أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2017
592
التاريخ: 26-8-2017
381
التاريخ: 26-8-2017
512
التاريخ: 11-6-2018
686
|
[تولية محمد الأمين]
أتت الخلافة محمدا الأمين ببغداد، يوم الخميس للنصف من جمادى الآخرة، ونعاه للناس يوم الجمعة، ودعاهم إلى تجديد البيعة، فبايعوا.
ووصل الخبر بوفاة الرشيد إلى المأمون، وهو بمدينة مرو، يوم الجمعة لثمان خلون من الشهر، فركب إلى المسجد الأعظم، ونودي في الجنود وسائر الوجوه، فاجتمعوا، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله، ثم قال:
أيها الناس، أحسن الله عزاءنا وعزاءكم في الخليفة الماضي، صلوات الله عليه، وبارك لنا ولكم في خليفتكم الحادث، مد الله في عمره.
ثم خنقته العبرة، فمسح عينه بسواده.
ثم قال: - يا أهل خراسان، جددوا البيعة لإمامكم الأمين.
فبايعه الناس جميعا.
ولما أتت الخلافة محمدا، وبايعه الناس دخل عليه الشعراء، وفيهم الحسن ابن هانئ (1)، فأنشدوه، وقام الحسن في آخرهم، فأنشده قوله:
إلا دارهـــا بالمــــاء حتـــى تلينها *** فلن تكرم الصهباء حتى تهينها
وحمراء قبل المزج صفراء بعده *** كان شعاع الشمس يلقاك دونها
كــــان يواقيتـــــا رواكد حـــولها *** وزرق سنـــانير تديـــر عـيونها (2)
لقــــد جلـــل الله الكـــرامة أمــــة *** يكـــون أميـــر المؤمنين أمينها
حميـــت حماهــــا بـالقنابل والقنا *** ووفـــرت دنيــاها عليها ودينها
يراك بــنو المنصــور أولاهم بها *** وإن أظهروا غير الذي يكتمونها
فوصلهم جميعا، وفضله.
ثم إن محمد الأمين دعا إسماعيل بن صبيح كاتب السر، فقال: - ما الذي ترى يا ابن صبيح؟ قال: أرى دولة مباركة، وخلافة مستقيمة، وأمرا مقبلا، فتمم الله ذلك لأمير المؤمنين بأفضله وأجزله.
قال له محمد: إني لم أبغك قاصا، إنما أردت منك الرأي.
قال إسماعيل: إن رأى أمير المؤمنين أن يوضح لي الأمر لأشير عليه بمبلغ رأيي ونصحي فعل.
قال: إني قد رأيت أن أعزل أخي عبد الله من خراسان، واستعمل عليها موسى ابن أمير المؤمنين.
قال إسماعيل: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تنقض ما أسسه الرشيد، ومهده، وشيد أركانه.
قال محمد: إن الرشيد موه عليه في أمر عبد الله بالزخرفة، ويحك يا بن صبيح، إن عبد الملك بن مروان كان أحزم رأيا منك، حيث قال: (لا يجتمع فحلان في هجمة إلا قتل أحدهما صاحبه).
قال إسماعيل: أما إذ كان هذا رأيك، فلا تجاهره، بل اكتب إليه، وأعلمه حاجتك إليه بالحضرة، ليعينك على ما قلدك الله من أمر عباده وبلاده، فإذا قدم عليك، وفرقت بينه وبين جنوده كسرت حده، وظفرت به، وصار رهنا في يديك، فائت في أمره ما أردت.
قال محمد: أجدت يا ابن صبيح، وأصبت، هذا لعمري الرأي.
ثم كتب إليه يعلمه أن الذي قلده الله من أمر الخلافة والسياسة قد أثقله، ويسأله أن يقدم عليه ليعينه على أموره، ويشير عليه بما فيه مصلحته، فإن ذلك أعود على أمير المؤمنين من مقامه بخراسان، وأعمر للبلاد، وأدر للفيء، وأكبت للعدو، وآمن للبيضة.
ثم وجه الكتاب مع العباس بن موسى، ومحمد بن عيسى، وصالح صاحب المصلى.
