أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-6-2017
2184
التاريخ: 2023-11-26
778
التاريخ: 2023-11-29
1148
التاريخ: 21-6-2017
1776
|
متى بدأ العباسيون دعوتهم، وكيف؟
وبعد هذا.. فإن الشيء المهم هنا هو تحديد الزمن الذي بدأ به العباسيون دعوتهم، وكيف؟
ونستطيع أن نبادر هنا إلى القول:
إن الذين بدءوا بالدعوة أولاً هم العلويون، وبالتحديد من قبل أبي هاشم، عبد الله بن محمد الحنفية، وهو الذي نظم الدعاة، ورتبهم، وقد انضم تحت لوائه: محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ومعاوية ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، وغيرهم.. وهؤلاء الثلاثة هم الذين حضروه حين وفاته، وأطلعهم على أمر دعاته.
وقد قرأ محمد بن علي، ومعاوية بن عبد الله تلك الصحيفة، المشار إليها آنفاً، ووجد كل منهما ذكراً للجهة التي هو فيها.
ولهذا نلاحظ: أن كلاً من محمد بن علي، ومعاوية بن عبد الله، قد ادعى الوصاية من أبي هاشم، مما يدل دلالة واضحة على أنه لم يخصص أياً منهما بالوصية، وإنما عرفهما دعاته فقط.
هذا. وبعد موت معاوية بن عبد الله، قام ابنه عبد الله يدعي الوصاية من أبيه. من أبي هاشم.. وكان له في ذلك شيعة، يقولون بإمامته سراً حتى قتل. وأما محمد بن علي فقد كان بمنتهى الحنكة والدهاء، وقد تعرف من أبي هاشم على الدعاة، واستطاع بما لديه من قوة الشخصية، وحسن الدهاء أن يسيطر عليهم، ويستقل بهم (1)، ويبعدهم عن معاوية بن عبد الله، وعن ولده، و يبعدهما عنهم. واستمر محمد بن علي يعمل بمنتهى الحذر والسرية. وكان عليه أن:
1ـ يحذر العلويين، الذين كانوا أقوى منه حجة، وأبعد صيتاً. بل عليه أن يستغل نفوذهم ـ إن استطاع ـ لصالحه، وصالح دعوته. ولقد فعل ذلك هو وولده كما سيتضح.
2ـ وكان عليه أيضاً أن يتحاشى مختلف الفئات السياسية، التي لن يكون تعامله معها في صالحه، وفي صالح دعوته.
3ـ والأهم من ذلك أن يصرف أنظار الحكام الأمويين عنه، وعن نشاطاته، ويضللهم، ويعمي عليهم السبل.
ولذا فقد اختار خراسان، فأرسل دعاته إليها. وأوصاهم بوصيته المشهورة، التي يقسم فيها البلاد والأمصار: هذا علوي، وذاك عثماني، وذلك غلب عليه أبو بكر وعمر، والآخر سفياني. إلى آخر ما سيأتي (2).
وأمرهم ـ أعني الدعاة بالتحاشي عن الفاطميين، لكنه ظل هو شخصياً، ومن معه من العباسيين، الذين استنوا بسنته، وساروا من بعده بسيرته ـ ظلوا ـ يتظاهرون للعلويين بأنهم معهم، وأن دعوتهم لهم، ولم يكن إلا القليلون يعرفون بأنه: كان يدبر الأمر للعباسيين. وقد أعطى دعاته شعارات مبهمة، لا تعين أحداً، وصالحة للانطباق على كل فريق، كشعار: «الرضا من آل محمد» و «أهل البيت». ونحو ذلك.
مدى سرية الدعوة:
والظاهر.. أن عبد الله بن معاوية كان من جملة أولئك المخدوعين بهذه الشعارات، إذ قد ذكر المؤرخون، ومنهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 168، وغيره: أنه بعد أن استظهر ابن ضبارة على عبد الله ابن معاوية توجه عبد الله إلى خراسان، وكان أبو مسلم قد ظهر بها، فخرج إلى أبي مسلم طمعاً في نصرته! فأخذه أبو مسلم، فحبسه، ثم قتله..
