أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-03-2015
5940
التاريخ: 1-04-2015
15684
التاريخ: 23-03-2015
4497
التاريخ: 3-12-2019
4010
|
المشكلة الهومرية:
-1-
الشك في الأدب القديم، الذي أنشأته الأمم في جاهليتها وبداوتها، ظاهرة لا تقتصر على الشعر العربي وحده، ولكنها عامة تكاد تشمل الأدب القديم كله عند جميع الأمم التي كان لها أدب معروف مدروس. ولعل خير ما نمهد به بين يدي بحثنا هذا عن النحل والوضع في الشعر العربي الجاهلي أن نعرض في إيجاز الملامح الأساسية لجهود الدارسين الأوربيين الذين عنوا بدراسة الشعر الإغريقي القديم، وخاصة هومر وملحمتيه. ولسنا، في هذه الدراسة المقارنة، بدعًا بين الدارسين، فقد لجأ إليها الأوربيون أنفسهم حين تعرضوا لدراسة الشعر الإغريقي وهومر، وحاولوا أن يتلمسوا في آداب الأمم الأخرى ما يعينهم على المضي في سبيلهم وينير لهم بعض دياجيها(1). فنراهم يبحثون في شعر الأمم البدائية ونشأته وطرق حفظه وروايته، ويوازنون بين ملحمتي هومر والملحمتين السنسكريتيتين: المهابهارتا والرامايانا من جانب، والقصائد والأغاني الشعبية في العصور الوسطى عند الأمم الأوربية نفسها من جانب آخر، ثم يوازنون آخر الأمر بين ملحمتي هومر والملاحم الأوربية التي نظمت في عصور أكثر حضارة
(1/287)
وأوفر علمًا من عصر الإلياذة والأوديسة من مثل إنيادة فرجيل، والفردوس المفقود لملتون، من جانب ثالث.
ولم يعتسف جلة هؤلاء الدارسين سبيل تلك الموازنات اعتسافًا، وإنما صدروا عن بينة، وأقدموا على بصيرة، ومضوا يقظين متنبهين، مدركين أنهم بهذه الموازنات لا يصح أن ينخدعوا بالمشابه الظاهرة والوشائج الواضحة، بل لا بد لهم من أن يتنبهوا لوجوه الخلاف ومناحي الافتراق. فهم يوضحون، فيما يوضحون، الخلاف بين ملحمتي هومر والملحمتين الهنديتين في الوحدة والاتساق اللذين ينتظمان الأوليين ويفتقدان في الأخريين، والخلاف بين ملحمتي هومر والأغاني الشعبية في الخطة والنسق والنظام، والخلاف بينهما وبين الملاحم التالية في مظاهر العصر وما يتبع هذه المظاهر من مصادر علمية وفنية نهل منها شعراء الملاحم التالية وتأثروا بها، ولم ينل منها ناظم الإلياذة والأودية نصيبًا. وهؤلاء الدارسون يرتبون على هذا الخلاف والافتراق من النتائج ما يعصمهم في أحيان كثيرة من الانخداع بما للتشابه الظاهري من بريق مُغرٍ. ومع هذه الحيطة والحذر البالغين نرى دارسًا من ثقات المتخصصين في دراسة هومر لعهدنا هذا، هو الأستاذ سيسيل موريس باورا، يعتذر لنفسه بقوله(2): "إن المقابلة واستخراج وجوه الشبه بين الأشياء وسيلة موحية ملهمة ولكنها خادعة مضللة، وأنا مدرك أنها قد تكون خدعتني وضللتني".
وبعد، فسأعرض في هذه الصفحات بعض وجوه الشبه بين الشعر العربي الجاهلي والشعر الإغريقي القديم، وسأخلص من هذا العرض الموجز إلى الحديث عن ثلاث نقاط تتصل اتصالًا وثيقًا بما قدمت وما سأقدم من حديث عن الشعر الجاهلي ومصادره. أولاها: من نظم الإلياذة والأوديسة وصحة نسبتهما إلى هومر؟ والثانية: وسيلة حفظ الشعر الهومري، أكانت الرواية الشفهية أم الكتابة؟
(1/288)
والثالثة: المدارس اللغوية القديمة التي درست شعر هومر ونقدته بعد أن جمعته ودونته.
أما التشابه بين الشعر الجاهلي والشعر الإغريقي، في ملامحهما العامة وأوائل تطورهما ووسائل تحملهما وتاريخ العناية بهما ودراستهما عند القدماء، فتشابه قد اتضحت صورته في نفسي منذ أن اتصلت، شيئًا ما، بالشعر الإغريقي وتتبعت قدرًا صالحًا مما كتبه الدارسون عنه. وأراني في حل من بسط القول بسطًا يستقصي الأمور ويلم أطرافها ويحتاط لمزالقها في هذا الموضوع، ما دمت سأعرض للأمر من أصوله العامة وأتجنب الخوض في فروعه ودقائقه، وما دمت متخذًا من هذا التشابه مدخلًا لبيان النقاط الثلاثة التي ذكرتها دون تحميله من النتائج ما يتجاوز ذلك.
1- فالشعر الجاهلي وشعر هومر هما أقدم شعر وصل إلينا من العرب والإغريق، وهما على ذلك- ليسا أول شعر قالته هاتان الأمتان؛ بل لقد سبقتهما مراحل تطور فيها الشعر حتى استوى في هذه الصورة التي وصلت إلينا. غير أن هذا الشعر المبكر عند العرب واليونان معًا قد ضاع ولم يحفظ لنا منه شيء قائم بنفسه منفصل عن غيره. ومع ذلك فإننا نستطيع أن نعرف وجود هذه المراحل السابقة من أمرين، أولهما: أن هذه الصور الشعرية التي وصلت إلينا صور فنية كاملة، متسقة، تامة التكوين، سوية البناء، ثابتة الأسس، حتى لقد أصبحت، بعد، نماذج فنية تحاكى وتحتذى ويتحذ منها عمود للشعر يحرص على التزامه شعراء العصور التالية في البيئات المتعددة التي صارت أزهى حضارة وأرقى ثقافة وأغزر معرفة. وليس يصح في الأفهام أن تنبت هذه الصورة الكاملة السوية من العدم، أو تقوم من الفراغ، أو تولد فجأة يافعة تامة التكوين. وثانيهما: أن في كلا الشعرين إشارات واضحة حينًا ومبهمة أحيانًا إلى شعراء سابقين لا نكاد نعرف عنهم شيئًا(3).
(1/289)
2- والشبه كبير بين الشعرين العربي الجاهلي والهومري في الصفات العامة للتعبير الشعري، فهما يتسمان بالنضارة والغضارة والبساطة، وبالفتنة التي نعزوها إلى "طفولة العالم" عند اليونان، و"سذاجة البداوة" عند العرب. ومع ذلك فما أشبه الشعر الجاهلي العربي بالشعر الهومري الذي "تعالى عن خشونة الشكل، وتجنب الصراع الناشب بين المعنى واللفظ، وارتفع عن الحوشي المبتذل من أساليب القول، واستطاع أن يحتفظ بمستواه الرفيع حفظًا متزنًا، وبذلك تجنب هذه الخصائص التي يتصف بها الأدب في عصره البدائي. وهذه الميزات العامة هي التي يصفها ماثيو أرنولد -في محاضراته الممتازة عن ترجمة هومر- حيث يقول: إن لأسلوب هومر أربع مزايا كبرى: فهو منساب متدفق، سهل ميسور في فكرته، واضح في خياله، ونبيل سامٍ"(4).
