أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-10-2016
2586
التاريخ: 6-10-2016
1611
التاريخ: 30-9-2021
1632
التاريخ: 2023-03-07
2001
|
الأخلاق المذمومة هي الحجب المانعة عن المعارف الإلهية ، و النفحات القدسية إذ هي بمنزلة الغطاء للنفوس فما لم يرتفع عنها لم تتضح لها جلية الحال اتضاحا كيف و القلوب كالأواني فإذا كانت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء فالقلوب المشغولة بغير اللّه لا تدخلها معرفة اللّه و حبه و أنسه ، و إلى ذلك أشار النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) بقوله : «لو لا أن الشياطين يحرمون إلى قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات و الأرض»
فبقدر ما تتطهر القلوب هن هذه الخبائث تتحاذى شطر الحق الأول و تلألأ فيها حقائقه كما أشار إليه (صلى اللّه عليه و آله) : «ان لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها»
فإن التعرض لها إنما هو بتطهير القلوب عن الكدورات الحاصلة عن الأخلاق الردية فكل إقبال على طاعة و إعراض عن سيئة يوجب جلاء و نورا للقلب يستعد به لإفاضة علم يقيني ، و لذا قال سبحانه : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69] .
و قال النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) : «من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم»
فالقلب إذا صفى عن الكدورات الطبيعية بالكلية يظهر له من المزايا الإلهية و الإفاضات الرحمانية ما لا يمكن لأعاظم العلماء
كما قال سيد الرسل : «إن لي مع اللّه حالات لا يحتملها ملك مقرب و لا نبي مرسل».
و كل سالك إلى اللّه إنما يعرف من الألطاف الإلهية و النفحات الغيبية ما ظهر له على قدر استعداده ، و أما ما فوقه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدّق به إيمانا بالغيب كما انا نؤمن بالنبوة و خواصها و نصدّق بوجودهما و لا نعرف حقيقتهما كما لا يعرف الجنين حال الطفل و الطفل حال المميز و المميز من العوام حال العلماء و العلماء حال الأنبياء و الأولياء.
فالرحمة الإلهية بحكم العناية الأزلية مبذولة على الكل غير مضنون بها على أحد لكن حصولها موقوف على تصقيل مرآة القلب و تصفيتها عن الخبائث الطبيعية ، و مع تراكم صدأها الحاصل منها لا يمكن أن يتجلى فيها شيء من الحقائق ، فلا تحجب الأنوار العلمية و الأسرار الربوبية عن قلب من القلوب لبخل من جهة المنعم تعالى شأنه عن ذلك ، بل الاحتجاب إنما هو من جهة القلب لكدورته و خبثه و اشتغاله بما يضاد ذلك.
ثم ما يظهر للقلب من العلوم لطهارته و صفاء جوهره هو العلم الحقيقي النوراني الذي لا يقبل الشك و له غاية الظهور و الانجلاء لاستفادته من الأنوار الإلهية و الإلهامات الحقة الربانية ، و هو المراد بقوله (عليه السلام) : (إنما هو نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء).
«و إليه أشار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ان من أحب عباد اللّه إليه عبدا أعانه اللّه على نفسه فاستشعر الحزن و تجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه» (الى أن قال) : «قد خلع سرابيل الشهوات ، و تخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به ، فخرج من صفة العمى و مشاركة أهل الهوى ، و صار من مفاتيح أبواب الهدى و مغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه و سلك سبيله و عرف مناره و قطع غماره ، و استمسك من العرى بأوثقها و من الحبال بأمتنها فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس»
و في كلام آخر له (عليه السلام) «قد أحيى قلبه و أمات نفسه حتى دقّ جليله و لطف غليظه ، و برق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق و سلك به السبيل ، و تدافعته الأبواب إلى باب السلامة و دار الإقامة ، و ثبتت رجلاه لطمأنينة بدنه في قرار الأمن و الراحة بما استعمل قلبه و أرضى ربه».
و قال (عليه السلام) في وصف الراسخين من العلماء : «هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى».
و بالجملة ما لم يحصل للقلب التزكية لم يحصل له هذا القسم من المعرفة إذ العلم الحقيقي عبادة القلب و قربة السر، و كما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الظاهر إلا بعد تطهيره من النجاسة الظاهرة فكذلك لا تصح عبادة الباطن إلا بعد تطهيره من النجاسة الباطنية التي هي رذائل الأخلاق و خبائث الصفات ، كيف و فيضان أنوار العلوم على القلوب إنما هو بواسطة الملائكة و قد قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب»
فإذا كان بيت القلب مشحونا بالصفات الخبيثة التي هي كلاب نابحة لم تدخل فيه الملائكة القادسة و الحكم بثبوت النجاسة الظاهرة للمشرك ، مع كونه مغسول الثوب نظيف البدن ، إنما هو لسراية نجاسة الباطنية فقوله (صلى اللّه عليه و آله و سلم) : «بني الدين على النظافة» , يتناول زوال النجاستين ، و ما ورد من «أن الطهور نصف الإيمان»
المراد به طهارة الباطن عن خبائث الأخلاق ، و كان النصف الآخر تحليته بشرائف الصفات و عمارته بوظائف الطاعات.
و بما ذكر ظهر أن العلم الذي يحصل من طريق المجادلات الكلامية و الاستدلالات الفكرية ، من دون تصقيل لجوهر النفس ، لا يخلو عن الكدرة و الظلمة ، و لا يستحق اسم اليقين الحقيقي الذي يحصل للنفوس الصافية فما يظنه كثير من أهل التعلق بقاذورات الدنيا انهم على حقيقية اليقين في معرفة اللّه سبحانه خلاف الواقع لأن اليقين الحقيقي يلزمه «روح» و نور و بهجة و سرور، و عدم الالتفات إلى ما سوى اللّه ، و الاستغراق في أبحر عظمة اللّه ، و ليس شيء من ذلك حاصلا لهم فما ظنوه يقينا إما تصديق مشوب بالشبهة ، أو اعتقاد جازم لم تحصل له نورانية و جلاء و ظهور و ضياء ، لكدرة قلوبهم الحاصلة من خبائث الصفات.
والسر في ذلك أن منشأ العلم و مناطه هو التجرد كما بين في مقامه ، فكلما تزداد النفس تجردا تزداد إيمانا و يقينا ، و لا ريب في أنه ما لم ترتفع عنها أستار السيئات وحجب الخطيئات لم يحصل لها التجرد الذي هو مناط حقيقة اليقين فلا بد من المجاهدة العظيمة في التزكية و التحلية حتى تنفتح أبواب الهداية و تتضح سبل المعرفة كما قال سبحانه : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69] .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|