المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05



المدح  
  
6656   03:49 مساءاً   التاريخ: 23-03-2015
المؤلف : د. علي الجندي
الكتاب أو المصدر : في تأريخ الأدب الجاهلي
الجزء والصفحة : ص382-393
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الجاهلي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015 18141
التاريخ: 23-03-2015 2879
التاريخ: 23-03-2015 1810
التاريخ: 23-03-2015 4392

كان العرب في الجاهلية يمدحون إشادةً بعظيم، أو إعجابًا وإكبارًا لعمل جليل. أو اعترافًا بصنع جميل، أو رغبة في معروف، أو حبًّا في العطايا والمنح، وكانت المعاني التي تردد في المدح من بين تلك التي يتغنون بها في الفخر.

يروى أنه لما حارب الحارث بن جبلة بن أبي شمر الغساني بني تميم، وانتصر عليهم. أخذ أسراهم. وفيهم شأس أخو علقمة الفحل. فرحل إليه علقمة يطلبه منه، فقال قصيدة يمدح فيها الحارث، بدأها بالغزل ووصف الناقة التي حملته إلى الممدوح. ثم شرع في المدح، فكان مما قال(1):

وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي وقبلك ربتني، فضعت، ربوب(2)

فأدت بنو كعب بن عوف ربيبها وغودر في بعض الجنود ربيب(3)

فوالله لولا فارس الجون منهم لآبوا خزايا، والإياب حبيب(4)

تقدمه حتى تغيب حجوله وأنت لبيض الدارعين ضروب(5)

مظاهر سربالي حديد عليهما عقيلا سيوف مخذم ورسوب(6)

فجالدتهم حتى اتقوك بكبشهم وقد حان من شمس النهار غروب(7)

تخشخش أبدان الحديد عليهم كما خشخشت يبس الحصاد جنوب(8)

وقاتل من غسان أهل حفاظها وهنب وقاس جالدت وشبيب(9)

كأن رجال الأوس تحت لبانه وما جمعت جل معًا وشبيب(10)

رغا فوقهم سقب السماء فداحض بشكته لم يستلب وسليب(11)

كأنهم صابت عليهم سحابة صواعقها لطيرهن دبيب(12)

فلم تنج إلا شطبة بلجامها وإلا طِمِرٌّ كالقناة نجيب(13)

وإلا كمي ذو حفاظ كأنه بما ابتل من حد الظبات خضيب(14)

وأنت الذي آثاره في عدوه من البؤس والنعمى لهن ندوب(15)

وفي كل حي قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذنوب(16)

وما مثله في الناس إلا قبيله مساوٍ ولا دانٍ لذاك قريب(17)

فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب(18)

وحينما يسدي الممدوح إلى الشاعر أو قبيلته معروفًا. كأن يطلق أسراهم، أو يحمي اللاجئين إليه منهم. يعترف له الشاعر بالفضل ويشكره على حسن صنيعه. ويثني عليه جزاء ما قدم من جميل.

ويروى أنه لما أغار النعمان بن وائل بن الجلاح الكلبي على بني ذبيان أخذ منهم. وسبى سبيًا من غطفان. وأخذ عقرب بنت النابغة الذبياني فسألها: من أنت؟ فقالت: أنا بنت النابغة. فقال لها: والله ما أحد أكرم علينا من أبيك وما أنفع لنا عند الملك. ثم جهزها. وخلاها. ثم قال: والله ما أرى النابغة يرضى بهذا منا. فأطلق له سبي غطفان وأسراهم.

