خلال حفل افتتاح مهرجان فتوى الدّفاع المقدّسة الذي انطلقت فعّالياته صباح اليوم كانت هناك كلمةٌ للعتبة العبّاسية المقدّسة ألقاها متولّيها الشرعي سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) واستعرض فيها جملةً من الأمور والقصايا ذات الأهميّة، أبرزها:
- لا شكّ ولا ريب أنّ التاريخ لا يُمكن أن يُختصر بكلمات قليلة، ولا يُمكن أن يُكتب ما لم نعرف السرّ في ذلك وإن كان بكلماتٍ قليلة.
- تاريخ العراق تاريخٌ حافل بمشاكل كبيرة، الذي يطّلع على تاريخ العراق ويدقّق في ذلك يعرف بشكلٍ خاص أنّ هذا البلد لموقعيّته الخاصّة تعرّض الى ما تعرّض، ولا نريد أن ننظر الى الوراء بقدر ما نريد أن نبيّن بعض الحقائق التي نعاصرها أو نشاهدها.
- عندما باشرنا قبل ثلاث سنوات لم نكن نعلم الى أين ستكون الأمور.
- نحن نعلم أنّ الشعب لابُدّ أن ينتصر، لكن متى وكيف هذا لا يُمكن أن نحرز وقته في حينها.
- كنّا نعلم أنّ الشعب سينتصر لأنّ القضيّة كانت قضيّة واقعيّة وقضيّة صحيحة، وهذه القضيّة الواقعيّة والصحيحة جاءت بزخمٍ قويّ جدّاً يمتدّ الى أكثر من ألف سنة، وهذا الزخم لابُدّ أن تكتمل مسيرته ولا يقف عند حدٍّ معيّن.
- كانت تسقط الضحايا وتُراق الدماء وتُستباح بعض الأراضي لكن الأمل كان واضحاً أنّ المعركة في نهايتها هي معركة نصر.
- إنّ الذي يقاتل ويحارب وفق عقيدةٍ واضحة فهو لا يخسر أبداً لأنّ الشعار الذي يرفعه هو إمّا نصر وإمّا قتلٌ في سبيل الله، وكلا الأمرين على المستوى الشخصي ستكون فيه ثمار ويكون فيه فتح وتكون فيه فائدة، وعلى مستوى المدّة أيضاً تكون فيه ثمار على ديمومة هذا الفتح.
- هذا العنوان عنوان المرجعيّة وهو عنوان النيابة عن الإمام، نتعامل مع هذا العنوان على هذا النحو المقدّس عندما نستشعر أنّ هناك مشكلة وهذه المشكلة تحتاج هذا الزخم ليتدّخل.
- الذي يميّز هذه الفتوى أو من جملة مميّزاتها أنّ العدوّ المقابل من هو؟، لا يوجد عدوّ مقابل مشخّص فهو ليس كيان دولة حتّى تتعامل دولة مع دولة، وهو لا يخضع لموازين المنظّمات الدوليّة ولا يخضع لمعايير يُمكن أن يُضغط عليه من خلالها ولا يُمكن أن تحدث وساطة لأنّ الوساطة تكون مع جهة معلومة، لذلك كانت صعوبة أن تنطلق الفتوى لأن تواجه هذا الكيان المتشرذم الذي له أجندة خاصّة وله طريقة في التعامل مع الحدث وطريقة في القسوة وإدارة ملفّ القتل والإرهاب، ليس من السهل أن تتعامل مع هكذا كيان ولذلك عندما يُقابل هذا الكيان أيضاً بزخمٍ جماهيريّ كبير من القوّات الأمنيّة بجميع المسمّيات وتآزر جميع القوى لابُدّ أن نتوقّع النتائج الطيّبة، والحمد لله شهدنا هذه النتائج بأمّ أعيننا.
