أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-4-2019
1857
التاريخ: 8-1-2017
3310
التاريخ: 9-5-2019
2242
التاريخ: 22-4-2021
1634
|
الأحكام التاريخية في محكمة التاريخ
إنّ الأخلاقية الدينية واللا أخلاقية الدينية كما يحكم بها على الأحياء يحكم بها على الأموات بل على الأشخاص الذين يأتون مستقبلاً إذا علمنا بذلك كما نذكره بالنسبة إلى الدجال، والإمام المهدي (عجل الله فرجه)، والنبي عيسى (عليه السلام) الذي ينزل من السماء، فإذا قلنا إنّ فلاناً كان إنساناً سديداً عالماً عادلاً، قد حكم التاريخ له. وإن قلنا إنّه مزيف ومغرور وجاهل وسفّاك، كان قد حكم التاريخ بذلك. وهذا هو ما يفعله الحكماءُ والعقلاء في الحال الحاضر. فإنّ الشخصية الاقتصادية، أو الحكومية، أو الاجتماعية، إذا كانت فاقدة للأخلاق كان محكوماً عليها وإن أحاطت بنفسها بطـولة زائفـة اصطنعتها لنفسها وروّجتها لها حاشية من الاتباع والغوغائيين، كما هو شأن الديكتاتوريين، فيجدون من يصفِّقون لهم مقابل المال، أو خوف الإرهاب، فيمدحونهم بما لا يليق بهم، كما قال الشاعر في وصف أحد الحكّام الأمويين.
ما شئت لا ما شاءت الأقدار*** فاحكم فأنت الواحد القهّار
وفي زماننا أنشدت شاعرة (1) معروفة بالانحراف قصيدة لعبد الكريم قاسم تلتها من إذاعة بغداد، وفيها تخاطب عبد الكريم قاسم إله الكائنات.
ولمثل هذا تتأسف القلّة العاقلة من اضطراب القيم، واضطراب الموازين، وعزاؤهم الوحيد ـ إن كانوا دينيين ـ التاريخ والآخرة، وإن لم يكونوا دينيين التاريخ فقط، إذ سيحكم التاريخ عليه، وقد قالت إحدى شخصيات الغرب: تستطيع أن تخدم بعض الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكنّك لا تستطيع أن تخدع كلّ الناس كلّ الوقت، لأنّ كلّ الوقت هو التاريخ. لكنّ الغالب أنّ العقلاء لا ينخدعون حتّى في الوقت نفسه، لأنّ الموازين التي جعلها الله سبحانه وتعالى في الفطرة ويحكم بها العقل تتبيّن للراشدين في الوقت نفسه ولا يحتاج إلى مضي الزمان، فإنّ المنحرف والديكتاتور يتبيّنان من كلّ خطوة.
وعلى كل حال: فإنّ تاريخ العالم هو محكمة العالم، وحينما يعلّق بعض المؤرّخين على سلوك شخصيّات نتيجة استثارة هذا السلوك للنزعة التقيميّة للإنسان بوجه عام والمؤرّخ بوجه خاص مثل إدانة توينبي لأخلاق موسليني في حرب الحرس أو كقول أحدهم عن نابليون: إنّه متعجرف مغرور، أو كوصف أحدهم لأحد الملوك المنحرفين بأنّيده مدنَّسة في كلّ جريمة يمكن أن تُشين إنساناً، يكون هذا من حكم التاريخ، ولا يغيّر الواقع أن يكون هناك مرتزقة، ومتزلّفون، وطلاّب مناصب ومال وشهوة كما كانوا يحيطون بالخلفاء، والأمراء، ومن إليهم، إلى اليوم في الحكومات الديكتاتورية، فإنّ الضمير منطقة حرّة للإنسان مهما نافق في كلامه أو في عمله، فإنّ ضميره يؤنبه ويقول له: الصحيح.
وفي التاريخ رأينا من يمدح جنكيز خان(2) وتيمور لنك، ونيرون، والحجّاج، وهتلر، وستالين، ويزيد، والبهلوي الأوّل. كما وجدنا في زماننا من كان يمدح القتلة، والسّفاكين، وطلاّب الشهوات، من الحكّام المنحرفين، ولكن هذا لا يغيّر من الواقع شيئاً، ولا من التاريخ الصحيح حرفاً، والتاريخ هو التاريخ المبني على أسس دينية وأخلاقية دون غيره مهما اعتلت أصوات التهريج.
إشكال وجواب
يقول أحد شخصيّات الغرب: إنّ إدانة المؤرّخين للشخصيّات التاريخية، فيه تجاهل لأصول القضاء. فإنّنا في محاكمنا العادّية نحاكم متّهمين أحياء، فلا يصحّ أن يستدعى من أصبحوا في ذمّة التاريخ للمحاكمة، لأنّه لا يمكن أن يحاكم مرّتين، في حياتهم وبعد مماتهم. إنّهم ينتمون إلى الماضي الذي يرقد بهدوء، فحسبهم أن يصبحوا موضوع دراسة التاريخ وألاّ يعانوا أكثر من محاولة التفهّم لدوافع أفعالهم. أمّا أولئك المؤرّخون الذين نصَّبوا أنفسهم قضاة، يدينون هذا، ويبرئون هذا، ويعتقدون أنّ هذه هي وظيفة التاريخ، فإنّهم يتصفون بخلوّهم من الحماسة التاريخية.
