أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2017
3107
التاريخ: 26-9-2017
2674
التاريخ: 4-12-2017
8711
التاريخ: 9-10-2017
2290
|
لقد كان البيت الأموي معقّداً بعُقدة الحِقارة النفسيّة ، بالرغم من السلطة الزمنيّة التي اغتصبوها زوراً وبهتاناً ، وظلماً وعدوانا.
فقد كانت صفحات تاريخهم ـ خَلَفاً عن سَلَف ـ سوداء مظلمة مُدلَهمّة ، ملوّثة مشوّهة من مساويهم ومَخازيهم.
فتلك ( حمامة ) وهي مِن جَدّات معاوية ، وكانت مِن بغايا مكّة ومن ذوات الأعلام ، أي : كان العَلَم يُرفرف على دارها ( بيت الدعارة ) لِيَعرف الزُناة ذلك ، ويقصدوها للفجور بها.
وتلك هند ـ والدة معاوية ـ السافلة القذرة ، ذات السوابق العَفِنة ، والملَفّ الأسود ، آكلة الأكباد ، المُمتلئة حِقداً وعداءً على الإسلام والمسلمين.
وذاك أبو سفيان : قُطب المشركين ، وشيخ المُلحدين ، ورأس كلّ فتنة ، وحامل كلّ راية رُفعت لحرب رسول الله (صلى الله عليه واله) وقائد كلّ جيش خرج لقتال المسلمين في أيام النبي الكريم.
وهذا معاوية ، خَلَفُ هذا السلف ، وحصيلة هذه الجراثيم ، وثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، وهو يعلم أنّ الناس يعلمون هذه السوابق ، ويَعرفون معاوية حقّ المعرفة.
فكيف يَجبر هذا الشعور بالنقص .. الذي لا يُفارقه؟!
وكيف يستر هذه العيوب التي أحاطت به وغَمرته؟
كان الإحساس والشعور ـ بهذه السوابق العفنة ، والملفّات الوسخة ـ يحُزّ في صدر معاوية.
فهو يُحاول أن يَكسب شيئاً من الشرف والمجد ، لِيَملأ هذا الفراغ ويتخلّص من هذا الشعور ، ويُغطّي على وَصمات الخزي من سجلّ حياته ومن صفحات تاريخه ، ويتشبّث بشتّى الوسائل ، ولكنّ محاولاته كانت تَبوء بالفشل.
ومن جملة الطرق والوسائل التي حاول معاوية ـ من خلالها ـ إكتساب الشرف والسؤدد ، هي مُصاهرة الأشراف ، لإكتساب الشرف منهم.
وكان البيت العَلَوي الطاهر على علم وبصيرة من نوايا معاوية وأهدافه ، ولهذا كانوا يَسدّون عليه كلّ باب يمكن أن يدخل منه.
فلقد أوصى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند وفاته : أن يتزوّج المُغيرة بن الحارث بن الزبير بن عبد المطّلب بأُمامة بنت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه واله).
تلك السيدة التي أوصت مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) أمير المؤمنين أن يتزوّج بها ، حيث قالت : وتزوّج بأُمامة إبنة أُختي ، فإنّها لأولادي مِثلي .
وإنّما أوصى الإمام بذلك كي لا يتزوّج بها معاوية ، فالإمام كان يعلم ـ بعلم الإمامة ـ بأنّ معاوية سوف يُحاول أن يتزوّج بها ، ويَفتخر بأنّه صاهر رسول الله (صلى الله عليه واله) وأنّ حفيدة النبيّ قد صارت في حِبالته.
ولهذا أغلق الإمام الباب على معاوية ، وتركه في ظلمات نسَبه وحَسَبه!
وبعد سنوات قام معاوية بمحاولة أخرى ، فلقد كتَبَ إلى زميله ونظيره في الدَناءة واللؤم والحقارة والصلافة والوقاحة : مروان بن الحَكَم ، ابن الزرقاء الزانية ـ وكان حاكماً على الحجاز مِن قِبَل معاوية ـ أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ، وأمّها السيدة زينب ـ ليزيد بن معاوية.
