أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-4-2019
![]()
التاريخ: 22-5-2019
![]()
التاريخ: 23-11-2017
![]()
التاريخ: 3-04-2015
![]() |
حتَّى ولو صحَّ الافتراض بأنَّ يزيد يفوق أباه مُعاوية ، مَقدرةً وحُنكةً ودهاءً ، فلا يُمكن الحسين أنْ يُقدِّم له أيَّ نوعٍ مِن مُبايعة فيها قَبول أو رضوخ ، فمُعاوية ـ بالذات ـ بعد أنْ توصَّل الحسين إلى تعيين ثُقله في الميزان ، وجَدَه لهوَّةً مُحنَّكة بصَواني الدنيا ، لا يهتمُّ بتزيينها وتقديمها على المائدة الكُبرى ، التي تتجمع حولها الأُمَّة تتناول منها ريَّها وشِبعها ، بلْ يحصر هَمَّه في جعلها حكراً في مقاصيره ، يسكر منها مجداً ، وسؤدداً ، وتلاعباً بمُقدَّرات الناس ، ويبذل قُصارى جُهده في تسييجها بالظلم المُتداهي ، والاستبداد المُتباهي ، حتَّى تبقى له في المُلكيَّة التي تتعبَّأ بالجَور والاستبداد ، مِن هنا كان الفِسق عند يزيد لوناً له في الإرث عن أبيه ، وتلويناً له في التصنيف المُمتاز وهو يتلهَّى بالبيزان والفهود ، وترقيص القرود على أوتار العود ، والتفنُّن بكلِّ أنواع المِجون ، ليكون له ـ بالتالي ـ تفنُّن قِرَديٍّ وفَهديٍّ الأظافر ، يأمر بإنشابها في عُنق مَن لا يبايعه على كرسيِّ الحُكم .
ليس الحسين الآن ـ وهو الغارق في نفسيَّة مُتملِّية مِن مُعاناتها الناضجة بالفَهم والعمق ورَوز الحقائق ـ إلاَّ الرافض كلَّ أنواع المُبايعات ـ أكان المُبايَع له يزيد الفاسق ، أم أبوه مُعاوية المُحنَّك بحلاوة المُلك .
إنَّ الحسين الآن هو المُنتفض على كلِّ الخَطِّ الذي رسمه عمر بن الخطاب ؛ لأنَّه الخطَّ الذي لعب فيه ـ على هواه ـ لعباً زريَّاً بمصلحة الأُمَّة ، ورماها في فوهة المجهول . صحيح أنَّ الحسين تحوَّل ـ في فهمه وإدراكه ـ إلى اعتبار كلِّ خطأ طريقاً إلى صواب ، أو بالأحرى إلى تصويب ، ولكنَّ ذلك لا يعني أنْ يَحترم الخطأ ، ويلثم يده البيضاء ، لهذا فإنَّه الآن لا يقدر أنْ يغفر لابن الخطَّاب خُطوةً زلَّ بها عن حقيقة النهج ، ولا يقدر ـ في الوقت ذاته ـ إلاَّ اعتبار يزيد قرداً مُسمَّى ( بأبي قيس ) ، وهو ـ فعلاً ـ اسم قرد ذكيٍّ ومُمتاز ، خلعه عليه أُستاذه يزيد ، وكان رفيقه في جميع حفلات مُجونه ، أمَّا المهزلة المؤلمة التي يفرض على الحسين الآن احتمالها تحصل تحت عينيه ، فهي في كونه مدعوَّاً للرقص في الساحة ذاتها ، التي يرقص فيها ( أبو قيس ) الذي ألبسه يزيد حِلَّة التهريج !
سيان ـ يقول الآن الحسين في نفسه ـ أكان المُناجز يزيد ، أم أنَّه بهلوان آخر اسمه عمر ؛ لأنَّه أصبح يُدرك أنَّ ساحة الصراع تستدعي نزولاً حاملاً في يمينه سيفاً ، تستفيد مِن نوعيَّته الأُمَّة ، بأنَّه نوع لا يقصف ، وعندئذ فإنَّ الحسام هذا لا يُمكنه أنْ يحفظ اسم الذي ينزل إلى مُناجزته في الميدان . إنَّ قيمة هذا الحسام هو أنَّه صقيل وقائم بذاته ، ولا دخل لاسم الخصم فيه ، سوى أنَّه خصم قد استعجل هذا الحسام إلى الخروج مِن غُمده ، وهذا هو كلُّ دور يزيد وهو في الساحة يستدعي الحسين إلى النزول إليها مُبايعاً ، وإلاَّ فإنَّ عُنقه هو المضروب !!
في كلا الحالين ـ بايع الحسين أمْ لم يُبايع ـ فعُنقه هو المضروب ! لقد توصَّل الحسين إلى استيعاب هذه الحقيقة في وجوده الصريح ، وهو وجوده طالبيٌّ ـ إماميٌّ ـ انتسابيٌّ إلى أهل البيت ، وهو وجود مرئي بعين سُفيانيَّة يُهيجها الانتساب الطالبيُّ ، كما يُهيج الثيران الاسبانيَّة كلَّ تلويح بقماشة حمراء ، أمَّا يزيد فهو المُتلاعب الآن بالتهديد ، كما تتلاعب القِطط ـ وهي فصيلة مِن فصائل القرود أو الفهود ـ بالفأرة التي تصطادها ، تُمنِّيها بالهروب ، وتُمنِّيها ... وتُمنِّيها وتُمنِّيها ... حتَّى تقتلها مِن فَرط التمنَّي !!
