أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-03-2015
10806
التاريخ: 1-04-2015
7386
التاريخ: 23-03-2015
20679
التاريخ: 22-03-2015
9566
|
تقلبت هذه اللفظة في العربية على ثلاثة أدوار لغوية، تتبع ثلاث حالات من أحوال التاريخ الاجتماعي؛ فهي لم تكن معروفة في الجاهلية وصدر الإسلام إلا بما يؤخذ من معناها النفسي الذي ينطوي فيه وزن الأخلاق وتقويم الطباع والمناسبة بين أجزاء النفس في استوائها على الجملة، وكل ما هو من هذا الباب؛ ومنه الحديث الشريف: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) ولعل ذلك كان توسعاً منهم في أصل مدلول الكلمة الطبيعي، على ما هو معروف من أمرهم على اشتقاق اللغة وانتزاع بعضها من بعض؛ فإنهم يقولون: أدب قوم يأدبهم أدباً إذا دعاهم إلى طعام يتخذه. والقوم أهل بادية مقفرة تأكل فيها الشمس حتى ظلها، وتشرب من نسيمها وطلعها، فإذا هلك فيها الزاد هلك حامله، وإذا لم يدفع عن نفسه بأسلحة فمه فالجوع قاتله؛ ولذلك تمدحوا من أقدم أزمنتهم بالقرى وعدوه من أعظم مفاخرهم؛ لأنه شريعة الطبيعة التي أدبتهم هذا الأدب، بل هو شعرها في اخلاقهم، إذا ارتقى بعد ذلك بارتقاء الشعر حتى تخرقوا فيه، كما يوثر عن كرمائهم وأجوادهم مما استوعبته كتب المحاضرات.
فلما كان هذا الخلق مظهر الخيم الصالح فيهم، وحقيقة الأدب الطبيعي منهم، وأرقى معاني إنسانية عندهم، لأنه ليس وراء إمساك الحياة على الحية غاية -توسعوا فيه بمقدار ما بلغوا من رقي الآداب، وجعلوه تعريفاً نفسياً كما مر؛ ولابد أيكون ذلك بعد أن ارتقوا في اجتماعهم واشتبكت العلائق بينهم، حتى أخذت الفطرة الطبيعية تمتزج في أكثرهم بما يخالطها من صنعة الاجتماع، وكان ذلك سبباً في انتباههم إلى هذا الوضع، لأن الأدب على اختلاف معانيه إنما هو رد النفس إلى حدود مصطلح عليها اصطلاحاً وراثياً...
بلى، قد روى صاحب ((العقد الفريد)) في باب الأدب من كتابه كلمة أسندها لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-وهي قوله: ((كفاك من علم الدين ((أن تعلم)) مالا يسع جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروي المشاهد والمثل)) ومقتضى ذلك أن ((علم الأدب)) كان بالغاً من الأتساع في عهد ابن عباس حتى صار أقل ما لا يسع جهله منه الرواية الشاهد والمثل للقرآن والعربية، وهو نهاية الغرابة والشذوذ، لأن ابن عباس توفي فيما بين سنة 68 و74 ه، على اختلاف أقوال المؤرخين، ولم يكن يومئذ بالتحقيق ما يصح أن يسمى علم الأدب.
وقد تنقل المتأرخون هذه الرواية عن ((العقد الفريد)) دون أن ينتبهوا لما فيها من فساد الدلالة التاريخية، ولكن الصحيح أن الكلمة لمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، كما أسندها إليه الجاحظ في كتاب البيان. ومحمد هذا هو أصل الدولة العباسية؛ لأنه أبو السفاح أول الخلفاء العباسيين وتوفي سنة125 وقيل 126، ومما يرجح فساد تلك النسبة إلى ابن عباس، قول عمرو بن دينار فيه: ما رأيت مجلساً كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس: الحلال والحرام والعربية والأنساب والشعر. ولو كان لفظ الأدب معروفاً يومئذ لاجتزأ به وطوى فيه الثلاث؛ فالكلمة إذاً من موضوعات القرن الثاني، أي بعد أن بلغت الدولة الأموية مبلغها من المجد العربي.
أما في القرن الأول فقد كانوا يسمون ما يقرب من ذلك ب ((علم العرب)) كما ذكره المسعودي في ((مروج الذهب)) إذ نقل عن المدائني حديثاً تصادر عليه ابن عباس وصعصعة بن صوحان، وفيه أن ابن عباس بعد أن سأل الرجل عن قومه وعن الفارس فيهم ونحو ذلك مما يتعلق بالأيام والمقامات قال: أنت يا ابن صوحان باقر علم العرب وما كان الأدب الاصطلاحي بأكثر من هذا العلم يومئذ.
وبعد أن عرف حدود الأدب في القرن الثاني واشتهرت الكلمة، بقية لفظة ((الأدباء)) خاصة بالمؤدبين، لا تطلق على الكتاب والشعراء، واستمرت لقباً على أولئك إلى منتصف القرن الثالث، ومن ذلك كان منشأ الكلمة المشهورة ((حرفة الأدب)) وأول من قالها الخليل بن أحمد صاحب العروض المتوفى سنة 175 ه، وذلك قوله كما جاء في ((المضاف)) والمنسوب للثعالبي: ((حرفة الأدب آفة الأدباء))، لأنهم كانوا يتكسبون بالتعليم ولا يؤدبون إلا ابتغاء المنالة، وذلك حقيقة معنى الحرفة على إطلاقها.