وجاء مروان إلى عبد الله بن جعفر ، وأخبَره بذلك.
ومن الواضح : أن عبد الله بن جعفر هو أبو الفتاة ، وله عليها الولاية ، وهو يَعلم نوايا معاوية وهدفه من هذه المصاهرة ، ولكنّه يَعتبر الإمام الحسين (عليه السلام) كبير الأسرة ، وسيّد العائلة ، وأشراف أفراد العشيرة ، فلا ينبغي لعبد الله بن جعفر أن يُنعم بالقَبول ويوافق بدون موافقة الإمام الحسين ، فتخلّص من هذا الطلب المُحرج ، ومن هذه الحيلة الشيطانيّة فقال : إنّ أمرها ليس إليّ ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين ، وهو خالُها . فأخبر عبد الله الإمام الحسين بذلك.
فقال الإمام : أستخيرُ الله تعالى ، اللهم وفّق لهذه الجارية رِضاك من آل محمد .
فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) أقبَل مروان حتى جلس إلى [ جَنب ] الحسين (عليه السلام) وعنده مِن الجِلّة.
فقال مروان : إنّ أمير المؤمنين [ معاوية ] أمَرَني بذلك ، وأن أجعَل مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ مع صُلح مابين هذين الحَيّين مع قضاء دَينه . واعلم أنّ مَن يَغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم!!
والعجَب كيف يُستَمهَر يزيد وهو كُفوُ مَن لا كفوَ له!!
وبوجهه يُستسقى الغمام!!
فرُدّ خيراً يا أبا عبد الله؟
أقول : قبل أن أذكر تكملة هذا الخبر أودّ التعليق على كلمات مروان : من الصحيح أن نقول : إنّ الصلافة والوقاحة لا حدّ لهما ولا نهاية ، وإنّ دِناءة النَفس وخساسة الروح تُسبّب إنقلاب المفاهيم إلى صورة أخرى.
فالحقير يَنقلب شريفاً ، والنَذل يُعتبر مُحترماً ، والوجه الذي لم يَسجُد لله يُستَسقى به الغمام ، ووليد الكفر والفجور يُغتَبَط به ، والسافل المنحَط يَصير أرفع وأجلّ مِن أن يُطالَب بالمهر ، بل ينبغي أن تُهدي العظماء فَتياتها إليه هدايا بلا مَهر!!!
هذا هو منطق مروان ، وعصارة دماغه ، وكيفيّة تفكيره ، ومَدى إدراكه للقيم والمفاهيم. وقد تجرّأ أن يَرفع صوته بهذه الأكاذيب التي لا يَجهلها أحد .. وكأنّه لا يعلم مع مَن يتكلّم ، وعمّن يتحدّث ويمدَح؟!
فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام) بجوابٍ ألقَمَه حَجراً ، وزَيّف أباطيله وأضاليله ، وفنّد تلك الترّهات التي صدرت مِن أقذر لسان ، وألعن وأحقر إنسان.
والآن .. إليك تكملة الخبر :
فقال ـ (عليه السلام) ـ : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ... إلى آخر كلامه .
أُنظر إلى قوّة المنطق ، وعُلوّ مستوى النفس ، وشِرافة الروح ، وقداسة السيرة ، وغير ذلك ممّا يتجلّى في جواب الإمام الحسين (عليه السلام) لمروان بن الحَكم.
فهو (عليه السلام) يَفتتح كلامه بحمد الله تعالى الذي اصطفاهم واختارهم ، وهذا منتهى البلاغة والكلام المناسب لمُقتضى الحال ، فتراه يُصرّح أنه من الأسرة التي اختارهم الله تعالى للإمامة واصطفاهم ، ومعنى ذلك توفر المؤهلات فيهم ، وتواجد الفضائل والمزايا والخصائص التي لا توجد في غيرهم ، فهم في أعلى مستوى من الشرف ، وفي ذروة العظمة الممنوحة لهم من الله تعالى ، والفرق بينهم وبين غيرهم كالفرق بين الثُريّا والثَرى ، والجواهر والحصى.