- ننبّه ما دام العمل مع هذا الوجود المبعثر من جهة، فعلى الجميع أن يتنبّه الى خطره، ليست عبارة عن دولة وقُضي عليها وإنّما عبارة عن وجودات ومن الممكن هذه الوجودات أن تنبع من هنا أو من هناك فلابُدّ من اليقظة والحذر الجيّد.
- نحن اليوم نجلس لقراءة الفاتحة على أناسٍ قُتلوا بنفس الطريقة التي قُتل فيها أو استشهد فيها المقاتلون، ومن نفس الجماعات التي هي جماعات إرهابيّة صدرت من أجل القضاء عليها هذه الفتوى المباركة.
- لابُدّ من اليقظة والتنبّه دائماً فهكذا وجودات تحتاج الى يقظةٍ مستمرّة من جميع القوّات الأمنيّة بجميع مسمّياتها.
- نعم.. نحن بحمد الله تعالى انتصرنا والنصر كان منّا وإلينا وبنا، هذا كلّه تمّ بحمد الله تعالى لكن لابُدّ من اليقظة المستمرّة للمستقبل.
- جريمة سبايكر هذه الجريمة حقيقةً هي جريمةُ العصر، فليتّسع صدر الأحبّة لما سأقول، نحن شعبٌ يضحّي كثيراً وينزف دماءً كثيرة، لكن المشكلة لا نستطيع أن نظهر هذه المظلوميّة وهذه الجرائم بشكلٍ قانونيّ الى العالم، يعوزنا الكثيرُ من الفهم لأن تكون هذه الجرائم شواهد على المعاناة من هذا الشرّ.
- إحصائيّة لأيّ متتبّع لأحداث العراق من زمن النظام السابق الى الآن، أيّ متتبّع لإحصائيّة يُحاول أن يُجمل عدد الشهداء الذين قُتلوا في زمن النظام السابق والذين استُشهدوا بسبب المفخّخات والذين استُشهدوا أيضاً بسبب الأحداث الداعشية، كم يكون العدد؟ حقيقةً سنخرج بنتائج مرعبة لكن لا أحد يعلم بها.
- قدرتنا على إبراز مظلوميّة العراقيّين وما تعرّضوا له لا زالت قدرة متواضعة مع وجود كافة الوسائل الحديثة المساعدة على ذلك، لكن لا زالت قدرتنا على إقناع الرأي العام العالمي بما ضحّينا به من دماء لا زالت هذه المسألة مسألة جدّاً متواضعة.
- إنّنا قليلو التوثيق، عادةً لا نوثّق وإنّما تمرّ الأحداث سراعاً ثمّ تأتي أحداثٌ أخرى فننسى وننشغل بالثانية، وتأتي الأحداث الثالثة وننسى الثانية وننشغل بالثالثة وهكذا، ولذلك دقائق كثيرة من الأحداث المهمّة ضاعت وقد تبقى خزين الذكريات والإنسان بالتقادم ينسى بعض التفاصيل.
- عندما تأمّلنا من ذلك قرّرنا في العتبة العبّاسية المقدّسة أن لابدّ من أن نوثّق الآن ولا ننتظر التوثيق أن يأتينا بعد عشرين سنة، الآن نبدأ بالتوثيق وفعلاً قد بدأنا بهذا المشروع وهناك جهد بُذل من أجل توثيق موسوعة تتحدّث عن بطولات الإخوة الأعزّاء خلال هذه الفترة، طبعاً ممّا جادت به أقلام الإخوة أعتقد لا زالت هناك بعض الخفايا لكن لم نُسعف بها أي لم تصلنا المادة من مجموعة من الإخوة، لتكاسل أو لنسيانهم أو لعلّه لعدم وصول الأمر اليهم.
