المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



تفسير الاية (1-14) من سورة النازعات  
  
16509   09:40 صباحاً   التاريخ: 19-2-2018
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النازعات /

قال تعالى : {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ } [النازعات: 1 - 14].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{والنازعات غرقا} اختلف في معناها على وجوه (أحدها) أنه يعني الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم بالشدة كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المدى وروي ذلك عن علي (عليه السلام) ومقاتل وسعيد بن جبير وقال مسروق هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم وقيل هو الموت ينزع النفوس عن مجاهد وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام) (وثانيها) أنها النجوم تنزع من أفق إلى أفق أي تطلع وتغيب عن الحسن وقتادة وأبي عبيدة والأخفش والجبائي قال أبو عبيدة تنزع من مطالعها وتغرق في مغاربها (وثالثها) النازعات القسي تنزع بالسهم والناشطات الأزهاق عن عطاء وعكرمة وعلى هذا فالقسم بفاعلها وهم الغزاة المجاهدون في سبيل الله.

 {والناشطات نشطا} في معناها أقوال (أحدها) ما ذكرناه (وثانيها) أنها الملائكة تنشط أرواح الكفار بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أجوافهم بالكرب والغم عن علي (عليه السلام) والنشط الجذب يقال نشطت الدلو نشطا نزعته {وثالثها} أنها الملائكة تنشط أنفس المؤمنين فتقبضها كما تنشط العقال من يد البعير إذا حل عنها عن ابن عباس وحكى الفراء هذا القول ثم قال والذي سمعت من العرب أن يقولوا كأنما أنشط من عقال ونشطت الحبل ربطته وأنشطته حللته {ورابعها} أنها أنفس المؤمنين عند الموت تنشط للخروج وذلك أنه ما من مؤمن يحضره الموت إلا عرضت عليه الجنة قبل أن يموت فيرى موضعه فيها وأزواجه من الحور العين فنفسه تنشط أن تخرج عن ابن عباس أيضا (وخامسها) أنها النجوم تنشط من أفق إلى أفق أي تذهب يقال حمار ناشط عن قتادة والأخفش والجبائي.

 {والسابحات سبحا} فيها أقوال (أحدها) أنها الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا ثم يدعونها حتى تستريح كالسابح بالشيء في الماء يرمي به عن علي (عليه السلام) والكلبي (وثانيها) أنها الملائكة ينزلون من السماء مسرعين وهذا كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه عن مجاهد وأبي صالح (وثالثها) أنها النجوم تسبح في فلكها عن قتادة والجبائي وقيل هي خيل الغزاة تسبح في عدوها كقوله والعاديات ضبحا عن أبي مسلم وقيل هي السفن تسبح في الماء عن عطاء {فالسابقات سبقا} فيها أقوال أيضا (أحدها) أنها الملائكة لأنها سبقت ابن آدم بالخير والإيمان والعمل الصالح عن مجاهد وقيل إنها تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء وقيل إنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة عن علي (عليه السلام) ومقاتل (وثانيها) أنها أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها وقد عاينت السرور شوقا إلى رحمة الله ولقاء ثوابه وكرامته عن ابن مسعود (وثالثها) أنها النجوم يسبق بعضها بعضا في السير عن قتادة والجبائي (ورابعها) أنها الخيل يسبق بعضها بعضا في الحرب عن عطاء وأبي مسلم.

{فالمدبرات أمرا} فيها أقوال أيضا {أحدها} أنها الملائكة تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة عن علي (عليه السلام) {وثانيها} أن المراد بذلك جبرائيل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل (عليه السلام) يدبرون أمور الدنيا فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم عن عبد الرحمن بن سابط (وثالثها) أنها الأفلاك يقع فيها أمر الله تعالى فيجري بها القضاء في الدنيا رواه علي بن إبراهيم أقسم الله تعالى بهذه الأشياء التي عددها وقيل تقديره ورب النازعات وما ذكر بعدها وهذا ترك للظاهر بغير دليل .

وقد قال الباقر والصادق (عليهما السلام) إن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وليس لخلقه أن يقسموا إلا به والوجه في ذلك أنه سبحانه يقسم بخلقه للتنبيه على موضع العبرة فيه لأن القسم يدل على عظم شأن المقسم به وجواب القسم محذوف فكأنه سبحانه أقسم فقال وهذه الأشياء لتبعثن ولتحاسبن.

 {يوم ترجف الراجفة} يعني النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق والراجفة صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب كالرعد إذا تمخض {تتبعها الرادفة} يعني النفخة الثانية تعقب النفخة الأولى وهي التي يبعث معها الخلق وهو كقوله {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} ويوم منصوب على معنى {قلوب يومئذ واجفة} يوم ترجف الراجفة ومعنى الواجفة الشديدة الاضطراب أيضا وهذا معنى قول الحسن وقتادة وغيرهما وقيل معناه يوم تضطرب الأرض اضطرابا شديدا وتحرك تحركا عظيما يعني يوم القيامة تتبعها الرادفة أي اضطرابة أخرى كائنة بعد الأولى في موضع الردف من الراكب فلا تزال تضطرب حتى تفنى كلها وقال ابن عباس معنى الواجفة خائفة والمراد بذلك أصحاب القلوب يعني أنها قلقة غير هادئة ولا ساكنة لما عاينت من أهوال يوم القيامة.

 {أبصارها خاشعة} أي ذليلة من هول ذلك اليوم قال عطاء يريد أبصار من مات على غير الإسلام {يقولون أ إنا لمردودون في الحافرة} أي يقول هؤلاء المنكرون للبعث من مشركي قريش وغيرهم في الدنيا إذا قيل لهم إنكم مبعوثون من بعد الموت أ نرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا والحافرة عند العرب اسم لأول الشيء وابتداء الأمر قال ابن عباس والسدي الحافرة الحياة الثانية وقيل الحافرة الأرض المحفورة والمعنى أ نرد من عبورنا بعد موتنا أحياء {أ إذا كنا عظاما نخرة} أي بالية مفتتة والمعنى أنهم أنكروا البعث فقالوا أ نرد أحياء إذا متنا وتفتت عظامنا يقال نخر العظم ينخر فهو ناخر ونخر.

