أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015
2009
التاريخ: 23-03-2015
1857
التاريخ: 22-03-2015
4154
التاريخ: 22-03-2015
2864
|
الاغراض هي الموضوعات التي يتناولها الشاعر
عرضا في قصيدته، وهي عادة «أمور ممهدة» للفنّ (الغرض الرئيسي) الذي يرمي اليه الشاعر.
ولقد كان الوصف والنسيب في القصيدة الجاهلية غرضين رئيسيين. واغراض الشعر الجاهلي كثيرة
منها:
1-وصف الاطلال: يأتي الشاعر لزيارة حبيبته
فيجد أهلها قد رحلوا بها عن المكان الذي عهدهم نازلين فيه، فيقف على طلل الخيمة (المكان
الذي كانت الخيمة منصوبة فيه) فيصفه ويصف ما حوله وينسب بالحبيبة ويتشوق اليها.
2-وصف الراحلة: وكذلك يصف الشاعر الراحلة
أو المطية (الناقة أو الفرس) التي يركبها للوصول إلى الحبيبة أو الممدوح. . .
3-وصف الصيد: وتصيد الجاهلي لسببين: إما
طلبا للمعاش كما كان يفعل صعاليك العرب، أو طلبا للهو كما كان يفعل امرؤ القيس، أو
لأنه كان يخرج في حاشية الملوك الذين يذهبون إلى الصيد كالنابغة.
4-وصف الطبيعة: ويصف الشاعر عادة ما يراه
في أثناء رحلته من صحراء أو أودية أو مطر أو رياح أو نهر أو مطر. وأشهر الوصافين في
الجاهلية امرؤ القيس.
وأصاب ابن رشيق لما قال (1):
«الشعر إلاّ أقلّه راجع إلى الوصف، ولا سبيل إلى حصره واستقصائه. وهو مناسب للتشبيه
ومشتمل عليه وليس به، ولكنه كثيرا ما يأتي في أضعافه (2). والفرق
بين الوصف والتشبيه أن هذا (الوصف) اخبار عن حقيقة، وأن ذلك (التشبيه) مجاز وتمثيل.
ومع الأيام تفرّع الوصف أبوابا في الشعر
فأصبح وصف النساء غزلا، ووصف الخمر خمريات، ووصف الصيد طردا. وهكذا إذا قلنا نحن اليوم:
«الوصف» عنينا الوصف المطلق أو وصف الطبيعة بما فيها من حياة: نبات وحيوان أو من موات
كالجبال والانهار والنجوم والأدوية والثياب والهياكل وما سوى ذلك.
والوصف في كل شيء نوعان: خيالي وحسّيّ.
فالوصف الخيالي يعتمد التشبيه والاستعارة ويحاول أن يستحضر الموصوف من الذاكرة. أما
الوصف الحسي فهو تصوير للموصوف. ولا ريب في أن الوصف الحسي أبلغ وأجود وأندر وأكثر
صعوبة من الوصف الخيالي. وقد ذكر أبو هلال العسكري الوصف فقال (ص 128): «أجود الوصف
ما يستوعب أكثر معاني الموصوف، حتى كأنه يصور الموصوف لك فتراه نصب عينك». وأورد
ابن رشيق قولا بارعا لبعض معاصريه يقول فيه (2:279): «أبلغ الوصف ما قلب السمع بصرا».
5-الحماسة: وهي وصف المعارك والفخر
بالنفس أو بالأسلاف. والحماسة أيضا تتضمن المعاني التي تدل على «الصبر على الحوادث
والتجلّد للأيام» وعلى «عدم المبالاة بما ينشأ عن التحول عن الإلف وترك الصديق والعشير،
لأن ترك الوطن والاخلال بالعشيرة ربما أدّى إلى التخاذل والتقاتل، فالصبر عليه كالصبر
على القتال»، كما يقول التبريزي (3).
6-الأدب: ويسمى الحكمة أيضا، ذكر آراء صائبة
تصدق في الواقع أو توافق المنطق أو توجز نتائج الاختبار الطويل في ألفاظ يسيرة. وليس
من الضروري أن ترد الحكمة على لسان العلماء والاذكياء وأصحاب الاختبار في الحياة فقط،
فلقد جرت أقوال من الحكمة البالغة على ألسن نفر من الجهال والأفدام والمشعبذين
وصغار السنّ ومن لا يكادون يبينون في كلامهم. والامثال على لسان الحيوان تدخل أيضا
في باب الحكمة، وكذلك التزهيد والمواعظ (4).
7-الغزل: تعبير عن عاطفة أصيلة في الانسان
أصالة الحاجة الجنسية فيه. وتغزّل الجاهلي بالمرأة وحدها، إلا أن غزله هذا جرى مجريين:
مجرى عفيفا ومجرى صريحا. أما الغزل العفيف فكان في البادية في الأكثر، وكان عفيف المعنى،
عفيف اللفظ. وقل ما صرّح الشاعر المحبّ باسم حبيبته في الشعر.
من أجل ذلك كان الغزل العفيف نسيبا يدور
حول بثّ الشوق وتذكّر الأيام الماضية والرغبة في لقاء الحبيبة، ويقل الغزل الصحيح
(وصف الأعضاء الظاهرة في المرأة) في هذا النسيب. ويحسن أن نلاحظ أن الغزل كان يقال
في المتزوّجات أكثر مما كان يقال في العذارى. حتى ذلك الذي كان يقال في العذارى كان
يجري في لفظ يدل على متزوّجة: أم الحويرث، أم الرباب، الخ. وكان إذا تغزّل المحب بحبيبته
وصرح باسمها منعوه من الزواج بها، وربما خلعوه وأخرجوه من القبيلة أو نفوه عنهم مرة
واحدة.
