أهل بيت النبوّة، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة، ومعدن الكرامة التى ابتدأ الله بها هذه الاُمّة.
وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّية الرسول، حين رأيا أنّ الله
دأب الماضين قبلهما ، ليذهبا بحقّى ، ويفرّقا جماعة المسلمين عنّى . ثمّ دعا عليهما .
ومن خطب الإمام بذي قار
* ـ فى ذكر خطبة له عند خروجه لقتال أهل البصرة ـ: قال عبد الله بن عبّاس: دخلت علي أمير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لى: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال: والله لهى أحبّ إلىّ من إمرتكم إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلا. ثمّ خرج فخطب الناس فقال:
إنّ الله بعث محمّداً وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعى نبوّة، فساق الناس حتي بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم واطمأنّت صفاتهم.
أما والله، إن كنت لفي ساقتها حتي تولّت بحذافيرها، ما عجَزتُ ولا جبنتُ، وإنّ مسيري هذا لمثلها، فَلأنقُبنَّ الباطل حتي يخرج الحقّ من جنبه .
مالي ولقريش! والله، لقد قاتلتهم كافرين ولاُقاتلنّهم مفتونين ، وانى لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم ، والله ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم
أدَمتَ لَعَمرى شُربَكَ المحضَ صابحاً *** وأكلَكَ بالزبد المقشّرةَ البُــــــــجرا
ونحــن وهــبنــاك العــــلاءَ ولـم تكن *** عليّاً وحُطنا حولك الجُردَ والسُّمرا
* ـ عن زيد بن صوحان ـ من خطبته بذي قار ـ: قد علم الله سبحانه أنّى كنت كارهاً للحكومة بين اُمّة محمّد، ولقد سمعته يقول: "ما من وال يلى شيئاً من أمر اُمّتى إلاّ اُتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه علي رؤوس الخلائق، ثمّ يُنشر كتابه، فإن كان عادلاً نجا، وإن كان جائراً هوي".
حتي اجتمع علىَّ ملؤكم، وبايعني طلحة والزبير، وأنا أعرف الغدر فى أوجههما، والنكث فى أعينهما، ثمّ استأذنانى فى العمرة، فأعلمتُهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلي مكّة واستخفّا عائشة وخدعاها، وشخص معهما أبناءُ الطلقاء، فقدموا البصرة، فقتلوا بها المسلمين، وفعلوا المنكر. ويا عجباً لاستقامتهما لأبى بكر وعمر وبغيهما علىَّ! وهما يعلمان أنّى لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه ، فكتماه عنّى ، وخرجا يوهمان الطَّغام أنّهما يطلبان بدم عثمان .
والله، ما أنكرا علىّ منكراً، ولا جعلا بينى وبينهم نِصْفاً، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب منهما .
يا خيبة الداعى ! إلامَ دعا؟ وبماذا اُجيبَ؟ والله، إنّهما لعلي ضلالة صمّاء، وجهالة عمياء، وإنّ الشيطان قد ذمر لهما حزبه، واستجلب منهما خيله ورجله، ليعيد الجور إلي أوطانه، ويردّ الباطل إلي نصابه .
ثمّ رفع يديه، فقال :
اللهمّ إنّ طلحة والزبير قطعانى ، وظلمانى ، وألّبا علىَّ ، ونكثا بيعتى ، فاحلل ما عقدا ، وانكث ما أبرما ، ولا تغفر لهما أبداً ، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا !
* ـ من كلامه ـ وقد نهض من ذى قار متوجّهاً إلي البصرة ـ بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله :
أمّا بعد ، فإنّ الله تعالي فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصرة له ، والله ، ما صلحت دنيا قطّ ولا دين إلاّ به ، وإنّ الشيطان قد جمع حزبه واستجلب خيله وشبّه فى ذلك وخدع ، وقد بانت الاُمور وتمخّضت ، والله ما أنكروا علىّ منكراً ، ولا جعلوا بينى وبينهم نَصِفاً ، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه ودماً هم سفكوه ، ولئن كنت شركتهم فيه ، إنّ لهم لنصيبهم منه ، ولَئن كانوا ولوه دونى فما تبعته إلاّ قِبلهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم ، وإنّى لعلي بصيرتى ما لُبِّست علىَّ ، وإنّها لَلفئة الباغية فيها الحُمّي والحُمة ، قد طالت هلبتها وأمكنت درّتها ، يرضعون اُمّاً فطمت ، ويحيون بيعة تركت ; ليعود الضلال إلي نصابه .