فقال النابغة في مدحه(19):

لعمري لنعم الحي صبح سربنا وأبياتنا يومًا بذات المراود(20)

يقودهم النعمان منه بمحصف وكيد يعم الخارجي مناجد

وشيمة لا وانٍ ولا واهن القوى وجد إذا خاب المفيدون صاعد

فآب بأبكار وعون عقائل أوانس يحميها امرؤ غير زاهد

ويخططن بالعيدان في كل مقعد يخبئن رمان الثدي النواهد

ويضربن بالأيدي وراء براغز حسان الوجوه كالظباء العواقد

غرائر لم يلقين بأساء قبلها لدى ابن الجلاح ما يثقن بوافد

أصاب بني غيظ فأضحوا عباده وجللها نعمى على غير واحد

فلابد من عوجاء تهوي براكب إلى ابن الجلاح سيرها ليل قاصد

تخب إلى النعمان حتى تناله فدا لك من رب طريفي وتالدي

فسكنت نفسي بعدما طار روحها ولبستني نعمى ولست بشاهد

وكنت امرءًا لا أمدح الدهر سوقة فلست على خير أتاك بحاسد

سبقت الرجال الباهشين إلى العلا كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد

علوت معدا. نائلا ونكاية فأنت لغيث الحمد أول رائد

وقد اشتهر بالمدح ثلاثة من الشعراء الجاهليين، هم: زهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني، وأعشى قيس.

وكان زهير يعجب بالعظماء الذين يقومون بالأعمال الجليلة. فيثني عليهم. ويشيد بمآثرهم وأفضالهم. وقيل عنه إنه كان لا يمدح الشخص إلا بما فيه، وقد مر بنا في معلقته إشادته بالحارث بن عوف، وهرم بن سنان لما قاما به من الصلح بين عبس وذبيان وتحملهما ديات القتلى. ومن مدائحه في هرم قوله:

لعمر أبيك ما هرم بن سلمى بملحي إذ اللؤماء ليموا(21)

ولا ساهي الفؤاد ولا عيي ال لسان إذا تشاجرت الخصوم(22)

ولكن عصمة في كل أمر يطيف به المخول والعديم(23)

متى تسدد به لهوات ثغر يشار إليه جانبه سقيم(24)

مخوف بأسه، يكلأك منه قوى، لا ألف ولا سئوم(25)

له في الذاهبين أروم صدق وكان لكل ذي حسب أروم(26)

 وعود قومه هرم عليه ومن عاداته الخلق الكريم(27)

كما قد كان عودهم أبوه إذا أزمت بهم سنة أزوم(28)

لينجوا من ملاومها، وكانوا إذا شهدوا العظائم لم يليموا (29) (30)

كذلك خيمهم ولكل قوم إذا مستهم الضراء خيم(31)

وقال في مدح حصن بن حذيفة بن بدر(32):

وأبيض فياض يداه غمامة على معتفيه ما تغب فواضله

بكرت عليه غدوة فرأيته قعودًا لديه بالصريم عواذله

يفدينه طورًا وطورًا يلمنه وأعيا فما يدرين أين مخاتله

فأقصرن منه عن كريم مرزء عزوم على الأمر الذي هو فاعله

أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله ولكنه قد يهلك المال نائله

تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله

وذي نسب ناء بعيد وصلته بمال وما يدري بأنك واصله

وذي نعمة تممتها وشكرتها وخصم يكاد يغلب الحق باطله

دفعت بمعروف من القول صائب إذا ما أضل الناطقين مفاصله

وذي خطل في القول يحسب أنه مصيب فما يلمم به فهو قائله

عبأت له حلمًا وأكرمت غيره وأعرضت عنه وهو باد مقاتله

حذيفة ينميه وبدر كلاهما إلى باذخ يعلو على من يطاوله

ومن مثل حصن في الحروب ومثله لإنكار ضيم أو لأمر يحاوله

أبى الضيم والنعمان يحرق نابه عليه فأفضى والسيوف معاقله

أما النابغة الذبياني فقال عن نفسه أنه لا يمدح السوقة، فكان يمدح الملوك والعظماء، من ذلك قوله في مدح عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر الغساني*:

كليني لِهَمٍّ يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب

تطاول حتى قلت ليس بمنقض وليس الذي يرعى النجوم بآيب

وصدر أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الهم من كل جانب(33)

علي لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات عقارب(34)

حلفت يمينًا غير ذي مثنوية ولا علم إلا حسن ظن بصاحب(35)

لئن كان للقبرين قبر بجلق وقبر بصيداء الذي عند حارب(36)

