أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-08-2015
908
التاريخ: 20-11-2014
1520
التاريخ: 6-08-2015
2604
التاريخ: 20-11-2014
1028
|
إعلم : أن أبا الحسن الأشعري وأتباعه لما لزمتهم هذه الأمور الشنيعة، والإلزامات الفظيعة، والأقوال الهايلة ، من إنكار ما علم بالضرورة ثبوته، وهو الفرق بين الحركات الاختيارية، والحركات الجمادية، وما شابه ذلك التجأ إلى ارتكاب قول توهم هو وأتباعه الخلاص من هذه الشناعات، ولات حين مناص، فقال مذهبا غريبا عجيبا، لزمه بسببه إنكار العلوم الضرورية، كما هو دأبه وعادته ...، من إنكار الضروريات، فذهب إلى إثبات الكسب للعبد، فقال: الله تعالى موجد للفعل، والعبد مكتسب له (1).
فإذا طولب بتحقيق الكسب، وما هو؟ وأي وجه يقتضيه؟ وأي حاجة تدعو إليه؟ اضطرب أصحابه في الجواب عنه.
فقال بعضهم: معنى الكسب: خلق الله تعالى الفعل عقيب اختيار العبد الفعل، وعدمه عقيب اختيار العدم، فمعنى الكسب: إجراء العادة يخلق الله الفعل عند اختيار العبد.
وقال بعضهم: معنى الكسب: أن الله تعالى يخلق الفعل من غير أن يكون للعبد فيه أثر البتة، لكن العبد يؤثر في وصف كون الفعل طاعة أو معصية، فأصل الفعل من الله تعالى، ووصف كونه طاعة أو معصية من العبد.
وقال بعضهم: إن هذا الكسب غير معلوم، ولا معقول، مع أنه صادر عن العبد. (2).
وهذه الأجوبة فاسدة:
أم الأول: فلأن الاختيار والإرادة من جملة الأفعال، فإذا جاز صدورهما عن العبد فليجز صدور أصل الفعل عنه. وأي فرق بينهما؟ وأي حاجة وضرورة إلى التمحل بهذا؟ وهو أن ينسب القبائح بأسرها إلى الله تعالى، وأن ينسب الله تعالى إلى الظلم، والجور، والعدوان، وغير ذلك، وليس بمعلوم.
وأيضا: دليلهم آت في نفس هذا الاختيار، فإن كان صحيحا امتنع إسناده إلى العبد، وكان صادرا عن الله تعالى، وإن لم يكن صحيحا امتنع الاحتجاج به.
وأيضا: إذا كان الاختيار الصادر عن العبد موجبا لوقوع الفعل، كان الفعل مستندا إلى فاعل الاختيار، إما العبد، أو الله تعالى، فلا وجه للمخلص بهذه الواسطة.
وإن لم يكن موجبا، لم يبق فرق بين الاختيار والآكل مثلا، في نسبتهما إلى إيقاع الفعل وعدمه، فيكون الفعل من الله تعالى لا غير من غير شركة للعبد فيه.
وأيضا: العادة غير واجبة الاستمرار، فجاز أن يوجد الاختيار، ولا يخلق الله تعالى عقيبه، ويخلق الله تعالى الفعل ابتداء، من غير تقدم اختيار، فحينئذ ينتفي المخلص بهذا العذر.
وأما الثاني: فلأن كون الفعل طاعة أو معصية: إما أن يكون نفس الفعل في الخارج، أو أمرا زائدا عليه. فإن كان الأول، كان أيضا من الله تعالى، فلا يصدر عن العبد شيء، فيبطل العذر.
وإن كان الثاني، كان العبد مستقلا بفعل هذا الزائد، وإذا جاز إسناد هذا الفعل فليجز إسناد أصل الفعل، وأي ضرورة للتمحل بمثل هذه المحاذير الفاسدة، التي لا تنهض بالاعتذار؟، وأي فارق بين الفعلين ولم يكن أحدهما صادرا عن الله تعالى، والآخر صادرا عن العبد؟.
وأيضا دليلهم آت في هذا الوصف، فإن كان حقا عندهم امتنع استناد هذا الوصف إلى العبد، وإن كان باطلا امتنع الاحتجاج به.
وأيضا كون الفعل طاعة، هو كون الفعل موافقا لأمر الشريعة، وكونه موافقا لأمر الشريعة إنما هو شيء يرجع إلى ذات الفعل: إن طابق الأمر كان طاعة، وإلا فلا. وحينئذ لا يكون الفعل مستندا إلى العبد، لا في ذاته، ولا في شئ من صفاته، فينتفي هذا العذر أيضا، كما انتفى عذرهم الأول.
وأيضا الطاعة حسنة، والمعصية قبيحة، ولهذا ذم الله تعالى إبليس وفرعون على مخالفتهما أمر الله. كل فعل يفعله الله تعالى فهو حسن عندهم، إذ لا معنى للحسن عندهم سوى صدوره من الله، فلو كان أصل الفعل صادرا من الله امتنع وصفه بالقبح، وكان موصوفا بالحسن، فالمعصية التي تصدر من العبد إذا كانت صادرة من الله امتنع وصفها بالقبح، فلا تكون معصية فلا يستحق فاعلها الذم والعقاب، فلا يحسن من الله تعالى ذم إبليس، وأبي لهب، وغيرهما، حيث لم يصدر عنهم قبيح، ولا معصية. فلا تتحقق معصية من العبد البتة.
وأيضا المعصية قد نهى الله تعالى عنها إجماعا، والقرآن مملوء من المناهي والتوعد عليها. وكل ما نهى الله تعالى عنه فهو قبيح، إذ لا معنى للقبيح عندهم إلا ما نهى الله عنه، مع أنها قد صدرت عن إبليس، وفرعون، وغيرهما من البشر. وكل ما صدر من العبد فهو مستند إلى الله تعالى، والفاعل له هو الله تعالى لا غير عندهم، فيكون حسنا حينئذ، وقد فرضناه قبيحا، وهذا خلف.
وأما الثالث: فهو باطل بالضرورة. إذ إثبات ما لا يعقل غير معقول.
وكفاهم عن الاعتذار الفاسد اعتذارهم بما لا يعلمون. وهل يجوز للعاقل المنصف من نفسه المصير إلى هذه الجهالات، والدخول في هذه الظلمات؟، والأعراض عن الحق الواضح، والدليل اللائح ؟ والمصير إلى ما لا يفهمه القائل، ولا السامع، ولا يدري؟ هل يدفع عنهم ما التزموا به؟ أو لا؟
فإن هذا الدفع وصف من صفاته، والوصف إنما يعلم بعد العلم بالذات، فإذا لم يفهموه كيف يجوز لهم الاعتذار به؟!.
فلينظر العاقل في نفسه، قبل دخوله في رمسه، ولا يبقى للقول مجال، ولا يمكن الاعتذار بهذا المحال.
____________
(1) الملل والنحل ج 1 ص 96 و 97، وشرح العقائد، وحاشيته للكستلي ص 117، وشرح التجريد ص 277.
(2) الملل والنحل ج 1 ص 97، والفصل لابن حزم ج 3 ص 81، وحاشية الكستلي على شرح العقائد ص 117، وغيرها من الكتب الكلامية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|