ولقد اختلف العلماء من دارسي الأدب في تدوين هذين الشعرين:3-
الجاهلي العربي والهومري الإغريقي. فذهب فريق منهم إلى أنهما لم يكتبا منذ أن نُظما، بل بقيا محفوظين في صدور الرجال ترويهما الأجيال المتعاقبة وينشدهما الأفراد في المجالس والمحافل قرونًا طوالًا قاربت الثلاثة عند العرب وأربت على ذلك عند الإغريق. وذهب فريق آخر منهم إلى أن هذا الشعر قد كتب منذ أن قاله شعراء العرب في الجاهلية وهومر عند اليونان. أما تفصيل هذا الأمر عند العرب فقد بسطنا فيه القول في الفصول المتقدمة وسنعود إليه في مواطن متفرقة فيما سيلقانا من صفحات. وأما تفصيله عند اليونان فهو ما سنوضحه بعد قليل.
(1/290)
4- والشعران الجاهلي العربي والهومري مصدران تاريخيان من مصادر الحياة الجاهلية عند هاتين الأمتين؛ بل ربما كانا -حتى الآن- المصدرين الأساسيين اللذين يعتمد الدارس عليهما في فهم هذه الحياة -في كثير من جوانبها- فهمًا متصلًا متسقًا. وجل الأخبار التاريخية والأدبية التي نقلها الرواة إنما كانت تدور حول هذا الشعر: تفسره وتشرح ما يتضمنه من حوادث، وتترجم لمن يشير إليه من أشخاص. وقد لجأ القدامى أنفسهم إلى الشعر العربي الجاهلي يستنطقونه ويستنبطون منه توضيح بعض جوانب الحياة في الجاهلية، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما فعله ابن قتيبة في كتابه "الميسر والقداح"، وما فعله أبو طالب المفضل بن سلمة في كتابه "الملاهي وأسماؤها". وأما الشعر الهومري فهو أيضًا أو سجل يعرض صورة واضحة نابضة بالحياة للحضارة الآرية، ولقد كادت فترة طويلة من الحياة الهيلينية المبكرة تكون لولاه نسيًا منسيًّا، ولكنها الآن بفضله تبدو متصلة بالعصر الهيليني التالي في نسف متدرج مستمر(5).
5- وكان الفضل الأول، في جمع الشعرين الجاهلي العربي والهومري وتدوينهما ونقدهما، لمدرستين لغويتين أدبيتين؛ قامت أولاهما في الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد، فجمعت ما استطاعت العثور عليه من مخطوطات الإلياذة والأوديسة، وقابلت بينها، وأثبتت القراءات المختلفة للنص الشعري، وعلقت عليه كثيرًا من التعليقات والشروح، ثم تابعتها بعد ذلك مدينة برجامس.
وقامت ثانيتهما في البصرة والكوفة منذ منتصف القرن الثاني الهجري، فصنعت بالشعر الجاهلي صنيع أختها بالشعر الهومري. وعلى ما أرسته هاتان المدرستان من أسس، ووضعته من قواعد، قام البناء الشامخ لدراسة الشعر الهومري والشعر الجاهلي العربي بعد ذلك.
ولم يقتصر عمل هاتين المدرستين على الجمع والتدوين والشرح والتعليق.6-
(1/291)
وإنما تعدى ذلك كله إلى النقد الدقيق القائم على الفهم العميق لطبيعة كل من الشعرين واستشفاف روح، والتنبه لما تسرب إليه من دخيل منحول وزائف مصنوع. ونبتت في نقد هاتين المدرستين ويقظتهما الواعية الجذور الأول التي أخذت تنمو وتعمق حتى بلغت مداها في القرن الثامن عشر عند الألمان، واكتملت صورتها عند ولف في كتابه "المقدمة Prolegomena"، ونشأ منها ما يعرف في النقد الحديث "بالمشكلة الهومرية Homeric Question"؛ وتأثرها -فيما يبدو- دارسو الشعر الجاهلي من المحدثين، معتمدين على ما تنبه له القدامى من مدرسة البصرة والكوفة، فقامت عندهم منذ مطلع القرن العشرين مشكلة أخرى عُرِفت باسم "نحل الشعر الجاهلي"، بدأها المستشرق الإنجليزي مرجليوث، واكتملت صورتها عند الأستاذ الدكتور طه حسين. وسنعود بعد قليل إلى بسط الحديث في هاتين النقطتين الأخيرتين.
أو ليس إذن من المفيد حقًّا -بعد أن عرضنا هذه الوجوه الكثيرة للتشابه القريب بين الشعرين- أن نستبين جهود الدارسين من العلماء الأوربيين الذين بحثوا في الشعر الهومري؟ وأن نعرف، على وجه التخصيص، ما وصلوا إليه من أمر النقاط الثلاث التي قدمنا الإشارة إليها، وهي: مَنْ نظم الإلياذة والأوديسة وصحة نسبتهما إلى هومر؛ ووسيلة حفظ الشعر الهومري: أكانت الرواية الشفهية أم الكتابة؛ ثم المدارس اللغوية القديمة التي درست شعر هومر ونقدته بعد أن جمعته ودونته؟
-2-
أما من الذي نظم الملحمتين الهومريتين(6) فموضوع لم يصل الدارسون له،
(1/292)
برغم ما بذلوا من جهد خصب، إلى نتيجة يستقرون عندها، ويبدو أنهم لن يصلوا مهما يبذلوا من جهد، وستبقى الآراء مختلفة متشعبة لا تتوحد ولا تكاد، وستظل الأدلة التي يقدمها الدارسون افتراضية ترجيحية لا ترقى إلى مرتبة القطع واليقين. وتدور هذه الآراء حول عدة افتراضات؛ منها:
أ- وحدة التأليف:
فقد ظل الدارسون قرونًا طوالًا يعتقدون اعتقادًا لا شك فيه بوجود شاعر اسمه هومر، وأنه هو الذي نظم الإلياذة والأوديسة لا ينازعه في نسبتهما إليه منازع. ولم يكن اليونان وحدهم في القرون الخمسة التي سبقت الميلاد -وهي القرون التي وصلتنا منها آثار أدبية مكتوبة- يذهبون مثل هذا المذهب، بل شاركهم فيه الدارسون بعد الميلاد قرونًا طويلة حتى القرن الثامن عشر الميلادي. ومع هذا فقد كانت شخصية هومر عندهم غائمة تغشيها أساطير متضاربة(7). وحقًّا قد وجد نفر قليل من الشاكين غير أن أثرهم كان ضئيلًا محدودًا ولم يتبعهم أحد. وكل ما نعرفه عن هؤلاء الشاكين إشارات عابرة إلى آرائهم موجودة في حواشي نسخة البندقية من الإلياذة Codex Venetus؛ ويستخلص من هذه الإشارات العابرة إلى آرائهم أنهم كانوا يذهبون إلى أن القصيدتين من نظم شعراء مختلفين وفي عهود متعاقبة. ولكن الرأي السابق هو الرأي العرفي التقليدي الذي كان سائدًا عامًّا، حتى إن سويداس Suidas في نحو سنة 1100م كان لا يزال يرى أن الإلياذة والأوديسة نظمهما هومر دون نزاع؛ بل إن بنتلي Bentley في مطلع القرن الثامن عشر كان يذهب إلى أن شاعرًا كان يسمى هومر عاش في نحو 1050 ق. م كتب الإلياذة والأوديسة كلتيهما(8).
