أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2017
1052
التاريخ: 22-9-2017
964
التاريخ: 22-9-2017
712
التاريخ: 22-9-2017
1002
|
الإمام والعصر والخلفاء
ولد الإمام الجواد (عليه السلام) في مرحلة غاية في التوتر والحساسية والقلق من حيث الزمان ومن حيث المكان ومن حيث الشرائط..
ففي بداية حياته الشريفة كان القتال العائلي العباسي حيث قتل عبد الله المأمون أخيه الأمين واستولى على السلطة والحكم في الدولة الاسلامية.. وأريقت دماء، وكانت بلابل ومشاكل كادت أن تطيح بالدولة العباسية من أساسها.. وبذلك نقلت عاصمة الدولة إلى خارج المنطقة العربية.. ولأول مرة بحيث نقلت من بغداد إلى (مرو) في بلاد خراسان - إيران حاليا - إلا أنها أعيدت إلى بغداد بعد استقرار الحكم للمأمون العباسي..
فبعد العاصفة لابد من الهدوء النسبي.. وبعد القتال لابد من لملمة الجراح ودفن القتلى.. والذي يقتل أخاه من اجل الحكم فإنه على استعداد على أن لا يبقي ولا يذر.. فالملك عقيم كما زعموا..
والقتال بين الأقارب صعب، وبين الأخوة مستصعب.. لأن الجراح تكون في النفس والقلب بين القاتل والمقتول.. وقيل ان هذا ما سبب نقمة العائلة العباسية على عبد الله المأمون، حيث قتل أخاه الأمين وقطع رأسه وعلقه على باب القصر وأمر المارين بالتفل عليه.. واستمر ذلك إلى أن مر أحدهم فتفل عليه وشتمه بقوله: (لعنك الله ووالديك) فقال المأمون كفانا ذلك أنزلوه..
وكأنه استفاق من غفلته بهذه اللعنة وتذكر أن هذا المعلق هو أخوه..
ومنهم من أرجع سبب تقريب الإمام علي الرضا (عليه السلام) والإمام محمد الجواد (عليهما السلام) وهما عمدة البيت العلوي من قبل المأمون العباسي هو نكاية العباسيين..
فقالوا إنه راح يقرب العلويين ليكونوا له عونا وسنداً ويداً عوضا من أولئك الخونة - بنظره لأنهم وقفوا إلى جانب الأمين قبل ذلك..
إلا أنه عند التحقيق لم يكن كذلك فإن المأمون العباسي كان ذكيا ومثقفا بالنسبة إلى سائر العباسيين وكان أعلمهم بالأمور وبكيفية السيطرة على الحكم، وقد عرف أن الناس قد إستساؤوا من سلطان العباسيين ومن كثرة ظلمهم ومالوا إلى بني علي (عليهم السلام) وعرفوا بعض منزلتهم، فأراد المأمون أن يمتص هذه الظاهرة لصالحه فاستدعى الإمام (عليه السلام) حتى يكون تحت نظره المباشر، ويصور للناس بأنه محب للإمام (عليه السلام). ومن هنا رفض الإمام حتى أجبر على القبول، فوضع عبد الله المأمون ولاية العهد في عنق الإمام علي الرضا (عليه السلام).
وعند ما استتب له الوضع وهدأت النفوس وقوي سلطانه من جديد..
احتال على قتل ولي عهده! الإمام الرضا (عليه السلام) فدس إليه السم حتى قضى نحبه مسموما شهيدا غريبا..
ومن أهم ما عمله الإمام الرضا (عليه السلام) أنه لم يعط أي تأييد للحكومة العباسية ولا منحها أية شرعية في ذلك، فلم ينصب أحدا ولم يعزل، ولم.. ولم..
وهكذا كان الأمر بالنسبة الى الإمام الجواد (عليه السلام) أيضا..
فالمأمون العباسي من خبثه وذكائه ومعرفته بمقام الإمام (عليه السلام) وعظمته وشرفه ومكانته عند الناس، استدعاه من المدينة المنورة إلى عاصمته بغداد ليكون قريبا من الحاكم وتحت نظره المباشر.
إلا أن المأمون العباسي شغف - مكرا وخدعا - بالإمام الجواد (عليه السلام)، لما رأى من فضله ونبله وعلمه مع صغر سنه.. وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل مالم يساويه فيه أحد من أهل ذاك الزمان.. فقربه وزوجه بابنته المدللة (أم الفضل زينب) وكان له من المعارضة العباسية بهذا الشأن قصص، لأنهم ما كانوا يعرفون سوء قصد المأمون في ذلك.
