أكّد رئيسُ قسم التربية والتعليم العالي في العتبة العبّاسية المقدّسة الأستاذ الدكتور أحمد صبيح الكعبي مساء اليوم السبت، أنّ الشهادة الجامعيّة في عمقها رسالةٌ وطنيّة على عاتق الشباب المتعلِّم.
جاء ذلك خلال كلمة الأمانة العامّة للعتبة العبّاسية المقدّسة، التي ألقاها الدكتور الكعبي في حفل تخرّج طلبة الجامعات العراقيّة المركزيّ، وهذا نصّها:
ما كان لأمّة وجودٌ مكين بين الأمم، ولا لمجتمع نظامٌ رفيع من القيم، ولا لحضارة سيرٌ حثيث نحو القمم، إلّا بتقديس القرطاس والقلم. "اقرأ"... هي ذي رسالة السماء وحكمة الزمان ماضياً وحاضراً، لكلّ مجتمع يروم أن يكون صرحه عامراً، وحضوره غامراً، وخيره وافراً، ومستقبله زاهراً. ما أبلغ هذا العصر إذ يحدث رأي العين بالشأن العظيم للعلم ومؤسّساته، وبالدور الجليل الذي صارت تؤدّيه في تحويل مسار حياة الأمم، من مسارٍ دوريّ إلى مسارٍ خطّي تصاعديّ يؤدّي إلى الرخاء والازدهار، ولعلّ من أمارات تعاظم هذا الشأن تحوّل الاقتصاد العالميّ اليوم من اقتصاد سلعٍ إلى اقتصاد عقول، وليس المعنيّ الأوّل بهذا غير الجامعة، إذ هي مصنع العقول اللّامعة، والعبقريّات المبدعة، والمواهب البارعة.
انطلاقاً من هذا الوعي العميق، ومن البصر النافذ في الوضع الراهن لبلدنا ومقتضياته، وفي إطار استراتيجيّةٍ من ثوابتها رعاية كلّ ما من شأنه الارتقاء بواقع وطننا العزيز وأبنائه، يأتي احتفاءُ العتبة العبّاسية المقدّسة بالطلبة المتخرّجين هذا العام الدراسيّ في جامعاتنا العراقيّة الغرّاء، فهو قبل أن يكون احتفاءً بشخوص، احتفاء بطاقاتٍ علميّة عمليّة واعدة ما أحوج بلدنا إليها، فكلّ خريجٍ في هذا الجمع المبارك التماعةُ أمل وبشارة خير بالفجر المنتظر، الفجر الذي يعيد هذا البلد المعطاء إلى المكانة التي يستحقّها والمنزلة التي تليق به، والمرتبة التي هو بها قمين، وكلٌّ منّا عليها أمين.
وإذا كان من مقاصد هذا الاحتفاء أن نبارك لأبنائنا الطلبة تخرّجهم وإتمامهم المسيرة الجامعيّة الأوّلية بنجاح، وأن نهنّئهم على تحصيلهم العلميّ المستحقّ، وإنجازهم المعرفيّ الذي نفخر به، فإنّ من المقاصد الأُخَر لاحتفائنا ومحفلنا أن نذكّرهم بما ينتظرهم من مسؤوليّةٍ أهَّلَهم لها هذا التحصيل، مسؤوليّة تجاه وطنهم ومجتمعهم الذي ينتظر منهم أن يكونوا في مستوى الرجاء، فيُترجموا العلم إلى عملٍ واقعيّ منظور في سبيل التنمية والتقدّم، وأن يتحلّوا بالتفهّم العميق لما يقع على عاتقهم، وبالوعي اللّازم بدورهم المفترض الذي ينبغي أن يجلو العلاقة المُثلى بين الجامعة والمجتمع، فالشهادة الجامعيّة في عمقها رسالةٌ إنسانيّةٌ ووطنيّة على عاتق الشباب المتعلِّم، الذين هم عماد كلّ أمّة، إليهم ترنو الأنظار، وعليهم يعوَّل في البناء والإعمار.
ولعلّ من أوكد مقاصد هذا الاحتفاء التأكيد على أنّ الطالب الجامعي كيانٌ جدير بالفخر والتكريم والثناء، فهو فخرٌ لبلده ومجتمعه، نعم... هكذا يُنظر إليه، وعليه أن يكون في مستوى هذه النظرة، وذا إدراكٌ موازٍ لمكانته، فيتحلّى بالهيبة والوقار، ويُعطي الشهادة التي يحملها أسمى قيمةٍ واعتبار، فيربَأُ بنفسه عن بعض الصور السلوكيّة الشائنة، والتصرّفات غير المنسجمة مع الأدب الجامعيّ الحقّ، التي صار بعضُ الطلبة الجامعيّين -للأسف– ينحدر إليها في إطار "حفلات التخرّج" وما شابهها، التي صارت تُدبَّر وتُقام بكيفيّةٍ يراد من ورائها الحطّ من قيمة الجامعة والجامعيّ، وهيهات ذلك، فنحن نثق بوعي أبنائنا الطلبة الجامعيّين الكِرام، ونأمل منهم -ومن الذين يهمّهم الأمر جميعاً- العمل على إدانة ومحاربة مثل هذه الظواهر، والتوكيد على البُعد التربويّ والقيميّ في الانتساب للجامعة... إنّما الجامعيّون نخبةُ المجتمع وقادتُهُ الحقيقيّون.
وفي ختام القول ومنتهاه: نتقدّم بالشكر البالغ، والثناء الصادق لكلّ مَنْ أسهَمَ في هذا الحدث الوطنيّ العلميّ المتجدّد، وعمل من أجل أن نكون هنا اليوم، وأن نُقيمَ هذا المحفل المبارك احتفاءً بأبنائنا خرّيجي العراق الحبيب... شكراً لجامعاتنا اللّامعة الغرّاء، ولكلّياتها الناصعة الغنّاء، التي أنتجت لنا هذه النخبة المضيئة من صنّاع المستقبل المُرتجى، شكراً لكلّ القائمين على الجامعات ومسيِّرِي شؤونها على جهودهم الطيّبة ومساعيهم الحميدة، التي نسأل الله تعالى أن يوفّقهم إلى مزيدٍ منها خدمةً لهذا البلد المظلوم، وأن يجزيهم عنها خير جزاء العاملين بتفانٍ وإخلاص.
كما نشكر أولياء أمور خرّيجينا الأعزّاء، شركاء الجامعات في هذا الإنجاز العلميّ الوطنيّ المُبهِج، ونسأل الله تعالى أن يقرّ عيونهم بأبنائهم وينيلهم بهم أوفر الخير وأحسن الجزاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.