وهذا يدل دلالة واضحة على أن عبد الله بن معاوية كان يظن أن أبا مسلم سوف ينصره، وأنه ـ يعني أبا مسلم ـ كان يدعو إلى أهل البيت، والرضا من آل محمد على الحقيقة، ولم يخطر في باله: أن الدعوة كانت للعباسيين، وبتدبير من أعظم داهية فيهم!!..
بل لعلنا نستطيع أن نقول: إن محمد بن علي قد استطاع أن يخفي هذا الأمر حتى عن ولديه: السفاح، والمنصور، ولذا نراهما قد التحقا مع جميع بني هاشم العباسيين والعلويين على حد سواء، وبعض الأمويين (3) ووجوه قريش بعبد الله بن معاوية الخارج سنة 127 ه. في الكوفة، ثم في شيراز، حيث تغلب على: فارس، وكورها، وعلى حلوان، وقومس، وأصبهان، والري وعلى مياه الكوفة، وعلى مياه البصرة، وعلى همدان، وقم، وإصطخر، وعظم أمره جداً (4).
وقد تولى المنصور من قبل عبد الله بن معاوية هذا على «إيذج» (5) كما تولى غيره غير ذلك من الأمصار. فقبول المنصور لولاية «إيذج» من قبله، باعتباره من الهاشميين يكشف عن أنه لم يكن يعلم: أن والده كان ابتداءاً من سنة مئة، أي قبل خروج عبد الله بن معاوية ب «28» سنة يسعى جاهداً، ويشقى ويتعب في تدبير الأمر للعباسيين، وتركيز الدعوة لهم.. وإنما كان يعلم أن الدعوة كانت لأهل البيت، والرضا من آل محمد ـ المنطبق ـ بالطبع ـ على العلويين أكثر من غيرهم على الإطلاق.
وإلا فلو كان لمحمد بن علي دعوة واضحة، ومشهورة، ومتميزة، وكان المنصور يعلم بها لكان توليه لايذج من قبل عبد الله بن معاوية مضراً جداً في دعوة أبيه، وضربة قاضية لها..
اللهم إلا أن يكون ثمة غرض آخر أهم، فيكون ذلك منهم حنكة ودهاء ـ كأن يكون نظرهم إلى أنه: لو نجحت دعوتهم، فبها. وإلا.. فلو نجحت دعوة عبد الله بن معاوية، فباستطاعتهم أن يحتفظوا فيها بمراكزهم، ونفوذهم، إذ لهم أن يقولوا: إننا كنا من المعاونين والمساهمين في هذه الدعوة.. كما أن بذلك تنصرف أنظار الحكام عنهم، ويأمن العلويون جانبهم، فلا يناهضون دعوتهم ولا يقفون في وجهها. وبهذه الأسباب نستطيع أن نفسر بيعة العباسيين جميعاً، أكثر من مرة لمحمد بن عبد الله العلوي، وبه أيضاً نفسر جواب المنصور لسائله عن محمد بن عبد الله هذا، حيث قال: «هذا محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن، مهدينا أهل البيت» ويأخذ بركابه. ويسوي عليه ثيابه (6). وأيضاً قوله في مجلس البيعة لمحمد هذا: «ما الناس أصور أعناقاً، ولا أسرع إجابة منهم لهذا الفتى».
