أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-12-2015
2032
التاريخ: 15-9-2021
2470
التاريخ: 22-04-2015
2300
التاريخ: 8-10-2014
3753
|
ان جميع المعاملات التي يبرمها الانسان مع غيره ينبغي ان يتوافر فيها شرط الصدق، فاذا فقدت مصداقيتها فإنها ستنتهي الى ما لا يُحمد عقباه، وحينئذ سيصل افراد المجتمع الى حالة مأساوية، لأنهم سيصبحون لم يصدقوا بكل ما يطرح عليهم، ويشككون بصدق ما يطرحه الناس عليهم من عروض ومعاملات.
وبهذا سنفقد الكلمة الصادقة، وسنفقد معرفة الصادق من غيره، عندئذ سنفقد حقيقة اخبار الناس الحقيقية، لعدم تفرقة الناس بين الصدق والكذب، وستتلاشى معرفة حقيقة ما يدور بينهم، لهذا لو فقدنا شرف الكلمة لانهارت الروابط الانسانية بين البشر، ولأنعدم التعاون فيما بين افراد المجتمع في جميع مجالات الحياة .
ان وجود الصدق في أي مجتمع يعني وجود حياته كريمة، فلا حياة كريمة لأي مجتمع بدون الصدق، فالصدق هو الذي يصنع الثقة والاحترام بين الأفراد، فهو مثلا يصنع ثقة المريض بالطبيب ويجعل المريض يُسلم نفسه له، وهو الذي يجعلنا نُصدق بما ينقل الينا من تراث، كروايات الدين والتاريخ، والذي يُعرّفنا بحقيقة ما يدور في العالم من حوادث واخبار.
ولولا الصدق لما صدقنا مواثيق الناس وعقودهم من بيع وشراء وغيرهما، ولولاه لما أطاعَ الناس ولاتهم، وستتوقف العدالة في القضاء، وسيكون الجاني بريئا نزيها، والبريء الصادق هو الذي تحوم حوله الشكوك بالجريمة والانحراف إذا ما جعلوه مجرما...
وبالتالي ستتحول الحياة الى غابة يفترس بعضهم بعضا، فالقوي يأكل الضعيف، ويتقدم الأراذل ويتأخر الأشراف، ويتصدر الجهلاء والمرتزقة ادارة الامور، وينزوي العلماء والفضلاء، بينما يتقدم الجهلاء الذين يدعون العلم والمعرفة، ليدعون الناس الى التشكيك بكل ما هو صادق ونافع[1]
وتأسيسا على ما ذكرناه يتضح لنا ان المجتمع الذي لا يتصف بالصدق ستتحول حياته الى فوضى عارمة يأكل بعضه بعضا، ويسرق ويغتصب بعضه بعضا، وتهدر الحقوق وتهان الحرمات.
لذلك وضع الإسلام وقاية بمنتهى الروعة إذا تمسك بها المجتمع لم تحل به تلك الكارثة، ألا هي اتباع الصادقين واحتقار الكاذبين وعزلهم، ويتولى الصادقون كشف الكذب والكاذبين بكل الوسائل، كما امرنا الله تعالى في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[2].
اوصاف الصادقين
يتصف الصادقون بعدة صفات من اهمها:
استواء ظاهرهم وباطنهم.
اجتنابهم المعاصي واقامتهم الواجبات الشرعية دون رياء.
وفائهم بما عاهدوا: قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[3].
وقال تعالى: {قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[4].
وقد وعد سبحانه الصادقين الجنة لصدقهم مع ربهم سبحانه وتعالى ومع الناس، فهم المعول عليهم في احياء الحياة ([5]).
ومما ينبغي الاشارة اليه ان الفطرة الانسانية ميالة بطبيعتها الى الصدق ورافضة الكذب، ولذلك نجد الناس الأسوياء يتصفون بالصدق، ويعدون الكذب صفة غير انسانية، بل يتجمع الصادقون مع بعضهم ولا يجعلون للكاذبين مكانا معهم، لأن طبيعة كل انسان سوي يحب ان يسمع من الصادق وينفر من الكاذب، لأن صفة الكذب يكتسبها الافراد في مجتمعاتنا منذ الصغر.
لهذا اتخذت الدول المتقدمة برامجا علمية ومنظمة في تربية اولادها على الصدق منذ طفولتهم، ويعلمونهم الصدق بطرق نفسية حديثة وناجحة، فعندما يكسر الطفل اثناء اللعب زجاجة الشباك مثلا، فاذا لوح له الابوان بالعقوبة حينئذ سيضطر الطفل على الانكار، ولكن إذا منحا له الحرية في التعبير فانه سيشرح لهما بصدق كيف كسر زجاجة الشباك، وسيشرح لهما ايضا كيف سيتجنب كسرها في المستقبل، وبهذه الطريقة النفسية التنموية سنجنب الطفل منذ نعومة اظافره التعود على الصدق والاشمئزاز من الكذب.
وهذه النظرية التربوية النفسية التي اتخذتها الدول المتقدمة لإعداد اجيالها اعدادا صحيحا أكد عليها الإسلام في مواضع متعددة، منها ما قاله الامام الصادق(عليه السلام ): (رحم الله تعالى من أعان ولده على بره) فقيل له: كيف يعينه على بره؟ قال: (يقبل ميسورة ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به)[6].