إذن ، فهناك البون الشاسع بينهم وبين غيرهم من الناس الذين لم يَتلوّثوا بالجرائم ، ولم يُسوّدوا صحائف اعمالهم بالمخازي ، فكيف بمعاوية ويزيد و مروان ، والذين هم من هذه الفصيلة!
ثم قال الإمام : يا مروان ، قد قلتَ ، فسمعنا ،
أمّا قولك : مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ ، فلَعمري لو أردنا ذلك ما عَـدَونا سنّة رسول الله (صلى الله عليه واله) في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو اثنتا عشرة أوقية ، يكون أربعمائة وثمانين درهماً.
وأمّا قولك : مع قضاء دَين أبيها فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا؟!
وأمّا صلح ما بين هذين الحيّين فإنّا قوم عادَيناكم في الله ، ولم نَكن نصالحكم للدنيا ، فلقد أعيى النسب ، فكيف السبب؟
يُريد مروان أن يُصلح بين الخير والشرّ ، وبين الفضائل والرذائل ، وبين أولياء الله وأعدائه ، بذلك الزواج المقصود.
وكيف يمكن الصلح بين هاتين الفئتين؟!
فهل يَتنازل أولياء الله تعالى لأعداء الله ، ويَعترفون لهم بقيادتهم المُغتصبة ، وزعامتهم الملوّثة ، وجرائمهم ومَخازيهم؟؟!!
هل هذا معنى الصلح بين الحَيّين؟!
أو يَجب على المجرمين ـ المناوئين لأولياء الله ـ أن يَتوبوا ويَرتَدعوا عن أعمالهم اللااسلامية ، ويُنقادوا لأهل البيت الذين فرض الله تعالى مودّتهم ، وأوجب طاعتم وولايتهم؟!
فإن كان المقصود : المعنى الأول ، فهو مستحيل شرعاً وعقلاً.
لأنّ الإعتراف ـ للمفسدين ـ بالصلاح والتقوى يُعتبر سَحقاً للمفاهيم الإسلامية ، وإبطالاً للحقّ ، وإحقاقاً للباطل ، وحاشا أهل بيت رسول الله ( عليهم صلوات الله ) مِن هذا التنازل المُشين المُزري.
وإن كان المقصود من الصُلح : المعنى الثاني ، فهذا لا يتوقّف على المصاهرة ولا يحتاج الى هذا الزواج السياسي ، فإن كان البيت الأموي يؤمن بالحقّ في آل رسول الله فليَعترف لهم بذلك ، وليَنسحب من ساحة القيادة ، وليَنزل عن منصّة الحكم ، وعند ذلك يتحقّق الصلح المَنشود .. على حدّ زعمهم.
ولكنّ مروان لا يفهم هذه الأمور ، أو يفهم ولكنّه يجحد بالحقّ وهو مستيقن به ، وإنّما يريد أن يُحقّق هدفه الميشوم عن طريق المغالطة في الكلام والتزوير في الحقائق والمفاهيم.
ومن غَباوته انه كان يظنّ أن الإمام الحسين (عليه السلام) يَنخدع بهذه الأساليب المُلتَوية والخُداع المكشوف.
ثم هلمَ معي لنَنظر إلى البيت العَلوي النبوي الشامخ ، والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، فالقرآن الكريم يُمطر عليهم وابِل المدح والثناء.
بدءاً بصاحب الشريعة الإسلامية النبي الأقدس (صلى الله عليه واله) إلى سيّد العترة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى سيّدي شباب أهل الجنة ، رَيحانتي رسول الله : الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) إلى بقية الأئمة الطاهرين ( سلام الله عليهم أجمعين ).
فهذه آية التطهير ، وتلك آية المباهلة ، وتلك آية المودّة ، وتلك سورة هل أتى ، وتلك آية التبليغ ، وتلك آية إنّما وليّكم الله ... .
