شهد العام الماضي في إنجلترا وويلز مستويات غير مسبوقة في حدوث حالات وفاة ناتجة عن تناول فئات معينة من عقاقير طبية موصوفة تستخدم لعلاج القلق وحالات الأرق.
وتشير إحصاءات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني إلى وفاة 372 حالة، من بينها حالات وفاة لأفراد تناولوا أدوية تستخدم في العلاج النفسي مثل بنزوديازيبين، بزيادة 8 في المئة عن أرقام العام الماضي، وهو أعلى معدل منذ بداية التسجيل في عام 1993.
وشهد عام 2014 صرف ما يزيد على 10 مليون وصفة طبية لدواء بنزوديازيبين في أنجلترا، لكن ثمة مخاوف متزايدة بشأن عمليات الحصول على الدواء بطرق غير شرعية.
وتوصلتحقيق استقصائي أجراه برنامج في بي بي سي 5 إلى أن مواقع الإنترنت تسهم بشكل واضح في توفير أنواع من حبات الدواء تحمل علامات تجارية بدون وصفات طبية أو بدون إشراف طبيب مؤهل.
وقالت وزارة الداخلية إن المجلس الاستشاري المعني بمراقبة سوء استخدام العقاقير جرى تكليفه ببحث القضايا المتعلقة بتوفير الأدوية على نحو غير شرعي.
ويتحدث كيث هوتون عن وفاة ابنه جيسون البالغ من العمر 24 عاما في عام 2014 بعد أن بدأ في تناول عقار بنزوديازيبين ليساعده على النوم بعد نوبات عمله غير المنتظمة كمسعف ويقول : "قال لنا إنه بدأ نوبات عمل ليلية تتضمن أربع نوبات عمل متتالية لمدة أربعة أيام".
وأضاف : "كان يعاني من صعوبات في النوم".
استطاع جيسون الحصول على الدواء بنفسه عن طريق الإنترنت وسرعان ما أصبح مدمنا له.
وقال كيث : "من الواضح منذ البداية أنه كان يشتري الدواء من تجار تجزئة على الإنترنت خارج البلاد".
وأضاف : "كان بعضهم في رومانيا وفي ألمانيا وفي باكستان وكان يطلبها من غرفة نومه في المنزل ويستلمها من شركة بريد رويال ميل. أصابتنا الصدمة، كحال أي من الآباء، الأمر متاح لأي شخص. فإن كان لديك بطاقة ائتمانية وتستطيع الاتصال بالإنترنت، بإمكانك طلب أي نوع من الدواء إلى منزلك مباشرة".
واعتبر الطبيب الشرعي لمانشستر ويست، ألان والش، وفاة جيسون ناتجة عن سوء استخدام والتأثير المزدوج لتناول عقار ديازيبام مع أدوية أخرى.
وحض والش وزيرة الداخلية البريطانية، تريزا ماي، على اتخاذ "إجراء عاجل" ضد تجهيز عقار بنزوديازيبين وعقاقير أخرى على الإنترنت لمنع حدوث مزيد من حالات الوفاة.
كما أعرب الطبيب الشرعي عن تخوفه من أن أحد تجار التجزئة على الإنترنت استطاع توفير عدد من الأدوية لجيسون في أظرف مغلقة عن طريق البريد.
ووردا على ذلك، تمكنت وكالة تنظيم المنتجات الدوائية والصحية البريطانية، بناء على طلب من وزارة الداخلية، من غلق الموقع.
وتوصل تحقيق بي بي سي 5 إلى أن أحد تجار التجزئة يعمل تحت نفس الاسم مازال يوفر حبات دواء بنزوديازيبين، ويقول إنه يسلم الطلب في أي عنوان داخل بريطانيا في غضون 3 إلى 5 أيام.
وقالت وكالة تنظيم المنتجات الدوائية والصحية إن المواقع المبلغ عنها والمشتبه في تعاملها على نحو غير شرعي تخضع لتحقيقات دقيقة ويتخذ بشأنها ما يلزم من إجراءات.
ولم يبد تاجر التجزئة أي استجابة لطلب التعقيب على وفاة جيسون أو أنشطته التجارية على الإنترنت.
وكانت دراسة نشرتها دورية بريطانية معنية بالصحة النفسية في عام 2014 قد استجوبت 1500 فرد من المجتمع بشأن استخدامهم أدوية البنزوديازيبين والتي يطلق عليها "عقاقير Z" المستخدمة لعلاج الأرق.
وتشير الإحصاءات إلى أن اجمالي 30 في المئة أساءوا استخدام عقار أو أكثر من هذه العقاقير الدوائية، وأن 27 في المئة من الحالات المسجلة حصلوا على الأدوية عن طريق الإنترنت، في حين حصل 11 في المئة على تلك العقاقير من الخارج.
ووفقا لأرقام مركز معلومات الصحة والرعاية الاجتماعية، تلقى نحو 18 ألف شخص علاجا في المستشفيات من تسمم له علاقة بعقار بنزوديازيبين في انجلترا خلال الفترة 2014 و 2015، فضلا عن حصول 584 طفلا دون سن 18 عاما على علاج أيضا.
وقالت رون برادلي، المديرة التنفيذية لمؤسسة "حلول الإدمان" الخيرية : " إدمان العقاقير الطبية الموصوفة قضية مازالت تحتاج لإحصاءات كافية في بريطانيا، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص يدمنون أدوية موصوفة طبيا مثل بنزوديازيبين على الأرجح".
وأضافت : "الخوف الأكبر الذي يواجهنا هو أن أولئك الذين يتحولون إلى مدمنين لا إراديا، يصبحون أكثر اعتمادا على العقاقير وينتابهم اليأس من عدم توافر مصادر الإمداد والخدمات والمشورة، كما يحولون الإنترنت إلى مصدر مكمل لإدمانهم".
وعقار بنزوديازيبين يخضع لقيود قانونية في بريطانيا من جانب التنظيمات الدوائية ووزارة الداخلية، وذلك بموجب قانون سوء استخدام العقاقير الطبية.
لكن الأنشطة التي تمارس على الإنترنت، تقع خارج نطاق اختصاص القضاء البريطاني.
وقال بيان وزارة الداخلية : "اتجاهنا بشأن العقاقير الدوائية مازال فعالا، وهناك تراجعا في الاستخدام على مدار العقد الماضي. سنواصل الاهتمام بالأضرار الناجمة عن سوء استخدام العقاقير الدوائية، من بينها تلك المتعلقة بالأدوية الموصوفة في وصفات طبية".
وأضاف البيان : "هذا هو سبب مواصلتنا الرقابة على عدد من الأدوية الموصوفة بمقتضى قانون سوء استخدام العقاقير الدوائية. وهذا يتضمن عقاقير بنزوديازيبين وترامادول ومورفين وكودين وديازيبام، وقد كلفنا المجلس الاستشاري المعني بسوء استخدام العقاقير بدراسة القضايا وطرق الإمداد غير الشرعية لهذه الأدوية."