 {قالوا تلك إذا كرة خاسرة} أي قال الكفار تلك الكرة الكائنة بعد الموت كرة خسران ومعناه أن أهلها خاسرون لأنهم نقلوا من نعيم الدنيا إلى عذاب النار والخاسر الذاهب رأس ماله وإنما قالوا كرة خاسرة على معنى أنه لا يجيء منها شيء كالخسران الذي لا يجيء منه فائدة فكأنهم قالوا هي كالخسران بذهاب رأس المال لا تجيء به تجارة فكذلك لا تجيء بتلك الكرة حياة وقيل معناه إن كان الأمر على ما يقوله محمد من أنا نبعث ونعاقب فتلك كرة ذات خسران علينا ثم أعلم سبحانه سهولة البعث عليه فقال {فإنما هي} يعني النفخة الأخيرة {زجرة واحدة} أي صيحة واحدة من إسرافيل يسمعونها وهم أموات في بطون الأرض فيحيون وهو قوله {فإذا هم بالساهرة} وهي وجه الأرض وظهرها عن الحسن وقتادة ومجاهد وغيرهم وقيل إنما سميت الأرض ساهرة لأن عملها في النبت في الليل والنهار دائب ولذلك قيل خير المال عين خرارة في أرض خوارة(2) تسهر إذا نمت وتشهد إذا غبت ثم صارت اسما لكل أرض وقيل المراد بذلك عرصة القيامة لأنها أول مواقف الجزاء وهم في سهر لا نوم فيه .

_______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص252-255.

2- الخرار : الكثير الخرير وهو صوت الماء وارض خوارة : اللينة السهلة .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{والنَّازِعاتِ غَرْقاً} . لقد تعددت أقوال المفسرين في النازعات وما بعدها ، ونلخص منها قول الشيخ محمد عبده بشيء من التصرف الذي يتفق مع غرضه . .

من تتبع آي الذكر الحكيم يجد ان اللَّه تعالى أقسم بالأزمنة والأمكنة وأشياء أخر . .

ومن تأمل في جميع ما أقسم به وجده شيئا قد أنكر الناس وجوده ، أو احتقروه ، أولم ينتبهوا إلى ما فيه من الدلائل على قدرة اللَّه وعظمته ، فيقسم تعالى بما أنكروا لتقرير وجوده ، أو بما احتقروا لتعظيم شأنه ، أو تنبيها إلى ما فيه من الدلائل على قدرته ، جلت عظمته ، وأقسم هنا ببعض مخلوقاته إظهارا لاتقان صنعها وغزارة فوائدها ليعلم المكذبون بالبعث ان من قدر على ذلك فهو على إحياء الموتى أقوى وأقدر .

والمراد بالنازعات الكواكب لأنها ترمي بالشهب ، يقال : نزع عن القوس أي رمى عنها ، وأيضا يقال : أغرق في الرمي إذا بالغ فيه {والنَّاشِطاتِ نَشْطاً} .

تقول العرب : نشط فلان نشطا من المكان إذا خرج من بلد إلى بلد ، وعليه يكون المعنى ان الكواكب تتقلب من برج إلى برج {والسَّابِحاتِ سَبْحاً} أي ان الكواكب تتحرك في الفضاء {فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً} . تتمم دورتها بسرعة حول ما تدور عليه ، ومعلوم ان سرعة كل شيء بحسبه من حيث الضخامة وعدمها {فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً} أي ان الكواكب يظهر أثرها إلى الخارج بما ينفع الناس كمعرفة الأوقات والأقطار ، واختلاف الفصول ، وما إلى ذلك من أسباب الحياة .

هذا تلخيص لحوالي ثلاث صفحات من جزء عمّ للشيخ محمد عبده ، سطرها في معنى هذه الكلمات ، ونحن لا نجزم بقوله ولا بقول من قال : ان النازعات هي الملائكة أو غيرها وغير الكواكب ، لا نجزم بشيء من هذه الأقوال لأنها لا تستند إلى دليل ، والراسخون في العلم يعترفون بالجهل والعجز عن معرفة الغيب ، ولا يقولون ما لا يعلمون .

{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} أي الأرض لقوله تعالى : {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ والْجِبالُ} - 14 المزمل والمعنى ان الأرض تضطرب يوم القيامة بمن فيها ، ويعتريها الخراب والدمار {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} وهي السماء وما فيها تردف الأرض أي تتبعها خرابا ودمارا ، قال تعالى : {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ} - 2 الانفطار . {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أَبْصارُها خاشِعَةٌ} . المراد بالقلوب هنا قلوب المجرمين حيث تدرك يوم القيامة ما يحل بها وبأصحابها من أليم العذاب ، فتنخلع خوفا ورعبا ، ويظهر أثر ذلك واضحا في عيون المجرمين أرباب القلوب الخافقة في ذلك اليوم وقد كانت من قبل كقلوب الانعام السائمة في غباوتها والصخور في قساوتها .

{يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ} . الحافرة في اللغة الرجوع إلى الحالة الأولى بعد الخروج منها ، والمعنى كيف نعود إلى الحياة بعد أن ننتقل منها إلى الموت ؟ عجبا {أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً} بالية لمبعوثون خلقا جديدا ! {قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ} أنكروا البعث ، فهددهم سبحانه بعذاب الجحيم ، فقالوا ساخرين :

إذن ، نحن أخسر الناس صفقة في يوم القيامة ! . ثم ما ذا ؟ وأية غرابة في ذلك ؟

ألستم أنصار الباطل والضلال ؟ {ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} - 27 الجاثية . {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ} . هذا من كلامه سبحانه يرد به على المكذبين الساخرين ، ومعناه ان إحياء الموتى على اللَّه سهل يسير {إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ} - 53 يس . {فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} فما ان تنطلق الصيحة حتى يحشر اللَّه الخلق على أرض بيضاء . قال الشيخ محمد عبده : سميت بذلك لأن السراب يجري فيها ، من قولهم : عين ساهرة أي جارية الماء لا ينقطع جريانه منها .