والبدوي الذي كان يسلك سبيل الغزل الصريح
كان مغرما بالصفات الجسمانية البارزة في المرأة: كان يحب المرأة الفخمة التي يضيق الباب
عن جسمها والتي تعجز عن أن تنهض من الأرض إلاّ بمعونة جواريها. وكان الجاهليون يحبّون
الحور. (شدة البياض في بياض العين وشدة السواد في سوادها). وكانوا يحبون الشعر الكثيف
الوافر (الطويل) الاسود الجعد، ويحبون الرأس البيضاوي الذي يكون فيه الخد أسيلا (طويلا)،
كما يكرهون اللون الأمهق (الذي لا يخالط بياضه حمرة أو صفرة). وكذلك كانوا يحبون العنق
الطويل.
وكان أهل الحضر يحبّون المرأة العبلة الرعبوبة
التي لا تبلغ في السمن مبلغ تلك التي يضيق الباب عنها. وذلك قول امرئ القيس في معلقته:
«مهفهفة بيضاء غير مفاضة».
وكان الجاهليون من أهل الحضر يحبون أن يغامروا
في سبيل الوصول إلى المرأة: فكانت المرأة المنيعة المتصوّنة المحاطة بالحراس والاسوار
أحبّ إليهم من المرأة المبتذلة، بينما البدوي كان يفضّل الوصول إلى المرأة من أيسر
سبيل.
والشاعر العفيف الغزل سواء، أ كان بدويا
أم حضريا، كان يغلب عليه الميل إلى امرأة واحدة يجد فيها نعيمه وشقاءه، سواء أ كانت
هي تبادله حبا بحب أم لا تبادله، كما رأينا في شأن عنترة مثلا فقد وقف سعادته على الزواج
بعبلة. ثم ان عبلة تزوّجت وظل هو يقول فيها الشعر ويتحبّب اليها.
8-الفخر: الفخر من توابع العصبية والحياة
القبلية. وكان الشاعر يفتخر بقومه أولا وبنفسه ثانية. ومقوّمات الفخر في الجاهلية كانت:
شرف الاصل وكثرة العدد والشجاعة والكرم وما يتفرّع منها. ويزيد الفخر بالنفس على الفخر
بالقبيلة «السيادة»، وذلك أن يكون المفتخر بقومة قد أصبح سيدا في قومه، وفي سنّ باكرة
على الأخصّ. وكان البدوي خاصة يفتخر بالنجدة (الاسراع إلى معونة الآخرين من ذات يده
أو ذات نفسه أو بسيفه). وكان أيضا يفتخر بشرب الخمر واسقائها (لأن الخمر كانت في الجاهلية
نادرة غالية الثمن).
9-المدح: كان الجاهليون يمدحون بالمكارم
التي كانوا يفتخرون بها. والمدح في الجاهلية كان فرقين: مديحا للشكر وللإعجاب يغلب
على أهل البادية كما نرى عند امرئ القيس وعند زهير بن أبي سلمى، ثم مديحا للتكسب يغلب
على أهل الحضر وساكني الحضر أو المتردّدين على الحضر، كما نرى عند النابغة والاعشى.
10-الرثاء: والرثاء في الحقيقة مديح الميت.
ولذلك نجد الجاهلين يرثون بالخصال التي كانوا يفتخرون بها ويمدحون. ولا ريب في أن رثاء
الاقارب كان في العادة أقرب إلى العاطفة. ويتصل بالرثاء النواح، وهو الشعر الذي كانت
تنوح به النساء على الميت. ويبدو أن النواح كان في الجاهلية قد قطع شوطا بعيدا من التقدم
حتى أصبح فنّا وصناعة وحرفة، فقيل في أمثالهم: «ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة».
11-وكذلك الهجاء: كان نزعا لتلك الصفات
الحميدة عندهم عن المهجو ووصمه بأضدادها: بضعة الأصل وقلة عدد القبيل وبالجبن
والبخل. ولكن مما يلفت النظر ان الجاهلي كان يهجو بالعيوب النفسية الخلقية ولم يهج
بالعيوب الجسمية الخلقية.
والهجاء بدوره كان فرقين أيضا: هجاء قبليّا،
وهو الاشهر والاكثر، ثم هجاء شخصيا في الأقل. إن الحياة القبيلية كانت تستتبع أن يكون
الهجاء -أو العداوة التي تقتضي الهجاء-قبليا. ولكن لم يكن ثمت مفرّ من أن يخاطب الشاعر
القبيلة المهجوّة بالتوجّه بالكلام إلى شاعرها. ألم يكن الشاعر هو الرافع لشأن القبيلة
وممثلها؟
والشاعر الجاهلي يطرق في معلقته عادة جميع
هذه الأغراض ويمر بها مرّا خفيفا. الا انه يتكئ على غرض واحد منها
في الأكثر أو على غرضين يجعل منهما الموضوع الأساسي المقصود من المعلقة كلها كالغزل
والفخر عند عنترة. أو كالغزل والوصف عند امرئ القيس أو كالاعتذار عند النابغة.
_________________
1) العمدة 2:287.
2) في تضاعيفه، في أثنائه.
3) راجع المثل السائر 33-36.
4) راجع العمدة 1:101.