مِن هنا إن الوالي الذي عُزل لأنَّه لم يكن سِنَّوراً يُتقن اللعب بصيده ، جاء يعرض على الحسين مُبايعة تُنجيه مِن الوقوع في العَطب ، وهو يُصدِّق أنَّ الحسين نازل عند عرضه ، ومأخوذ بتبهرجه بيزيد ، لقد صدَّق ابن عتبة أنَّ الحسين مُقدِم على مُبايعة تُبهر عينيه ، ولقد أُعجب ـ أيضاً ـ بتبرُّع الحسين بدمه مِن أجل الأُمَّة ، التي هي مِن الصكِّ الذي يملكه يزيد ، أمَّا غير ذلك فإنَّه لم يلمح .
لم تكن المُبايعة التي قصدها الحسين في حضرة الوالي ـ أبداً ـ ليزيد ، بلْ إنَّها لجوهر الإمامة التي هي له الآن في شمولها المُطلق .
إنَّها للأُمَّة تقطف منها ـ في كلِّ غَدٍ طالع عليها ـ ما يعينها في البلوغ الكريم ، وما يُثبِّت أقدامها في الترقِّي الصامد بحقيقة الذات ، ما يُعينها في البلوغ الكريم ، وما يُثبِّت أقدامها في الترقِّي الصامد بحقيقة الذات ، ولقد تعهَّد ببذل دَمه مِن أجل هذه الأُمَّة الكريمة ، التي تتحصَّن دائماً باسم جَدِّه العظيم ، الذي وهبها كل ذاته ، في حين أنَّها لا تتمجَّد إلاَّ وهي تنمهر بذكره .
لم يشدَّ الحسين الآن ـ في حضرة الوالي ـ عزمه على المُبايعة تلك ، مُمهورة ببذل الدم حين تقضي الحاجة ، بلْ إنَّه التقرير الكبير الذي كان يصوغ بنوده ، مُنذ بدأ يعي حقيقته المرسومة في بال جَدِّه الأكبر ، وهي حقيقة ما استوعبها حتَّى أدرك أنَّه مربوط بالالتزام .
إنَّ الإمامة ـ في إحاطتها الكاملة ـ هي التي كانت توسِّع عليه المُعاناة ، وتُكيِّفه بالصبر والتأنِّي ، وتُحضِّره لكلِّ مواجهة تُجابهه بها الأحداث ، التي هي ـ بحَدِّ ذاتها ـ مجالات تُعبِّر بها الحياة عن مقاييس زخمها في مُجتمعات الإنسان .
تلك هي مجالات الأحداث التي توقَّف الحسين طويلاً في استيعابها والتملِّي في درسها ، وهي تنفث ريحها السَّموم في جَوِّ الأُمَّة التي استوعبها جَدُّه وأبوه وأخوه ، وتركوا زمامها الآن عليه حتَّى يتعهَّدها بالإمامة التي عَبث بحبالها عمر بن الخطَّاب ، ولم يقبل إلاَّ أنْ يوصلها إلى مَن يُتابع العَبث بها عَبث الفاسقين !!!
أمَّا الأُمَّة ، فهي التي يتمُّ توجيهها لتعرف كيف تقرأ الأحداث ، التي نقشتها هي بخطواتها الممشيَّة فوق الأرض ، حتَّى يكون لها مِن حروف القراءة تمييز بين نَقشٍ ونَقشٍ ، تتجنَّبه هزيلاً مريضاً ، وتتحفَّز لتقويمه إنْ رأته معوجَّاً ، وترتاده إنْ تلمس فيه خطَّاً إلى صواب وجمال ، تلك هي المُهمَّة الكبيرة نَقَشَ خطوطها وقنواتها الصريحة جَدُّه الأعظم ، فقدَّمها للأُمَّة تقرأ بها تقويم خُطواتها ، وتعيين حظوظها ، كلَّما تنقَّلت بها الأعمار في باحات الحياة ، وتلك هي المُهمَّة الكبيرة ذاتها ، تناولها أبوه الأجلُّ ، وقدَّمها للأُمَّة تقرأ بها صيانة خطواتها ، وهي تحفرها فوق الرمال المَعْميَّة بالسراب ، وتلك هي المُهمَّة الكبيرة ذاتها ، توسَّلها أخوه الأحبُّ وقدَّمها للأُمَّة تقرأ بها لملمة حواشيها ، وهي تنزل في كلِّ حقدٍ وضيم يُضلِّلانها في كلِّ ليلٍ مُدْلَهم ، يشتدُّ فيه سطو الذئاب على نعاج بلا حراسة .
أمَّا المُهمَّة الكبيرة ذاتها فهي التي تطوي كَشْحها عليه الآن ، ليقدح لها ـ مِن قبله وفكره وعزمه ـ شرارة تُعلِّم الأُمَّة كيف تبني سيرتها المجيدة في الحياة ، حتَّى تَخلص عينيها مِن كلِّ وطأة خَبلٍ ونعاس ترميها في غفوة الذِّلِّ والاستكانة ، وتُبعدها عن المحارم الشريفة والعزيزة ، التي تستهيم بها الحياة وهي تتمجَّد أبيَّة كريمة في حِضن ربِّها العزيز الكريم .
|
|
4 أسباب تجعلك تضيف الزنجبيل إلى طعامك.. تعرف عليها
|
|
|
|
|
أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في بريطانيا تستعد للانطلاق
|
|
|
|
|
أصواتٌ قرآنية واعدة .. أكثر من 80 برعماً يشارك في المحفل القرآني الرمضاني بالصحن الحيدري الشريف
|
|
|