ومما يوضح أيضاً مدى تكتم العباسيين بأمر دعوتهم، أن: إبراهيم الإمام قد بشر بأنه قد أخذت له البيعة بخراسان ـ وهو في نفس الاجتماع الذي كان قد عقد ليجددوا فيه البيعة لمحمد بن عبد الله بن الحسن. وهكذا. فإن النتيجة تكون هي: أن العباسيين ظلوا يتسترون بالعلويين، ويخدعونهم، على اعتبار أنهم لو نجحوا في دعوتهم السرية، فإن بيعتهم للعلويين، ودعوتهم، لهم لا تضرهم، وإذ ما فشلوا فإنهم سوف يحتفظون بنفوذهم ومراكزهم في دولة أبناء عمهم. هذا مجمل الكلام بالنسبة للدعوة العباسية، ولكن طبيعة البحث تفرض علينا التوسع في بيان المراحل التي مرت بها هذه الدعوة، ولاسيما فيما يتعلق بربطها بأهل البيت (عليهم السلام)، والعلويين، ومدى اعتمادهم على هذا الربط. فنقول:
لا بد من ربط الثورة بأهل البيت..
إن كان لا بد للعباسيين من ربط الثورة والدعوة بأهل البيت (عليهم السلام)، حيث إنهم كانوا بحاجة إلى:
أولاً: صرف أنظار الحكام عنهم.
ثانياً: كسب ثقة الناس بهم، والحصول على تأييدهم لهم.
ثالثاً: أن لا تقابل دعوتهم بالاستغراب، والإستهجان، حيث إنهم لم يكونوا معروفين في أقطار، وأنحاء الدولة الإسلامية المترامية الأطراف، ولا كان يعرف أحد لهم حقاً في الدعوة لأنفسهم، كما هو الحال بالنسبة إلى العلويين، مما يجعل الدعوة لهم مع وجود العلويين مستغربة ومستهجنة إلى حد ما.
رابعاً: ـ وهو أهم ما في الأمر ـ أن يطمئن إليهم العلويون، ويثقوا بهم. حتى لا تكون لهم دعوة في مقابل دعوتهم، لأن ذلك بلا شك سوف يضعفهم، ويوهن قوتهم، لما يتمتع به العلويون من نفوذ ومكانة في نفوس الناس بشكل عام.
ولهذا نرى أبا سلمة الخلال، يعتذر لأبي العباس السفاح، عن كتابته للإمام الصادق (عليه السلام)، بأن يجعل الدعوة باسمه، ويبايعه ـ يعتذر ـ بأنه: «كان يدبر استقامة الأمر (7) ».
نعم.. لقد كان لربطهم الثورة بأهل البيت (عليهم السلام) أثر كبير في نجاح ثورتهم، وظهور دعوتهم. وقد أكسبها ذلك قوة ومنعة، وجعلها في منأى ومأمن من طمع الطامعين، وتطلع المتطلعين، الذين كانوا يرجون لأنفسهم حظا من الحياة الدنيا، وما أكثرهم. كما وأن ذلك قد أثر أثراً بالغاً في اكتسابهم عطف الأمة، وتأييدها، وخصوصاً الخراسانيين، الذين كانوا لا يزالون يعيشون الإسلام بعيداً عن أهواء المبتدعين، وتلاعب المتلاعبين، والذين: «وإن كانوا أقل غلواً [أي من أهل الكوفة]، فقد كانوا أكثر حماسة للدعوة لأهل البيت» (8)، وذلك لأنهم لم يعاملوا معاملة حسنة في الواقع، ولم يسر فيهم بسيرة محمد والقرآن إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) (9).
كما أنهم لم ينسوا بعد ما لاقوه في الدولة الأموية من العسف والتنكيل، ولذا فمن الطبيعي أن نراهم مستعدين لتقبل أية دعوة لأهل البيت (عليهم السلام)، والتفاعل معها، بل والتفاني في سبيلها. كما أن بلدهم كان بعيداً من مركز الخلافة بالشام ولم يكن فيه فرق وأحزاب متناحرة كالعراق الذي كان فيه شيعة وخوارج ومرجئة وغير ذلك، وكانت وطأة الحكم العباسي على العراق ومراقبتهم لكل حركة فيه أشد منها في خراسان.
وبالفعل لقد شيد الخراسانيون، الذين كانوا يحبون أهل البيت (عليهم السلام) أركان دولة بني العباس، وقامت خلافتهم على أكتافهم، واستقامت لهم الأمور بفضل سواعدهم، وأسيافهم، وسيأتي إن شاء الله المزيد من الكلام عن الإيرانيين، وعن سر تشيعهم، وخاصة الخراسانيين منهم في فصل: ظروف المأمون الخ. وغيره من الفصول..