والحق أن فكرة وجود شاعر واحد تاريخي اسمه هومر نظم الإلياذة قد بقيت
(1/293)
خلال العصور على الرغم من أبحاث الناقدين المتشككين. فنحن نجد عالمًا معاصرًا في القرن العشرين من الثقات المختصين بهومر والشعر الإغريقي يذهب هذا المذهب فيقول(9): "ويبدو من المحتمل أنه كان ثمة شاعر مفرد اسمه هومر صاغ الإلياذة في صورتها النهائية الأخيرة ووحدتها الفنية، ولكنه كان يعمل وفاقًا لأسلوب موروث متواضع عليه ومادة تتناقل وتتوارث". ويقول في موطن آخر من كتابه(10): "غير أننا إذ ندعي أن تقسيم الإلياذة إلى نتاج مؤلفين مختلفين أمر مستحيل سنتخذ الأدلة التي عثر عليها النقاد لهدف مختلف عن ذلك كل الاختلاف، هو: تفسير بعض الخصائص الواضحة على أساس افتراضنا أنها جميعها ترجع إلى شاعر فرد يستخدم موضوعات ومواد جاهزة بأسلوب وطريقة يمليها التراث الموروث الذي أصبح هو وريثه". ثم يقول بعد صفحات(11): "لقد نمت الإلياذة وربما كان نموها وفقًا للخطوط التي بيناها في هذا الكتاب. وكان من الجائز أن ينتهي مثل هذا التطور والنمو إلى فوضى واضطراب، كما حدث في المهابهارتا، لو تعهدته يد غير صناع، ولكن الملحمة في زيونيا كانت أسعد حظًّا، فقد وجدت في هومر شاعرًا له من الموهبة ما جعله يتناول المواد الموروثة ويجعلها ملكه، فوسعها وطورها، وأضفى عليها تفردًا في الأسلوب والفكرة، فحول المواد المتضاربة إلى قصيدة واحدة، وقد بلغ عمله من النجاح مرتبة عالية بحيث انتهت حقًّا الملحمة الإغريقية بها. وقد نظم بعده بمدةٍ طويلة شعراء آخرون ملاحم، ولكنهم صاغوا على منواله، وكان هو الذي ثبت أسلوبهم وأرسى قواعده، فعمله بعيد عن أن يكون جمعًا. لقد استخدم المناهج والقصص المتوارثة ولكنه أخضعها لغايته الفنية، وفرض شخصيته الخاصة عليها، وكانت نتيجة ذلك الإلياذة".
(1/294)
(12)"ب وجـ" ثنائية التأليف وتعدد التأليف:
وقد آثرنا أن نجمع هذين الافتراضين معًا لتداخلهما وتشابكهما وصعوبة الفصل بينهما كما سيبدو بعد قليل. لقد ذكرنا آنفًا أنه كانت ثمة نظريتان عن القصيدتين الهومريتين، ولكن إحداهما كانت قد اندثرت في الواقع، فسادت النظرية التقليدية بلا منازع خلال العصور حتى القرن الثامن عشر الميلادي، حينما قام فردريك أوغست ولف F.A. Wolf في ألمانيا ودرس القصيدتين دراسة نقدية دقيقة، وأخرج سنة 1795 كتابه "المقدمة prolegomena"1 عرض فيه نظريته الشهيرة(13). وبالرغم من منزلة ولف في عالم الدراسات القديمة الكلاسيكية، وبالرغم من شهرة نظريته وذيوع صيتها، فقد ذهب العلماء في فهمها ودرسها مذاهب مختلفة، بل إن تلامذة ولف حين أخذوا يوسعون نظريته ويفصلون ما أجمل، اختلفوا فيما بينهم وسلكوا طريقين متباينين بل طرائق متعددة. فالدكتور ر. س. جب يورد لنا الأسس التي حاكم عيها ولف القصيدتين، ثم يصف لنا هذه النظرية بقوله(14): "ومع ذلك فقد كان ولف أبعد ما يكون عن إنكار وجود شخص هومر، فهو يفرض أن شاعرًا ذا موهبة ممتازة، ويسميه في أكثر الأحيان هومر، "بدأ نسج القماش واستمر فيه إلى أمد معلوم"، بل ذهب إلى أكثر من ذلك حينما قال: "نسج هومر القسم الأكبر" من الأغاني التي جمعت بعد في الإلياذة والأوديسة. هذا ما قاله ولف في كتابه المقدمة بل لقد قال هذا القول في صورة أوكد في مقدمة طبعته للإلياذة التي طبعت في نحو الوقت نفسه. قال: "لا ريب
(1/295)
أن النسج قد بدئ به في الإلياذة والأوديسة على السواء، وقد استمر في ذلك إلى أمد معين، وقام بذلك الشاعر الذي فكر في هذا الأمر ابتداءً. وقد يكون من المستحيل أن نبين، ولو بالفرض الممكن، الحدود الدقيقة التي تبدأ عندها الخيوط الجديدة والزيادات الدخيلة؛ ولكن هذا سيثبت على الأقل -إن لم يجانبني الصواب- أنه لا بد لنا من أن ننسب إلى هومر وحده القسم الأكبر من الأغاني، وأن ننسب الباقي إلى جماعة الهومريين الذين اقتفوا أثره".
بينما نجد الدكتور وليم د. جديس william D.Geddes يصف لنا نظرية ولف وصفًا يُفْهَم منه ما يختلف عن وصف جب، قال جديس(15): "أثار ولف أولًا هذا السؤال: أهومر واحد أو حتى هومران اثنان كافيان لخلق القصيدتين الهومريتين؟ أو لسنا بحاجة إلى مجموعة من الهومريين ننسب إليهم قصيدتين في مثل هذا الاتساع في عصر بدائي؟ ومن هنا قدم نظريته الشهيرة في "المقدمة" وهي أن هومر لم يكن شاعرًا واحدًا، كما يرى العرفيون أو التقليديون، ولم يكن كذلك شاعرين اثنين، ولكنه كان اسمًا تاريخيًّا يطلق للدلالة على الجهد أو النشاط الشعري في العصر الملحمي المبكر، ويشمل مجموعة من الشعراء لا شاعرًا فردًا".