- الآن ممكن أن نتأخّر شهر أو شهرين إذا كانت هنالك مواد قويّة جدّاً تصل الينا تتحدّث عن بطولات الشباب وعن التضحية الكبيرة وعن الأسر الكريمة التي فقدت أعزّتها، وهنالك صور مهما تأمّل بها الإنسان لعلّه يتصوّر هذه القضية أكبر من الواقع بل أشبه بالخيال، سواءً كانت ببطولات الشباب وتضحياتهم وجسارتهم و بأسهم وبسالتهم في القتال، هنالك روحية عالية جدّاً ولو بقيت الأمور الى عشر سنوات أو عشرين سنة ستجد نفس الهمّة عند هؤلاء، بالعكس الآباء يورثونها الى الأبناء وهذا شيء مهمّ نفتخر به.
- نحن في العراق مررنا بحالات ليس فيها أمل لكن هؤلاء الإخوة واقعاً كانوا يزرعون الأمل، بحيث لا يوجد شيء نفتخر به ما عدا هؤلاء الإخوة، كما تقول المرجعية (هم فخرنا) وهم لم يأخذوا من البلد ولا شبراً من الأرض.
- أقول وبمرارة كثيرٌ من الشهداء نُسوا وكثيرٌ من الجرحى أيضاً نُسوا وكأنّهم لم يكونوا، أهل القرار معنيّون وأنا أتحدّث بواقعيّة وسيُسلب منهم التوفيق أيّ سلب إذا لم يلتفتوا الى الأحبّة من الشهداء والجرحى.
- التاريخ يُكتب بمداد لكن التاريخ إذا كُتب بالدماء تكون له شأنيّة أخرى.
- جريمة سبايكر هؤلاء البررة من الشباب الأعزّاء، ما هي جريمتهم بحيث يُقتلون بهذه الطريقة؟! أبشع طريقة من التشفّي وحالة من الانتقام وحالة من الغدر، وهؤلاء لو كانوا رجالاً لقابلوهم في المعركة لكنّ شيمتهم الغدر دائماً وأنتم علمتم في المعارك ماذا كان يدور، البعض لم يبلغوا الحلم والبعض لا يزال في بداية البلوغ وواجه هؤلاء بروحٍ قويّة وقَتَل منهم.
- هذه المعادلة لابدّ أن تُبَرّز، أهل القرار أمام قضيّتين قضيّة الوفاء لهؤلاء وقضيّة أنّ هذا ليس على نحو منبر الوفاء عمليّاً لهؤلاء، فماذا نصنع لهم؟ وماذا نؤدّي لهم؟ وبماذا نكرمهم؟ والمرحلة الثانية هي مرحلة التوثيق، فهؤلاء جزءٌ من تاريخ العراق وجزءٌ نفتخر به عندما تلتئم أجزاء العراق من الأجزاء الأصيلة الملاصقة لخارطة العراق هم هؤلاء الفتية والأحبّة الذين استُشهدوا.
- لابدّ من وجود قناعة ووجود قرار حقيقيّ لمداراة البلد من خلالها، لا أقول مداراة هؤلاء فهم سبقونا الى رضوان الله تعالى وإنّما البلد يحتاج أن يداري نفسه بالاعتماد على هؤلاء.
واختتم السيّد الصافي: "أنا أغتنم فرصة وجودكم الكريم هنا مثمّناً كلّ الدور الذي بذلتموه بحضوركم لهذا المهرجان، وأشكر جميع الحضور من الجهات المدنيّة والعسكريّة لأنّ هذه القضيّة قضيّة الجميع وليست مختصّة بالعتبة العبّاسية المقدّسة، بل قضيّة بلد فلابدّ من استنفار جميع الطاقات وبذل كلّ ما يُمكن من أجل أن تبقى هذه الشعلة وضّاءة وهي شعلة الدماء، أسأل الله تبارك وتعالى بأرواح هؤلاء الشهداء أن يحفظ البلد وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار، وأن يتحقّق طموح الجرحى والشهداء بأن يروا هذا البلد بلداً معافى من جميع الأدواء الجسديّة منها والروحيّة".