المراحل التي مرت بها عملية الربط:
ولقد مرت عملية الربط هذه بثلاث مراحل أو أربع، طبقاً للظروف التي كانت قائمة آنذاك. وإن كانت هذه المراحل قد تبدو متداخلة. وغير مميزة في أحيان كثيرة (10). إلا أن ذلك كان تبعاً للظروف المكانية، والزمانية، والاجتماعية، التي كانت تتفاوت وتختلف باستمرار إلى حد كبير.. وهذه المراحل هي:
الأولى: دعوتهم في بادئ الأمر «للعلويين».
الثانية: دعوتهم إلى: «أهل البيت»، و «العترة».
الثالثة: دعوتهم إلى «الرضا من آل محمد».
الرابعة: ادعاؤهم الخلافة بالإرث، مع حرصهم على ربط الثورة بأهل البيت، بدعوى: أنهم إنما خرجوا للأخذ بثارات العلويين. وليرفعوا عنهم الظلم الذي حاق بهم.
المرحلة الأولى:
وإذ قد عرفنا أن الدعوة كانت في بدء أمرها للعلويين، فلا يجب أن نستغرب كثيراً، إذا قيل لنا: إن جلة العباسيين، حتى إبراهيم الإمام، والسفاح، والمنصور كانوا قد بايعوا للعلويين أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، فإن ذلك ما كان إلا ضمن خطة مرسومة، وضعت بعناية فائقة، بعد دراسة معمقة لظروفهم مع العلويين خاصة، ومع الناس بشكل عام..
ويمكن أن نعتبر بيعتهم هذه هي المرحلة الأولى من تلك المراحل المشار إليها آنفاً..
فنراهم عدا تعاونهم الواضح مع عبد الله بن معاوية، قد بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن أكثر من مرة أيضاً، فقد:
«اجتمع آل عباس، وآل علي (عليه السلام) بالأبواء، على طريق مكة، وهناك قال صالح بن علي:» إنكم القوم الذين تمتد إليهم أعين الناس، فقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاجتمعوا على بيعة أحدكم، فتفرقوا في الآفاق، فادعوا الله، لعل أن يفتح عليكم، وينصركم ، فقال أبو جعفر، أي المنصور: «لأي شيء تخدعون أنفسكم؟ والله، لقد علمتم: ما الناس أصور [أي أميل] أعناقاً، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى»، يريد محمد بن عبد الله العلوي. قالوا: «قد والله صدقت، إنا لنعلم هذا»، فبايعوا جميعاً محمداً، وبايعه إبراهيم الإمام، والسفاح، والمنصور، وصالح بن علي، وسائر من حضر «طبعاً ما عدا الإمام الصادق (عليه السلام)..».
وخرج دعاة بني هاشم عند مقتل الوليد بن يزيد، فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده، وما لحقهم من القتل، والخوف، والتشريد، فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق الوصية إلى من يدعو إليه..
ولم يجتمعوا [أي المتبايعون الآنف ذكرهم] إلى أيام مروان بن محمد، ثم اجتمعوا يتشاورون، إذ جاء رجل إلى إبراهيم الإمام، فشاوره بشيء، فقام وتبعه العباسيون، فسأل العلويون عن ذلك، فإذا الرجل قد قال لإبراهيم: «قد أخذت لك البيعة بخراسان، واجتمعت لك الجيوش..».
بل لقد بايع المنصور محمد بن عبد الله العلوي مرتين:
إحداهما: بالأبواء على طريق مكة.
والأخرى: بالمدينة.
وبايعه مرة ثالثة أيضاً: في نفس مكة، وفي المسجد الحرام بالذات.
ومن هنا نعرف السبب في حرص السفاح والمنصور على الظفر بمحمد ابن عبد الله العلوي، فإن ذلك لم يكن إلا بسبب ما كان له في أعناقهما من البيعة (11).