وللحارث الجفني سيد قومه ليلتمسن بالجيش دار المحارب

وثقت له بالنصر إذ قيل قد غزت كتائب من غسان غير أشائب

بنو عمه دنيا وعمرو بن عامر أولئك قوم بأسهم غير كاذب

إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم عصائب طير تهتدي بعصائب

يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم من الضاريات بالدماء الدوارب

تراهن خلف القوم خزرًا عيونها جلوس الشيوخ في ثياب المرانب(37)

جوانح قد أيقن أن قبيله إذا ما التقى الجمعان أول غالب

لهن عليهم عادة قد عرفنها إذا عرض الخطي فوق الكواثب(38)

على عارفات للطعان عوابس بهن كلوم بين دامٍ وجالب(39)

إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا إلى الموت إرقال الجمال المصاعب(40)

فهم يتساقون المنية بينهم بأيديهم بيض رقاق المضارب

تطير فضاضًا بينها كل قونس ويتبعها منهم فراش الحواجب(41)

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

تورثن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب

تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب(42)

بضرب يزيل الهام عن سكناته وطعن كإيزاغ المخاض الضوارب(43)

لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير عوازب(44)

محلتهم ذات الإله ودينهم قويم فما يرجون غير العواقب(45)

رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب(46)

تحييهم بيض الولائد بينهم وأكسية الإضريج فوق المشاجب(47)

يصونون أجسادًا قديمًا نعيمها بخالصة الأردان خضر المناكب(48)

ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب(49)

وأما الأعشى فكان مغرمًا بالخمر والنساء، فكان في حاجة إلى المال فراح ينتقل في جميع الأمكنة بين الشام والعراق. واليمن، يمدح الملوك والأشراف لينال عطاياهم. فمدح آل جفنة ملوك غسان، والمناذرة ملوك الحيرة. ومدح إياس بن قبيصة الطائي. وهوذة بن علي الحنفي في اليمامة، وقيس بن معد يكرب الكندي، وسلامة ذا فائش أحد أمراء اليمن.

وقد قال في شغفه بحب المال وجمعه:

وما زلت أبغى المال مذ أنا يافع وليدًا وكهلا حين شبت وأمردا

وأبتذل العيس المراقيل تغتلي مسافة ما بين النجير فصرخدا(50)

وكان في العادة يبدأ المدح بالحديث عن ناقته وما لاقته في سفرها من تعب وجهد وإعياء، ثم يعزيها عما لقيت بما سيناله من عطاء الممدوح.

وفي مدحه للعظماء كان الأعشى يصرخ بطلبه العطاء، فمثلًا عندما مدح قيس بن معد يكرب الكندي، وأفاض في الثناء عليه قال:

ونبئت قيسًا ولم أبله كما زعموا خير أهل اليمن

رفيع الوساد طويل النجا د ضخم الدسيعة رحب العطن

يشق الأمور ويحتابها كشق القراري ثوب الردن

فجئتك مرتاد ما خبروا ولولا الذي خبروا لم ترن

فلا تحرمني نداك الجزيل فإني امرؤ قبلكم لم أهن(51)

ومما يقوله في مدح هوذة بن علي الحنفي(52)

إلى هوذة الوهاب أهديت مدحتي أرجي نوالا فاضلا من عطائكا

تجانف عن جل اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها لسوائكا(53)

ألمت بأقوام فعافت حياضهم قلوصي وكان الشرب منها بمائكا

فلما أتت آطام جو وأهله أنيخت وألقت رحلها بفنائكا(54)

ولم يسع في الأقوام سعيك واحد وليس إناء للندى كإنائكا

سمعت بسمع الباع والجود والندى فأدليت دلوي فاستقت برشائكا

فتى يحمل الأعباء لو كان غيره من الناس لم ينهض بها متماسكا

وأنت الذي عودتني أن تريشني وأنت الذي آويتني في ظلالكا(55)

فإنك فيما بيننا في موزع بخير وإني مولع بثنائكا

وجدت عليًّا بانيًا فورثته وطلقا وشيبان الجواد ومالكا

بحور تقوت الناس في كل لزبة أبوك وأعمام هم هؤلائكا(56)