فلما فشت أسباب التكسب بين الشعراء في القرن الثالث، وبطلت العصبية التي كانت تجعل للشعر معنى سياسياً فاتخذوه حرفة يكدحون بها وجعلوه مما يتذرع به إلى أسباب العيش، من جائزة خليفة أو منادمة أميلر أو ما دون ذلك أيها كان - إنتقل إليهم لقب الأدباء، للمناسبة بين الفئتين في الحرفة، ولم يلبثوا أن استأثروا به لتويعهم في تلك الأسباب.
ثم جاء ابن بسام الشاعر المتوفى سنة 303 فجعل ((الحرفة)) نبزاً، وأخرجها عن وضعها اللغوي إلى معنى مجازي غلب على حقيقتها واستبد بها فأرسلها مثلاً.
وذلك فيما رثى به عبد الله بن المعتز حين قتل في سنة 296 ودفن خربة بإزاء داره بعد جلال الإمارة وعزة الملك إذ يقول: للهِ درّكَ من ميتٍ بمضيعةٍ ناهيكَ في العلمِ والآدابِ والحسبِ
ما فيهِ لوٌّ ولا ليتٌ فتنقصهُ لكنّما أدركتهُ ((حرفة الأدب))
وهذا هو أصل الكلمة التي تعاورها الأدباء واعتبرها الشعراء ميراثاً دهرياً إلى اليوم، وإنما تناولها ابن بسام من لغة العامة، وطبعها على شيء من عبث أخلاقه التي بلغت من هجاء الأمراء والوزراء وذوي المكانة من الناس إلى هجاء أبيه وإخوته وسائر أهل بيته حتى سنها طريقة، فيقال لمن يقفو أثره في عبث اللسان: ((إنه يجري في طريق ابن بسام)).
صارت الأدباء من يومئذ تطلق أيضاً على فنون المنادمة وأصولها، وأحسب ذلك جاء من طريق الغناء؛ إذ كانت تطلق أيضاً عليه في القرن الثالث لأنه بلغ الغاية من إحكامه وجردت فيه الكتب وأفردت له الدواوين من مختارات الشعر، كما سنفصله في موضعه، وكانوا يعتبرون معرفة النغم وعلل الأغاني من أرقى فنون الآداب، وفيها وضع عبيد الله بن الطاهر من ندماء الخليفة المعتضد بالله المتوفى سنة 289 كتابه ((الآداب الرفيعة)). لذلك قال بن خلدون: ((إن الغناء في الصدر الأول كان من أجزاء هذا الفن ((الأدب)) وكان الكتاب والفضلاء من الخواص في الدولة العباسية يأخذون أنفسهم به حرصاً على تحصيل أساليب الشعر وفنونه)).وقد ألف كشاجم الشاعر الرقيق الذي كان طباخ سيف الدولة ابن حمدان كتابه ((أدب النديم)) أودعه ما لا يستغني عنه الشريف، ولا يجوز أن بخلبه ظريف؛ وهو مطبوع مشهور. وعلى هذه الجهة قال أبو القاسم إسماعيل بن الشجري من شعراء القرن الرابع أيضاً، وقد جمع ((حرف)) الآداب: إن شئتَ تعلمُ في الآدابِ منزلتي وأنّني قد عداني العزُّ والنّعمُ
فالطّرفَ والسيفُ والأوهاقُ تشهدُ لي والعودُ والنّردُ والشّطرنجُ والقلمُ
وكل ذلك إنما كان في تاريخ البلديين، أما الأعراب فلم يجر عليهم حكم الأدب، ولم يتناولوا الكلمة على اصطلاحها، وإنما اتخذ بعضهم لقب الأديب يتمدح به على جهة ما ينشأ عنه من معاني الرقة الحضرية التي تقابل في طباعهم الجفاء ولوثة الأعرابية، كقول بعضهم، أنشده الجاحظ: وإنّي على ما كانَ من عنجهيّتي ولوثةِ أعرابيّتي لأديبُ
ولم ينتصف القرن الرابع عشر حتى كان لفظ ((الأدباء)) قد زال عن العلماء جملة، وانفرد بمزيته الشعراء والكتاب في الشهرة المستفيضة، لاستقلال العلوم يومئذ وتخصص الطبقات بها، على ما كان من ضعف الرواية ونضوب مادتها حتى قالو: ((ختم تاريخ الأدباء بثعلب والمبرد)) وكانت وفاة المبرد سنة 258 وثعلبة سنة 291؛ فيون ختام تاريخ الأدباء ((أي المعلمين)) في أواخر القرن الثالث، ومن يومئذ أخذ الأدب يتميز عن علم العربية، بعد أن كانوا يعدون ((الأدباء)) أصحاب النحو والشعر، وإن كان ذلك بقي موضوع علم الأدب؛ ومن هذا أنه لما وضع علي بن الحسين المعروف بالباخرزي كتابه ((دمية القصر)) الذي جعله ذيلاً على اليتيمة للثعالبي، عقد فيه فصلاً ((لأئمة الأدب)) قال في أوله: ((هؤلاء قوم ليس لهم في الدواوين الشعر رسم، ولا في قوانين الشعراء اسم)) ثم ترجم طائفة من علماء اللغة: كأبي الحسين بن فارس صاحب فقه اللغة، وابن جني النحوي، وأسد العامري، والجواهري صاحب الصحاح، وتلميذه أبي صالح الوراق، فدل صنيعه على أن الشعراء يومئذ كانوا هم المستبدين بلقب الأدباء، ولا يزالون على ذلك إلى اليوم وإلى ما شاء الله، لأن معنى الأدب قد استحجر فعاد لغوياً كأنه كذلك في أصل الوضع، من جهة الدلالة به على الشعراء والكتاب.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|