أعلنت اللّجنتان التّحضيريّة والعلميّة لمؤتمر الإمام الكاظم (عليه السّلام) الدّولي الثّاني عن مشاركة (52) باحثًا في المؤتمر. جاء ذلك في كلمة اللّجنتين الّتي ألقاها عضو اللّجنة الدّكتور فلاح عبد علي سركال. وتقيم العتبة المقدّسة أسبوع الإمامة العلميّ الدّولي الثّاني، تحت شعار (النبوّة والإمامة صنوان لا يفترقان) وبعنوان (منهاج الأئمّة -عليهم السّلام- في تربية الفرد والأمّة).
وفي أدناه نصّ الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلَا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلَا ظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بعزته الْأَعِزَّاء، وَتَوَاضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَمَاءُ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مَا يَشَاءُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على البشير النّذير، والسّراج المنير؛ سيدنا ونبيّنا أبي القاسمِ مُحمّد، وعلى أهل بيته أُولي النّهى، وأعلام الورى، ومصابيح الدّجى، وعلى أصحابه المنتجبين، ومَنْ والاه. السّلام على الحسين، وعلى الأرواح الّتي حَلَّتْ بفنائه، وأناخَتْ بِرحله، السّلام على أبي الفضل العبّاس، قمر العشيرة وسيّد الماء والفداء، السّلام على الحضور الأكارم ورحمة الله وبركاته. أمّا بعد فما مِنْ شَكٍّ أنَّ الإمامة منزلة عظيمة أوكلها الله لخاصّة أوليائه، وهي مرحلة تلت مرحلة تبليغ الرّسالة السّماوية من قبل رسولنا الأكرم محمّد (صل الله عليه وآله) ودامت على تعاقبِ العُصور والأزمان، وتستمرّ إلى أن يتحقق الوعد الإلهي على يدي إمامنا القائم المهدي (عَجَّلَ اللهُ تعالى فرجه الشّريف). فالإمامة منصِب إلهي، وأصل من أصول الدّين القويم، إذ لا يكتملُ إِيمَانُ عبدٍ مُؤمِنٍ مِنْ دُونِ الاعتقاد بها؛ ومن هنا وجب وجود إمام أو من ينوبُ عَنهُ فِي كُلِّ عَصر من العصو؛ من أجل هداية النّاسِ وإرشادهم إلى ما فيه خيرُهُم وصَلاحُهُم في أمور الدّين والدّنيا، وفي عباداتهم ومعاملاتهم، فقد قالَ اللهُ سُبحانه وتعالى في محكم كتابه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} وجاء أيضًا : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ..} فالإمامة تمثّل استمرارًا لأهداف النّبوة ومسؤوليّات الرّسالة، فلا يخلو عصر من العصور من إمام مفترض الطّاعة، منصّب من قبل الله تعالى، ليُقيم به الحُجَّة على عباده، ويهديهم إلى الصّراط المستقيم، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} وقد ورد في وصيّة الإمام الكاظم (عليه السّلام) لهشام بن الحكم: "يا هشام إِنَّ اللَّهِ على النَّاسِ حجتين، حُجَّةً ظاهرةً وحُجَّةً باطنةً، فأمّا الظاهرة فالرّسل والأنبياء والأئمّة، وأما الباطنة فالعقول". وقد بيّن الإمام علي بن موسى الرّضا (عليه السّلام) دور الإمام والإمامة في قوله: ((إِنَّ الإمامَ زِمَامُ الدِّين ونظام المسلمين، وصلاح الدُّنيا وعزّ المؤمنين، إنّ الإمامة أسّ الإسلام النّامي وفرعه السّامي، بالإمام تمامُ الصَّلاةِ والزَّكاة والصيام والحج، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، والإمامُ يُحلُّ حَلالَ اللهِ وَيُحرَمُ حرام الله، وَيُقِيم حُدُود اللَّهِ وَيَذِبُّ عَن دِينِ الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحُجَّةِ البالغة)). ولهذا يمكن القول: إن توجيهات الإمام وسيرته وأقواله هي مشروع حياة، ونظام مجتمع، وتربية للأسر والأفراد؛ لأنَّ الإمام معصوم ومُسدد مِنْ قِبَلِ الله تعالى، لأنّه لو جاز عليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يُسدّد