أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2021
4367
التاريخ: 16-3-2021
11749
التاريخ: 24-3-2021
7870
التاريخ: 25-3-2021
7431
|
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران : 77] .
ذكر تعالى الوعيد لهم على أفعالهم الخبيثة ، فقال : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} أي : يستبدلون {بِعَهْدِ اللَّهِ} أي : بأمر الله ، وما يلزمهم الوفاء به . وقيل : معناه إن الذين يحصلون بنكث عهد الله ، ونقضه {وَأَيْمَانِهِمْ} أي : وبالإيمان الكاذبة {ثَمَنًا قَلِيلً} أي : عوضا نزرا ، وسماه {قَلِيلًا} لأنه قليل في جنب ما يفوتهم من الثواب ، ويحصل لهم من العقاب . وقيل : العهد ما أوجبه الله على الانسان من الطاعة ، والكف عن المعصية . وقيل : هو ما في عقل الانسان من الزجر عن الباطل ، والانقياد للحق .
{أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} أي : لا نصيب وافر لهم {فِي} نعيم {الْآخِرَةِ} {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} فيه قولان أحدهما : إنه لا يكلمهم بما يسرهم ، بل بما يسوءهم وقت الحساب لهم ، عن الجبائي . والآخر : إنه لا يكلمهم أصلا ، وتكون المحاسبة بكلام الملائكة لهم ، بأمر الله إياهم ، استهانة بهم {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} معناه : لا يعطف عليهم ولا يرحمهم ، كما يقول القائل للغير : انظر إلي يريد : ارحمني . وفي هذا دلالة على أن النظر إذا عدي بحرف (إلى) لا يفيد الرؤية ، لأنه لا يجوز حملها هنا على أنه لا يراهم بلا خلاف .
{وَلَا يُزَكِّيهِمْ} أي : لا يطهرهم . وقيل ك لا ينزلهم منزلة الأزكياء ، عن الجبائي . وقيل : لا يطهرهم من دنس الذنوب والأوزار بالمغفرة ، بل يعاقبهم .
وقيل : لا يحكم بأنهم أزكياء ، ولا يسميهم بذلك ، بل يحكم بأنهم كفرة فجرة ، عن القاضي {ولهم عذاب أليم} مؤلم موجع . وفي تفسير الكلبي عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله يقول : " من حلف على يمين كاذبة ، ليقطع بها مال أخيه المسلم ، لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ، وتلا هذه الآية .
وروى مسلم بن الحجاج في الصحيح بإسناده من عدة طرق ، عن أبي ذر الغفاري ، عن النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) قال : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة . والمنفق سلعته بالحلف الفاجر . والمسبل إزاره " . وعن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله (صلَّ الله عليه وآله وسلم) قال : " من حلف على يمين صبر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر ، لقي الله وهو غضبان " . أورده مسلم أيضا في الصحيح .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص327-328 .
لا دين لمن لا عهد له :
قال الرازي في تفسير هذه الآية : « يدخل فيها جميع ما أمر اللَّه به ، ويدخل ما نصب عليه الأدلة ، ويدخل المواثيق المأخوذة من جهة الرسول ، ويدخل ما يلزم الرجل به نفسه ، لأن كل ذلك من عهد اللَّه الذي يلزم الوفاء به » .
وفي الحديث ان رسول اللَّه (صلَّ الله عليه واله) ما خطب خطبة الا وقال فيها : « لا ايمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له » .
وتدلنا هذه الآية وهذا الحديث ، وغيرهما كثير من الآيات والأحاديث ، تدلنا ان الإسلام يرتبط بالأخلاق ارتباطا وثيقا ، ومن ثم أوجب الوفاء بكل التزام وتعامل يقع مع الغير ، واعتبره تعاملا مع اللَّه والتزاما له بالذات ، حتى ولو كان الطرف الثاني ملحدا ، على شريطة ان لا يتنافى الالتزام مع المبادئ الأخلاقية ، والا وقع باطلا .