ومن هنا نستطيع أن نستبين صدق وصف جب لنظرية ولف بالمرونة في قوله(16): "إن الأثر الدائم لعمل ولف لا يعود إلى القوة التي صيغت بها نظريته حسب، بل أيضًا إلى مهارته في الهروب من جعلها دقيقة محكمة. إن إحساسه الأدبي الذي أدرك المزايا الداخلية التي جعلت كل ملحمة وحدة عامة، خفف من حدة استخدامه للأدلة والمناقشات الخارجية. فهو لم يحاول أن يحدد تحديدًا دقيقًا القدر الذي نظمه الشاعر الأصلي، وأين يبدأ عمل الشعراء
(1/296)
الآخرين، وكيف يختلفون. ومن هنا كانت لفظة "الولفية" مرنة مطاطة تشتمل على ظلال آراء مختلفة متعددة. لقد طُبقت أحيانًا في أضيق الآماد، وأحيانًا أخرى في أوسعها وأرحبها. إن النظرية الولفية الخاصة المميزة لا تعدو أن تكون ما يأتي: إن القصائد الهومرية جمعت، في بداية العصر الأدبي عند الإغريق، من أغانٍ وأناشيدَ قصيرةٍ غير مكتوبة تحدرت من عهد بدائي. أما كم من هذه الأغاني القصيرة نحس أنها من نظم شاعر واحد فأمر ثانوي فرعي. إن رأي ولف، كما رأينا، هو أن الشاعر الذي بدأ مجموعة الأغاني قد نظم أكثرها أيضًا، وأن الشعراء التالين له واصلوا السير في حدود الخطوط العامة لعمله". ثم يقول جب: "لقد اتجهت التطورات الأصيلة لنظرية ولف في اتجاهين عامين:
أحدهما إظهار أثر الشاعر الأول من مجموعة الشعراء أقل مما صوره ولف، ويمثل هذا الاتجاه لاخمان Lachmann. وأما الثاني فإظهار أثره أقوى وأشد، ويمثل هذا الاتجاه هرمان Hermann".
أما لاخمان فقد "قسم الإلياذة إلى ثماني عشرة أغنية منفصلة. ويشيع في نفوسنا الشك، ويوحي إلينا أنها تعزَى إلى ثمانية عشر ناظمًا. وأيًّا كان الأمر فهو يرى أن كل واحدة من هذه الأغاني كانت في أصلها مستقلة استقلالًا ما عن الأخريات. وميزانه الرئيسي هو تناقض التفصيلات والجزئيات ... ثم يؤكد أيضًا أن كثيرًا من الأغاني تختلف اختلافًا كاملًا في روحها العامة".
وأما هرمان فقد طور نظرية ولف بما يتفق مع روح ولف. ويدرك هرمان صعوبة واحدة تركها ولف غير مفسرة، فقد قال ولف: "إن نسج القماش الهومري قد بدأه الشاعر الأول الرئيسي الذي واصله إلى حد معلوم، ثم أتمه آخرون". ولكن لماذا لم يواصلوه إلا في هذه الحدود الضيقة؟ ولماذا حصروا أنفسهم في نطاق أيام معدودات من حصار طروادة؟ ولماذا لم يغنوا لعودة بطل آخر غير أوديسوس؟ يجيب هرمان عن ذلك بقوله: لأن الشاعر البدائي العظيم "هومر" لم يكتف بأن يواصل نسج الخيط إلى حد معلوم، بل رسم التخطيط العام
(1/297)
لإلياذتنا والتخطيط العام لأوديستنا، مستخدمًا المواد الأولى أوسع استخدام.
ولم يكن عمل التالين أن يواصلوا نسج خيط في النسيج، بل أن يتموا التخطيط داخل نطاق ثابت معلوم.
فنحن نرى إذن أن الفكرة الأساسية التي شاعت عند ولف والمولفيين الحقيقيين مثل لاخمان وهرمان هي أن هومر كان شاعرًا بدائيًّا نظم أغاني قصيرة غير مكتوبة ذات وحدة مترابطة، ولكنها لم تبلغ منزلة الملحمة الكاملة، حتى جاء بعده من أتمها وأوصلها إلى منزلة الملحمة. وقد كان لهذه النظرية رد فعل، فقام من العلماء الدارسين من ذهب مذهبًا يختلف في جوهره عن مذهب ولف وتلاميذه، وهو يعتمد في أساسه على أن هومرليس مغنيًا بدائيًّا وإنما هو ذلك الفنان الشاعر العظيم الذي جاء بعد عهد الأغاني القصيرة فصاغ ملحمة ذات آماد واسعة، فهو بذلك منشئ ما يسمَّى بـ Epopee. وسنشير إلى ثلاثة ممن ذهبوا هذا المذهب في جوهره وإن اختلفوا في بعض أجزائه. أولهم(17): نيتش G.W. Nitzsch وهو يرى أن قصائد Cyclic Epics التي انحدرت إلينا من القرنين السابع والثامن قبل الميلاد توحي بأن الإلياذة والأوديسة بمعالمهما الحاضرة وصورتهما قد سبقتا هذه القصائد، وأن هذه القصائد قصد منها أن تكون ملاحق أو مقدمات تمهيدية للقصيدتين الهومريتين. ويقول نيتش عن هومر: "إنني أعني بهومر ذلك الرجل الذي ارتقى بتلك الأغاني القصيرة المتعددة التي نظمها الشعراء المغنون القدامى عن الحرب الطروادية، وصاغ الإلياذة التي كانت في أصلها تتحدث عن "مجلس زيوس" حسب فجعلها الإلياذة التي نعرفها والتي تقص قصة "غضب أخيل" وهكذا يرى نيتش أن هومر شاعر قديم جدًّا، وهو جدير بأن تؤرخ به بداية عصر. وأنه وجد عددًا من الأغاني القصيرة عن طروادة، فأتم عملًا ذا صبغة جديدة، وذلك بأن أقام -مستعينًا بهذه الأغاني- ملحمة كبيرة تقص غضب أخيل. وقد حدثت بعد ذلك تغييرات ومنحولات
(1/298)
فرعية، غير أن الإلياذة التي نعرفها في أغلبها نظم شاعر واحد، والأوديسة التي نعرفها ربما نظمها الشاعر نفسه؛ وأن هاتين القصيدتين قد استقرت صورتهما الحاضرة -في جوهرها- قبل سنة 800 ق. م بزمن غير قصير.
وثانيهم: جروت Grote وهو متفق مع نيتش في جوهر رأيه القائم على أن هومر ينتمي إلى الطور الثاني من أطوار الشعر البطولي لا إلى الطور الأول، أي أنه ناظم ملحمة كبيرة لا قصائد بدائية ذات أغان قصيرة. غير أنه يرى أن الإلياذة التي بين أيدينا خرجت عن نطاق القصيدة الكبيرة كما نظمت في الأصل وزادت عليه. لقد كانت تلك القصيدة الأولى عن غضب أخيل، ولذلك فقد كانت أخيلية An Achilleid، ثم عمد شاعر آخر أو شعراء إلى تحويلها إلى قصيدة تقص قصة الحرب الطروادية عامة، فصارت الإلياذة. لقد أضفت إليها قصائد غنائية كاملة لا علاقة لها بالأخيلية الصرفة ولكنها تعترضها أو تطيلها.
