أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2014
1402
التاريخ: 5-10-2014
1639
التاريخ: 15-02-2015
1472
التاريخ: 24-11-2015
1828
|
ربّما يتوهّم وجود المنافاة بين دعوة الإسلام إلى العمل ونبذ الكسل وما يدلّ على لزوم الزهد والتوكّل على الله في الاُمور ، وهذا وهم يقف على بطلانه من له إلمام بالكتاب والسنّة ، فإنّ الزهد الذي ندب إليه الإسلام ، والتوكّل الذي حثّ عليه ليس بمعنى ترك تحصيل الدنيا وترك الاشتغال والعمل ، وإنّما يراد من الزهد عدم التعلّق بالدنيا كما فسّرته الأحاديث الشريفة ومنها قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : « الزّهد في الدّنيا قصر الأمل ، وشكر كلّ نعمة والورع عمّا حرّم الله عليك » (1) .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « ليس الزّهدُ في الدّنيا بإضاعة المال ، ولا بتحريم الحلال بل الزّهدُ في الدّنيا أن لا تكون بما في يدك أوثقُ منك بما في يد الله عزّ وجلّ » (2).
وعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال : « الزّهدُ بين كلمتين من القُرآن : قال الله سُبحانهُ : { لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } ومن لم يأس على الماضي ، ولم يفرح بالآتي ، فقد أخذ الزّهد بطرفيه » (3) .
وعن الإمام عليّ بن الحسين السجّاد (عليه السلام) أنّه جاءه رجل فقال له :
فما الزهد قال : « الزّهدُ عشرُ درجات ، فأعلى درجات الزّهد أدنى درجات الرّضا ، ألا وإنّ الزّهد في آية من كتاب الله { لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } » (4).
وأمّا التوكّل على الله فلا يعني ترك العمل بل يعني أن يتوسّل الإنسان بكلّ الأسباب الظاهريّة لقضاء حوائجه ، ولكي يرفع كلّ نقص في الأسباب الطبيعيّة يستمدّ المدد والعون من الله ، ويستعينه على التوفيق.
إنّ الإنسان المتوكّل يعلم أنّه يعيش في عالم الأسباب والمسبّبات وأنّ إرادة الله تعلّقت بأن يتوصّل الإنسان إلى مقاصده عن طريق هذه الأسباب ، فيكون التمسّك بهذه الأسباب أخذاً بأمره ، واتّباعاً لقانونه ، ولكن حيث إنّ هذه العلل والأسباب قد تقصر عن اداء المطلوب ، أو ربما لا يتعرّف الإنسان عليها أو على بعضها أو ربّما يعوقه عائق فإنّ الله يأمر المسلم بأن يتّكل على قدرة الله المطلقة ، ويطلب منه العون والمدد على قضاء حوائجه دون أن يقنط أو ييأس اتّجاه هذه المشاكل ، ويزداد هذا المعنى وضوحاً إذا علمنا بأنّ الحثّ على التوكّل والأمر به جاء في سياق آيات الجهاد والقتال والمرابطة ، والعمل ، والاجتهاد وقد خاطب الله ـ في الأغلب ـ به المجاهدين ، وإليك طائفة من هذه الآيات ، قال سبحانه : { إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ } ( آل عمران : 122).
وقال : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ( آل عمران : 173).
وقال : { نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ( العنكبوت : 58 ـ 59 (.
وقال : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ } ( آل عمران : 159).
وخلاصة القول : أنّ التوكّل على الله ليس بالمعنى المحرّف الذي ذهب إليه فريق من الناس من أنّه ترك العمل والجهد والسعي ، بل يعني أنّ الإنسان قد يواجه في حياته مشكلات يعجز عن التغلّب عليها وتجاوزها فعليه أن يستمد العون من الله تعالى ، وبهذا الطريق يحارب اليأس ، وتزداد روحه قوّة وصموداً ، ويتغلّب على مشكلاته.
وبعبارة اُخرى : إنّ التوكّل هو قسم من التوحيد الأفعالي الذي يعني أن يعتقد المسلم بأنّه لا مؤثّر مستقل في الوجود إلاّ الله سبحانه ، وأمّا غيره فليست إلاّ مؤثّرات وعوامل بإذنه ومشيئته سبحانه ، وبهذا لا يكون التوكّل منحصراً في صعاب الاُمور ، بل يعمّ هيّنها وصعبها جميعاً لأنّ معناه ـ حينئذ ـ هو أنّ العبد لا يقوم بفعل مهما كان سهلاً أو صعباً إلاّ بحول الله وقوّته وإلاّ بعونه وطوله سبحانه وتعالى ، وأنّ جميع الأسباب مؤثّرة بإذنه سبحانه ، ولعلّ الحديث التالي أوضح برهان على ما ذكرناه في معنى التوكّل مضافاً إلى ما سبق من الأحاديث :
عن عليّ بن عبد العزيز قال : قال أبو عبد الله [ الصادق (عليه السلام) ] : « ما فعل عُمرُ بنُ مُسلم » قلت : جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة ، فقال : « ويحه أما علم أنّ تارك الطّلب لا يستجاب له ».
إنّ قوماً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لمّا نزلت { وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) فأرسل إليهم وقال : « ما حملكم على ما صنعتم ؟ » فقالوا : يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، قال : « إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطّلب » (5) .
_______________________
(1) معاني الأخبار للصدوق : 239 ، ونهج البلاغة : الخطبة رقم 79.
(2) معاني الأخبار للصدوق : 239.
(3) نهج البلاغة : الحكم رقم 439.
(4) معاني الأخبار للصدوق : 239.
(5) نور الثقلين 5 : 354 ـ 355.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|