_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص506-507.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

في السورة أخبار مؤكد بوقوع البعث والقيامة، واحتجاج عليه من طريق التدبير الربوبي المنتج أن الناس سينقسمون يومئذ طائفتين أصحاب الجنة وأصحاب الجحيم وتختتم السورة بالإشارة إلى سؤالهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن وقت قيام الساعة والجواب عنه.

والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: {والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا} اختلف المفسرون في تفسير هذه الآيات الخمس اختلافا عجيبا مع اتفاقهم على أنها إقسام، وقول أكثرهم بأن جواب القسم محذوف، والتقدير أقسم بكذا وكذا لتبعثن.

فقوله: {والنازعات غرقا} قيل: المراد بها ملائكة الموت تنزع الأرواح من الأجساد، و{غرقا} مصدر مؤكد بحذف الزوائد أي إغراقا وتشديدا في النزع.

وقيل: المراد بها الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار من أجسادهم بشدة، وقيل: هو الموت ينزع الأرواح من الأبدان نزعا بالغا.

وقيل: المراد بها النجوم تنزع من أفق لتغيب في أفق أي تطلع من مطالعها لتغرب في مغاربها، وقيل: المراد بها القسي تنزع بالسهم أي تمد بجذب وترها إغراقا في المد فالإقسام بقسي المجاهدين في سبيل الله أو بالمجاهدين أنفسهم، وقيل: المراد بها الوحش تنزع إلى الكلإ.

وقوله: {والناشطات نشطا} النشط الجذب والخروج والإخراج برفق وسهولة وحل العقدة، قيل: المراد بها الملائكة الذين يخرجون الأرواح من الأجساد، وقيل المراد بها خصوص الملائكة يخرجون أرواح المؤمنين من أجسادهم برفق وسهولة، كما أن المراد بالنازعات غرقا الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار من أجسادهم.

وقيل: هم الملائكة الذين ينشطون أرواح الكفار من أجسادهم، وقيل: المراد بها أرواح المؤمنين أنفسهم، وقيل: هي النجوم تنشط وتذهب من أفق إلى أفق، وقيل: هي السهام تنشط من قسيها في الغزوات، وقيل: هو الموت ينشط ويخرج الأرواح من الأجساد، وقيل: هي الوحش تنشط من قطر إلى قطر.

وقوله: {والسابحات سبحا} قيل: المراد بها الملائكة تقبض الأرواح فتسرع بروح المؤمن إلى الجنة وبروح الكافر إلى النار، والسبح الإسراع في الحركة كما يقال للفرس سابح إذا أسرع في جريه، وقيل: المراد بها الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها من الأبدان سلا رفيقا ثم يدعونها حتى يستريح كالسابح بالشيء في الماء يرمي، وقيل: هي الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، وقيل: هي النجوم تسبح في فلكها كما قال تعالى: {وكل في فلك يسبحون}.

وقيل: هي خيل الغزاة تسبح في عدوها وتسرع، وقيل: هي المنايا تسبح في نفوس الحيوان، وقيل: هي السفن تسبح في المياه، وقيل: السحاب، وقيل: دواب البحر.

وقوله: {فالسابقات سبقا} قيل المراد بها مطلق الملائكة لأنها سبقت ابن آدم بالخير والإيمان والعمل الصالح، وقيل ملائكة الموت تسبق بروح المؤمن إلى الجنة وبروح الكافر إلى النار، وقيل الملائكة القابضون لروح المؤمن تسبق بها إلى الجنة، وقيل، ملائكة الوحي تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، وقيل أرواح المؤمنين تسبق إلى الملائكة التي يقبضونها شوقا إلى لقاء الله سبحانه، وقيل هي النجوم تسبق بعضها بعضا في السير، وقيل هي خيل الغزاة تسبق بعضها بعضا في الحرب، وقيل هي المنايا تسبق الآمال.

وقوله: {فالمدبرات أمرا} قيل: المراد بها مطلق الملائكة المدبرين للأمور، كذا فسر الأكثرون حتى ادعى بعضهم اتفاق المفسرين عليه، وقيل المراد بها الملائكة الأربعة المدبرون لأمور الدنيا: جبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل، فجبرائيل يدبر أمر الرياح والجنود والوحي، وميكائيل يدبر أمر القطر والنبات، وعزرائيل موكل بقبض الأرواح، وإسرافيل يتنزل بالأمر عليهم وهو صاحب الصور، وقيل: إنها الأفلاك يقع فيها أمر الله فيجري بها القضاء في الدنيا.

وهناك قول بأن الإقسام في الآيات بمضاف محذوف والتقدير ورب النازعات نزعا إلخ.

وأنت خبير بأن سياق الآيات الخمس سياق واحد متصل متشابه الأجزاء لا يلائم كثيرا من هذه الأقوال القاضية باختلاف المعاني المقسم بها ككون المراد بالنازعات الملائكة القابضين لأرواح الكفار، وبالناشطات الوحش، وبالسابحات السفن، وبالسابقات المنايا تسبق الآمال وبالمدبرات الأفلاك.

مضافا إلى أن كثيرا منها لا دليل عليها من جهة السياق إلا مجرد صلاحية اللفظ بحسب اللغة للاستعمال فيه أعم من الحقيقة والمجاز.

على أن كثيرا منها لا تناسب سياق آيات السورة التي تذكر يوم البعث وتحتج على وقوعه على ما تقدم في سورة المرسلات من حديث المناسبة بين ما في كلامه تعالى من الإقسام وجوابه.

والذي يمكن أن يقال - والله أعلم - أن ما في هذه الآيات من الأوصاف المقسم بها يقبل الانطباق على صفات الملائكة في امتثالها للأوامر الصادرة عليهم من ساحة العزة المتعلقة بتدبير أمور هذا العالم المشهود ثم قيامهم بالتدبير بإذن الله.