وما ذاك إلا أن كفيك بالندى تجودان بالأعطاء قبل سؤالكا

وأروع نباض أحد ململم ألا رب منهم من يعيش بمالكا

وجدت انهدام ثلمة فبنيتها فأنعمت إذ ألحقتها ببنائكا

وربيت أيتامًا وألحقت صبية وأدركت جهد السعي قبل عنائكا

ولم يسع في العلياء سعيك ماجد ولا ذو إنىً في الحي مثل قرائكا

وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا

حتى بين المتخاصمين كان يأخذ جانب من يرى فيه القوة ويتوقع له الغلبة فيمدحه، ويذم الآخر، من ذلك أنه حينما حدثت الخصومة والمنافرة بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة، مدح عامرًا وهجا علقمة فكان مما قال في ذلك(57):

علقم لا لست إلى عامر الناقض الأوتار والواتر

واللابس الخيل بخيل إذا ثار غبار الكبة الثائر

سدت بني الأحوص لم تعدهم وعامر ساد بني عامر

ساد وألفى قومه سادة وكابرًا سادوك عن كابر(58)

ما يجعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الزاخر

مثل الفراتي إذا ما طما يقذف بالبوصي والماهر(59)

إن الذي فيه تماريتما يبين السامع والناظر

حكمتموني فقضى بينكم أبلج مثل القمر الباهر

لا يأخذ الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسر

لا يرهب المنكر منكم ولا يرجوكم إلا نقا الآصر

يا عجب الدهر متى سويا كم ضاحك من ذا وكم ساخر (60)

فاقن حياء أنت ضيعته مالك بعد الشيب من عاذر

ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر

ولست في الأثرين من مالك ولا أبي بكر ذوي الناصر(61)

هم هامة الحي إذا حصلوا من جعفر في سؤدد القاهر

أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر

علقم لا تسفه ولا تجعلن عرضك للوارد والصادر(62)

أؤول الحكم على وجهه ليس قضائي بالهوى الجائر

قد قلت قولا فقضى بينكم واعترف المنفور للنافر

كم قد مضى شعري في مثله فسار لي من منطق سائر(63)

إن ترجع الحكم إلى أهله فلست بالمستى ولا النائر

ولست في السلم بذي نائل ولست في الهيجاء بالجاسر

إنيَ آليت على حلفة ولم أقله عثرة العاثر

ليأتينه منطق سائر مستوثق للمسمع الآثر(64)

وكان الأعشى لا يتورع عن مدح عامة الناس إذا أصاب منهم خيرًا، من ذلك أنه مدح المحلق بن جشم بن شداد، لمجرد أنه أنزله ضيفًا، وبالغ في إكرامه، رجاء أن يصيبه خير من مدحه، فكان مما قال فيه(65):

لعمري لقد لاحت عيون كثيرة إلى ضوء نار في يفاع تحرق

تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق

رضيعي لبان ثدي أم تحالفا بأسحم داجٍ عوض لا نتفرق(66)

يداك يدا صدق فكف مفيدة وأخرى إذا ما ضن بالزاد تنفق

ترى الجود يجرى ظاهرًا فوق وجهه كما زان متن الهندواني رونق

وأما إذا ما أوب المحل سرحهم ولاح لهم من العشيات سملق

نفى الذم عن آل المحلق جفنة كجابية السيح العراقي تفهق(67)

يروح فتى صدق ويغدو عليهم بملء جفان من سديف يدفق

وعاد فتى صدق عليهم بجفنة وسوداء لأيا بالمزادة تمرق(68)

ترى القوم فيها شارعين ودونهم من القوم ولدان من النسل دردق

طويل اليدين رهطة غير ثنية أشم كريم جاره لا يرهق

كذلك فافعل ما حييت إليهم وأقدم إذا ما أعين الناس تبرق(69)

كان الحديث عن صفات البطولة والمروءة والإيقاع بالأعداء والكرم والسخاء صاحب النصيب الأوفى في شعر المدح، وذلك هو ما نجده في كل من الفخر والرثاء، وضد ما في الهجاء. وذلك يرينا كيف كان العرب في ذلك العصر يقدرون هذه الصفات، ومدى أهميتها لهم في حياتهم ومعيشتهم.