والثالث: جديس William D. Geddes وقد ألف كتابًا(18) "يشتمل على بحث واسع شامل في قصيدتي هومر العظيمتين، والهدف منه أن نوضح، من الأدلة والبراهين الداخلية وحدها، علاقة كل من القصيدتين بالأخرى وترابطهما إن استطعنا". ثم يقول جديس: "وقد انتهى بي البحث -بطريق الأدلة وحدها غير متحيز لآراء سابقة- إلى أن أقبل رأي جروت Grote في بناء الإلياذة المركب "الثنائي"، فهو الرأي العلمي الوحيد الذي ينال قبولًا. ففي تلك القصيدة تأليف مزدوج "ثنائي"، والأخيلية Achilleid في الإلياذة هي النواة، وقد نظمها شاعر آخر غير الشاعر الذي نظم القشور التي تحيط بها، وأعتقد أن الحقائق تشير إلى هذا الرأي في وضوح وبيان. وإني أبيح لنفسي أن أزعم أني قد قدمت أدلة جديدة تثبت صحة رأي جروت ونفاذ بصيرته في النقد. وقد تتبعت هذا الموضوع بعد المرحلة الابتدائية التي خلفه فيها جروت، ووجدت اتصالًا
(1/299)
وثيقًا بين الأوديسة والأجزاء غير الأخيلية من الإلياذة، ووجدت أن الأدلة تتجه اتجاهًا ملحوظًا إلى ربطهما كليهما بهومر الواحد الشخصي الذي تذكره الروايات.
وربما كان خير ما نعقب به على هذه الآراء المتباينة والنظريات المتضاربة ما أورده جديس نفسه في كتابه بعد أن عرض وجوه الرأي المختلفة قال(19):
"يبدو لنا من هذا العرض العام للميدان أن معركة النقد كانت سجالًا، وما زالت الجيوش في المعسكرات عاجزة عن استدراج خصومهم من خنادقهم. فنحن نرى، من جانب، صفًّا من النقاد يدعون وحدة التأليف، ويرون أن الاختلافات والفروق إنما هي شكلية خارجية عارضة يسهل تفسيرها وإرجاعها إلى وسيلة النقل والرواية، وهي لذلك ليست جوهرية. ونرى، من جانب آخر، صفًّا معاديًا من النقاد مساوين لخصومهم في العلم والحذق، وأكثرهم في ألمانيا، يتجهون إلى تعدد التأليف، فكل قصيدة -كما يرون- مجموعة ملفقة ليس فيها ترابط أصيل، فالفروق والاختلافات إذن جوهرية لا يمكن اجتنابها. وفي مكان سُوى بين هذين، وتحت وابل رصاصهما كليهما، يقف صف مشرد ضال شيئًا ما، هو صف الانفصاليين الذين يرون أن كل قصيدة مفردة ذات وحدة ولها ناظم غير ناظم الأخرى. والداعون إلى الوحدة في الأصل والتأليف يعارضون الولفيين الداعين إلى تعدد الأصل والتأليف، بينما يتلقى الداعون إلى ازدواج الأصل والتأليف "الثنائية" الهجوم منهما كليهما ... وكلما مضى المرء في تتبع دراسات العلماء عن القصيدتين الهومريتين، وأمعن في الغوص في أعماق أجزاء الدراسة وتفصيلاتها، لم يسعه إلا أن يتذكر رأي سنيكا seneca الذي أعلنه منذ عشرين قرنًا حين رأى النقاد يتدارسون هاتين القصيدتين ويبحثون أصلهما وتأليفهما، فقد كان يرى أن هذه الدراسة أمر يتطلب حذقًا ومهارة ولكنه حذق غير منتج ومهارة غير مجدية(20).
(1/300)
-3-
وسيلة حفظ الشعر الهومري: الرواية الشفهية أم الكتابة؟
وقد اختلف الدارسون في هذا الموضوع كما اختلفوا في سابقه، وإن كانت شقة الخلاف هنا بطبيعتها أضيق. فقد ذهب بعضهم إلى أن القصيدتين الهومريتين لم تدونا إلا بعد نظمهما بقرون طويلة، بينما ذهب فريق آخر إلى أنهما دونتا منذ أن نظمتا. فمن الفريق الأول: يوسيفوس Josephus -في القرن الأول الميلادي- وهو أقدم من نعرف ممن ذهب هذا المذهب فقد قال(21): "لا يمكن أن يكون الإغريق قد عرفوا في حرب طروادة هذا الاستعمال الحديث للكتابة الهجائية. ولم يكن للإغريق أدب قبل هومر، وهومر عاش بعد الحرب.
ويقولون إنه حتى هومر نفسه لم يدون شعره كتابة، ولكن هذا الشعر كان ينتقل بالرواية الشفهية، ثم جمع جمعًا من الأغاني المبعثرة؛ ومن هنا نشأت هذه الفروق التي تبدو لنا".
ومن هذا الفريق أيضًا روبرت وود(22) Robert Wood -في القرن الثامن عشر- وله كتاب: Essay on the Original Genius Of Homer. وقد بحث في أحد فصول كتابة هذا معرفة هومر للكتابة. وقد خلص من بحثه إلى أنه لم يكن يعرفها. ووود هو أول من بحث هذا الموضوع بحثًا نقديًّا. وقد قرأ ولف في عهد طلبه العلم في جوتنجن مقال وود، وهو يشير إليه في مقدمته التمهيدية prolegomena مثنيًا عليه. وكان لهذا المقال أكبر الأثر في ولف، بل لقد صار رأي وود في الكتابة مفتاح نظرية ولف.
(1/301)
وثالث هذه الفريق هو رأس النقاد: ولف F.A. Wolf. "المولود سنة 1759"(23)
فقد ذهب في كتابه "المقدمة" إلى أن القصيدتين الهومريتين قد نُظمتا من غير معونة الكتابة، إذ أن اليونانيين كانوا حتى عام 950 ق. م يجهلون الكتابة جهلًا تامًّا، أو أنهم لم يستخدموها لتقييد الأعمال الأدبية. وهو يرى أن القصيدتين قد نُقلتا في خلال قرون طويلة بالرواية الشفهية، فتعاورتهما تغييرات كثيرة عمد إلى بعضها الرواة عمدًا وجاء بعضها مصادفة، وأنهما لم تدونا إلا في نحو سنة 550 ق. م.
أما الفريق الثاني الذي ذهب إلي ترجيح تدوين القصيدتين منذ عهد قديم وربما منذ نظمهما، فأقدم رجاله: ديودور الصقلي في القرن الأول قبل الميلاد.
فهو يرى أن الشعراء الذين سبقوا هومر قد عرفوا الكتابة واستخدموها في كتابة أشعارهم(24)؛ ويقول إن الشاعر لينوس Linus -وهو الذي اكتشف الأوزان الموسيقية والنغمات- كان أول من أدخل الحروف الهجائية الفينيقية إلى اليونان، وأن هذا الشاعر كتب بهذه الحروف أعمال ديونيس والأساطير الأخرى، وبهذه الحروف نفسها كتب أورفيوس وبرونابيدس وهو أستاذ هومر ...
ومن هذا الفريق أيضًا نيتش(25) G.W. Nitzach وهو يمثل أول رد فعل ذي أثر ضد النظرية الولفية، فقد أظهر أن استخدام الإغريق للكتابة كان أقدم مما ادعى ولف، وأنها قد تكون استخدمت لتعين الحافظة قبل أن يكون هناك جمهور قارئ بوقت طويل.