ما أعتذر ممّا فعلت، ولا أتبرّأ ممّا صنعت، فخيبة للداعي ومن دعا، لو قيل له : إلي من دعواك ؟ وإلي من أجبت؟ ومن إمامك؟ وما سنّته؟ إذاً لزاح الباطل عن مقامه، ولصمت لسانه فما نطق. وايم الله، لأفرُطنّ لهم حوضاً أنا مانحه، لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده ريّاً أبداً ، وإنّى لراض بحجّة الله عليهم وعذره فيهم ، إذ أنا داعيهم فمُعذر إليهم ، فإن تابوا وأقبلوا فالتوبة مبذولة والحقّ مقبول ، وليس علي الله كفران ، وإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف وكفي به شافياً من باطل وناصراً لمؤمن .
* ـ عن سلمة بن كهيل : لمّا التقي أهل الكوفة وأمير المؤمنين بذى قار رحبّوا به وقالوا : الحمد لله الذى خصّنا بجوارك وأكرمنا بنصرتك . فقام أمير المؤمنين فيهم خطيباً فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! إنّكم من أكرم المسلمين وأقصدهم تقويماً ، وأعدلهم سنّة ، وأفضلهم سهماً فى الإسلام ، وأجودهم فى العرب مُرَكّباً ونصاباً ، أنتم أشدّ العرب ودّاً للنبىّ ولأهل بيته ، وإنّما جئتكم ثقةً ـ بعد الله ـ بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتي ، وإقبالهما بعائشة للفتنة ، وإخراجهما إيّاها من بيتها حتي أقدماها البصرة ، فاستغووا طغامها وغوغاءها ، مع أنّه قد بلغني أنّ أهل الفضل منهم وخيارهم فى الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير .
ثمّ سكت ، فقال أهل الكوفة : نحن أنصارك وأعوانك علي عدوّك ، ولو دعوتنا إلي أضعافهم من الناس احتسبنا فى ذلك الخير ورجوناه .
كلامه عليه السلام مع رجل من اهل البصرة في ذي قار
* ـ نهج البلاغة : من كلامه فى وجوب اتّباع الحقّ عند قيام الحجّة كلّم به بعض العرب ، وقد أرسله قوم من أهل البصرة لمّا قرب منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم ، فبيّن له من أمره معهم ما علم به أنّه علي الحقّ ، ثمّ قال له : بايع .
فقال : إنّى رسول قوم ، ولا اُحدث حدثاً حتي أرجع إليهم .
فقال : أ رأيت لو أنّ الذين وراءك بعثوك رائداً تبتغى لهم مساقط الغيث ، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء ، فخالفوا إلي المعاطش والمجادب ، ما كنتَ صانعاً ؟
قال : كنت تاركهم ومخالفهم إلي الكلأ والماء .
فقال : فامدد إذاً يدك .
فقال الرجل : فوَ الله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة علىَّ ، فبايعته .
والرجل يُعرف بكُليب الجرمى .
* ـ عن كليب : لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلاً حتي قدم طلحة والزبير البصرة ، ثمّ ما لبثنا بعد ذلك إلاّ يسيراً حتي أقبل علىّ بن أبى طالب فنزل بذي قار ، فقال شيخان من الحىّ : اِذهب بنا إلي هذا الرجل فننظر ما يدعو إليه ، فلمّا أتينا ذا قار قدمنا علي أذكي العرب ، فوَ الله لدخل علي نسب قومى ، فجعلت أقول : هو أعلم به منّى وأطوع فيهم .
فقال : من سيّد بنى راسب ؟
فقلت : فلان .
قال : فمن سيّد بنى قدامة ؟
قلت : فلان ، لرجل آخر .
فقال : أنت مبلغهما كتابين منّى ؟
قلت : نعم .
قال : أ فلا تبايعونى ؟
فبايعه الشيخان اللذان كانا معى وتوقّفت عن بيعته ، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون : بايع بايع .
فقال : دعوا الرجل .
فقلت: إنّما بعثني قومي رائداً وسأنهي إليهم ما رأيتُ، فإن بايعوا بايعت، وإن اعتزلوا اعتزلت.
فقال لى: أ رأيت لو أنّ قومك بعثوك رائداً فرأيت روضةً وغديراً، فقلتَ: يا قومي النجعة النجعة! فأبوا، ما كنت بمُستنجح بنفسك؟
فأخذت بإصبع من أصابعه وقلت: اُبايعك علي أن اُطيعك ما أطعتَ الله ، فإذا عصيتَه فلا طاعة لك علىَّ .
فقال : نعم . وطوّل بها صوته ، فضربت علي يده .
ثمّ التفتَ إلي محمّد بن حاطب ، وكان فى ناحية القوم ، فقال :
إذا انطلقت إلي قومك فأبلغهم كتبى وقولى .