وأغلب الشعر هنا من إنتاج النابغة الذبياني. وزهير بن أبي سلمى. والأعشى وهم الشعراء الذين شاع عنهم التكسب بالشعر في الجاهلية. أما الأقلية الباقية من شعر المدح فمن إنتاج قلة من الشعراء. قال كل منهم شيئًا في مناسبة معينة خاصة. على خلاف الحال عند هؤلاء الثلاثة.

وهناك فرق واضح بين مدح الشعراء الذي لم يخصصوا أنفسهم لمدح شخص معين. ومدح هؤلاء الشعراء الثلاثة الذين اشتهروا بالمدح والتكسب بالشعر. فمع أن الجميع يشتركون في المدح بالشجاعة والقوة والحزم والحكمة في الحرب والصبر على الشدائد، وغير ذلك من صفات الشهامة والبطولة والجود، فإن من عدا هؤلاء الثلاثة كانوا يسيرون سيرًا طبيعيًا في المدح من الاعتراف بالفضل والثناء عليه. أما النابغة والأعشى فكانا يبالغان مبالغة ظاهرة في مدائحهما، فمثلًا كان الممدوح كالأسد، ثم يخلع على هذا الأسد من الأوصاف ما شاء الخيال، وأحيانا كان الواحد منهما يسترسل في وصف هذا الأسد حتى إن السامع قد يظن أن الشاعر يتحدث عن أسد حقيقي خاص، أو أن الممدوح يلبس درعين، ويحمل سيفين، وغاراته لا تنقطع، ما ينتهي من واحدة إلا ويدخل في أخرى. وهو يشنها في أوقات الشدة. ويصل الشتاء بالربيع في الغارات، وينهك خيله حتى إنها لترمي أفلاءها في الطريق، ونصره في حروبه مؤكد حتى إن الطير لتتبعهم واثقة من الرزق الواسع المضمون بقتل الأعداء.

ولعل هذه المبالغات لا تكون عجيبة، فللمال أثره الذي لا ينكر في دفع الإنسان إلى محاولة إظهار البراعة في التفكير. والاتساع في الخيال.

وفي المدح الذي يقال طمعًا في هدية، أو تحقيق رغبة نجد التملق ظاهرًا واضحًا، كقصيدة علقمة التي مدح بها الحرث بن جبلة الغساني طمعًا في إطلاق سراح أخيه. وقصيدة النابغة الذبياني التي مدح بها النعمان بن وائل بن الجلاح لإطلاق سراح عقرب بنت النابغة، وقصائده التي يمدح بها النعمان بن المنذر. وعمرو بن الحارث الغساني.

وكان للفضائل الخلقية حيز كبير في شعر المدح، فمدحوا بعدم الاعتداء على الأقارب واللاجئين، والزهد في الغنائم، وتوزيعها على الفقراء. والسعي في الصلح بين المتخاصمين. وبذل الأموال رغبة في أن يسود السلام، وإجابة المستغيث، وتأمين الخائف، والوفاء بالعهد، وعدم التنكيل بالعدو، وعدم إهانة الأسير، وإطلاق سراحه بدون فدية لا خوفًا من عقاب، ولا طمعًا في ثواب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المفضلة رقم 119، والعقد الثمين: ديوان علقمة قصيدة رقم2

(2) أفضت إليك أمانتي: صارت نصيحتي لك، أي توجهت نحوك وانتهيت إليك. ربوب: جمع رب وهو السيد والمالك. ربتني: ملكتني.

(3) أدت: سلمت وخلصت. الربيب: الملوك. غودر: ترك. ربيب أسير، يقصد أخاه شأسا.

(4) الجون: فرس الممدوح، والجون معناه الأسود، وقد يكون الأبيض. أي لولاك كنت معهم لرجعوا مغلوبين. خزايا: جمع خزيان من الخزاية وهي كل ما يستحيا منه.

(5) تقدمه: أي في الحرب: تغيب حجوله: أي حتى تواري الدم قوائمه. الدارعين: أصحاب الدروع والحجول ما في يديه ورجليه من البياض، وهي موضع الخلاخيل.