والآيات شديدة الشبه سياقا بآيات مفتتح سورة الصافات: {والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} وآيات مفتتح سورة المرسلات: {والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا} وهي تصف الملائكة في امتثالهم لأمر الله غير أنها تصف ملائكة الوحي، والآيات في مفتتح هذه السورة تصف مطلق الملائكة في تدبيرهم أمر العالم بإذن الله.

ثم إن أظهر الصفات المذكورة في هذه الآيات الخمس في الانطباق على الملائكة قوله: {فالمدبرات أمرا} وقد أطلق التدبير ولم يقيد بشيء دون شيء فالمراد به التدبير العالمي بإطلاقه، وقوله {أمرا} تمييز أو مفعول به للمدبرات ومطلق التدبير شأن مطلق الملائكة فالمراد بالمدبرات مطلق الملائكة.

وإذ كان قوله: {فالمدبرات أمرا} مفتتحا بفاء التفريع الدالة على تفرع صفة التدبير على صفة السبق، وكذا قوله: {فالسابقات سبقا} مقرونا بفاء التفريع الدالة على تفرع السبق على السبح دل ذلك على مجانسة المعاني المرادة بالآيات الثلاث: {والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا} فمدلولها أنهم يدبرون الأمر بعد ما سبقوا إليه ويسبقون إليه بعد ما سبحوا أي أسرعوا إليه عند النزول فالمراد بالسابحات والسابقات هم المدبرات من الملائكة باعتبار نزولهم إلى ما أمروا بتدبيره.

فالآيات الثلاث في معنى قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } [الرعد: 11] على ما تقدم من توضيح معناه فالملائكة ينزلون على الأشياء وقد تجمعت عليها الأسباب وتنازعت فيها وجودا وعدما وبقاء وزوالا وفي مختلف أحوالها فما قضاه الله فيها من الأمر وأبرم قضاءه أسرع إليه الملك المأمور به - بما عين له من المقام - وسبق غيره وتمم السبب الذي يقتضيه فكان ما أراده الله فافهم ذلك.

وإذا كان المراد بالآيات الثلاث الإشارة إلى إسراع الملائكة في النزول على ما أمروا به من أمر وسبقهم إليه وتدبيره تعين حمل قوله: {والنازعات غرقا والناشطات نشطا} على انتزاعهم وخروجهم من موقف الخطاب إلى ما أمروا به فنزعهم غرقا شروعهم في النزول نحو المطلوب بشدة وجد، ونشطهم خروجهم من موقفهم نحوه كما أن سبحهم إسراعهم إليه بعد الخروج ويتعقب ذلك سبقهم إليه وتدبير الأمر بإذن الله.

فالآيات الخمس أقسام بما يتلبس به الملائكة من الصفات عند ما يؤمرون بتدبير أمر من أمور هذا العالم المشهود من حين يأخذون في النزول إليه إلى تمام التدبير.

وفيها إشارة إلى نظام التدبير الملكوتي عند حدوث الحوادث كما أن الآيات التالية أعني قوله: {هل أتاك} إلخ إشارة إلى التدبير الربوبي الظاهر في هذا العالم.

وفي التدبير الملكوتي حجة على البعث والجزاء كما أن في التدبير الدنيوي المشهود حجة عليه على ما سيوافيك إن شاء الله بيانه.

هذا ما يعطيه التدبر في سياق الآيات الكريمة ويؤيده بعض التأييد ما سيأتي من الأخبار في البحث الروائي الآتي إن شاء الله.

كلام في أن الملائكة وسائط في التدبير:

الملائكة وسائط بينه تعالى وبين الأشياء بدءا وعودا على ما يعطيه القرآن الكريم بمعنى أنهم أسباب للحوادث فوق الأسباب المادية في العالم المشهود قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة وبعده.

أما في العود أعني حال ظهور آيات الموت وقبض الروح وإجراء السؤال وثواب القبر وعذابه وإماتة الكل بنفخ الصور وإحيائهم بذلك والحشر وإعطاء الكتاب ووضع الموازين والحساب والسوق إلى الجنة والنار فوساطتهم فيها غني عن البيان، والآيات الدالة على ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها، والأخبار المأثورة فيها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فوق حد الإحصاء.

وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع من النزول بالوحي ودفع الشياطين عن المداخلة فيه وتسديد النبي وتأييد المؤمنين وتطهيرهم بالاستغفار.

وأما وساطتهم في تدبير الأمور في هذه النشأة فيدل عليها ما في مفتتح هذه السورة من إطلاق قوله: {والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا} بما تقدم من البيان.

وكذا قوله تعالى: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] الظاهر بإطلاقه - على ما تقدم من تفسيره - في أنهم خلقوا وشأنهم أن يتوسطوا بينه تعالى وبين خلقه ويرسلوا لإنفاذ أمره الذي يستفاد من قوله تعالى في صفتهم: { بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26، 27] ، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وفي جعل الجناح لهم إشارة ذلك.

فلا شغل للملائكة إلا التوسط بينه تعالى وبين خلقه بإنفاذ أمره فيهم وليس ذلك على سبيل الاتفاق بأن يجري الله سبحانه أمرا بأيديهم ثم يجري مثله لا بتوسيطهم فلا اختلاف ولا تخلف في سنته تعالى: { إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود: 56] ، وقال {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } [فاطر: 43].

ومن الوساطة كون بعضهم فوق بعض مقاما وأمر العالي منهم السافل بشيء من التدبير فإنه في الحقيقة توسط من المتبوع بينه تعالى وبين تابعه في إيصال أمر الله تعالى كتوسط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من الأرواح، قال تعالى حاكيا عن الملائكة: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ } [الصافات: 164] ، وقال: { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 21] ، وقال: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ: 23] 23.