فساروا نحو خراسان، فاستقبلهم طاهر بن الحسين مقبلا من عند المأمون على ولاية الري، حتى انتهوا إلى المأمون وهو بمدينة مرو، فدخلوا عليه، وأوصلوا الكتاب إليه، وتكلموا.
فذكروا حاجة أمير المؤمنين الأمين إليه، وما يرجو في قربه من بسط المملكة والقوة على العدو، فأبلغوا في مقالتهم.
وأمر المأمون بإنزالهم وإكرامهم.
ولما جن عليه الليل بعث إلى الفضل بن سهل، وكان أخص وزرائه عنده، وأوثقهم في نفسه، وقد كان جرب منه وثاقة رأي وفضل حزم، فلما أتاه خلا به، وأقرأه كتاب محمد، وأخبره بما تكلم به الوفد من أمر التحضيض على المسير إلى أخيه ومعاونته على أمره.
قال الفضل: ما يريد بك خيرا، وما أرى لك إلا الامتناع عليه.
قال المأمون: فكيف يمكنني الامتناع عليه، والرجال والأموال معه، والناس مع المال؟ قال الفضل: أجلني ليلتي هذه لآتيك غدا بما أرى.
قال له المأمون: امض في حفظ الله.
فانصرف الفضل بن سهل إلى منزله، وكان منجما، فنظر ليلته كلها في حسابه ونجومه، وكان بها ماهرا.
فلما أصبح غدا على المأمون، فأخبره أنه يظهر على محمد ويغلبه، ويستولي على الأمر.
فلما قال له ذلك، بعث إلى الوفد، فأحسن صلاتهم وجوائزهم، وسألهم أن يحسنوا أمره عند الأمين، ويبسطوا من عذره.
وكتب معهم إليه: (أما بعد، فإن الإمام الرشيد ولأني هذه الأرض على حين كلب من عدوها، ووهى من سدها، وضعف من جنودها، ومتى أخللت بها، أو زلت عنها لم آمن انتقاض الأمور فيها، وغلبة أعدائها عليها، بما يصل ضرره إلى أمير المؤمنين حيث هو، فرأى أمير المؤمنين في أن لا ينقض ما أبرمه الإمام الرشيد).
وسار القوم بالكتاب حتى وافوا به الأمين، وأوصلوا الكتاب إليه.
فلما قرأه جمع القواد إليه، فقال لهم: إني قد رأيت صرف أخي عبد الله عن خراسان، وتصييره معي ليعاونني، فلا غنى بي عنه، فما ترون؟ فأسكت القوم.
فتكلم خازم بن خزيمة، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تحمل قوادك وجنودك على الغدر فيغدروا بك، ولا يرون منك نقض العهد فينقضوا عهدك.
قال محمد: ولكن شيخ هذه الدولة علي بن عيسى بن ماهان لا يرى ما رأيت، بل يرى أن يكون عبد الله معي ليؤازرني ويحمل عني ثقل ما أنا فيه بصدده.
ثم قال لعلي بن عيسى: إني قد رأيت أن تسير بالجيوش إلى خراسان، فتلى أمرها من تحت يدي موسى بن أمير المؤمنين، فانتخب من الجنود والجيوش على عينك.
ثم أمر بديوان الجند، فدفع إليه، فانتخب ستين ألف رجل من إبطال الجنود وفرسانهم، ووضع لهم العطاء، وفرق فيهم السلاح، وأمره بالمسير.
فخرج بالجيوش، وركب معه محمد، فجعل يوصيه، ويقول: أكرم من هناك من قواد خراسان، وضع عن أهل خراسان نصف الخراج، ولا تبق على أحد يشهر عليك سيفا، أو يرمي عسكرك بسهم، ولا تدع عبد الله يقيم إلا ثلاثا من يوم تصل إليه، حتى تشخصه إلى ما قبلي).
وقد كانت زبيدة تقدمت إلى علي بن عيسى، وكان إنها مودعا، فقالت له: إن محمدا، وإن كان ابني وثمرة فؤادي، فإن لعبد الله من قلبي نصيبا وافرا من المحبة، وأنا التي ربيته، وأنا أحنو عليه، فإياك أن يبدأه منك مكروه، أو تسير أمامه، بل سر إذا سرت معه من ورائه، وإن دعاك فلبه، ولا تركب حتى يركب قبلك،
وخذ بركابه إذا ركب، وأظهر له الإجلال والإكرام).