وقد ذكر أبو فراس الحمداني هذه البيعة في قصيدته المشهورة، المعروفة ب «الشافية» فقال:
أبــاهم العلم الهــــادي وأمهم *** بئس الجزاء جزيتم في بني حسن
ولا يمين، ولا قربى، ولا ذمم *** لا بيعــــة ردعتكـــــــم عن دمائهم
وذكر ابن الأثير: أن عثمان بن محمد، بن خالد بن الزبير، هرب بعد مقتل محمد إلى البصرة، فأخذ وأتي به إلى المنصور، فقال له المنصور: يا عثمان، أنت الخارج علي مع محمد؟!. قال له عثمان: بايعته أنا وأنت بمكة، فوفيت ببيعتي، وغدرت ببيعتك. فشتمه المنصور، فأجابه، فأمر به فقتل (12).
وذكر البيهقي: أنه لما حمل رأس محمد بن عبد الله بن الحسن إلى المنصور، من مدينة الرسول، (صلى الله عليه وآله) وسلم، قال لمطير بن عبد الله: «أما تشهد أن محمداً بايعني؟» قال: «أشهد بالله، لقد أخبرتني أن محمداً خير بني هاشم، وأنك بايعت له» قال: يا ابن الزانية الخ: وكانت النتيجة: أن المنصور أمر به، فوتد في عينيه، فما نطق!. (13) إلى آخر ما هنالك من النصوص الكثيرة، التي يتضح معها بما لا مجال معه للشك: أن الدعوة كانت في بدء أمرها لخصوص العلويين، وباسمهم، ثم استغلت بعد ذلك لمصلحة العباسيين.
المرحلة الثانية:
ثم رأينا بعد ذلك: كيف أن الدعوة العباسية تستبعد العلويين.
وتتحاشى التصريح باسمهم، بطريقة فيها الكثير من الدهاء، والسياسة، حيث اقتصروا في دعوتهم ـ بعد ذلك ـ على أنها ل «أهل البيت»، و«العترة» وهذه هي المرحلة الثانية من المراحل الأربع التي أشرنا إليها.
وكان الناس لا يفهمون من كلمة: «أهل البيت» إلا العلويين، لانصراف الأذهان إليهم عند إطلاق هذه العبارة، وذلك بسبب الآيات والروايات الكثيرة، التي استخدمت هذا التعبير للدلالة عليهم، دون غيرهم.
فهذا أبو داود يقول للنقباء: «.. أفتظنونه ـ أي النبي (صلى الله عليه وآله) ـ خلفه ـ أي العلم ـ عند غير عترته، وأهل بيته، الأقرب، فالأقرب؟!. إلى أن قال: أفتشكون أنهم معدن العلم، وأصحاب ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!..»(14).
وهذا أبو مسلم الخراساني القائم بالدولة العباسية، يكتب إلى الإمام الصادق (صلى الله عليه وآله) وسلم، ويقول: «إني دعوت الناس إلى موالاة أهل البيت، فإن رغبت فيه، فأنا أبايعك؟».
فأجابه الإمام (صلى الله عليه وآله) وسلم: «.. ما أنت من رجالي، ولا الزمان زماني»، ثم جاء أبو مسلم، وبايع السفاح، وقلده الخلافة (15).
وقال السيد أمير علي بعد أن ذكر ادعاء العباسيين للوصاية من أبي هاشم: «.. وقد لاقت هذه القصة بعض القبول في بعض المناطق الإسلامية. أما عند عامة المسلمين، الذين كانوا يتعلقون بأحفاد محمد، فقد ظل دعاة العباسيين يؤكدون لهم أنهم يعملون لحساب: أهل البيت، وحتى ذلك الوقت كان العباسيون يظهرون الولاء التام لبني فاطمة، ويخلعون على حركتهم، وعلى سياساتهم مظهر الوصول إلى هدف ضمان العدالة، والحق لأحفاد محمد. وكان ممثلوا أهل البيت، ومحبوهم، ولا يغامرهم الشك في الغدر، الذي تبطنه هذه الاعترافات من العباسيين، فشملوا محمد بن علي، وجماعته بعطفهم وحمايتهم، الذين كانوا في حاجة إليهما» (16).