ولا ينافي هذا الذي ذكر من توسطهم بينه تعالى وبين الحوادث أعني كونهم أسبابا تستند إليها الحوادث استناد الحوادث إلى أسبابها القريبة المادية فإن السببية طولية لا عرضية أي إن السبب القريب سبب للحادث والسبب البعيد سبب للسبب.

كما لا ينافي توسطهم واستناد الحوادث إليهم استناد الحوادث إليه تعالى وكونه هو السبب الوحيد لها جميعا على ما يقتضيه توحيد الربوبية فإن السببية طولية كما سمعت لا عرضية ولا يزيد استناد الحوادث إلى الملائكة استنادها إلى أسبابها الطبيعية القريبة وقد صدق القرآن الكريم استناد الحوادث إلى الحوادث الطبيعية كما صدق استنادها إلى الملائكة.

وليس لشيء من الأسباب استقلال قباله تعالى حتى ينقطع عنه فيمنع ذلك استناد ما استند إليه إلى الله سبحانه على ما يقول به الوثنية من تفويضه تعالى تدبير الأمر إلى الملائكة المقربين فالتوحيد القرآني ينفي الاستقلال عن كل شيء من كل جهة: لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

فمثل الأشياء في استنادها إلى أسبابها المترتبة القريبة والبعيدة وانتهائها إلى الله سبحانه بوجه بعيد كمثل الكتابة يكتبها الإنسان بيده وبالقلم فللكتابة استناد إلى القلم ثم إلى اليد التي توسلت إلى الكتابة بالقلم، وإلى الإنسان الذي توسل إليها باليد وبالقلم، والسبب بحقيقة معناه هو الإنسان المستقل بالسببية من غير أن ينافي سببيته استناد الكتابة بوجه إلى اليد وإلى القلم.

ولا منافاة أيضا بين ما تقدم أن شأن الملائكة هو التوسط في التدبير وبين ما يظهر من كلامه تعالى أن بعضهم أو جميعهم مداومون على عبادته تعالى وتسبيحه والسجود له كقوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19، 20] ، وقوله: { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } [الأعراف: 206]

وذلك لجواز أن تكون عبادتهم وسجودهم وتسبيحهم عين عملهم في التدبير وامتثالهم الأمر الصادر عن ساحة العزة بالتوسط كما ربما يومىء إليه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49].

قوله تعالى: {يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} فسرت الراجفة بالصيحة العظيمة التي فيها تردد واضطراب والرادفة بالمتأخرة التابعة، وعليه تنطبق الآيتان على نفختي الصور التي يدل عليهما قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } [الزمر: 68].

وقيل: الراجفة بمعنى المحركة تحريكا شديدا - فإن الرجف يستعمل لازما بمعنى التحرك الشديد، ومتعديا بمعنى التحريك الشديد - والمراد بها أيضا النفخة الأولى المحركة للأرض والجبال، وبالرادفة النفخة الثانية المتأخرة عن الأولى.

وقيل: المراد بالراجفة الأرض وبالرادفة السماوات والكواكب التي ترجف وتضطرب وتنشق، وتتلاشى والوجهان لا يخلوان من بعد ولا سيما الأخير.

والأنسب بالسياق على أي حال كون قوله: {يوم ترجف} إلخ ظرفا لجواب القسم المحذوف للدلالة على فخامته وبلوغه الغاية في الشدة وهو لتبعثن، وقيل: إن {يوم} منصوب على معنى قلوب يومئذ واجفة يوم ترجف الراجفة، ولا يخلو من بعد.

قوله تعالى: {قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة} تنكير {قلوب} للتنويع وهو مبتدأ خبره {واجفة} والوجيف الاضطراب، و{يومئذ} ظرف متعلق بواجفة والجملة استئناف مبين لصفة اليوم.

وقوله: {أبصارها خاشعة} ضمير {أبصارها} للقلوب ونسبة الأبصار وإضافتها إلى القلوب لمكان أن المراد بالقلوب في أمثال هذه المواضع التي تضاف إليها الصفات الإدراكية كالعلم والخوف والرجاء وما يشبهها هي النفوس، وقد تقدمت الإشارة إليها.

ونسبة الخشوع إلى الأبصار وهومن أحوال القلب إنما هي لظهور أثره الدال عليه في الأبصار أقوى من سائر الأعضاء.

قوله تعالى: {يقولون أ إنا لمردودون في الحافرة} إخبار وحكاية لقولهم في الدنيا استبعادا منهم لوقوع البعث والجزاء وإشارة إلى أن هؤلاء الذين لقلوبهم وجيف ولأبصارهم خشوع يوم القيامة هم الذين ينكرون البعث وهم في الدنيا ويقولون كذا وكذا.

والحافرة على ما قيل - أول الشيء ومبتداه، والاستفهام للإنكار استبعادا، والمعنى يقول: هؤلاء أ إنا لمردودون بعد الموت إلى حالتنا الأولى وهي الحياة.

وقيل: الحافرة بمعنى المحفورة وهي أرض القبر، والمعنى أ نرد من قبورنا بعد موتنا أحياء، وهوكما ترى.

وقيل: الآية تخبر عن اعترافهم بالبعث يوم القيامة، والكلام كلامهم بعد الإحياء والاستفهام للاستغراب كأنهم لما بعثوا وشاهدوا ما شاهدوا يستغربون ما شاهدوا فيستفهمون عن الرد إلى الحياة بعد الموت.

وهو معنى حسن لولم يخالف ظاهر السياق.

قوله تعالى: {ء إذا كنا عظاما نخرة} تكرار للاستفهام لتأكيد الاستبعاد فلو كانت الحياة بعد الموت مستبعدة فهي مع فرض نخر العظام وتفتت الأجزاء أشد استبعادا، والنخر بفتحتين البلى والتفتت يقال: نخر العظم ينخر نخرا فهو ناخر ونخر.

قوله تعالى: {قالوا تلك إذا كرة خاسرة} الإشارة بتلك إلى معنى الرجعة المفهوم من قوله {أ إنا لمردودون في الحافرة} والكرة الرجعة والعطفة، وعد الكرة خاسرة إما مجاز والخاسر بالحقيقة صاحبها، أو الخاسرة بمعنى ذات خسران، والمعنى قالوا: تلك الرجعة - وهي الرجعة إلى الحياة بعد الموت - رجعة متلبسة بالخسران.