ثم دفعت إليه قيدا من فضة وقالت: إن استعصى عليك في الشخوص فقيده بهذا القيد).
وإن محمد انصرف عنه بعد أن أوعز إليه، وأوصاه بكل ما أراد.
وسار علي بن عيسى بن ماهان حتى صار إلى حلوان، فاستقبله عير مقبلة من الري، فسألهم عن خبر طاهر، فأخبروه أنه يستعد للحرب، فقال: وما طاهر؟ ومن طاهر؟ ليس بينه وبين أخلاء الري إلا أن يبلغه أني جاوزت عتبة همذان.
ثم سار حتى خلف عتبة همذان وراءه، فاستقبله عير أخرى، فسألهم عن الخبر.
فقالوا: إن طاهرا قد وضع العطاء لأصحابه، وفرق فيهم السلاح، واستعد للحرب.
فقال: في كم هو؟ فقالوا: في زهاء عشرة آلاف رجل.
فأقبل الحسن بن علي بن عيسى على أبيه فقال: - يا أبت، إن طاهرا لو أراد الهرب لم يقم بالري يوما واحدا.
فقال: يا بني، إنما تستعد الرجال لأقرانها، وإن طاهرا ليس عندي من الرجال الذين يستعدون لمثلي، ويستعد له مثلي.
وذكروا أن مشايخ بغداد قالوا: لم نر جيشا كان أظهر سلاحا، ولا أكمل عدة، ولا أفره خيلا، ولا أنبل رجالا من جيش علي بن عيسى يوم خرج، إنما كانوا نخبا.
وإن طاهر بن الحسين جمع إليه رؤساء أصحابه فاستشارهم في أمره، فأشاروا عليه، أن يتحصن بمدينة الري، ويحارب القوم من فوق السور إلى أن يأتيه مدد من المأمون.
فقال لهم: ويحكم، إني أبصر بالحرب منكم، إني متى تحصنت استضعفت
نفسي، ومال أهل المدينة إليه لقوته، وصاروا أشد على من عدوي، لخوفهم من علي ابن عيسى، ولعله أن يستميل بعض من معي بالأطماع، والرأي إن ألف الخيل بالخيل، والرجال بالرجال، والنصر من عند الله.
ثم نادى في جنوده بالخروج عن المدينة، وأن يعسكروا بموضع يقال له (القلوصة).
فلما خرجوا عمد أهل الري إلى أبواب مدينتهم، فأغلقوها.
فقال طاهر لأصحابه: يا قوم، اشتغلوا بمن أمامكم، ولا تلتفتوا إلى من وراءكم، واعلموا أنه لا وزر لكم ولا ملجأ إلا سيوفكم ورماحكم، فاجعلوها حصونكم.
وأقبل علي بن عيسى نحو القلوصة، فتواقف العسكران للحرب، والتقوا، فصدقهم أصحاب طاهر الحملة.
فانتقضت تعبية علي بن عيسى، وكانت منهم جولة شديدة، فناداهم علي ابن عيسى، وقال: - أيها الناس، ثوبوا، واحملوا معي.
فرماه رجل من أصحاب طاهر، فأثبته، وبعد أن دنا منه، وتمكن رماه بنشابة وقعت في صدره، فنفذت الدرع والسلاح حتى أفضت إلى جوفه، وخر مغشيا عليه ميتا. واستوت الهزيمة بأصحابه.
فما زال أصحاب طاهر يقتلونهم، وهم مولون حتى حال الليل بينهم، وغنموا ما كان في معسكرهم من السلاح والأموال.
وبلغ ذلك محمدا، فعقد لعبد الرحمن الأبناوي في ثلاثين ألف رجل من الأبناء، وتقدم إليهم، ألا يغتروا كاغترار علي بن عيسى، ولا يتهاونوا كتهاونه.
فسار عبد الرحمن حتى وافى همذان.
وبلغ ذلك طاهرا، فتقدم، وسار نحوه، فالتقوا جميعا، فاقتتلوا شيئا من قتال، فلم يكن لأصحاب عبد الرحمن ثبات، فانهزم، واتبعه أصحابه، فدخلوا مدينة همذان، فتحصنوا فيها شهرا حتى نفد ما كان معهم من الزاد.