ويقول: «.. وكانت كلمة: «أهل البيت» هي السحر الذي يؤلف بين قلوب مختلف طبقات الشعب، ويجمعهم حول الراية السوداء» (17).
المرحلة الثالثة:
ثم تأتي المرحلة الثالثة، ويتقلص ظل العلويين، وأهل البيت عن هذه الدعوة، أكثر فأكثر، كلما ازدادت قوتها، واتسع نفوذها، حيث رأينا أخيراً إنها اتسعت بحيث تستطيع أن تشمل العباسيين أيضاً مع العلويين. حيث أصبحت إلى: «الرضا من آل محمد»، وإن كانوا لا يزالون يذكرون فضل علي، وما لحق ولده من القتل والتشريد، كما يتضح بأدنى مراجعة لكتب التاريخ.
وهذه العبارة، وإن كانت لا تختلف كثيراً عن عبارة: «العترة، وأهل البيت»، ونحوها. «إلا أنها كانت في أذهان العامة أبعد من أن يراد بها العلويون على الخصوص. ولكن مع ذلك بقيت الجماهير تعتقد أن الخليفة سيكون علوياً، كما كان العلويون يعتقدون ذلك..» (18) على حد تعبير أحمد شلبي. وإذا صح هذا، وفرض ـ ولو بعيداً ـ أن شعار: الرضا من آل محمد لا يختلف عن شعار: العترة، وأهل البيت في أذهان عامة الناس، فلسنا نصر على جعل هذا مرحلة مستقلة، بل يكون داخلاً فيما سبقه، وتكون المراحل حينئذٍ ثلاثة، لا أربعة..
ملاحظات لا بد منها في المرحلة الثالثة:
وقبل الانتقال إلى الكلام على المرحلة الرابعة، والأخيرة، لا بد من ملاحظة أمور:
أ: إنهم في نفس الوقت الذي نراهم فيه يبعدون الدعوة عن أهل البيت، كما يدلنا عليه قول محمد بن علي العباسي لبكير بن ماهان: «وحذر شيعتنا التحرك في شيء مما تتحرك فيه بنو عمنا آل أبي طالب، فإن خارجهم مقتول، وقائمهم مخذول، وليس لهم من الأمر نصيب «وسنأخذ بثأرهم..» (19).
وكما يدلنا عليه ما رواه الطبري من أن محمد بن علي نهى دعاته عن رجل اسمه: غالب، لأنه كان مفرطاً في حب بني فاطمة (20).
نراهم من جهة ثانية: وحتى لا يصطدموا بالعلويين وجهاً لوجه. كانوا في جميع مراحل دعوتهم يتكتمون جداً باسم الخليفة، الذي يدعون الناس إليه، وإلى بيعته، بل إن الشخص الذي كانوا يدعون الناس إليه، وإلى بيعته.. بل وكان الناس يبايعونه ما كانوا يعرفونه، بل يعرفه الدعاة فقط، وعلى الناس أن يبايعوا إلى «الرضا من آل محمد» ولا بأس بمراجعة نص البيعة في تاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الأول، الجزء الأول ص 125.
ولعل هدفهم من ذلك كان أيضاً: هو أن لا يربطوا الدعوة بفرد معين، حتى لا تضعف إذا ما مات، أو اغتيل..
وعلى كل فقد نص ابن الأثير في الكامل ج 4 ص 310، حوادث سنة 130 على أن أبا مسلم كان يأخذ البيعة إلى «الرضا من آل محمد». ومثل ذلك كثير في كلمات المؤرخين، وإليك بعض النصوص التاريخية، التي تدل على ذلك:
ففي الكامل، ج 4 ص 323 نص على أن محمد بن علي بعث داعياً إلى خراسان يدعو إلى «الرضا من آل محمد» ولا يسمي أحداً، ولعل الذي أرسله هو أبو عكرمة الآتي ذكره.