وكذلك الحال بالنسبة إلى القضاء وفصل الخصومات ، حيث أوجب الإسلام على القاضي أن يصغي إلى صوت الضمير وحجة الأخلاق قبل أن يستمع إلى أقوال المتخاصمين . . ان النظرية الأخلاقية هي الركيزة الأولى للشريعة الإسلامية بجميع قواعدها وأحكامها ، دون استثناء ، ومن أجل هذا هدد اللَّه الذين ينكثون بالعهد ، ويغدرون بالأمانة بما لم يهدد به أحدا من مرتكبي الكبائر والجرائم ، وذلك حيث يقول عز من قائل : {أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} . أما السر لهذا الحرص الشديد على الوفاء ، والتهديد على مخالفته فهو الحفاظ على المصالح ، وتبادل الثقة بين الناس ، وصيانة الحقوق التي هي أساس الأمن والنظام .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص92-93 .
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} تعليل للحكم المذكور في الآية السابقة ، والمعنى أن الكرامة الإلهية خاصة بمن أوفى بعهده واتقى لأن غيرهم - وهم الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - لا كرامة لهم .
ولما كان نقض عهد الله وترك التقوى إنما هو للتمتع بزخارف الدنيا وإيثار شهوات الأولى على الأخرى كان فيه وضع متاع الدنيا موضع إيفاء العهد والتقوى ، وتبديل العهد به ، ولذلك شبه عملهم ذلك بالمعاملة فجعل عهد الله مبيعا يشترى بالمتاع ، وسمي متاع الدنيا وهو قليل بالثمن القليل والاشتراء هو البيع فقيل : يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ، أي يبدلون العهد والأيمان من متاع الدنيا .
قوله تعالى : {أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} إلى آخر الآية ، الخلاق النصيب ، والتزكية هي الإنماء نموا صالحا ، ولما كان الوصف المأخوذ في بيان هذه الطائفة من الناس مقابلا للوصف المأخوذ في الطائفة الأخرى المذكورة في قوله : {مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى} ، ثم كانت التبعات المذكورة لوصفهم أمورا سلبية أفاد ذلك :
أولا : أن الإتيان في الإشارة بلفظ أولئك الدال على البعد لإفادة بعد هؤلاء من ساحة القرب كما أن الموفون بعهدهم المتقون مقربون لمكان حب الله تعالى لهم .
وثانيا : أن آثار محبة الله سبحانه هي الخلاق في الآخرة ، والتكليم والنظر يوم القيامة ، والتزكية والمغفرة ، وهي رفع أليم العذاب .
والخصال التي ذكرها الله تعالى لهؤلاء الناقضين لعهد الله وأيمانهم أمور ثلاثة : أحدها : أنهم لا نصيب لهم في الآخرة ، والمراد بالآخرة هي الدار الآخرة من قيام الوصف مقام الموصوف ويعني بها الحياة التي بعد الموت كما أن المراد بالدنيا هي الدار الدنيا وهي الحياة الدنيا قبل الموت .
ونفي النصيب عنهم في الآخرة لاختيارهم نصيب الدنيا عليه ، ومن هنا يظهر أن المراد بالثمن القليل هو الدنيا ، وإنما فسرناه فيما تقدم بمتاع الدنيا لمكان توصيفه تعالى إياه بالقليل ، وقد وصف به متاع الدنيا في قوله - عز من قائل - : {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء : 77] ، على أن متاع الدنيا هو الدنيا .
وثانيها : أن الله لا يكلمهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ، وقد حوذي به المحبة - الإلهية للمتقين من حيث إن الحب يوجب تزود المحب من المحبوب بالاسترسال بالنظر والتكليم عند الحضور والوصال ، وإذ لا يحبهم الله فلا يكلمهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة وهو يوم الإحضار والحضور ، والتدرج من التكليم إلى النظر لوجود القوة والضعف بينهما فإن الاسترسال في التكليم أكثر منه في النظر فكأنه قيل : لا نشرفهم لا كثيرا ولا قليلا .