وثالث هذه الطائفة: كرايست(26) W. Christ الذي يذهب إلى أن الإلياذة قد كتبت قبل عهد بيزيزتراتوس ولكنها لم تدون مجموعة كاملة، بل كتبت في
(1/302)
صورة هذه الأغاني المنفصلة، وبعناوين وأسماء منفصلة مختلفة، وبيزيزتراتوس هو أول من جعل هذه المجموعة تدون في صورة كل موحد منظم.
وممن يصح أن يكون من هذا الفريق عالمان حديثان لا يقطعان قطع اليقين في هذا الموضوع ولكنهما يعرضانه عرضًا شاملًا لوجوه النظر المختلفة في حيطة وحذر، ثم يخلصان إلى ترجيح كتابة القصيدتين منذ أقدم العهود. أولهما الدكتور جب(27) R,C. Jebb. وسنبسط رأيه بعض البسط إذ إنه يعرض لوجوه من الرأي ذات قيمة كبيرة في بحثنا الأصلي عن الشعر الجاهلي. يرى جب أن الفرض الأساسي في نظرية ولف هو إنكار أن الكتابة الأدبية كانت محتملة الوجود عند الإغريق في نحو سنة 950 ق. م. ثم يقول: ومهما يكن من أمر فإن هذا الفرض ليس ثابتًا مؤكدًا كما اعتقد ولف، وجدير بالعناية أن نلحظ النقاط التالية:
1- حقًّا إن الشواهد الباقية من النقوش لا ترجع إلى أقدم من القرن السابع قبل الميلاد، غير أنه لا يصح أن نزعم أن استخدام الكتابة على الآثار والنصب سبق استخدامها في الشئون العادية. بل إن الفرض المضاد أقرب إلى الصواب.
وإذا كانت الكتابة الإغريقية على أقدم أنواع الرخام الباقي غير متقنة فإن ذلك لا يدل بالضرورة على أن الإغريق لم يكونوا حينذاك يعرفون فن الكتابة، بل يدل على أنهم لم يكونوا قد حذقوا نقش الحروف في الحجارة، وقد يكونون -قبل ذلك بزمن طويل- قد حذقوا الكتابة على مواد ألين وأطرى وأسرع إلى الفناء والضياع: كأوراق الأشجار والرق والخشب والشمع.
2-إن التبادل التجاري بين الإغريق والفينيقيين -ومنهم اقتبس الإغريق حروف الهجاء لا بد أنه كان شائعًا منذ نحو 1100 قبل الميلاد، بل قبل ذلك. والفينيقيون -كما يشهد يوسيفوس- قد استخدموا فن الكتابة منذ أقدم الأزمنة لا لتسجيل أعمالهم العامة حسب بل أيضًا في شئون حياتهم اليومية. وإنه
(1/303)
ليكون عجيبًا لو أن شعبًا له من سرعة الخاطر ما لليونان -في تقدمه وسبقه في جميع ضروب الحضارة- قد تأخر عن اقتباس هذا المثل إلى زمن متأخر نسبيًّا في تطوره وتقدمه -أي إلى القرن السابع قبل الميلاد.
ونحن نعلم أيضًا أن قصائد بطولية طويلة -بعضها معروف باسم cyclic- 3- لم يتح لها من الانتشار ما أتيح لهومر، قد نُقلت إلينا من القرن الثامن قبل الميلاد. ومن غير المحتمل أن تكون هذه القصائد المجهولة نسبيًّا قد حُفظت من غير عون الكتابة. ومن هذه القصائد: The cypria المنسوبة إلى The Aethiopis و stasinus المنسوبة إلى Arctinus ومن المؤكد أن الشاعر Archilochus وشعراء القرن السابع ق. م الآخرين قد استخدموا الكتابة. وولف نفسه يعترف حقًّا بأن الشعراء كانوا أحيانًا يستخدمون الكتابة منذ زمن مبكر يرجع إلى سنة 776 ق. م.
إن الاحتمالات ترجح الرأي القائل إن "العلامات المؤذية - Tokens Baneful"4- الواردة في الإلياذة "6: 168" تشير إلى ضرب من حروف الهجاء أو الكتابة الهجائية. وحتى لو سلمنا بأنه لم ترد أية إشارة إلى الكتابة في الإلياذة والأوديسة، فإنه ليس ثمة دليل سليم يصح أن يستنتج من إغفال الشعر البطولي -المقصود للرواية والإنشاد- هذا الأمر إغفالًا قد يكون تقليديًّا متفقًا عليه.
5- ويفرض هيرودوتس، حينما يتحدث عن النقوش الإغريقية التي رآها في طيبة Thebes أنها ترجع إلى عدة قرون قبل زمنه. ويشبه هذا الاعتقاد بقدم الكتابة عند الإغريق قدمًا سحيقًا ما نجده في الأدب اليوناني في القرنين الخامس الرابع قبل الميلاد.
6- إن الأبحاث الحديثة فندت الرأي القائل بأن القصيدتين لا بد أنهما نظمتا منذ زمن طويل يسبق تدوينهما لأنهما تستعملان، في أحيان كثيرة، صوتًا هو Digamma لا يُعرف بأنه كان يصور في حرف في أية مخطوطة قديمة لهومر.
(1/304)
إن فكرة "الاستخدام الأدبي للكتابة" تحتاج إلى تعريف وتحديد.7-
فإذا كان المقصود بها "انتشار الكتابة انتشارًا واسعًا في عدة نسخ لقراءة الجماهير".
فمما لا ريب فيه أنه لا يبدو أن شيئًا من هذا القبيل قد وُجد قبل القسم الأخير من القرن الخامس قبل الميلاد. ولكن لنفرض أن رجلًا نظم عددًا من أبيات الشعر في مخيلته وخشي أن ينساها، فإذا كان يستطيع أن يستخدم "العلامات الفينيقية" استخدامًا مجديًا ليحفظ حساباته مثلًا أو مذكراته الأخرى، فلماذا لا يحفظ بها أبيات شعره؟ ذلك هو حقًّا ما قصده ولف حينما أجاز أن بعض الناس استخدم الكتابة لمثل هذه الأغراض منذ سنة 776 ق. م. وربما لم يكن أحد يستطيع قراءتها إلا الشاعر نفسه أو أولئك الذين خلفها لهم خاصة. ومع ذلك فإنه يكون قد أفلح في مأربه ووصل إلى غايته.
والخلاصة أنه لا بد لنا من أن نفرق -وفقًا للنظرية الولفية- بين ثلاثة أمور تعتمد على احتمالات متفاوتة الدرجة وهي: النظم في الذاكرة Memorial Composition، والنشر الشفهي Oral publication، والنقل عن طريق الرواية الشفهية oral Transmission.
أ- أما النظم في الذاكرة فإنه من التسرع أن ننكر أن رجلًا ذا موهبة خارقة يستطيع أن ينظم الإلياذة والأوديسة من غير عون الكتابة..
ب- أما النشر الشفهي فلا ريب أن القصيدتين الهومريتين قد عرفهما اليونانيون قرونًا طويلة في الغالب عن طريق إنشاد أجزاء متفرقة منهما.
ج- غير أن العقبة الكأداء تنشأ من نظرية الحفظ والنقل الشفهيين حسب.