وكلّها آيات تقدير ، وباقات تمجيد ، وعلائم وتصريحات بالإشادة بجلالة قَدرهم وعلوّ شأنهم ، مَن صلاتهم وإنفاقهم وإطعامهم ، وجهادهم وإيثارهم ، وعِصمتهم وقداستهم وغير ذلك.
وهذه مئات الآلاف من الكتب التي تَشهد بخصائصهم ومزاياهم وفضائلهم ومكارمهم ومناقبهم.
إذن ، فمن الطبيعي أن تَحصل العداوة والخُصومة بين هاتين الطائفتين ، فالتناقض موجود دائماً بين الفضائل والرذائل ، وبين الخير والشر ، وبين النور والظلام ، فكيف يُمكن الصُلح بين هذين الحيّين وهاتين العشيرتين .. كما زَعَمه مروان؟!
فإنّا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نُصالحكم للدنيا إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يَكشِف الغطاء عن أسباب النزاع وموجبات الخصومة بين بني هاشم وبين بني أمية ، إذ قد يكون سبب العداوة ـ بين فِرقتين أو عشيرتين ـ لأجل شيء مادي ، كالمال والرئاسة وما شابَه ذلك. وقد يكون سبب العداوة عقائدياً ودينيّاً ، فكيف يمكن الوئام والوفاق بين طائفتين هما على طرَفَي نَقيض من الناحية العقائديّة؟!
هذا .. ومن الواضح ـ تاريخياً ـ أنّ الطائفة التي بَدأت في إظهار العداوة وإشعال نار الفتنة والتفرقة هم بنو أميّة ، وعلى رأسهم أبو سفيان .. شيخ المشركين أوّلاً ، ورئيس المنافقين آخراً.
فمن الذي قاد جيش المشركين من مكة إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه واله) يوم بدر؟!
ومن الذي قاد جيش المشركين في واقعة أحد؟!
ومن الذي شقّ بطن حمزة سيد الشهداء وعمّ رسول الله ، وأخرج قلبه وكبده ، وجَدَع أنفه وأذنيه ، ومَثّل به شرّ مُثلة؟!
أليست هي هند زوجة أبي سفيان؟!
ومن الذي قاد جيوش الأحزاب في غزوة الخندق؟!
ومَن .. ومَن..؟!
ومن الذي قال ـ يوم بويع لعثمان بن عفّان ـ : تلقّفوها يا بني عبد شمس ، فوالذي يَحلِف به أبو سفيان : لا جنّة ولا نار؟!
أليس هو أبا سفيان؟!
ومن الذي حارب الإمام عليّاً (عليه السلام) يوم صفّين ، وأقام تلك المجزرة الرهيبة التي كاد أن ينقطع فيها نسل العرب؟!
ومن الذي سنّ لعن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر وفي قنوت الصلاة ، حتى قال الشاعر :
لَعَنته بالشام سبعين عاماً
لَعَن الله كهلها وفتاها
أليس هو معاوية؟
نحن لا نريد أن نفتح ملفّات أبي سفيان وابنه معاوية في هذه السطور ، فالحديث عنهما طويل طويل ، فهذه مئات الكُتب والمؤلّفات .. مِن الصحاح وغيرها ـ على مرّ القرون ـ تَرفع الستار وتكشف الغطاء والقناع عن هويّتهما ، وتُبيّن سَريرتهما ونَفسيّتهما ، وسوابقهما ولواحقهما ، وتُعرّفهما للملأ الإسلامي ـ إذا كان واعياً ـ وتوضّح مواقف كل واحد منهما تجاه الدين الإسلامي ورجالات المسلمين!!
وأمّا معنى كلام الإمام الحسين ـ (عليه السلام) ـ : فلقد أعيى النسب ، فكيف بالسبب؟ فإنّ بني هاشم كانوا هم الصفوة من قريش ، وبنو أمية كانوا يدّعون أنّهم من قريش ، إذن .. فالنسب موجود بين هاتين العشيرتين : بني هاشم وبني أمية ، وقد أعيى وعجَزَ هذا النسب وهذه القرابة أن تكون سبباً للصلح والوئام بين هاتين العشيرتين ، فهل تنفع المصاهرة للإصلاح بينهما؟
وأمّا قولك : العجب ليزيد كيف يُستمهر؟ ، فقد استُمهر مَن هو خير من يزيد ، ومن أب يزيد ، ومن جدّ يزيد!!