أقول: إنّ هذا الكلام ليس إلاّ سفسطة، أو كلاماً شعرياً. فمن أين استدلّ بأنّه لا يمكن أن يحاكموا مرتين، ومن أين علم أن المؤرخين يتّصفون بخلوّهم من الحماسة التاريخية، ثم لم يفهم وجه وجيه لهذا الكلام، إذ ليس إلاّ دعوى بلا دليل.
وقد ذكر بعضهم في الردّ: أنّ الرجل التاريخي مادام قد مات وهو على كرسي الحكم وهذا هو الأغلب فإنّه لم يحاكم في حياته، فإن كان طاغية فإن أحداً من المؤرّخين من بني جنسيته لا يجرؤ على نقد أفعاله وقد جرّب هذا الرجل القائل هذا الكلام نفسه في عهد موسليني.
ثم إنّ الحكم على من أصبحوا في ذمّة التاريخ لا سيّما الذين مرّ على وفاتهم زمنٌ طويل أكثر موضوعية من الحكم عليهم في حياتهم، إذ مرجل الأحداث لازال يغلي فلا تتضح الرؤية السليمة، فضلاً من أنّ ضحاياه ما زالوا على قيد الحياة ومن ثمّ فإنّهم يؤثّرون عاطفياً على حكم المؤرّخ، بخلاف من أصبح وضحاياه في ذمّة التاريخ مثل شارلمان (3) أو نابليون. وقد ذكر المؤرّخون أنّ فرعون مصر الذي بنى الأهرام ضحى في سبيل ذلك بمئات الألوف من العمّال، والكادحين، والعبيد، ومن إليهم.
فهل يصح للمؤرّخ أن يمدح أولئك أو أن يسكت عن أولئك الذين فعلوا هذه المجازر الفجيعة في سبيل شهوة عابرة وخيال فارغ! بل السكوت عن ذلك جريمة وتشجيع للجريمة، وإنّ الناس الذين يأتون إلى الحكم من بعد كلّ ظالم إذا عرفوا أنّ الظالم يبقى على عرشه وقد ذهب من هذه الحياة، يتمادون أيضاً في غيّهم حيث لا حساب أمّا إذا رأوا جرائم السابقين، ارتدعوا ولو قليلاً ما.
وقد رأينا أنّ ذمّ ستالين، وهتلر، وموسليني، أثّر في الحكّام الذين يأتون من بعدهم حيث لم يتكرّر هتلر في المانيا، ولا موسليني في إيطاليا، ولا ستالين في روسيا، وكذلك حيث ذمّ فرعون الذي كان يقول {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات: 24] (4)، ونمرود الذي كان يقول لإبراهيم {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] (5)، وقارون الذي كدّس الأموال الكثيرة في حال أنّ جماعة من الشعب كانوا يبيتون جائعين، لم يبلغ بأحدهم ما بلغ به هؤلاء، فلا نجد من يقول: أنا ربّكم الأعلى، أو أنا أحيي وأميت، أو يكدّس الأموال الكثيرة بالباطل، وهذا أثر أخلاقيّات التاريخ.
______________
(1) وكانت تسمى : وفية أبو الأقلام.
(2) تيمو جين بن يشوكي والمشهور ب(جنكيز خان)، مؤسس الإمبراطورية المغولية، ولد سنة 1192م ومات إثر سقوطه عن صهوة جواده سنة 1227م، تولى الحكم وراثة وهو ابن الثالثة عشرة من العمر، وبفترة وجيزة أبرز شجاعته وجلده وقوته العسكرية وشرع في بناء إمبراطورية عظمى، حكم من سنة 1206م واستمر في الحكم إلى سنة 1227م واستطاع خلال هذه الفترة أن يوحد القبائل المغولية الوثنية المتنقلة وتوجيهها للفتوحات، وأخضع الكثير من البلدان لحكمه منها : منغوليا سنة 1206م والصين سنة 1215م، وفارس وأفغانستان وأرمينيا والهند وقسم كبير من روسيا.
(3) شارلمان أو شارل الأول الروماني ابن الملك بيبين، إمبراطور غربي، ولد سنة 124ه (742م) ومات سنة 198ه (814م)، حكم من سنة 150ه (768م) واستمر في الحكم إلى موته، تحالف مع الكرسي البابوي ضد بيزنطه، وتحالف معه هارون العباسي ؛ لأجل القضاء على دولة الأدارسة الشيعية التي كانت قائمة في المغرب فقدم هارون الهدايا والإعطيات له سنة 184ه (800م).
(4) سورة النازعات : الآية 24.
(5) سورة البقرة : الآية 258.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|