أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-3-2019
2554
التاريخ: 14-10-2015
13185
التاريخ: 15-3-2016
3663
التاريخ: 15-3-2016
3672
|
تنتصر الفتنة، فتأتي بحكم غير عادل، لا يرى في الأمّة إلاّ موضوعاً لتسلّطه ومصدراً للمال، وهي غير أخلاقيّة؛ لأنّ قادتها يتّبعون في سياسة الناس منطق الغريزة، لا منطق القانون والعدالة.
ومن هنا وهناك فلا بدّ أنْ يكون لها ضحايا كثيرة:
- ومِن ضحاياها خصومُها السّياسيون الذين حاربوها في الماضي، وغلبوا على أمرهم في النّهاية.
- ومِن ضحاياها خلفاؤها الّذين ساندوها في أيّام ضعفها، واسْتَغْنَتْ عنهم في أيّام قوّتها.
- ومِن ضحاياها الغافلون عن شرورها وأخطارها، الّذين كانوا محايدين في المعركة الدّائرة بينها وبين أهل الحقّ، ثمّ دُهشوا عند انتصارها، فاحتجّوا أو أظهروا معارضتهم لها.
- وأكبر ضحاياها الأمّة كلّها حين تحوّلها الفتنة المنتصِرة إلى موضوع للتّسلط، ومصدر لصنع الثّروات، وتوفير أسباب التّرف واللّهو لنخبتها، وجهازها القمعي، وحلفائها.
وهكذا تبدأ معاناة الأمّة من الفتنة، من ظلمها وتسلّطها، من عدوانها الّذي ينتشر كالوباء فيصيب كلّ فئة من المجتمع المغلوب على أمره بشتّى ألوانه: العدوان الأخلاقي، والعدوان السّياسي، والعدوان الاقتصادي .
وقد صوّر الإمام عليّ وجوهاً من معاناة الأمّة وعذاباتها بعد انتصار الفتنة، في لوحات معبّرة تكاد تنطق بالحركة الحَيّة من ذلك قوله عليه السّلام: ... وايمُ اللّه لتجِدُنَّ بني أُميَّةَ لَكُم أربَابَ سوءٍ بَعدِي، كالنَّاب الضَّروس(1) تعذِمُ بِفِيْهَا(2)، وتخبطُ بيدِها، وَتزِبنُ بِرجلهَا(3) وتمنع درَّه (4).
لا يزالونَ بِكُم حَتّى لا يَترُكُوا مِنكُم إلاّ نافعاً لَهُم، أو غيرَ ضائر بِهم. ولا يَزال بَلاؤُهم عَنكُم حتَّى لا يكُون انتِصارُ أَحَدِكُم مِنهُم إلاّ كَانتِصارِ العَبدِ مِن رَبِّه والصّاحبِ من مُستَصحِبِهِ. تَرِدُ عَلَيكُم فتنتهم شَوهاء(5) مخشيَّةً، وقطعاً جاهليَّة، لَيسَ فيها مَنَارُ هُدى وَلا عَلَم يُرى (6).
وهكذا يعاني النّاس من الفتنة بعد انتصارها ألواناً مِن الشّرِّ:
1 - حكم الطّغيان الّذي يقضي على كلّ معارضة له بالرّأي والمذهب، وهو لا يقضي عليه بهوادة ولين، وإنّما بالعنف والقسوة.
2 - والإذلال الّذي يمحق كرامة الإنسان ويشوّه روحه، فيحوّله إلى عَبْدٍ لا يجرؤ على رفع صوته والتّعبير عن رأيه، وإنّما يخضع بالطّاعة العمياء الصّمّاء الّتي لا خيار فيها ولا تنبثق من قناعة وإنّما يفرضها الخوف من العذاب.
ومن ذلك قوله عليه السلام: واللّه لا يزالُون حتَّى لا يدعُوا لِله مُحرَّماً إلاّ استَحلّوهُ، ولا عقداً إلاّ حلُّوهُ، وحتَّى لا يبقى بيتُ مدرٍ ولا وبرٍ(7) إلاّ دخلهُ ظُلمُهُم ونبا بِهِ سُوءُ رعيهِم(8)، وحتَّى يقُوم الباكيانِ، يبكيانِ: باكٍ يبكِي لدينِهِ وباكٍ يبكي لدُنياهُ، وحتَّى تكُون نُصرةُ أحدِكُم مِن أحدِهم كنُصرةِ العبدِ مِن سيِّدهِ، إذا شهِد أطاعهُ وإذا غاب اغتابهُ، وحتَّى يكُون أعظمكُم فيها عناءً أحسنُكُم بِاللّه ظنّاً، فإنْ أتاكُم اللّه بعافيةٍ فاقبلُوا، وإنْ ابتُليتُم فاصبِرُوا، فإنَّ العاقبِةَ للمُتَّقين (9).
* في هذا النّصّ يكشف الإمام عن وجوه أخرى من المعاناة والعذاب:
1 - سقوط حرمة القانون عند الطّغمة الحاكمة الّتي يُفترض فيها - وهي تحكم باسم الدّين - أنْ تحافظ عليه من حيث التّطبيق.
2 - انتشار الظّلم، وعدم اقتصاره على الحواضر والمدن، بل يشمل جميع مستويات الأمّة فيعاني منه سكّان المدن وبدو الصحراء.
3 - الإذلال، وهدر كرامة الإنسان الّذي يتحوّل - لطول ما يعاني من الإذلال - إلى ما يشبه أخلاق الرّقيق.
إنّ هذا الواقع يجعل المعاناة شاملة في قضايا الدّين وقضايا الدّنيا، ويكون أشدُّ النّاس بلاءً ومعاناةً أكثرَهم وَعْيَاً، وأصلبهم عوداً في مواجهة إغراء الفتنة وإرهابها.
ولكن الإمام يوصي هذه الفئة المستنيرة الّتي لم تستهلكها الفتنة بالصّبر؛ لأنّ الفتنة في هذه المرحلة لا تقاوم، وكلّ جُهد يُبْذل في مقاومتها جهدٌ ضائع مهدور يزيد الشَّرعيّة ضعفاً ووحدة وعزلة دون أنْ يؤثّر على الفتنة، وهي في أوج انتصارها شيئاً.
____________________
1 - النّاب: النّاقة المسنّة، والضّروس: النّاقة السّيّئة الخلق.
2 - عذم الفرس: إذا أكل بجفاء، أو عضّ.
3 - تزبن: تضرب برجلها مَن يقترب منها.
4 - الدّرّ: اللّبن. يعني أنّها غير ذات فائدة مع كونها مصدراً للتّخريب والأضرار. فالفتنة شرّ كلّها، ولا خير فيها.
5 - شوهاء: قبيحة المنظر، ومخشية: مخوفة مرعبة.
6 - العلم: الدّليل الهادي في متاهات الصّحراء. نهج البلاغة، رقم: 93.
7 - يبت المدر: ما بُني بالحجارة، وبيت الوبر: الخيمة. يعني أنّ شرّ الفتنة لا يقتصر على سكّان المدن وإنّما يشمل الرّيف والبدو.
8 - نبا به سوء رعيهم: شرّد النّاس، وأقلق حياتهم من (نبا به المنزل): إذا لم توافقه.
9- نهج البلاغة: الخطبة رقم: 98.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|