قال: فطلب عبد الرحمن الأبناوي الأمان له ولجميع أصحابه، فأعطاه طاهر ذلك.
ففتح أبواب المدينة، ودخل الفريقان بعضهم في بعض.
وسار طاهر حتى هبط العقبة، فعسكر بناحية (أسد اباذ) (3).
ففكر عبد الرحمن، وقال: كيف أعتذر إلى أمير المؤمنين؟ فعبأ أصحابه.
فلما طلع الفجر زحف بأصحابه إلى طاهر، وهو غار، فوضع فيهم السيوف، فوقفت طائفة من أصحاب طاهر رجالة، يذبون عن أصحابهم حتى ركبوا، واستعدوا، ثم حملوا على عبد الرحمن وأصحابه، فأكثروا فيهم القتل.
فلما رأى ذلك عبد الرحمن ترجل في حماة أصحابه فقاتلوا حتى قتل عبد الرحمن، وقتلوا معه.
وبلغ ذلك محمدا، فسقط في يده، وبرز جنوده، فعقد لعبدالله الحرشي، في خمسة آلاف رجل، وليحيى بن علي بن عيسى، في مثل ذلك، فسارا حتى وافيا (قرميسين) (4).
وبلغ طاهرا ذلك، فسار نحوهما، فانهزما من غير قتال حتى رجعا إلى حلوان، فأقاما هناك.
فزحف طاهر نحو حلوان، فانهزما حتى لحق ببغداد، وأقام طاهر بحلوان حتى وافاه
هرثمة بن أعين من عند المأمون، في ثلاثين ألف رجل من جنود خراسان، فأخذ طاهر من حلوان نحو البصرة والأهواز.
وتقدم هرثمة إلى بغداد، فلم تقم لمحمد قائمة حتى قتل، وكان من أمره ما كان.
وإن طاهر بن الحسين صعد من البصرة، وتقدم هرثمة حتى أحدقا ببغداد، وأحاطا بمحمد الأمين، ونصبا المنجنيق على داره حتى ضاق محمد بذلك ذرعا.
وكان هرثمة بن أعين يحب صلاح حال محمد، والإبقاء على حشاشة نفسه، فأرسل إليه محمد يسأله القيام بأمره، وإصلاح ما بينه وبين المأمون، على أن يخلع نفسه عن الخلافة، ويسلم الأمر لأخيه.
فكتب إليه هرثمة: (قد كان ينبغي لك أن تدعو إلى ذلك قبل تفاقم الأمر، فأما الآن فقد بلغ السيل الزبى، وشغل الحلي أهله أن يعار، ومع ذلك فإني مجتهد في إصلاح أمرك، فصر إلي ليلا، لأكتب بصورة أمرك إلى أمير المؤمنين، وآخذ لك عهدا وثيقا، ولست آلو جهدا ولا اجتهادا في كل ما عاد بصلاح حالك، وقربك إلى أمير المؤمنين).
فلما سمع ذلك محمدا استشار نصحاءه ووزراءه، فأشاروا بذلك عليه، وطمعوا في بقاء مهجته.
فلما جنه الليل ركب في جماعة من خاصته وثقاته وجواريه، يريد العبور إلى هرثمة.
فأحس طاهر بن الحسين بالمراسلة التي جرت بينهما والموافقة التي اتفقا عليها.
فلما أقبل محمد، وركب بمن معه الماء شد عليه طاهر، فأخذه ومن معه، ثم دعا به
في منزله، فاحتز رأسه، وأنفذه من ساعته إلى المأمون.
وأقبل المأمون حتى دخل مدينة السلام، وصفت له المملكة واستوسقت له الأمور.
وكان قتل محمد الأمين ليلة الأحد لخمس خلون من المحرم، سنة ثمان وتسعين ومائة وقتل وله ثمان وعشرون سنة، وكانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر.
__________
(1) وهو المشهور بأبي نواس.
(2) السنانير جمع سنور وهو القط.
(3) مدينة بهذان إلى ناحية العراق.
(4) بلد قرب الدينور بين همذان وحلوان على جادة العراق.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|