فقد ذكر المؤرخون أنه عندما عزم المأمون العباسي على تزويج الإمام محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) من ابنته اعترضه العباسيون اعتراضا شديدا خوفا من انتقال الخلافة إلى بني فاطمة (عليها السلام).
فاجتمع من أهل بيته الأدنون وقالوا له: نناشدك الله يا أمير.. الا تقدم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج (ابن الرضا) (عليهما السلام) فإنا نخاف أن يخرج منا أمر قد ملكناه الله عز وجل!.. وينزع منا عزا قد ألبسناه الله!..
وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا.. وقد كنا من خشية من عملك مع الرضا (عليه السلام) فكفانا الله لهم في ذلك.. فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا..
فقال لهم المأمون - وهو يكمن مافي قلبه من الحقد ضد أهل البيت (عليهم السلام): أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم.. وأما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم.. وأعوذ بالله من ذلك.. والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا (عليه السلام) ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى وكان أمر الله قدرا مقدور!.. وأما أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) فقد اخترته لتفوقه على أهل الفضل كافة في العلم والثقافة مع صغر سنه.. وأنا أرجعوا أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فتعلمون أن الرأي ما رأيت فيه..
فقالوا: وبئس ما قالوا: ان هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي ولا معرفة له ولا فقه.. فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك..
فقال لهم المأمون: ويلكم إني أعرف بهذا الفتى منكم، وإن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة.. فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يثبت لكم به ذلك..
قالوا: قد رضينا بذلك، فخل بيننا وبينه من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فإن أصاب لم يكن لنا اعتراض وظهر للخاصة والعامة سديد رأي الأمير.. فيه، فإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب منه..
فرضي المأمون بذلك.. وأعطاهم موعدا للقاء..
واجتمع رأيهم على (يحي بن أكثم) قاضي قضاة الديار الإسلامية في ذلك العهد أن يسأل الإمام الجواد (عليه السلام) عن المسائل الغامضة في الفقه الإسلامي.
وحان الموعد واجتمع الناس.. وجاء الإمام الجواد (عليه السلام) وحضر ابن أكثم.. وجلس يحي بن أكثم بين يديه والمأمون بجانب الإمام (عليه السلام).. فالتفت ابن أكثم إلى المأمون وقال: يأذن لي أمير.. أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟
فقال المأمون: استأذنه في ذلك..
فأقبل عليه يحي بن أكثم قائلا: جعلت فداك.. تأذن لي في مسألة؟
قال أبو جعفر (عليه السلام): سل ما شئت..
قال يحيى: ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيداً؟
فقال الإمام أبو جعفر (عليه السلام):
قتله في حل أو في حرم؟
عالما كان أو جاهلا؟
قتله عمدا أو خطأ؟
حراً كان المحرم أو عبدا؟
صغيرا كان أو كبيرا؟
مبتدئا بالقتل أو معيدا؟
من ذوات الطير كان القتل أو من غيرها؟
من صغار الطير أو من كبارها؟
مصرا على ما فعل أو نادما؟
في الليل كان قتله للصيد أو في النهار؟
محرما كان بالعمرة إذ قتله، أم بالحج كان محرما؟
فتحير يحي بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع.. ولجلج حتى عرف الحاضرون أمره..
فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي..
ثم توجه إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تفكرونه؟
ثم أقبل على أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟
فقال له: نعم..
فقال له المأمون: اخطب لنفسك - جعلت فداك - قد رضيت لنفسي وأنا مزوجك (أم الفضل) ابنتي وإن رغم قوم لذلك..
فقال أبو جعفر (عليه السلام): الحمد لله إقراراً بنعمته.. ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته.. وصلى الله على محمد سيد بريته والأصفياء من عترته أما بعد:
فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32] ثم إن محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وهو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجته يا مأمون بها على هذا الصداق المذكور؟
فقال المأمون: قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام): قد قبلت ذاك ورضيت..
وبعد الاحتفال بالزواج.. سأل المأمون الجواد (عليه السلام) عن الجواب عن السؤال وتفريعاته كلها.. فأجاب الإمام (عليه السلام) بكل دقة ووضوح عنها جميعا..
فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر.. أحسن الله إليك.. فإن رأيت أن تسأل يحيى بن أكثم مسألة كما سالك..
فسأله الإمام (عليه السلام) مسألة داخ منها، ولم يدر ما يقول.. وستجدها وغيرها مفصلة في هذا الكتاب في محله بإذن الله.
وبعد انتهاء المجلس.. التفت المأمون إلى المجتمعين قائلا:
ويحكم إن أهل البيت خصوا من الخالق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال.. أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين.. وقبل منه الإسلام وحكم له به.. ولم يدع أحد في سنه غيره.. وبايع الحسن والحسين وهما ابنان دون الست سنين.. ولم يبايع صبيا غيرهما.. أولا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم؟
وإنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم..
فقالوا: صدقت يا أمير..
خلافة المعتصم:
وتوفي المأمون بشهر رجب سنة 218 للهجرة بقرية طرسوس على الحدود الفاصلة بين الدولة الإسلامية والدولة الرومانية.. ودفن هناك بعد أن أوصى إلى أخيه (المعتصم) بتصدي الحكومة، وكان من جملة ما أوصاه ببني عمومته العلويين وذلك حفظاً للظاهر وخوفاً على سلطان بني عباس إذا أخذوا يحاربون أهل البيت (عليهم السلام).. فقال مما قال له:
(هؤلاء بنو عمك من ولد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فأحسن صحبتهم وتجاوز عن مسيئهم، وأقبل عليهم ولا تترك صلاتهم في كل سنة عن محلها فإن حقوقهم تجب من وجوه شتى..).
وأخذ المعتصم يوطد حكمه.. ويرتب أمور دولته بما يضمن قوتها.. وكان الهاجس الوحيد المرعب هو الإمام محمد بن علي (عليه السلام) فهو الخطر الحقيقي له ولدولته.
فهو صهر الحاكم الراحل.. وسيد أهل البيت العلوي.. وإمام الشيعة وقد أصبحوا قوة جبارة معلنة الولاء للإمام (عليه السلام) على رؤوس الأشهاد..
إذاً قد يشكل خطراً على المستقبل بل وربما على الحاضر أيضاً..
فأحضره مرة أخرى من المدينة المنورة إلى عاصمته بغداد ليكون تحت أنظار الحاكم العباسي مباشرة.. ومراقبة الشخصية له ولتحركاته كافة..
وكان ذلك في 28 محرم عام 220 هـ وبقي فيها إلى أن دس المعتصم السم إليه فوافاه الأجل الذي لا راد له، شهيدا مسموماً..
الشهادة والشاهدة
الشهادة أمر عظيم.. تتطلب الصدق وتلازم الحق لتكون مقبولة لدى الجميع وبالتالي لا يمكن ردها أو نكرانها.. فتذعن لها النفوس وإن كانت كارهة وتتقبلها العقول والضمائر والحياة وإن كانت مرّة..
والشهادة تعني قتل الجسد وزهق الروح في سبيل القدس والحق..
وهل هناك قدسية وحق كوجه الحق تعالى، فلذلك كان فوق كل برٍ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله.. فليس فوق هذا البربر..
والأئمة الطاهرون من آل البيت الطاهر المطهر.. هم الشهداء والأشهاد على هذه الأمة.. لأنه ما منا إلا مقتول أو مسموم..
والإمام التاسع من أئمة أهل البيت الإمام الجواد (عليه السلام) قضى نحبه وانتقل إلى ربه في بغداد عام 220 للهجرة المباركة وهو في ريعان الشباب وقمة العطاء.. لأنه لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره الشريف..
وسبب ذلك هو حقد المعتصم العباسي تجاه الإمام (عليه السلام) كما عمل المعتصم بنصيحة قاضي قضاته (ابن أبي داود) حيث نصحه بأن يتخلص من الإمام الجواد (عليه السلام) لأنه أفحمه وأفحم جميع الفقهاء - المتفقهين - في قضية سرقة.. وحكم القطع، في قصة مفصلة رواها العياشي وغيره..
فأمر المعتصم العباسي أحد وزرائه أن يدعو الإمام إلى منزله ويدس إليه السم.. وكذلك فعل وبئس ما فعل عليه اللعنة.
ولما أكمل الإمام الجواد (عليه السلام) أحس بالسم يسري في جسده النحيل.. فاستدعى راحلته وخرج من المنزل اللعين وهو يقول إشفاقاً عليه!:
خروجي من منزلك خير لك..
وانتقل إلى الرفيق الأعلى من تلك الليلة راضياً مرضياً.. مسموماً مظلوماً مقتولاً شهيداً.. وكان ذلك في تاريخ 5 أو 29 ذي الحجة عام 220 للهجرة، راضياً مرضياً طاهراً مطهراً.. وجهز ودفن إلي جوار جده الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) في ضاحية بغداد المسماة بالكاظمية.. روحي له الفداء من أرض ما أطهرها.. والسلام على من دفن فيها..
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|