فتحوّل إليه محمّد حتي جلس بين يديه وقال : إنّ قومى إذا أتيتهم يقولون : ما يقول صاحبك فى عثمان ؟ فسبّ عثمان الذين حوله ، فرأيت عليّاً قد كره ذلك حتي رشح جبينه وقال :
أيّها القوم ! كفّوا ما إيّاكم يَسأل .
قال : فلم أبرح عن العسكر حتي قدم علي علىّ أهل الكوفة فجعلوا يقولون : نري إخواننا من أهل البصرة يقاتلوننا ، وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون : والله لو التقينا لتعاطينا الحقّ ، كأنّهم يرون أنّهم لا يقتتلون . وخرجت بكتابَى علىّ فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه ، ودُللت علي الآخر ، وكان متوارياً ، فلو أنّهم قالوا له : كليب ، ما أذن لى ، فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت : هذا كتاب علىّ وأخبرته الخبر وقلت : إنّى أخبرت عليّاً أنّك سيّد قومك ، فأبي أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلي ما سأله وقال : لا حاجة لى اليوم فى السؤدد ، فوَ الله ، إنّى لبالبصرة ما رجعت إلي علىّ حتي نزل العسكر ، ورأيت القوم الذين مع علىّ فطلع القوم.
المعتزلين للقتال
عبد الله بن عمر
* ـ عن أبى بكر الهذلي: دخل الحارث بن حوط الليثى علي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب فقال: يا أمير المؤمنين، ما أري طلحة والزبير وعائشة احتجّوا إلاّ علي حقّ؟ فقال: يا حارث، إنّك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزتَ عن الحقّ ; إنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بالناس، ولكن اعرف الحقّ باتّباع من اتّبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه .
قال: فهلاّ أكون كعبد الله بن عمر وسعد بن مالك؟ فقال أمير المؤمنين: إنّ عبد الله بن عمر وسعد أخذلا الحقّ ولم ينصرا الباطل، متي كانا إمامين فى الخير فيُتّبعان؟ !
المغيرة وسعيد بن العاص
* ـ لمّا نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر، أقبل عليهم سعيد بن العاصى علي نجيب له، فأشرف علي الناس ومعه المغيرة بن شعبة ، فنزل وتوكّأ علي قوس له سوداء ، فأتي عائشة .
فقال لها : أين تريدين يا اُمّ المؤمنين ؟ قالت : اُريد البصرة .
قال : وما تصنعين بالبصرة ؟ قالت : أطلب بدم عثمان .
قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك !
ثمّ أقبل علي مروان فقال له: وأنت أين تُريد أيضاً؟ قال : البصرة .
قال : وما تصنع بها ؟ قال : أطلب قتلة عثمان .
قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك !إنّ هذين الرجلين قتلا عثمان "طلحة والزبير" ، وهما يُريدان الأمر لأنفسهما ، فلمّا غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم ، والحوبة بالتوبة .
ثمّ قال المغيرة بن شعبة: أيّها الناس! إن كنتم إنّما خرجتم مع اُمّكم ; فارجعوا بها خيراً لكم ، وإن كنتم غضبتم لعثمان ; فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، وإن كنتم نقمتم علي علىّ شيئاً ; فبيّنوا ما نقمتم عليه ، أنشدكم الله فتنتَين فى عام واحد .
فأبوا إلاّ أن يمضوا بالناس ، فلحق سعيد بن العاصى باليمن ، ولحق المغيرة بالطائف ، فلم يشهدا شيئاً من حروب الجمل ولا صفّين .
الحسن البصري
* - عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما فرغ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب ثم صعد عليه فخطب فحمد الله وأثنى عليه فقال : يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة يا أهل الداء العضال يا أتباع البهيمة يا جند المرأة رغا فأجبتم وعقر فهربتم ماؤكم زعاق ودينكم نفاق وأحلامكم دقاق .
ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال : يا حسن أسبغ الوضوء فقال : يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالامس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله يصلون الخمس ويسبغون الوضوء فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا ؟ فقال : والله لاصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي وأنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هم الكفر فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة نادى مناد : يا حسن ارجع فإن القاتل والمقتول في النار فرجعت ذعرا وجلست في بيتي .فلما كان اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فتحنطت وصببت على سلاحي وخرجت أريد القتال حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي يا حسن إلى أين مرة بعد أخرى فإن القاتل والمقتول في النار .قال علي : صدقت أفتدري من ذاك المنادي ؟ قال لا .قال : ذالك أخوك أبليس وصدقك أن القاتل والمقتول منهم في النار .فقال الحسن البصري : الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|