وهذا قول منهم أوردوه استهزاء - على أن يكون قولهم: {أ إنا لمردودون} إلخ مما قالوه في الدنيا - ولذا غير السياق وقال {قالوا تلك إذا} إلخ بعد قوله {يقولون أ إنا لمردودون} إلخ وأما على تقدير أن يكون مما سيقولونه عند البعث فهو قول منهم على سبيل التشؤم والتحسر.

قوله تعالى: {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} ضمير {هي} للكرة وقيل: للرادفة والمراد بها النفخة الثانية، والزجر طرد بصوت وصياح عبر عن النفخة الثانية بالزجرة لما فيها من نقلهم من نشأة الموت إلى نشأة الحياة ومن بطن الأرض إلى ظهرها، و{إذا} فجائية، والساهرة الأرض المستوية أو الأرض الخالية من النبات.

والآيتان في محل الجواب عما يدل عليه قولهم {أ إنا لمردودون} {إلخ} من استبعاد البعث واستصعابه والمعنى لا يصعب علينا أحياؤهم بعد الموت وكرتهم فإنما كرتهم – أو الرادفة التي هي النفخة الثانية - زجرة واحدة فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها.

فالآيتان في معنى قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77].

______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص157-164.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

القسم بالملائكة:

جاء القسم القرآني بخمسة أشياء مهمّة، لتبيان حقيقة وحتمية تحقق يوم القيامة «المعاد»، فيقول:

{والنازعات غرقاً....}.

وقبل البدء بالتّفسير لابدّ من توضيح معاني بعض الكلمات..

«النازعات»: من (النوع)، ونزع الشيء جذبه من مقرّه، كنزع القوس عن كبده، ومنه نزع العداوة والمحبّة من القلب(2). وبذلك تشمل الاُمور المعنوية أيضاً.

(الغَرق): بالفتح (على وزق الشفق)، هو الرسوب في الماء، (على قول كثير من أهل اللغة)، ويأتي كذلك فيمَن غمره البلاء.

ومن هنا يتّضح أنّ المعنى المقصود في هذه الآية ليس الغرق في الماء، بل هو القيام بعمل ما إلى أقصى حدّ ممكن.(3)

«النّاشطات»: من (النشط)، هي العُقد التي يسهل حلها، وبئر (إنشاط): هي القريبة القعر يخرج دلوها بجذبة واحدة، ويقال للإبل التي تتحرك من غير أن يُحدى لها (النشيطة).. فيكون المعنى عموماً: هو التحرك بسهولة.

«السابحات»: من (السبح)، وهو الحركة السريعة في الماء أو الهواء ولهذا تطلق السابحات على: السباحة في الماء، الحركة السريعة للخيل، وأيّة حركة سريعة في عمل ما.. و«التسبيح»: هو تنزيه اللّه تعالى من كل عيب ونقص، وأصله: الحركة السريعة في عبادة اللّه تعالى.

«السابقات»: من (السبق)، وهو التقدم في السير، وبما أنّ السبق لا يتمّ إلاّ بالحركة الأسرع فهو يتصمّن معنى الشرعة كذلك.

«المدبرات»: من (التدبير)، وهو التفكير في عاقبة الاُمور، وأرادت الآية القيام بالأعمال على أحسن وجه.

وبعد هذه التعريفات الموجزة نشرع بالتفسير:

إنّ القسم بهذه الاُمور الخمسة قد لفّته هالة من الإبهام والغموض وتبعث على التأمل والتعمق أكثر لمعرفة المراد من هذه الأقسام وأنّها لمن تشير، وأي شيء تقصد؟

وقد عرضت تفاسير مختلفة، وقيل الكثير بخصوص هذا الموضوع، إلاّ أنّ معظمها تدور حول ثلاثة محاور:

الأوّل: إنّ القسم المذكور يتعلق بالملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفّار والمجرمين، ولكون تلك الأرواح قد رفضت التسليم للحق، فيكون فصلها عن أجسادها بشدّة.

ويتعلق كذلك، بالملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين برفق ويُسر، وسرعة في إتمام الأمر.

والملائكة التي تسرع في تنفيذ الأوامر الإلهية.

ثمّ الملائكة التي تتسابق في تنفيذ الأوامر الإلهية.

وأخيراً، يتعلق القسم بالملائكة التي شؤون العالم بأمره سبحانه وتعالى.

الثّاني: تعلق القسم بالنجوم التي تغرب من اُفق لتنتقل إلى اُفق آخر وبحركة دائبة لا تعرف السكون.

فبعض منها تمشي الهوينا، والبعض الآخر واسعة الخطوات.

وتراها سابحة في السماء.

وتتسابق فيما بينها.

وأخيراً، تشترك في تدبير اُمور الكون، بما لها من تأثيرات، (كنور الشمس وضياء القمر بالنسبة إلى الأرض).

الثّالث: تعلق القسم بالمجاهدين في سبيل اللّه، أو بخيولهم الخارجة من أوطانهم بعزم شديد لتجول في ميادين القتال بنشاط وتمكن.

و... تتسابق فيما بينها... مع الجول والتسابق تعمل على إرادة وتدبير اُمور الحرب.

وقد جمع بعض المفسّرين هذه الآراء، فبعضها مقتبس من الأوّل، والقسم الآخر من الثّاني أوالثالث، لمعنى خاص، ولكنّ الأصل في كلّ ذلك يعود إلى التّفاسير الثّلاثة المذكورة(4).

ولا يوجد أيّ تضاد بين كلّ ما ذُكر، ويمكن أن تكون الآيات قد رمزت إلى كلّ هذه المعاني... وعموماً يبدو أنّ التفسير الأوّل أقرب من غيره، للأسباب التالية:

أوّلاً: تناسبه مع يوم القيامة.. هو ممّا تدور السورة حوله عموماً.