إن هذه العقبة لا تتصل في أصلها بقدرة الحافظة البشرية؛ إن الصعوبة الحقة هي أن حفظ هذه الأعمال الضخمة ونقلها حفظًا ونقلًا قريبين من الدقة والضبط، عن طريق الرواية الشفهية، خلال القرون من غير عون الكتابة إنما يتطلب تنظيمًا وتدبيرًا، لا أثر لهما ولا دليل عليهما عندنا. وأقرب شبيه بذلك يمكن استحضاره للذهن "كما في الهند" يتضمن أصولًا دينية أو كهنوتية.
(1/305)
وينبغي أن نتصور وجود رجال كهنوت هومريين أو زملاء تكون حياتهم من جيل إلى جيل موقوفة على هذا العمل. غير أن فكرة كهذه غريبة عن الروح الحرة التي تطورت فيها الحياة والفن عند الإغريق، ولا يتفق ذلك أيضًا مع ما نعرفه من أمر الرواة والمنشدين المتجولين.
إن النتيجة العامة إذن هي: لا يمكن إثبات أن القصيدتين الهومريتين لم تُكتبا سواء حينما كانتا في ِأصلهما تنظمان أم عقب ذلك ولقد عرفهما العالم الإغريقي مدة قرون في الغالب عن طريق أفواه الرواة والمنشدين، ولكن ذلك لا ينفي أن الرواة والمنشدين كانوا يقتنون نسخًا مكتوبة ...
ذلك هو رأي جب عرضناه عرضًا وافيًا لتستبين لنا أطرافه، وسنختم حديثنا عن كتابة القصيدتين الهومريتين بعرض رأي باورا في هذا الموضوع عرضًا لا يقل عن عرضنا لسابقه بسطًا وبيانًا. بدأ باورا بحثه بسؤاله: هل يدين هومر، بطريقة ما لاستخدام الكتابة؟ ثم مضى يجيب بقوله(28): لا ريب أن شعراء الملاحم في القرون الوسطى قد استخدموا الكتابة، وهم مدينون لها بمعرفتهم الصور السابقة للقصص التي استخدموها، وقد حفظوا نتاجهم بتسجيله كتابة. ولكن الأمر، في حالة هومر، غامض والأدلة ضئيلة. لقد وُجدت الكتابة في بلاد اليونان منذ زمن مبكر، ولو أننا استثنينا العصر الميسيني Mycenean Age، فإننا ما نزال متأكدين من أنها استخدمت في القرن السابع، وربما الثامن. فالنقوش التي thera ترجع إلى تاريخ مبكر جدًّا، ولم يأت القرن السابع حتى شاعت الكتابة على الأواني. وقوائم إفورس السبارطية The Spartan lists of Ephorsترجع إلى نهاية القرن التاسع. والقوانين التي سنها الرجال مثل Charondas, Zaleucus تتضمن وجود قوانين مكتوبة في الشطر الأخير من القرن الثامن. ومع أن الكتابة قد وُجدت على عهد هومر، فمن الجائز أنها لم تكن شائعة عامة، أو أنها لم تكن تُستخدم على مدى واسع لتسجيل نتاج طويل مثل الإلياذة ... وهومر نفسه
(1/306)
لا يدلنا على شيء، وفي الموطن الوحيد الذي يشير فيه إلى الكتابة يغلف إشارته بالغموض. وربما شعرنا حقًّا أن ملحمة طويلة مثل الإلياذة لا بد أنها كتبت لأن حفظها يؤود المرء. وقد اعتمد ولف على هذه الفكرة اعتمادًا كبيرًا، وهي تحتل مقامًا كبيرًا في "المقدمة". ولكن الأبحاث الحديثة فندت رأيه؛ فإن الرجال الذين لم تتعلم ذاكرتهم الاعتماد على الكتب يستطيعون أن يتذكروا قدرًا ضخمًا من الشعر، وقد وُجد بين معاصري xenophon من حفظ الإلياذة والأوديسة معًا. ونجد لعهدنا هذا من وصل إلى هذه المرتبة بل من زاد عليها. وبعد أن يضرب باورا على ذلك بضعة أمثلة يمضي في قوله: والإلياذة يصح، للنظرة الأولى، أن تكون من الشعر المكتوب، ويصح أن تكون من الشعر المروي. ويمكن أن تُدعم كل من هاتين النظريتين في أساسها بالأدلة، ويكاد يكون من المستحيل تغلب إحداهما على الأخرى. ثم يقول: ولا بد، في البدء، من التمييز بين الشعر الذي يكتب لفائدة الشاعر نفسه حسب، والشعر الذي يكتب ليقرأه الناس. وكثير من الشعر الذي قُصد منه أن يُنشد ويُروى كان يُكتب، ليكون في كتابته عون للشاعر المغني على الامتداد والطول اللذين لا يحتملان. فمخطوطة "أغنية رولاند" المحفوظة في أكسفورد ليست إلا نصًّا كان يحمله شاعر مغن ويستخدمه لإنعاش ذاكرته. بينما يبدو أن المخطوطة الوحيدة الباقية من "بيوولف" كان يُقصد منها أن يقرأها العلماء.... ومن الواضح أن الإلياذة لا تنتمي إلى هذا الضرب الثاني، فهومر لا يذكر شيئًا عن قراءة الكتب، وجميع فنِّه خاضع لضرورات الإنشاد؛ ولكن من الجائز أنها تنتمي إلى الضرب الأول، والحق أنها تبدو كذلك لأسباب مرجحة. فللقصيدة بناؤها وشكلها كما أرادهما الشاعر، ومن البعيد أن يستطيع إضفاء هذا الانسجام والوحدة عليها لو أنه نظمها في ذاكرته وعقله. فترابط المشاهد المختلفة، وما في القطع التالية من صدى القطع السابقة، واتصال الحكايات المنفصلة في ظاهرها، كل ذلك يبدو أنه لا يمكن تعليله لو أن الشاعر لم يكن بين يديه كتابه، ولم يستطع الرجوع إليه كلما احتاج، أو ليعيد النظر فيما كتب. حقًّا إن ملتون نظم "الفردوس
(1/307)
المفقود في عقله وذاكرته واستطاع مع ذلك أن يجعلها رائعة من الروائع؛ ولكن مع أنه لم يكن يقرأ فإن الكلمات كانت تكتبها بناته، وكان يستطيع الرجوع إليها كلما أراد. ومع ذلك فإنه من الجائز أن ذاكرة أحسن تمرينها وتدريبها تستطيع أن تستغني عن المخطوطة، ومن الجائز كذلك أنه كانت لهومر مثل هذه الذاكرة. وهكذا نجد أن الجدل حول هذا الموضوع -على إغرائه- غير مفضٍ إلى نتيجة. فلم تكن الإلياذة ذات التحام وثيق مثل الكوميديا الإلهية، ولكن يمكن أن يقال إن سبب ذلك لم يكن لأنها لم تُكتب على الورق. وترجيح أنها قد كتبت يقوَى حين نقارنها بالملاحم التي لم تكتب ولكنها نظمت في ذاكرة الشاعر ونقلت بالرواية ... غير أن خصائص هذه تختلف عن طبيعة الإلياذة.. ثم يمضي باورا في حديثه إلى أن يقول: ولا قيمة للحجة التي يُدلَى بها ضد تدوين الإلياذة، وهي: أن النص في القديم كان ذا قراءات مختلفة. فطرق الحكاية الهومرية تجعل من السهل الخطأ في الاقتباس. ومع ذلك فأي نص قديم عرضة للفساد والإقحام، إن لم يكن أيضًا عرضة للتزيد والتوسع. وخطة الإلياذة الحاضرة تنفي فكرة التزيد والتطويل ... ولكن لا شك أنه كان ثمة إقحام وإضافات، فالأبيات التي تذكر مدينة أثينا عدها القدماء مقحمة أضافها صولون أو بيزيزتراتوس ليسوغا دعوى الأثينيين في ميجارا Megara وثمة رواية فيها أن سيناثيوس Cynaethus الشاعر الجوال تصرف بالنص وأضاف إليه أجزاء من نظمه، ولكن هذه الحقيقة وحدها، وهي أن هذه الإضافات قد اكتشفت وأشير إليها، تبين أن النص كان معروفًا ويستطاع الرجوع إليه؛ ولو لم يكن مكتوبًا لكان من المستحيل تقريبًا معرفة أية زيادة أو إقحام. وما يُسمَّى انسياب النص وتدفقه حقيقة واقعة لا شك، ولكنها لا تدل على أن الإلياذة في أيامها الأولى كانت قصيدة تُحفظ في الذاكرة وتوجد في صور متعددة من نسخ مختلفة جدًّا؛ وإنما تدل على أن روايتها المخطوطة المكتوبة كانت -كما هو الشأن في القصائد المبكرة الأخرى- غير دقيقة وعرضة للتحريف والفساد.
