أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-03-2015
13931
التاريخ: 3-03-2015
2152
التاريخ: 3-03-2015
3448
التاريخ: 15-07-2015
3839
|
لقد لخص مؤرخو النحو دور أبي بكر محمد بن السري بن سهل بن السراج في هذه المرحلة بقولهم: (إن النحو كان مجنونا حتى عقله ابن السراج)(1).
و سنحاول أن نتبين ما ذا يعنون بهذا «الجنون» و ما هي الرقّى التي استخدمها ابن السراج حتى يثوب النحو إلى رشده.
إن المؤلفات النحوية التي كتبت قبل هذا العالم كانت على أربعة أنواع منها ما هو شامل للمعارف النحوية مثل كتاب سيبويه، غير أن ما يتسم به من تعقيد جعل الاستفادة منه في منته الصعوبة على الطلبة و الدارسين. و منها ما هو مقتصر على بعض الجوانب مثل تصريف المازني.
و النوع الثالث نجد فيه مسائل النحو متفرقة، بدون تنظيم أو ترتيب و ذلك في كتب معاني القرآن و مجازه و إعرابه، في مصنفات أبي عبيدة و الأخفش، و الفراء، و الزجاج.
و النوع الرابع، مسائل نحوية متفرقة في كتب الأمالي و المجالس مثل كتاب مجالس ثعلب و كامل المبرد.
و إن أول مؤلف حاول كاتبه أن يجمع فيه بين الشمول و السهولة و حسن التنظيم هو كتاب «المقتضب» للمبرد. فلماذا لم يقل المؤرخون إن المبرد هو الذي عقل النحو؟ و ليس من شك أن «المقتضب» مثّل محاولة جادة في الجمع بين الشمولية و الوضوح. غير أنه لم
ص156
يراع ترتيبا منهجيا، بل بقي في أبوابه كثير من التداخل مثل ما هو في كتاب سيبويه. فالذي امتاز به ابن السراج أنه جمع في أصوله عرضا شاملا للمسائل النحوية مع تنظيم منطقي و ترتيب منهجي، فوضح النسق الذي سار عليه النحويون من بعده. و في استعراض بعض أبواب الأصول نلمس جهده في هذا المجال، و نأخذ مثالين لذلك و هما المواضع التي لا يجوز فيها التقديم و باب الضرورات في الشعر:
المثال الأول: يقول ابن السراج يمنع التقديم في ثلاثة عشر موضعا، و هي:
1. الصلة على الموصول.
2. المضمر على الظاهر في اللفظ و المعنى إلا ما جاء منه على شريطة التفسير.
3. الصفة و ما اتصل بها على الموصوف و جميع توابع الأسماء.
4. المضاف إليه و ما اتصل به على المضاف.
5. ما عمل فيه حرف أو اتصل به لا يقدم على الحرف و ما شابهه من هذه الحروف مما اتصل بالفعل فنصب و رفع، فلا يقدم مرفوعها على منصوبها.
1886. الفاعل لا يقدم على الفعل.
7. الأفعال التي لا تنصرف لا يقدم عليها ما بعدها.
8. الصفات المشبهة بأسماء الفاعلين، و الصفات التي لا تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه.
9. الحروف التي لها صدر الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها.
10. ما عمل فيه معنى الفعل فلا يقدم المنصوب عليه.
11. و لا يقدم التمييز و ما بعد (إلا) .
12. حروف الاستثناء لا تعمل فيما قبلها.
13. العامل لا يقدم منصوبه على مرفوعه، و لا يفرق بين العامل و المعمول فيه بشيء لم يعمل فيه العامل إلا الاعتراضات.
المثال الثاني: هو باب الضرورة في الشعر الذي ختم به كتاب الأصول.
يقول ابن السراج: ضرورة الشاعر أن يضطر الوزن إلى حذف أو زيادة، أو تقديم أو تأخير في غير موضعه، و إبدال حرف، أو تغيير إعراب عن وجهه على التأويل، أو تأنيث مذكر على التأويل. و ليس للشاعر أن يحذف ما اتفق له و لا أن يزيد ما شاء، بل لذلك أصول يعمل عليها، فمنها ما يحسن أن يستعمل، و يقاس عليه و منها ما جاء كالشّاذ
ص157
و لكن الشاعر إذا فعل ذلك فلابد أن يكون قد ضارع شيئا بشيء و لكن التشبيه يختلف فمنه قريب و منه بعيد)(2).