ثانياً: نسبة الترابط الموجودة بينه وبين الآيات المشابهة للآيات المبحوثة في أوّل سورة المرسلات.

ثالثاً: ملائمة تفسير: (فالمدبّرات أمراً) للملائكة التي تدبّر شؤون العالم بأمر اللّه، والذين لا يتخلفون ولو لحظة واحدة في تنفيذ ما يؤمرون به، كما تشير الآية (27) من سورة الأنبياء إلى ذلك: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}، وخصوصاً أنّ (تدبير الأمر) ورد بصيغة مطلقة من دون أيّ قيد أو شرط.

وعلاوة على كلّ ما تقدم فثمّة روايات في تفسير الآيات المبحوثة يتناسب معها التفسير الأوّل، ومن جملتها:

ما روي عن علي(عليه السلام) في تفسير (النّازعات غرقاً)، إنّه قال: «إنّها الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفّار عن أبدانهم بشدّة كما يغرق النازع بالقوس فيبلغ بها غاية المسد)(5).

وروي عنه(عليه السلام) في تفسير: «والناشطات» و«السابحات» و«فالمدبرات» ما يشبه ذلك(6).

ويمكن توجيه هذا التفسير بشكل أتم، إذا ما اعتبرنا مسألة قبض أرواح المؤمنين والكفّار مصداق من مصاديق التّفسير وليس كلّ محتواه، وعليه فالملائكة هم المقصودون بالأقسام المذكورة بصورة عامّة، ويتمّ تنفيذ الأمر الإلهي من قبلهم على خمس مراحل: الحركة الشديدة الناتجة من عظمة صدور الأمر الإلهي.. الشروع بالتنفيذ بخطوات هادئة.. الإسراع في خطوات التنفيذ.. فالتسابق.. ومن ثمّ يكون تدبير الأمر.

وعلى أيّة حال، فقبض الأرواح من قبل الملائكة مصداق لمفهوم كلّي، ويعتبر الأرضية الممهدة لبقية البحوث التي تتناولها السورة حول «المعاد».

وقوله تعالى : {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ(6) تَتْبَعُهَا الرِّادِفَةُ(7) قُلُوبٌ يَومَئِذ وَاجِفَةٌ(8) أَبْصَرُهَا خَشِعَةٌ(9) يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَافِرَةِ(10) أَءِذَا كُنَّا عِظَماً نَّخِرَة(11) قَالُواْ تِلْكَ إِذَاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ(12) فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ(13) فإِذَا بِالسَّاهِرَةِ}.

صيحة الموت المرعبة!

بعد أن أكّد القرآن الكريم على حقيقة القيامة وحتمية وقوعها في الآيات السابقة، تتعرض الآيات أعلاه لبعض ما يصاحب يوم القيامة من علامات وأحداث، فتقول: (يوم ترجف الرّاجفة)، أي: يوم تحدث الزلزلة العظيمة المهولة.

ثمّ: (تتبعها الرّادفة).

«الراجفة»: من (الرجف)، بمعنى الإضطراب والتزلزل، ولذا يقال للأخبار التي توقع الإضطراب بين أوساط الناس بـ (الأراجيف).

«الرادفة): من (الردف)، وهو الشخص أو الشيء الذي يأتي بعد نظيره تتابعاً، ولذا يقال لمن يركب خلف آخر، (رديفه).

ويعتقد كثير من المفسّرين بأنّ «الراجفة»: هي الصيحة ونفخة الصور الاُولى التي تعلن عن موت جميع الخلائق، و«الرادفة»: هي الصيحة ونفخة الصور الثّانية التي يبعث فيها الخلق مرّة اُخرى ليعيشوا يوم القيامة(7).

وعليه، فالآيتان تشيران إلى نفس ما أشارت إليه الآية (68) من سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68].

وقيل: «الراجفة»: إشارة إلى الزلزلة التي تدمّر الأرض، و «الرّادفة»: إشارة إلى الزلزلة التي تدمّر السماوات..

والتّفسير الأوّل كما يبدو أقرب للصواب.

وتأتي الآية الاُخرى لتقول: {قلوب يومئذ واجفة}.

فقلوب العاصين شديدة الإضطراب خوفاً من الحساب والجزاء.

«واجفة»: من (الوجف)، بمعنى سرعة السير، و(أوجفت البعير): حملته على الإسراع، وتستعمل أيضاً للاضطراب الشديد لما يصاحبه من اهتزاز وإسراع.

ويكون التزلزل الداخلي من الشدّة بحيث يظهر على وجوه كلّ المذنبين، ولذا يقول القرآن: {أبصارها خاشعة}(8).

فيبدوالإضطراب والخوف ظاهراً على أعين المذنبين، وتتوقف حركتها وكأنّها قد فقدت حاسة النظر لما أصابها من خوف شديد.

وفي الآية التالية ينتقل الحديث من أخبار يوم القيامة إلى الحياة الدنيا: {يقولون أإنّا لمردودون في الحافرة}.

«الحافرة»: من (الحفر)، بمعنى شقّ الأرض، وما ينتج من ذلك يسمى (حفرة)، يقال: حافر الفرس، تشبيهاً لحفرة الأرض في عَدوِه، و«الحافرة»: كناية لمن يُرد من حيث جاء، كما لو سار إنسان على أرض، فيترك فيها حفراً لتحمل آثار قدمه، ثمّ يعود إلى نفس تلك الحفر، فالحافرة: تعني الحالة الاُولى(9).

وتستمر الآية في سرد كلامهم: {أإذا كنّا عظاماً نخرة}(10).

فهكذا هو حال ودأب منكري المعاد وعلى الدوام باستفسارهم الدائم حول المعاد، وبقولهم المعروف: كيف للعظام البالية النخرة والتي تحولت إلى ذرات تراب أن تعود مرّة اُخرى جسماً كاملاً، والأكثر من هذا.. أن تسري فيه الحياة ولكنّهم لم يفقهوا إلى أنّهم خلقوا من ذلك التراب، فكيف أصبحوا بهذه الهيئة الحيّة بعد أن لم يكونوا شيئاً؟

«نخرة»: صفة مشبهة، من (النخر)، بمعنى الشجرة المجوفة البالية، والتي إذا دخل فيها الهواء أعطت صوتاً معيناً، مثله (النخير)، وعمم الإستعمال ليشمل كلّ شيء بال في حال تآكل وتلاش.