خطأه، ويأخُذُ بيده، ولم تُؤمن منه الزلّة والخطأ والزّيادة والنّقصان. فوجب أن يكون أفضل الرّعية في جميع صِفات الكمال؛ من العلم والكرامة والشّجاعة والفقه والرّأفة والرّحمة وَحُسن الخُلُق والسّياسة وتدبير الأمور، ولابدّ من تميّزه بالكمالات النّفسيّة والكرامات الرّوحانيّة، بحيثُ لا يَفْضلُه في ذلك أحد من الرّعية. والإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) أحد أئمتنا العظام الّذين كَلَّت الأقلام عن إحصاء فضائله ومناقبه وعلمه وورعه وتقواه، ومن هنا جاءت الرّغبة في إقامة هذا المؤتمر المبارك، لِيُسلِّط الضّوء على جانب يسير من إشراقات هذا الإمام، وأثره في عُلوم القرآن والتّفسير، والتّربية الدّينية والعقديّة والفقهيّة والنّفسيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة. ولا يخفى على السّامعين الأكارم ما للعتبة العبّاسيّة المباركة من دور فاعل في إحياء تراث أهل البيت (عليهم السّلام) ونشرِ عُلومِهِم، ولمّا كان للإمام الكاظم (عليه السّلام) ذلك التّراث المعرفي الواسع، والإسهام العلميّ الزّاخر بكُلِّ نفيس وقيّم، أخذَ قِسم شؤون المعارف الإسلاميّة والإنسانيّة على عاتقه الاضطلاع بمهمّة نَشرِ عُلومِ هذا الإمام الهمام وإحياء تراثه، ودعوة الأقلام المبدعة؛ الأكاديميّة والحوزويّة وغيرها إلى ذلك، والتّنقيب في سيرته العطرة وأقواله القدسيّة، وبيان قيمتها العلميّة والتّربويّة والمعرفيّة الّتي تُؤثّر إيجابًا في حياة الأفراد والمجتمعات. وهذا الهدف السّامي هو ما دعا القائمين على العتبة العبّاسيّة المقدّسة إلى عقد هذا المؤتمر المُبارك الّذي يحملُ شِعار النّبوة والإمامة صنوان لا يفترقان) وقد نَالَ قسم شؤون المعارف الإسلاميّة والإنسانيّة شرف تبنّي الأبحاث الخاصّة بهذا الإمام الهمام، المعروف بكاظم الغيظ وراهب آل محمّد، وصيّ الأبرار وإمام الأخيار، ووارث السّكينة والوقار، والحكم والآثار، الّذي كان يُحيي اللّيل بالشّهر إلى السّحر بمواصلة الاستغفار، حليف السّجدة الطّويلة والدّموع الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، الّذي قيل في حقَّهِ: (إِنَّهُ التَّرياق المُجرّب) عليه وعلى آبائه آلاف التّحية والسّلام. وكانَ مِنْ ثمار هذا المؤتمر، أن تناولت أيدي الباحثين سيرة هذا الإمام، وتراثه العلميّ والمعرفي بالبحث والدّراسة والتّنقيب، فَبَلَغَ عَدد البحوث الواردة إلينا اثنين وخمسين بحثاً، وقد تناولت هذه البحوث مُختلف الجوانب العلميّة والتّربويّة الّتي أشاعها الإمام قولًا وفعلًا، لباحثين حوزويين وأكاديميين، مِنْ مُختلف محافظات العراق، ومِنْ دُولٍ أُخرى، كإيرانَ وَمِصْرَ وسوريا وغيرها، وَقَدْ قُبِلَ مِنْ هذه البحوث (أربعة وعشرون) بحثًا، بَعدَ أَنْ عُرِضَتْ على لجنة علميّة متخصّصة. فلا يسعنا في هذا المقامِ إِلَّا أَنْ نُقَدِّمَ عَظِيم شُكرنا وامتناننا لجميع الحاضرين والمشاركين والباحثين الّذين أسهموا بإحياء تراث هذا الإمام (عليه السّلام) عَبرَ رفد المؤتمر بالأبحاث القيّمة والمشاركات العلميّة، وندعو الله أن يكون الجميع من المشمولين بقول الإمام الكاظم (عليه السّلام): (طوبى لشيعتنا، المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم). ولا يفوتنا أنْ تُرْجِي آيَات الشّكر والعرفان لِكُلِّ مَنْ شارك في إنجاح هذا المؤتمر من لجان علميّة وتحضيريّة وتنظيميّة وإعلاميّة. نسأل الله أنْ يُسدّد خُطى الجميع، ويأخذ بأيديهم إلى خَيرِ الدُّنيا والآخرة، إِنَّهُ نِعم المولى ونعم النّصير، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيدنا ونبيّنا محمّد وعلى أهل بيته الطّيبين الطّاهرين.