وقد قال محمد بن علي العباسي لأبي عكرمة: فلتكن دعوتك إلى: «الرضا من آل محمد»، فإذا وثقت بالرجل، في عقله، وبصيرته، فاشرح له أمركم.
وليكن اسمي مستوراً من كل أحد، إلا عن رجل عدلك في نفسك، وتوثقت منه، وأخذت بيعته».
ثم أمره بالتحاشي عن الفاطميين (21).
ويقول أحمد شلبي: «.. كانوا [أي العباسيون] يوهمون العلويين بأنهم يعملون لهم. ولكنهم في الواقع كانوا يعملون لأنفسهم» (22).
ويقول أحمد أمين: «.. ومع هذا فكان من إحكام أمرهم أنهم لم يكونوا يصرحون عند دعوتهم في كثير من المواقف باسم الإمام، ليتجنبوا انشقاق الهاشميين بعضهم على بعض» (23).
ولو كان الخليفة معينا ومعروفاً عند الناس، لما استطاع أبو مسلم، وأبو سلمة، وسليمان الخزاعي، أن يكاتبوا الإمام الصادق (عليه السلام)، وغيره من العلويين، أنهم يبايعونهم، ويجعلون الدعوة لهم. وباسمهم.
وقد تقدمت رسالة أبي مسلم للإمام الصادق (عليه السلام)، التي يصرح فيها بأنه، إنما دعا الناس إلى موالاة أهل البيت فقط، أي من دون تصريح باسم أحد.
وقد قال أحدهم: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فأتاه كتاب أبي مسلم، فقال: «ليس لكتابك جواب. أخرج عنا» (24).
وقال السيد أمير علي عن أبي مسلم: «وقد ظل إلى هذا الوقت موالياً، بل مخلصاً، بل متحمسا لأبناء علي» (25).
وقال صاحب قاموس الأعلام: «وعرض أبو مسلم الخراساني الخلافة ابتداءاً على الإمام الصادق، فلم يقبلها» (26).
وأما أبو سلمة: فإنه عندما خاف من انتقاض الأمر عليه، بسبب موت إبراهيم الإمام، أرسل ـ والسفاح في بيته ـ إلى الإمام الصادق (عليه السلام) يطلب منه القدوم عليه ليبايعه، وتكون الدعوة باسمه، كما أنه كتب بمثل ذلك إلى عبد الله بن الحسن. لكن الإمام (عليه السلام)، الذي كان في منتهى اليقظة والحزم. رفض الطلب، وأحرق الكتاب، وطرد الرسول (27).
وقد نظم أبو هريرة الآبار، صاحب الإمام الصادق (عليه السلام) هذه الحادثة شعراً، فقال:
ليثني إليــه عزمــــه بصواب *** ولما دعا الداعون مولاي لم يكن
بحرق الكتاب دون رد جواب *** ولما دعـــوه بالكتـاب أجـــــــابهم
ولا ملبساً منها الردى بثواب *** وما كان مـولاي كمشري ضـلالة
دليل إلــى خير، وحسن مآب(28) *** ولكنــــه لله في الأرض حجة
وكتب إليه أبو سلمة أيضاً مرة ثانية، عندما أقبلت الرايات: «إن سبعين ألف مقاتل وصل إلينا، فانظر أمرك». فأجابه الإمام بالرفض أيضاً (29).
وأما سليمان الخزاعي: المدبر الحقيقي للثورة في خراسان، فإنه اتصل بعبد الله بن الحسين الأعرج، وهما يسايران أبا جعفر المنصور في خراسان، عندما أرسله السفاح إليها، قال سليمان لعبد الله: «إنا كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا شئتم فادعونا إلى ما تريدون!!»، فعلم أبو مسلم بالأمر، فقتل سليمان هذا (30).