(6) السربال هنا: الدرع. أي لبس درعين واحدة على الأخرى. عقيلا سيوف: كريمان منها، وكان الحارث يتقلد بسيفين. المخذم: الذي يبين الضريبة أي يقطعها والرسوب: الغائص في الضريبة.

(7) اتقوك بكبشهم: جعلوك بينه وبينهم، الكبش هنا الرئيس

(8) تخشخش: تصوت. الأبدان الدروع. الجنوب: ريح

(9) هنب وقاس وشبيب وغسان: قبائل يمنية

(10) شبيب: حي من جام سبتهم بنو شيبان. تحت لبانه: أي فرسه، لأنه الرئيس فكلهم يحفون به. وقيل: جل شبيب من غسان، ويقال: جل من قضاعة، وعتيب من جذام، وهي حلفاء بني شيبان.

(11) السقب ولد الناقة: يقصد سقب ناقة صالح عليه السلام، أي نزل بهم ما نزل بثمود من الهلاك حين عقروا الناقة. الداحض: الزلق، ومعناه زل فسقط. بشكته: أي عليه سلاحه. أي منهم من سلب ومنهم من لم يسلب.

(12) صابت: مطرت، يقول: كأن ما أصابهم ونزل بهم من القتل الذريع والاستئصال، سحابة جاءت بصواعق، فقتلت ما أصابت من الطير، وبقي ما أفلت منها يدب لا يقدر على الطيران، والدبيب: مشي ضعيف.

(13) الشطبة: الطويلة. الطمر: الخفيف، ويقال هو الشديد الوثب. لم تنج: لم تفلت بلجامها: ملجمة. كالقناة: أي في ضمره وصلابته.

(14) الكمي: الشجاع. الظبات: جمع ظبة، وهي أطراف الأسنة. مخضوب: يقصد أن يمينه احمرت من الدم فكأنه مخضوب.

(15) الندوب: آثار الجروح.

(16) خبطت بنعمة: أي أنعمت وتفضلت. شأس: أخو علقمة، الذنوب، بفتح الذال: الدلو، يقصد الحظ والنصيب.

(17) أي لا يساوي هذا الممدوح ولا يدنو منه في الفضل والشرف إلا قبيلته.

(18) عن جنابة: عن هنا بمعنى بعد، والجنابة: الغربة، أى لا تحرمني بعد غربة وبعد دياري.

(19) العقد الثمين: ديوان النابغة، قصيدة رقم6.

(20) ذات المراود: موضع بعقيق المدينة.

(21) ملحي: ملوم. أي أنه من كرام القوم، البعيدين عن إتيان أي شيء يستحق اللوم.

(22) ساهي الفؤاد: طائش. ولاعيي اللسان: فصيح بليغ. يقصد أنه عاقل فطن، بعيد النظر حكيم، يمتاز بالقول الفصل والحكمة والعقل.

(23) عصمة: ملجأ وملاذ، يطيف به: يلجأ إليه. المخول: الغني. العديم: الفقير.

(24) اللهوات: جمع لهاة، وهي مدخل الطعام في الحلق. يشار إليه: يهتم به. جانبه سقيم: يخشى أن يأتي منه العدو.

(25) يكلأك: يحفظك. ألف: ثقيل بطيء. سئوم: ملول.

(26) الذاهبين: السابقين من الآباء والأجداد. حسب: أصل كريم، أروم: جمع أرومة، وهي الأصل.

(27) عود قومه عليه: جعل لهم عادة عليه.

(28) أزمت: أصابتهم شدة. أزوم: صعبة شديدة.

(29) عظيمة مغرم: غرامة عظيمة، أي كبرت عليهم أن يحملوها، فيحملها هرم. تهم الناس: تثير الهموم لديهم.

(30) الملاوم: جمع ملامة. لم يليموا. أي لم يأتوا شيئًا يستحقون عليه أن يلومهم الناس.

(31) الخيم: الشيمة والطبيعة.

(32) ديوان زهير، ص 46.

* من ديوان النابغة الذبياني، طبعة الهلال سنة 1911، ص: 9.