إنّ مروان لا يَعلم بأنّ المهر شرطٌ في الزواج ، وأن لا زواجَ بلا مهر بصَرف النظر عن طرَفي النكاح ـ وهما : الزوج والزوجة ـ وشؤونهما ، سواءً كان أحد الطرفين وضيعاً أو شريفاً ، غنيّاً أو فقيراً.
فإنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي هو أشرف الكائنات وأفضل المخلوقين ، وسيد الأنبياء والمرسلين ـ والذي كانت إحدى نَعليه أشرف من جميع بني أميّة قاطبة ـ قد أمهر نساءه ، ولكن مروان يقول : والعجب كيف يُطلب المهر من يزيد؟
ويتجاوز مروان حدود الصلافة والكذب ويقول : إنّ يزيد كفوُ مَن لا كفوَ له أي : انّ يزيد يُعتبر كُفواً ونظيراً لطائفة خاصّة من الناس ، وطبقة عالية وراقية من المجتمع ، وهم العظماء والأشراف الذين ليس لهم نظير يُماثلهم في الشرف ويُساويهم في العظمة ، فإن يزيد كُفوهم ونظيرهم في المجد والشرف.
ويُجيبه الإمام الحسين (عليه السلام) : وأمّا قولك : إنّ يزيد كفوُ من لا كفو له فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئاً.
يقول الإمام (عليه السلام) : إنّ يزيد الذي هو حفيد أبي سفيان شيخ المنافقين ، وحصيلة هند : آكلة الأكباد ، وثمرة حمامة : ذات العلم ، وابن معاوية : فرع الشجرة الملعونة في القرآن ، وابن ميسون النصرانية ، كلّ مَن كان كفوه ـ أي : نظيره ومَثيله ومُساويه ـ قبلَ اليوم .. فهو كفوه اليوم أيضاً. إن يزيد هوَ هو ، لم تتغيّر ماهيّته ، ولم تتبدّل هويّته ، بل حاضره مثل ماضيه ، ولاحقُه مثل سابقه ، والإمارة المُغتصبة التي تقمّصها ما زادته إلا زوراً وبُهتاناً.
وأمّا قولك : بوجهه يُستسقى الغمام ، فإنّما كان ذلك بوجه رسول الله (صلى الله عليه واله).
أقول : الوجه والجاه : القدر والمنزلة. وقد كان المسلمون ـ فيما مضى ـ إذا قلّت عندهم الأمطار يخرجون إلى الصحراء لصلاة الإستسقاء ، ويسألون من الله تعالى أن يَسقيهم المطر ، ولا شك أنّ الذي يتقدّم الناس ويدعو الله تعالى ينبغي أن يكون وجيهاً ، بأن يكون له قدر ومنزلة عند الله ( عزّ وجل ).
ولهذا كان الأنبياء يتقدّمون في صلاة الإستسقاء ، ويدعون الله تعالى فيستجيب لهم ، وهكذا نبيّنا وبعض أئمة أهل البيت ( صلوات الله عليهم أجمعين ) سألوا الله تعالى أن يسقيهم المطر ، فاستجاب الله دعاءهم لمنزلتهم وقدرهم عند الله سبحانه.
وقد قال سيدنا أبو طالب (عليه السلام) ـ في شأن رسول الله (صلى الله عليه واله) ـ :
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى ، عصمةً للأرامل
وقد تكرّر من رسول الله الإستسقاء ، فاستجاب الله دعاءه وأرسل غيثاً مدراراً ، كل ذلك كرامة لوجه رسول الله وجاهه ومنزلته العظيمة عند الله سبحانه ، ولكن مروان يقول : بوجه يزيد يُستسقى الغمام!! .