ولا يكتفي منكر والمعاد بحال الإعتراض على ما وعدهم به الباري سبحانه، بل وتحولوا إلى حال الإستهزاء بأحد اُصول دين اللّه!: {قالوا تلك إذاً كرّة خاسرة}.

وثمّة احتمال آخر في تفسير هذه الآية يقول: إنّهم جادون في قولتهم غير مستهزئين، لأنّهم يعتقدون أن لوكان ثمّة عود ورجعة فهي عبث زائد وخاسر، إذ لو كانت الحياة الطيبة هي التي نعيشها، فلماذا لا تخلد؟ وإن كانت سيئة فما فائدة العود؟

ويمكن اعتبار «الحافرة» الواردة في: {أإنّا لمردودون في الحافرة} قرينة لهذا الإحتمال، بلحاظ كونها بمعنى (الحفرة).

ولكنّ المعروف بين المفسّرين هو التّفسير الأوّل.

وقد عبّرت الآية السابقة عن قولهم بصيغة المصارع «يقولون» اشارةً إلى دوام ترديدهم لما يقولون به، في حين ذكر الفعل في الآية المبحوثة بصيغة الماضي «قولوا» إشارة إلى أنّهم قليلاً ما يقولون ذلك.

وفي آخر آية من الآيات المبحوثة يعود القرآن الكريم إلى مسألة القيامة، وبلسان قاطع، يقوق: {فإنّما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة}.

فالأمر ليس بمستصعب على الخالق القادر، فما أن يصدر الأمر الإلهي لنفخة الصور الثّانية حتى تعود الحياة ثانية إلى جميع الخلائق، نعم.. فتشرع كلّ تلك العظام النخرة وما صار منها تراباً للتجمع على الهيئة الاُولى، وليخرج الناس من قبورهم بعد أن تسري فيهم روح الحياة!

«الزجرة»: بمعنى صيحة بشدّة وانتهار، ويراد بها: نفخة الصور الثّانية.

«زجرة واحدة»: إشارة إلى سهولة الأمر أمام قدرة اللّه سبحانه وتعالى، وإلى سرعة تنفيذ أمره سبحانه (لقيام القيامة)... فبصوت واحد من ملائكة القيامة، أومن صور إسرافيل يرتدي جميع الأموات لباس الحياة من جديد ليحضروا عرصة المحشر للحساب.

«الساهرة»: من (السهر)، وهو الأرق، وقيل: لأرض القيامة «الساهرة» لذهاب النوم عن العيون لما سيصابون به من أهوال مرعبة. وقيل: الساهرة: اسم للصحراء، لأنّ جميع الصحاري مخيفة، وكأنّ الخوف فيها يطرد النوم من العين(11).

_______________________

الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج15، ص55-63.

2 ـ مفردات الرغب، مادة (نزع).

و «الغرْق»: (على وزن الفرْق)، يقول عنه (ابن منظور) في لسان العرب: إنّه اسم اُقيم مقام المصدر الحقيقي، بمعنى الإغراق، والإغراق بالنزع هو: أن يباعد السهم ويسحب القوس إلى آخر نقطة ممكنة، ويضرب مثلاً للغو والإفراط.

3 ـ راجع: لسان العرب، تفسير مجمع البيان، تفسير الكشّاف، ومجمع البحرين.

4 ـ وثمّة رأي يقول: المقصود بهذا القسم، تلك الحركات الطبيعية والإرادية والصناعية للموجودات، فمثلاً: تتحرك النطفة حركة طبيعية، فتنفصل من صلب الأب لتستقر في رحم الاُم، ثمّ تديم مسيرها بهدوء، ولتسرع بعد ذلك، ثمّ تبدأ المواد الحياتية بالتسابق في النطفة حتى يتشكل في النهاية إنسان كامل الهيئة لتقوم بتدبيره، وكذا الحال بالنسبة للحركات الإرادية حيث يبدأ الإنسان باتخاذ قرار معين وبعده يتحرك بهدوء لتجسيد اُولى خطوات التنفيذ، ثمّ يسرع الخطوات، ويتسابق مع الآخرين، ويقوم بكلّ ذلك لتدبير أمره وحياته الإجتماعية والوسائل الصناعية لا تبتعد عن هذا التسلسل، كما في المراحل التي تطويها الطائرة في مسيرها. (إلاّ أنّ هذا التفسير يفتقد الدليل).

5 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص497، الحديث 4.

6 ـ المصدر السابق، الحديث 7 ـ 8 ـ 12.

7 ـ ينبغي ملاحظة أنّ فعل (رجف) قد يأتي متعدياً وقد يأتي لازماً، فعلى الحالة الاُولى تكون «الراجفة» بمعنى الزلزلة العظيمة التي تزلزل كلّ الأرض والموجودات، وعلى الحالة الثّانية تعني الأرض دون غيرها ـ فتأمل.

8 ـ يعود ضمير «أبصارها» إلى القلوب، التي تشير هنا إلى معنى (النفوس والأرواح)، وترجع الإضافة إلى أنّ مركز تأثيرات حواس الإنسان إنّما من روحه، وما يظهر من اضطراب وخوف على الأعين هو نتيجة لما يسيطر على الروح من خوف.

9 ـ اسم فاعل هنا بمعنى اسم المفعول، فالحافرة إذاً بمعنى المحفورة.

10 ـ وتقدير الجملة مع محذوفها: (أئذا كنّا عظاماً نخرة نرد أحياءً) أو(أئنا لمبعوثون).

11 ـ لسان العرب: سهر، مجمع البيان: ج10، ص429; وتفسير القرطبي، ج10، ص6990.

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .