أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-3-2018
1042
التاريخ: 22-9-2017
1414
التاريخ: 22-9-2017
1067
التاريخ: 31-1-2018
1075
|
نموذج من الثورة العلوية:
لقد كانت ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر ابن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) أبرز ثورة في عهد الإمام الجواد (عليه السلام).
كان محمد بن القاسم جليل القدر إذا ما قرأنا يوميات جهاده. كانت العامة تلقبه بالصوفي، لأنه كان يدمن لبس الصوف الأبيض الخشن، وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد.
كان قد ذهب إلى (مرو) في مقاطعة خراسان، وكان معه من الكوفيين بضعة رجال، وذلك بعد أن رحل من الكوفة، وكان قبل ذلك قد خرج إلى ناحية الرقة، ومعه جماعة من وجوه الزيدية، منهم يحيى بن الحسن بن الفرات، وعبّاد بن يعقوب الرواجني، والزيدية كانت تشكل القاعدة للكثير من الثورات.
روى إبراهيم بن عبد العطّار: " كنا معه، فتفرقنا في الناس ندعوهم إليه، فلم نلبث إلاّ يسيراً حتى استجاب له أربعون ألفاً، وأخذنا عليهم البيعة، وكنا أنزلناه في رستاق من رساتيق مرو، وأهله شيعة كلهم، فأحلوه في قلعة لا يبلغها الطير في جبل حريز ".
ومرة سمع بكاء في (مرو) فندب أحد أصحابه ليرى ما هذا البكاء، فجاءه بخبر أن أحد الذين بايعوه قد كان غصب شيئاً من أحد الرجال، فأصلح بينهما، فقال محمد لصاحبه إبراهيم: " يا إبراهيم: أبمثل هذا ينصر دين الله؟ ثم قال: فرقوا الناس عني حتى أرى رأيي ".
فانتخب الصالحين من الذين بايعوه ثم سار بهم، وهذا نموذج من طبيعة الثورات الرسالية إذ أنها لم تكن تبيح أية وسيلة في سبيل الوصول إلى الهدف، بل مثلما يكون الهدف هو إقامة حكم الله عزّ وجلّ، يجب أن تكون الوسيلة أيضاً مرضية من قبل الله تعالى .
وهذا كان يربي المجتمع على عشق المثل العليا، والمبادئ السامية، وبعدما نقّي اصحابه، ساروا إلى الطالقان.
ويروي إبراهيم صاحبه:
" ورحل محمد بن القاسم من وقته إلى الطالقان، وبينها وبين مرو أربعين فرسخاً ، فنزلها وتفرقنا ندعو الناس فاجتمع عليه عالم، وجئنا إليه ، فقلنا له : إن أتممت أمرك ، وخرجت فنابذت القوم ، رجونا أن ينصرك الله ، فإذا ظفرت اخترت حينئذ من ترضاه من جندك ، وإن فعلت كما فعلت بمرو - يقصد اختيار الصالحين فقط - ، أخذ عبد الله بن طاهر يعقبك ، وهكذا أراد صاحبه " ابراهيم " أن يثنيه عن إبعاد الذين ليسوا بملتزمين جيداً عن جيش الثورة " . ولكن محمد بن القاسم أبى ذلك، ودخل محمد بن القاسم مع عبد الله بن طاهر في حروب كثيرة وكان يلحق به شرَّ الهزائم.
ومرة هدأت صولات الحرب بينهما، فسارع عبد الله بن طاهر بإرسال كل جيوشه مقسمة في فرق ضمن خطة ماكرة جداً، وقال ابن طاهر لقائد جيوشه وهو ابراهيم بن غسان بن فرج العودي:
" قد جرَّدت لك ألف فارس من نخبة عسكري ، وأمرت أن يحمل معك مائة ألف درهم تصرفها فيما تحتاج إلى صرفها من أمورك ، وخذ من خيلي ثلاثة أفراس نجيبة معك تنتقل عليها ، وخذ بين يديك دليلاً قد رسمته لصحبتك فادفع إليه من المال ألف درهم ، واحمله على فرس من الثلاثة فليركض بين يديك ، فإذا صرت على فرسخ واحد من " نسا " ، ( وهي المدينة التي يتواجد فيها محمد بن القاسم ) فافضض الكتاب ، واقرأه واعمل بما فيه ولا تغادر منه حرفاً ، ولا تخالف مما رسمته شيئاً واعلم أن لي عيناً في جملة من صحبك يخبرني بأنفاسك ، فاحذر ثم احذر وأنت أعلم " .
وهذا يبين مدى خوف ابن طاهر من أن يكون هذا القائد يميل إلى صف محمد بن القاسم، فلقد كان ذلك شيئا طبيعياً لأن نفوس الناس كانت مع الحركة الثورية، ولكن السلطات كانت تجلب وتسخّر الناس في ضرب الحركة الرسالية مرة بالتهديد ومرة بالإغراء ومرة بالإفساد ومرات بأساليبها المختلفة حتى أن ابن طاهر يقول: جعلت عيوناً عليك يرقبون أنفاسك.
فسار قائده إلى " نسا " وقبل أن يصل بفرسخ فتح كتاب ابن طاهر وإذا فيه الخطة كاملة، والبيت الذي يسكن فيه محمد بن القاسم، وصاحبه أبو تراب، ويأمره فيه أن يستوثقهما بالحديد، استيثاقاً شديداً، وأن ينفذ خاتمه مع خاتم محمد بن القاسم أول ما يظفر به، وقبل أن يعود خطوة واحدة لكي يطمئن، وعلى الذي يرسلهما معه أن يركض بهما ركضاً، ثم يكتب إليه شرح ما حدث. " وكن على غاية التحرز والتحفظ والتيقظ من امره حتى تصير به وصاحبه إلى حضرتي ".
نجحت الخطة وحمل محمد بن القاسم مع صاحبه أبو تراب إلى ابن طاهر في نيسابور، فجاء ابن طاهر ليراهما فقال لقائده:
" ويحك يا إبراهيم " أما خفت الله في فعلك - يقصد القيود الثقيلة جداً التي وضعها على محمد وصاحبه - أتقيد هذا الرجل الصالح بمثل هذا القيد الثقيل؟
فقال إبراهيم العودي (قائده):
" أيها الأمير خوفك أنساني خوف الله ووعدك الذي قدمته إليّ أذهل عقلي عما سواه " .
وكانا يتكلمان من فوق سطح يطل على الغرفة المسجون بها محمد بن القاسم في نيسابور.
فقال ابن طاهر: خفف هذا الحديد كله عنه، وقيِّده بقيد خفيف في حلقته رطل وليكن عموده طويلاً، وحلقتاه واسعتين ليخطو فيه، وفي فترة سجن محمد بن القاسم طلب قرآناً يتدارس فيه.
وكان عبد الله بن طاهر يخرج من اصطبله بغالاً عليها القباب ليوهم الناس أنه قد أخرجه، ثم يردّها حتى استتر بنيسابور، سلّه في جوف الليل، وخرج به مع إبراهيم العودي ووافى به الري، وقد أمره عبد الله بن طاهر أن يفعل به كما فعل هو، يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبة، ومعه جيش حتى يجوز الري بفرسخ، ثم يعود إلى أن يمكنه سلّه، ففعل ذلك خوفاً من أن يغلب عليه لكثرة من أجاب محمد بن القاسم بالبيعة له، حتى أخرجه من الري ولم يعلم به أحد، ثم اتبعه حتى أورده بغداد على المعتصم .
وقد سمع المعتصم بمسير محمد إلى بغداد، فأرسل إلى طاهر العودي أن انزع العمامة من عليه واجعله حاسراً وانزع رداء قبة البغل ليكون على البغل حاسراً، ثم أدخله بغداد.
وكان يريد بذلك تعذيب محمد نفسياً والحط من كرامته، وقد ازدحم الناس ازدحاماً شديداً على الطرقات حين إدخال محمد بن القاسم إلى بغداد، ثم أدخل على المعتصم في مجلس اللهو والشراب.
وقيل: وجعلت الفراغنة يحملون على العامة ويرمونهم بالقذر والمعتصم يضحك، ومحمد بن القاسم يسبّح ويستغفر الله ويحرك شفتيه يدعو عليهم، والمعتصم جالس يشرب، ومحمد واقف إلى أن انتهى من لعبه فأمر بسجنه.
وسرعان ما دبّر محمد بن القاسم حيلة ذكية للهروب، ثم توارى عن الأنظار في بغداد ثم إلى واسط، وقد شَدَّ وسطه للوهن الذي أصاب فقار ظهره عند عملية هروبه. وظل محمد مختفياً بعد ذلك إلى نهاية عهدَي المعتصم ومحمد الواثق، ثم بعض أيام المتوكل، وقيل أنه أخذ إليه فحمل إلى السجن حتى مات فيه.
ولكن ماذا فعل خلال فترة تواريه عن الأنظار وهي ليست بالفترة القليلة؟ هذا ما أجابت عليه الثورات العديدة التي قامت بعد ذلك في عهد المتوكل، والمستعين وما بعده من الخلفاء، التي لم تدع الخليفة يلعب ويلهو براحة.
وفي واسط سكن محمد بيتاً يعود إلى أم ابن عمه علي بن الحسن بن علي بن عمر ابن الإمام زين العابدين (عليه السلام) وكانت عجوزاً مقعدة، فلما نظرت إليه وثبت فرحاً وقالت: " محمد والله، فدتك نفسي وأهلي، الحمد لله على سلامتك " فقامت على رجلها وما قامت قبل ذلك بسنين.
وقال إبراهيم العودي، قائد جيوش ابن طاهر يصف محمداً:
ما رأيت قط أشدّ اجتهاداً منه، ولا أعف، ولا أكثر ذكراً لله عزّ وجلّ مع شدة نفس، واجتماع وما أظهر من جزع ولا انكسار ولا خضوع في الشدائد التي مرت به، وإنهم ما رأوه قط مازحاً ولا هازلاً ولا ضاحكاً إلا مرة واحدة، فإنهم لما انحدروا من عقبة حلوان أراد الركوب، فجاء بعض أصحاب إبراهيم بن غسان العودي، فطأطأ له ظهره ، حتى ركب في المحمل على البغل ، فلما استوى على المحمل قال للذي على ظهره مازحاً : " أتأخذ أرزاق بني العباس وتخدم بني علي بن أبي طالب ؟ وتبسم " .
وقال: عرضوا على محمد بن القاسم كل شيء نفيس من مال وجواهر وغير ذلك، فلم يقبل إلاّ مصحفاً جامعاً كان لابن طاهر فلمّا قبله، سُر عبد الله بن طاهر بذلك، وإنما قبله لأنه كان يدرس فيه.
ووجود شخصية ثورية مثل محمد وثورة مثل ثورته تدلان على أن الحركة الرسالية لم تتوقف يوماً ما عن مسيرتها، وأنها لا يمكن أن تميل عن استقامتها التي كانت معهودة بها، وهاتان ميزتان موجودتان في طول الثورات التي قامت بها الحركة الرسالية.
بجانب وضع السلطة المتأزم ومن عهد الإمام الجواد (عليه السلام) بدأت مسيرة ذات كيفية خاصة للثورات وطبيعتها، ووضع الحركة الرسالية في أيام الإمام الجواد كان جيداً، وإذا كان أحرج وقت مرّ على الحركة الرسالية هو في أيام الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فإن أحسن الأوقات كانت في عهد الإمام الجواد (عليه السلام)، وربما لذلك جاء في الحديث المأثور عن ابن اسباط وعبّاد بن إسماعيل:
" أنا لَعند الرضا (عليه السلام) بمنى إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) قلنا: هذا المولود المبارك؟ قال: نعم هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه " (1).
وروي أبو يحيى الصنعاني قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) فجيء بابنه أبي جعفر (عليه السلام) وهو صغير فقال:
" هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه ".
والبركة التي حصلت للحركة الرسالية بولادة الإمام الجواد (عليه السلام) ليست في ارتفاع الإرهاب والاختناق السياسي عنهم فقط بل وأهم من ذلك في تجذر الرسالة عقيدة وفكراً وسياسةً وفقهاً .
__________________
(1) البحار : ( ج 50 ، ص 23 ) .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|