وأنا أقول : نعم ، بوجهه يُستسقى الغمام ، لفجوره وخموره ، وقماره ومنكراته ، وموبقاته ومخازيه ، وجرائمه ونسبه. وبهذه الفضائل!! يُستسقى بوجهه الغمام!!
اليس هكذا؟!
واعلم أنّ مَن يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبط يزيد بكم . يقول هذا الأحمق : إنّ الذين يتمنّون أن يخطب يزيد منهم ، أكثر مِن الذين يتمنّون أن يخطبوا منكم فتياتكم!!
إنّ مروان اللعين يريد أن يقول : إنكم تزدادون شرفاً بهذه المصاهرة ، وأمّا يزيد فإنّه لا يزداد شرفاً بها ، لأنّه أرفع منزلةً وأعلى قدراً مِن أن يتشرّف بهذه المصاهرة.
إقرأ كلامه واضحك!
فأجابه الإمام : وأمّا قولك : مَن يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا ، فإنّما يَغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل .
ومعنى كلام الإمام : أنّ الذين يجهلون القيم الإنسانية ، والمفاهيم الدينية هم الذين يتمنّون أن يخطب يزيد منهم ، لأنهم ينظرون إلى ما يتمتّع به يزيد من متاع الدنيا والرفاه والرخاء.
وأمّا العقلاء ، الذين يفهمون المقاييس الأخلاقية ، والقيم الروحيّة ، فهم يتمنّون أن يخطبوا منّا فتياتنا ، لأنّنا في أوج العظمة ، وذروة الشرف ، وقمّة الفضائل.
ثم قال الإمام ـ بعد كلام ـ : إشهدوا جميعاً أنّي قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر ، على أربعمائة وثمانين درهماً ، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة وإنّ غَلّتها في السنة ثمانية آلاف دينار ، ففيها لهما غنى إن شاء الله .
أقول : قد اشتهر ـ في ذلك الزمان ـ كلام رسول الله (صلى الله عليه واله) أنّه قال : بناتُنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا ، ومَن أولى من الإمام الحسين بتطبيق هذا الكلام؟. وقد سبقه إلى ذلك أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما زوّج ابنته زينب الكبرى من ابن عمّها عبد الله بن جعفر.
ولهذا بادر الإمام الحسين (عليه السلام) إلى تزويج إبنة أخته من ابن عمّها ، وقد دفع الصداق من ماله ، وأمّن حياتهما الاقتصادية بتلك المزرعة ، الكثيرة البركة ، التي وهبها لها.
فتغيّر وجه مروان ، وقال : أغدراً يا بني هاشم؟ تأبون إلا العداوة؟ .
إنّ هذا العدو الغادر ينسب الغدر والعداوة إلى آل رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
فقال مروان :
أردنـا صهركم لِنُجِدّ وُدّاً
قـد اخلقه به حدث الزمان
فلمّـا جئتكـم فجَبَهتموني
و بُحتم بالضمير من الشنان
وهنا .. ما أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يستمرّ في محاورة ذلك الحقير ، وأن يُلقم مروان الحجر أكثر من هذا ، فتقدّم ذكوان وأجاب مروان :
أمـاط الله عنهم كـل رجـسٍ
وطهّرهـم بـذلك فـي المثاني
فمـا لهم سـواهم مـن نظيـر
ولا كفـوٌ هنـاك و لا مُدانـي
أيجعـل كـلّ جبـارٍ عنيدٍ
إلى الأخيار من أهل الجنان؟
أقول : لقد روى الشيخ المجلسـي ( رحمة الله عليه ) هذا الخبر في كتاب ( بحار الأنوار ) عن بعض الكتب القديمة ، ونسبه إلى الإمام الحسـن المجتبـى (عليه السلام) . وليس بصحيح ، لأن إمارة يزيد كانت بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهذه الخطبة كانت في أيّام إمارة يزيد وكونه وليّاً للعهد.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|