وكثيرا ما يُكرّه بعض الاباء اطفالهم على العبادة كالصلاة والصيام، مما يضطر الطفل أن يكذّب لعدم معرفة حقيقتها وعدم تحمله اداءها، وبسبب ذلك يبتعد الطفل عن الصدق شيئا فشيئا، حتى تفارقه صفة الصدق بصورة تامة ويصبح كذابا منافقا ازدواجيا في كل ما يقول ويعهد، كما سيكره تلك العبادات، بل سيضجر منها ويكفر بها، وقد يلازمه ذلك حتى بلوغه، وهذا ما وجدناه في الكثير من الأسر المتشددة التي ترغم صغارها على العبادة والممارسات الدينية دون اقناعهم وتعليمهم بذلك.
لهذا ورد عن الامام الصادق عن رسول الله (عليهم السلام ) انه قال: (ان هذا الدين متين فأوغلوا به برفق، ولا تكرهوا عبادة الله الى عباد الله)[7] وعنه(عليه السلام ) ايضا قال: (لا تكرّهوا انفسكم العبادة)[8].
وقال ايضا: (اجتهدتُ في العبادة وانا شاب فقال لي أبي يا بني دونما اراك تصنع، فان الله تعالى إذا أحبَ عبدا رضيَّ عنه باليسير)[9].
وبهذا المعنى أشار أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام ) حيث قال: (ان للقلوب اقبالا وادبارا، فاذا اقبلت فحملوها على النوافل، وإذا ادبرت فاقتصروا على الفرائض)[10].
ومن أهم وسائل تنمية الصدق عند الاطفال ان تكون تربيته في المدرسة والبيت والمحيط الذي يتواجد فيه بصدق الكلام وتنفيره من جميع مظاهر الكذب ..
نعم تعد العبادة الوسيلة الاساسية التي تمنع المسلم عن ممارسة الفحشاء والمنكر، ولكن لا يمكن ذلك إلا بعد افهامها والاقتناع بها، فلا تنفع عبادة الطفل إلا بعد افهامه بالمتيسر من كلماتها ومعانيها ومقاصدها وغاياتها، بغية تفعيلها في سلوكه، وتنمية فطرة الصدق عنده، ويبتعد عن جميع اشكال الكذب، بحيث يجعل الكذب مكروها له، عندئذ سيتأثر بالسلوك الجمعي المحيط به فينساق تلقائيا الى طريق الصدق والاستقامة، لهذا فالغاية من عبادة الطفل هي التدريب والترويض والتعليم والاقـتـناع والتصديق بالغايات والمقاصد التي شُرعت العبادات من اجلها، كالتحلي بالأخلاق الطيبة واجتناب السيئات، كالفحشاء والمنكر الى ما غير ذلك من المنكرات الاخرى عرفا وشرعا.
وقال الامام الصادق(عليه السلام ): (لا تنظروا الى طول ركوع الرجل وسجوده فان ذلك شيء اعتاد عليه فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا الى صدق حديثه وإداء أمانته)[11].
وقال الامام(عليه السلام ) ايضا: (ان الله تعالى لم يبعث نبيا إلا بصدق الحديث واداء الامانة الى البر والفاجر)[12].ولعل من بين أهم اسباب نجاح نشر مذهب اهل البيت(عليهم السلام ) هو تمسك اتباعهم الحقيقيون بما كان يتصف به اهل البيت الاطهار(عليهم السلام ) من صدق في القول ووفاء في العهد، لأن دعوة اهل البيت(عليهم السلام ) كانت تبدأ بهم، فكانوا يدعون الناس الى الصدق وهم افضل الصادقين، والى الوفاء بالعهد وهم خير الناس التزاما به، وهكذا سائر القيم والمبادئ الأخلاقية الاخرى.
فالداعي الذي يدعو الناس بدعوة معينة إذا كان هو غير ملتزم بها فان الناس لا تصدق بدعواه، بل يسري الشك في قلوبهم في اصل الدعوة ومصدرها.
ولذلك اصبح هذا النمط من الدعاة بسبب كذبهم بلاء على الإسلام ونقمة، وهذا ما اكده الامام الصادق(عليه السلام ) بقوله: (كونوا دعاة للناس بالخير بغير السنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع)[13].
وفي ضوء ما تقدم انَّ صفة الصدق عند الناس ينبغي ان تكون متوارثة لتتحول الى عادة يأخذها جيل عن جيل صعودا حتى تتصل بالصادق الامين (صل الله عليه واله وسلم )
تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة
[1] انظر: الأخلاق الإسلامية 1/485 .
[2] سورة التوبة: الآية 119 .
[3] سورة الأحزاب : الآية 23 .
[4] سورة المائدة : الآية 119.
[5] انظر: مجمع البيان: الشيخ الطبرسي 3/462 .
[6] الكافي 6/50 .
[7] المصدر نفسه 2/86 .
[8] المصدر نفسه 2/86 .
[9] المصدر نفسه 2/86.
[10] غرر الحكم ودرر الكلم: الآمدي ص251.
[11] انظر: اصول الكافي 2/104.
[12] انظر: المصدر نفسه 2/104 و105.
[13] انظر: المصدر نفسه 2/105 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|