وثالثها : أن الله لا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، وإطلاق الكلام يفيد أن المراد بهما ما يعم التزكية والعذاب في الدنيا والآخرة .
____________________
1 . تفسير الميزان ، ج3 ، ص 230-231 .
المحرفون للحقائق :
تشير الآية إلى جانب آخر من آثام اليهود وأهل الكتاب . ولكونها وردت بصيغة عامّة ، فإنّها تشمل كلّ من تنطبق عليه هذه الصفات .
تقول الآية : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} أي الذين يجعلون عهودهم مع الله والقسم باسمه المقدّس موضع بيع وشراء لقاء مبالغ مادّية ، سيكون جزاءهم خمس عقوبات :
أحدها : أنّهم سوف يُحرمون من نِعم الله التي لا نهاية لها في الآخرة {أُولئِكَ لا خَلاقَ (2) لَهُمْ} .
ثمّ إنّ الله يوم القيامة يكلّم المؤمنين ولكنّه لا يكلّم أمثال هؤلاء {ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} .
كما إنّ الله سوف لا ينطر إليهم بنظر الرحمة واللطف يوم القيامة {ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} . ومن ذلك يعلم أن الله تعالى في ذلك اليوم يتكلم مع عباده المؤمنين (سواء مباشرة أو بتوسط الملائكة) ممّا يجلب لهم السرور والفرح ويكون دليلاً على عنايته بهم ورعايته لهم ، وكذلك النظر إليهم ، فهو إشارة إلى العناية الخاصّة بهم ، وليس المقصود النظر الجسماني كما توهم بعض الجهلاء .
أمّا الأشخاص الذين باعوا آيات الله بثمن مادي فلا يشملهم الله تعالى بعنايته ، ولا بمحادثته .
ولايطهّرهم من ذنوبهم {ولا يُزَكِّيهِمْ} .
وأخيراً سيعذّبهم عذاباً شديداً {ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} .
وليس المقصود من «الثمن القليل» أن الإنسان إذا باع العهد الإلهي بثمن كثير فيجوز له ذلك ، بل المقصود أي ثمن مادّي يعطى مقابل إرتكاب هذه الذنوب الكبيرة ، حتّى وإن كان هذا الثمن يتمثّل في رئاسات كبيرة وواسعة ، فهي مع ذلك قليلة .
بديهيّ أنّ كلام الله ليس نطق اللسان ، لأنّ الله منزّه عن التجسّد ، إنّما الكلام عن طريق الإلهام القلبي ، أو عن طريق إحداث أمواج صوتية في الفضاء ، كالكلام الذي سمعه موسى (عليه السلام) من شجرة الطور .
ملاحظة :
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه العواقب الخمس المترتّبة على «نقض العهد» و«الأيمان الكاذبة» المذكورة في هذه الآية ربّما تكون إشارة إلى مراحل «القرب والبعد» من الله .
إنّ من يقترب من الله ويدنو من ساحة قربه تشمله مجموعة من النِعم الإلهيّة المعنوية ، فإذا ازداد اقتراباً كلّمه الله ، وإن دنا أكثر نظر إليه الله نظرة الرحمة ، وإن اقترب أكثر طهّره الله من آثار ذنوبه ، وأخيراً ينجو من العذاب الأليم وتغمره نِعم الله ، أمّا الذين يسيرون في طريق نقض العهود واستغلال اسم الله بشكل غير مشروع ، فيحرمون من كلّ تلك النِعم ويتراجعون مرحلة بعد مرحلة . في تفسير الآية 174 من سورة البقرة ، المشابهة لهذه الآية ، شرح أوفى للموضوع .
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص333-335 .
2 ـ «خلاق» من مادة «خُلُق» بمعنى النصيب والفائدة . وذلك لأن الإنسان يحصل عليها بواسطة اخلاقه (وهو إشارة إلى أنهم يفتقدون الأخلاق الحميدة التي تؤهلهم للانتفاع في ذلك اليوم) .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|