(33) أراح: رد. عازب: بعيد.

(34) ليست بذات عقارب: لم يكدرها من ولا أذى.

(35) غير ذي مثنوية: لا استثناء فيها. حسن ظني بصاحبي: ثقة به.

(36) قبر بجلق وقبر بصيداء: هما القبران اللذان فيهما أبو الممدوح وجده.

(37) خزرًا عيونها: تنظر بمؤخرة عيونها. والثياب المرنبانية: ثياب يميل لونها إلى السواد، شبه ألوان النسور بها.

(38) الكاثبة في المنسج أمام القربوس. الخطي: الرماح المنسوبة إلى الخط وهو موضع.

(39) الكلوم: جمع كلم وهو الجرح. الدامي: الذي يسيل دمه. الجالب: اليابس من الجراح أي الجرح الذي جف. عوابس: كوالح: أي خيل غاضبة.

(40) أرقلوا: أسرعوا. المصاعب: جمع صعب وهو فحل الإبل الذي لا يمكن صده.

(41) الفضاض: ما انفض وتفرق. القونس: أعلى البيضة. الفراش: العظام.

(42) الصفاح: حجارة عراض. السلوقي: الدرع المصنوع في سلوق وهي بلدة رومية. الحباحب: ذباب له شعاع بالليل وقيل نار الحباحب: ما اقتدح من شرر النار في الهواء بتصادم حجرين.

(43) الهام: جمع هامة وهي الرأس. الإيزاغ: دفع الناقة ببولها. المخاض: النوق الحوامل. الضوارب: التي تضرب بأرجلها إذا أرادها الفحل.

(44) الأحلام: العقول. العوازب: البعيدة.

(45) محلتهم: مسكنهم وموطنهم. ذات الإله: بيت القدس، وناحية الشام هي منازل الأنبياء وهي الأرض المقدسة.

(46) رقاق النعال: أي ملوك لا يخصفون نعالهم. طيب حجزاتهم: أي من صفاتهم العفة، يقال: فلان طيب الحجزة إذا كان عفيف الفرج. والحجزة: الإزار، أي يشدون الإزار على عفة، السباسب: عيد النصارى.

(47) الولائد: الإماء. الإضريح: الخز الأحمر. المشاجب. جمع مشجب، وهو عود ينشر عليه الثوب.

(48) الأردان: جمع ردن. وهو مقدم كم القميص. الخالص: الشديد البياض. مناكبها خضر: يقصد ثياب خضر كانت تتخذ لملوكهم.

(49) لازب: ثابت ولازم.

(50) ديوان الأعشى: نشر الدكتور محمد حسين، قصيدة 17 ب 5-6 ص 135

(51) رفع الوساد يكنى عن سمو مكانته، طويل النجاد يكنى به عن طول قامته، والنجاة حمائل السيف. الدسيعة

الجفنة الكبيرة يكني بذلك عن كرمه، العطن المناخ حول مورد الماء، واجتاب الأرض قطعها. القراري: الخياط. الردن: الخز. الارتياد طلب النجعة والكلأ.

(52) ديوان الأعشى. ق 11 ب 14-30 ص 89.

(53) تجانف: تميل. جل: معظم.

(54) ألم بالقوم زارهم زيارة قصيرة. الحياض جمع حوض وهو الذي تشرب فيه الماشية، كنى به عن بيوتهم وضيافتهم. القلوص: الناقة. الشرب "بفتح الشين" مصدر شرب. آطام جمع أطم وهو الحصن. جو: هي مدينة اليمامة.

(55) الرشاء حبل الدلو. راشه: أعانه وأغناه.

(56) علي هو أبو الممدوح. طلق وشيبان ومالك أعمامه. فإنه رزقه وأمد بالقوت. لزبة: شدة وضيق

(57) ديوان الأعشى، ق18 من ب15 ص141.

(58) اللابس: الخالط. السكبة: الدفعة من الخيل. الأحوص: جد علقمة. عامر بن صعصعة الجد الأكبر الذي يجتمع عنده عامر وعلقمة وبقية الفروع الأخرى. ألفى قومه سادة، يقصد أبا براء وهو عامر بن مالك بن جعفر عم عامر. وقد تنازع عامر وعلقمة الرياسة لما أسن. الكابر: الكبير والرفيع القدر.