ثم بيّن ابن السراج الضرورات الجائزة و قال إن أحسنها ما رد فيه الكلام إلى أصله، و مثل له بستة أمثلة:
أولا: صرف ما لا ينصرف: إذ أن أصل الأسماء الصرف و أعطى مثالا في قول النابغة:
و ممّن ولدوا عامر ذو الطّول و ذو العرض
فقال: إن «عامر» هنا اسم قبيلة، فيحتجون بقوله «ذو الطول» و لم يقل ذات فإنما رده للضرورة إلى الحي كما قيل:
ثم أورد ما قال المبرد في بيت بن قيس الرقيات الذي يقول فيه:
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم و ما بال تكليم الديّار البلاقع
ص158
ثانيا: إظهار التضعيف و قال إنه زيادة حركة إلا أنها حركة مقدرة في الأصل. نحو قول الشاعر:
ثالثا: تصحيح المعتل مثل قول ابن قيس الرقيات:
لا بارك اللّه في الغواني هل يصبحن إلا لهن مطلب
سادسا: تخفيف المشدد في القوافي، لأن الذي بقي يدل على أنه قد حذف منه مثله، لأن كل حرف مشدد فهو حرفان. فمن ذلك قول طرفة:
1. الزيادة و لها أربع صور:
كزيادة الياء في الجمع، مثل قول الفرزدق:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
ص159
ضخم يحب الخلق الأضخمّا
ربما أوفيت في علمترفعن ثوبي شمالات
فكيف أنا و انتحالي القوافي بعد المشيب كفى ذاك عارا
نحو قول أبي الأسود الدؤلي:
فلست بآتيه و لا أستطيعه و لاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
كنواح ريش حمامة نجدية ومسحت باللثتين عصف الإثمد
فحذف الياء من «نواحي» للإضافة كحذفها في التنوين، و حذفها للتعريف نحو قول الشاعر:
و أخو «الغوان» متى يشأ يصر منه و يصرن أعداء بعيد و داد
إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته أو أمتدحه فإن الناس قد علموا
ص160
ص161
د- ما حذف منه المنعوت و ذكر النعت، و هو عنده قبيح إلا أن يكون خاصا كالعاقل الذي لا يكون إلا في الناس. و من قبيح ما استعمل ضرورة قول الشاعر:
من اجلك يا التي تيمت قلبي و أنت بخيلة بالود عني
و منه قول الشاعر:
و من هذا الباب قولهم:
كقولنا: ضرب زيد عبد اللّه، لأنه لما قيل ضرب زيد علم أن له ضاربا، فكأنما قلت: ضربه عبد اللّه، و على هذا ينشد:
ليبك يزيد ضارع لخصومة و مختبط مما تطيح الطوائح
كقول عمر بن أبي ربيعة:
و يقول: «و قد يبلغون بالمعتل الأصل فيقولون رادد في راد، و ضننوا في ضنوا، و ذكر قول الشاعر: مهلا أعاذل قد جربت من خلقي. البيت (6).
و من العرب من يثقل الكلمة في الوقف، و قال رؤبة: ضخم يحب الخلق الأضخمّا (7).
و يحتملون قبح الكلام حتى يضعوه في غير موضعه لأنه مستقيم ليس فيه نقص فمن ذلك قوله:
ص163
صددت فأطولت الصدود و قلما وصال على طول الصدود يدوم
أما المبرد فقد نقل هذه الأحكام في أبواب مختلفة ففي باب ما بني من الأفعال اسما على فعيل، أو فعول أو فعال أو فعلل، و ما أشبه ذلك ذكر أن الشاعر إذا اضطر يرد الباب إلى أصله، مثل ردد في موضع رد، نحو: الأجلل و ضننوا، و ذكر صرف ما لا ينصرف. و أعرب بالرفع و الخفض ياء المنقوص، و ذكر الشواهد التي أوردها ابن السراج(11).
فهذا المقارنة أوضحت لنا كيف أسهم ابن السراج في تطوير المدرسة البصرية التي أعاد تنظيم قواعدها في نسق منهجي، إذ سلم كتابه من التداخل و التعقيد، و رتبه على أسس المعمولات، فبدأ بالمرفوعات، ثم المنصوبات ثم المجرورات، ثم التوابع، و بعدها استعرض التوابع، و نواصب الأفعال و جوازمها، و زاد بابا مستقلا في التقديم و التأخير. و انته بمسائل الصرف. و قد اعتمد في أصولها على مقتضب المبرد و على «الكتاب» الذي درسه بعناية خاصة و له عليه شرح لم يكن معروفا. و من ميزات ملاحظته على الكتاب التثبت من نصوصه فكانت عنده نسخة للمبرد و أخرى لثعلب، فاستطاع أن يقوم بعملية التحقيق و التصحيح، و يذكر المؤرخون له كتابا في علل النحو و لعل الزجاجي قد أفاد منه.
و انتماء ابن السراج إلى المدرسة البصرية لم يحل بينه و بين اجتهادات و آراء خاصة، و حرية الاختيار، إذ رأينا أنه يقف في بعض القضايا مع المبرد مخالفا لسيبويه، أما آراؤه
ص164
الاجتهادية فمنها: أن لما تأتي ظرفا بمعنى حين(12) و إن «إما» ليست حرف عطف(13) و أن ليس ليست فعلا(14)، و أن اسم الإشارة هو أعرف المعارف(15)، كما يستحسن صيغة «مررت برجل حسان قومه» لأن جمع التكسير يعرب كالمفرد(16)
و من أطرف تعليلاته، قوله إن صيغة التعجب فعل لأنك تقول «ما أحسنني» و لو كان اسما لكان مثل ضاربي، ألا ترى أنك لا تقول (ضاربني)(17) و أن «مع» اسم بدليل أنها متحركة و لو كانت حرفا لما جاز أن تحرك العين(18).
ص164
____________________
(1) المصدر نفسه، 6/ 2535.
(2) الأصول في النحو:3 / 435.
(3) الأصول في النحو:3 / 436-448.
(4) الأصول في النحو:3 / 450-477.
(5) كتاب سيبويه:1 /26-28.
(6) كتاب سيبويه:1 /29.
(7) كتاب سيبويه:1 /29.
(8) كتاب سيبويه:1 /31.
(9) كتاب سيبويه:1 /31-32.
(10) كتاب سيبويه:1 /32.
(11) المقتضب:1 /141-142-المغني:387.
(12) المغني:369.
(13) الأشباه و النظائر:2 /428.
(14) الأشباه و النظائر:5 /12.
(15) الإنصاف:708.
(16) الإنصاف:3 /200.
(17) الأصول النحوية:1 /101.
(18) الأصول النحوية:2 /212.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|