ثم يمضي باورا في حديثه فيقول: وتمتد جذور الصعوبة إلى موقف هومر
(1/308)
نفسه من الكتابة، فأبطاله لا يكتبون ولا يقدرون على الكتابة، وحينما اقترعوا ليقرروا من يحارب هكتور وضع كل منهم علامته على سهمه ورماه في القلنسوة، ولكن لم يكن أحد يعرف غير علامته وحدها. وينتج من ذلك أنه لم يكن لديهم نظام مشترك للكتابة. غير أن هومر يميز وجود الكتابة في قصة Bellerophon، ففيها ذكر للكتابة ولكن هومر يلفها بألفاظ غامضة مبهمة ... وليس في الإلياذة، سوى ذلك، ذكر للكتابة. والنتيجة التي يمكن الوصول إليها هي أن الكتابة وُجدت، غير أن جمهور هومر ومستمعيه لم يهتموا بها وعدوها أمرًا شاذًّا. أما الشاعر نفسه فربما كانت حاله مختلفة عن ذلك. إذ لعله كان قد تعلم الكتابة من حيث هي سر من أسرار صناعته وكان حريصًا على ألا يكشف السر لجمهوره. وهذا الاحتمال يفسر غموض لغته وإبهامها في الموطن الوحيد الذي ذكرت فيه الكتابة، فسواد الناس يجب ألا يعرفوها، وحينما لا يكون بد من ذكرها، فيتجنب الوصف الواضح الدقيق.
ويرى باورا أن هذه الدلالات، على ضآلتها، ترجح أن هومر كان يكتب، ولكنه كان يكتب لفائدته هو ولاستعماله الشخصي لا من أجل أن تُقرأ قصيدته.
ففن الإلياذة جميعه يدل على أنه قصد منها أن تُنشذ وتُروى، لا لتحفظ في المكتبة؛ وهذه الحقيقة كما سنرى، توضح لنا بعض ملامحها الكبرى. فلا بد أن تختلف القصيدة المروية في طبيعتها وخصائصها عن القصيدة التي تُقصد للقراءة ... وهكذا نجد آخر الأمر أن لا قيمة كبرى لسؤالنا: هل كتب هومر أو لم يكتب؛ وإنما الأمر المهم هو أنه نظم قصيدته للرواية والإنشاد. وسواء أنظمها وهو يكتب على الورق أم نظمها في ذاكرته وعقله فذلك لا يؤثر في طبيعة القصيدة كما هي بين أيدينا.
(1/309)
__________
انظر R.C. Jebb, Homer: An Introduction to the Iliad and the(1) Odyssey p. 131-136.,
انظر أيضًا W.D. Geddes, the problem of the Homeric poems. p. 4. f.n.a,p.10
وكذلك G.M. Bowra, Tradition and Design in the Iliad, Introduction 7-8.
GM. Bowra, Tradition and design in the Iliad, preface, 8. (2)
(3)لعل أوضح مثال على ذلك في الشعر الجاهلي هو "حذام" في شعر امرئ القيم على اختلاف في قراءته. وأما تفصيل هذا الأمر في الشعر الهومري ففي:
R.G. jebb, Homer: An Introduction to the Iliad and the-1 Odyssey p. 1-2.
W.D. Geddes, the problem of the Homeric poems p. 21. -2
Thomas W. Ailen, Homer: the Origins and the Transmission-3
ويذكر توماس ألن في كتابه هذا ص121 أسماء عدة شعراء قبل هومر، ثم يجمع في
"ص139 وما بعدها" الأدلة -التي يستخرجها من الإلياذة والأودية- على وجود شعراء سابقين لهومر.
Jebb. Homer p. 12.(4)
Jebb, Homer p. 1, 38, 84-85. (5)
(6)القصيدتان الهومريتان هما الإلياذة والأوديسة، والنص على أنهما هومريتان لا يتضمن في هذا المجال أن شاعرًا مفردًا بعينه هو ناظم القصيدتين أو ناظم إحداهما.
انظر Jebb, Homer, p. 88,103 وكذلك Geddes, the problem of(7) the Homerc poems, 5
Jebb, Homer, 103. 105-106 وكذلك: Geddes. p. 6(8)
C. M. Dowra, Tradition and Design in the Ilad, p. 1. (9)
المصدر السابق ص2. (10)
المصدر السابق ص48. (11)
مقدمة ولف التمهيدية prolegomena (12)كتاب صغير صفحاته 280 من قطع الثمن وقد طبع في Halle سنة 1795.
(13)وجد قبل ولف علماء درسوا القصيدتين الهومريتين وكانت لهم آراء جزئية يصح أن تعد إرهاصات لنظرية ولف، ولم نجد حاجة لعرضها، وقد ذكرها الدكتور جب في كتابه عن هومر ص105-107.
Jebbe, Homr, p. 109-110(14)
The Probiem of The Homeric Poenis. P.7-8.(15)
Jetb, Homer, p. 117f.(16)
جب، هومر: 121-125.(17)
اسم كتابه: the problem of the Homeaic poems(18) ، وقد طبع في مطبعة مكملان في لندن سنة 1878 وانظر ص3 إلى 4 من المقدمة.
(19)المصدر السابق: 10
جب، هومر: 103-104.(20)
جب، هومر: 105.(21)
المرجع السابق: 107.(22)
جب، هومر: 108. (23)
Thomas W. Allen, Homer: The Origins and The(24) Transmission , p. 133
جب - هومر: 121.(25)
المرجع السابق: 128.(26)
المرجع السابق: 110-115. (27)
Tradition and Design in theIliad, p. 48-51(28)
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|