(59) الجد: البئر الظنون الذي لا يعرف أفيه ماء أم لا، أو القليل الماء. جنبه الشيء أبعده عنه. الصوب هنا الناحية اللجب الذي به صوت وجلبة. الزاخر الكثير الماء. طما البحر ارتفع ماؤه. البوصي السفين وهو كذلك الملاح. الماهر السابح.

(60) تماريتما: اختلفتما. أبلج: واضح مشرق الوجه. الباهر: الذي يبهر النجوم فيقطع ضوءها. المنكر: الذي ينكر حكمه ولا يرضاه. النقا: عظم العضد أو كل عظم ذي مخ داخله. أصر الشيء "كضرب" أصرًا كسره.

(61) قنى الحياء لزمه. الأثرى الكثير المال. أبو بكر هم بنو أبي بكر بن كلاب بن أبي ربيعة بن عامر بن صعصعة.

(62) هامة الحي: رأسه. حصلوا: جمعوا وميزوا. السؤدد: السيادة. القاهر: الغالب. سبحان منه تعجب، أي سبحان الله منه. الوارد الذي يجيء الماء ليشرب. الصادر الذي يعود من الماء بعد أن شرب.

(63) أول الحكم إلى أهله رده إليهم أي جعله يؤول ويرجع إليهم. الجائر المنحرف عن الصواب والحق. المنفور: المغلوب في المنافرة. و النافر: الغالب فيها. منطق سائر مشهور ذهب بين الناس وسار.

(64) أستى الثوب وأسداه أقام سداه، السدى من الثوب ما مد من خيوطه، وهو خلاف لحمته. والنير هدب الثوب ولحمته، يريد أن يقول له لست شيئًا. النائل العطاء. الهيجاء الحرب. الجاسر الجريء الشجاع. أقال عثرته صفح عنه. منطق سائر شعر ينال شهرة بين الناس. استوثق له الأمر أمكنه، الآثر الذى يأثر الخبر أو الشعر ويرويه فهو أثر، والكلام مأثور.

(65) ديوان الأعشى، ق33 ب51 - 62 ص222.

(66) تشب توقد أي النار. المقرور من أصابه البرد. اصطلى النار استدفأ بها. الندى الكرم. بأسحم داجٍ يحتمل أن يكون المقصود هو الليل، أو يكون المقصود هو حلمة الثدي ويقصد الثدي الذي رضعا منه. عوض أي أبد الدهر، مبني على الضم مثل قط وقبل وبعد.

(67) رونق السيف طلاوته وماؤه وبريقه الذي يتلألأ متموجًا. متن السيف صفحته. أوب أرجع. المحل القحط والجفاف. السرح الإبل، أرجعوها لأنهم لا يجدون لها مكانًا معشبًا ترعاه. السملقة والسملق القاع الصفصف المستوي من الأرض. الجابية الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل لتشرب منه. السيح النهر. فتق الإناء: امتلأ حتى صار يتصبب.

(68) الجفان جمع جفنة وهي القصعة التي يقدم فيها الطعام. السديف شحم السنام. سوداء يقصد القدر، وهي سوداء الظاهر لكثرة استعمالها في الطبخ لأنه يطعم ضيفانه دائمًا. اللأي الشدة والبطء والمشقة. المزادة الراوية، وهي قربة من جلدين يوصلان بثالث بينهما ليوسعها. مرق القدر أكثر مرقها. يقول إنه هذه القدر لا يكاد يصب عليها من ماء القربة إلا القليل. فالقدر مملوءة لحمًا وطعامًا وهو لا يكثرها بالماء.

(69) شرع الرجل في الماء شرب بكفيه أو تناوله بفمه، الدردق: الأطفال والصغير من كل شيء. ثنية جمع ثنى "بكسر ففتح" وهو من دون السيد في المرتبة. رهقه اتهمه بشر. أو حمله ما لا يطيق. برق كعلم تحير حتى لا يطرق، أو دهش فلم يبصر.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.