أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-11
974
التاريخ: 2-12-2015
4920
التاريخ: 2023-10-25
1066
التاريخ: 7-10-2014
5523
|
قال تعالى : {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [المرسلات: 1 - 6] .
من لطيف صنعة البيان في هذه الآيات الست أنها مع ما تتضمن الإقسام لتأكيد الخبر الذي في الجواب تتضمن الحجة على مضمون الجواب و هو وقوع الجزاء الموعود فإن التدبير الربوبي الذي يشير إليه القسم أعني إرسال المرسلات العاصفات و نشرها الصحف و فرقها و إلقاءها الذكر للنبي تدبير لا يتم إلا مع وجود التكليف الإلهي و التكليف لا يتم إلا مع تحتم وجود يوم معد للجزاء يجازى فيه العاصي و المطيع من المكلفين.
فالذي أقسم تعالى به من التدبير لتأكيد وقوع الجزاء الموعود هو بعينه حجة على وقوعه كأنه قيل: أقسم بهذه الحجة أن مدلولها واقع.
و إذا تأملت الموارد التي أورد فيها القسم في كلامه تعالى و أمعنت فيها وجدت المقسم به فيها حجة دالة على حقية الجواب كقوله تعالى في الرزق: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } [الذاريات: 23] فإن ربوبية السماء و الأرض هي المبدأ لرزق المرزوقين، و قوله: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] فإن حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطاهرة المصونة بعصمة من الله دالة على سكرهم و عمههم، و قوله : {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] - إلى أن قال - {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10] فإن هذا النظام المتقن المنتهي إلى النفس الملهمة المميزة لفجورها و تقواها هو الدليل على فلاح من زكاها و خيبة من دساها.
و على هذا النسق سائر ما ورد من القسم في كلامه تعالى و إن كان بعضها لا يخلو من خفاء يحوج إلى إمعان من النظر كقوله : {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 1، 2] و عليك بالتدبر فيها.
قوله تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [المرسلات: 8] - إلى قوله - {أُقِّتَتْ } [المرسلات: 11] بيان لليوم الموعود الذي أخبر بوقوعه في قوله: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات: 7] و جواب إذا محذوف يدل عليه قوله : { لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} [المرسلات: 12] - إلى قوله - {لِلْمُكَذِّبِينَ } [المرسلات: 15].
و قد عرف سبحانه اليوم الموعود بذكر حوادث واقعة تلازم انقراض العالم الإنساني و انقطاع النظام الدنيوي كانطماس النجوم و انشقاق الأرض و اندكاك الجبال و تحول النظام إلى نظام آخر يغايره، و قد تكرر ذلك في كثير من السور القرآنية و خاصة السور القصار كسورة النبإ و النازعات و التكوير و الانفطار و الانشقاق و الفجر و الزلزال و القارعة، و غيرها، و قد عدت الأمور المذكورة فيها في الأخبار من أشراط الساعة.
و من المعلوم بالضرورة من بيانات الكتاب و السنة أن نظام الحياة في جميع شئونها في الآخرة غير نظامها في الدنيا فالدار الآخرة دار أبدية فيها محض السعادة لساكنيها لهم فيها ما يشاءون أو محض الشقاء و ليس لهم فيها إلا ما يكرهون و الدار الدنيا دار فناء و زوال لا يحكم فيها إلا الأسباب و العوامل الخارجية الظاهرية مخلوط فيها الموت بالحياة، و الفقدان بالوجدان، و الشقاء بالسعادة، و التعب بالراحة، و المساءة بالسرور، و الآخرة دار جزاء و لا عمل و الدنيا دار عمل و لا جزاء، و بالجملة النشأة غير النشأة.
فتعريفه تعالى نشأة البعث و الجزاء بأشراطها التي فيها انطواء بساط الدنيا بخراب بنيان أرضها و انتساف جبالها و انشقاق سمائها و انطماس نجومها إلى غير ذلك من قبيل تحديد نشأة بسقوط النظام الحاكم في نشأة أخرى قال تعالى: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62].
فقوله: { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ } أي محي أثرها من النور و غيره، و الطمس إزالة الأثر بالمحو قال تعالى: { وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2].
و قوله: {و إذا السماء فرجت} أي انشقت، و الفرج و الفرجة الشق بين الشيئين قال تعالى : {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1].
و قوله : {وإذا الجبال نسفت} أي قلعت و أزيلت من قولهم : نسفت الريح الشيء أي اقتلعته و أزالته قال تعالى: {و يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا} [طه: 105].
و قوله: {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات: 10] أي عين لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على الأمم أو بلغت الوقت الذي تنتظره لأداء شهادتها على الأمم من التأقيت بمعنى التوقيت، قال تعالى : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] ، و قال: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة: 109].
قوله تعالى : { لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ - إلى قوله: - لِلْمُكَذِّبِينَ } الأجل المدة المضروبة للشيء، و التأجيل جعل الأجل للشيء، و يستعمل في لازمه و هو التأخير كقولهم: دين مؤجل أي له مدة بخلاف الحال و هذا المعنى هو الأنسب للآية، و الضمير في "أجلت" للأمور المذكورة قبلا من طمس النجوم و فرج السماء و نسف الجبال و تأقيت الرسل، و المعنى لأي يوم أخرت يوم أخرت هذه الأمور.
و احتمل أن يكون " أُجِّلَتْ " بمعنى ضرب الأجل للشيء و أن يكون الضمير المقدر فيه راجعا إلى الرسل، أو إلى ما يشعر به الكلام من الأمور المتعلقة بالرسل مما أخبروا به من أحوال الآخرة و أهوالها و تعذيب الكافرين و تنعيم المؤمنين فيها، و لا يخلو كل ذلك من خفاء.
و قد سيقت الآية و التي بعدها أعني قوله : {لأي يوم أجلت ليوم الفصل} في صورة الاستفهام و جوابه للتعظيم و التهويل و التعجيب و أصل المعنى أخرت هذه الأمور ليوم الفصل.
و هذا النوع من الجمل الاستفهامية في معنى تقدير القول، و المعنى أن من عظمة هذا اليوم و هوله و كونه عجبا أنه يسأل فيقال: لأي يوم أخرت هذه الأمور العظيمة الهائلة العجيبة فيجاب : ليوم الفصل.
و قوله: "ليوم الفصل" هو يوم الجزاء الذي فيه فصل القضاء قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج : 17].
و قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ } [المرسلات : 14] تعظيم لليوم و تفخيم لأمره.
و قوله: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات : 15] الويل الهلاك، و المراد بالمكذبين المكذبون بيوم الفصل الذي فيه ما يوعدون فإن الآيات مسوقة لبيان وقوعه و قد أقسم على أنه واقع.
و في الآية دعاء على المكذبين، و قد استغنى به عن ذكر جواب إذا في قوله : {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [المرسلات : 8] إلخ و التقدير فإذا كان كذا و كذا وقع ما توعدون من العذاب على التكذيب أو التقدير فإذا كان كذا و كذا كان يوم الفصل و هلك المكذبون
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|