بل إن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن كثيراً من الدعاة ما كانوا يعرفون: أن الخليفة سيكون عباسياً، فضلاً عن أن يكونوا يعرفونه باسمه الصريح.
قال الدكتور فاروق عمر: «على أننا نستطيع القول: إن اسم الإمام كان معروفا لدى الحلقات الخاصة من الشيعة الهاشمية، أو العباسية، وأن الكثير من الأنصار، الذين ساندوا الثورة، ومنهم ابن الكرماني نفسه، لم يكن يعرف أن «الرضا من آل البيت» سيكون عباسياً، مع أن ابن الكرماني كان قائداً كبيراً، وكان يطمع إلى الاستيلاء على خراسان..» (31).
ب: يلاحظ أن العباسيين قد موهوا على الناس، واستطاعوا أن يخدعوهم. حيث خيلوا لهم في بادئ الأمر أن الثورة كانت للعلويين. ثم بدءوا يعدون العدة لما سوف يقولون للناس عند اكتشافهم لحقيقة الأمر، فصنعوا سلسلة الوصاية المعروفة عنهم من علي بن أبي طالب، إلى محمد ابن الحنفية، وإلى أبي هاشم، فإلى علي بن عبد الله بن العباس.
وهكذا.. وهي في الحقيقة نفس عقيدة الكيسانية، كما سنشير إليها في بعض الهوامش الآتية. وقد جازت حيلتهم هذه على الناس، الذين كانوا يظنون أنهم يعملون للعلويين (32)، حتى لقد خفي أمرهم عن عبد الله بن معاوية حسبما قدمنا، بل لقد كان من جملة المخدوعين، الذين اكتشفوا الحقيقة بعد فوات الأوان، سليمان الخزاعي، الذي تقدم أنه ـ باعترافه ـ كان يرجو هذا الأمر للعلويين، وأبو مسلم الخراساني الذي صارح المنصور بأن السفاح كان قد خدعه. وأنه خدع أيضاً من قبل إبراهيم الإمام، حيث ادعيا الوصاية والإمامة، وحرفا الآيات الواردة في أهل البيت لتنطبق عليهم، مما كان من نتيجته أن زوى الأمر عن أهله، ووضعه في غير محله(33).
أما انخداع ابن الكرماني فهو من الأمور الواضحة والمعروفة. بل لقد رأينا البعض يذكر أن أبا سلمة الخلال كان أيضاً من جملة المخدوعين، حيث كان يتوهم: أن الخليفة سيكون علوياً لا عباسياً (34).
ج: ومما تجدر الإشارة إليه هنا، هو ما تقدم: من رفض الإمام القاطع لعرض كل من أبي سلمة، وأبي مسلم في جعل الدعوة له، وباسمه.
وما ذلك إلا لعلمه (عليه السلام): بأن هؤلاء ليس لهم من هدف، إلا الوصول إلى مأربهم من الحكم والسلطان، ثم يتخلصون من كل من لا يعودون بحاجة إليه، إذا اعتبروه عقبة في طريقهم. كما كان الحال في قتلهم أبا مسلم، وسليمان بن كثير، وأبا سلمة. وغيرهم. شاهدنا على ذلك جواب الإمام (عليه السلام) لأبي مسلم: «ما أنت من رجالي، ولا الزمان زماني». وكذلك المحاورة التي جرت بينه (عليه السلام)، وبين عبد الله بن الحسن، عندما جاءه كتاب من أبي سلمة مثل كتابه.
وأيضاً قوله (عليه السلام): ما لي ولأبي سلمة، وهو شيعة لغيري. بل ومما يدل على ذلك دلالة قاطعة. ما قدمناه من اعتذار أبي سلمة للسفاح، عن مراسلته للصادق، وغيره من العلويين، بأنه: «كان يدبر استقامة الأمر» بل يذكر الطبري ج 6 ص 102 وابن الأثير ج 5 ص 437: أنه عندما جمع السفاح خاصته ليستشيرهم بقتل أبي سلمة وأخبرهم بمكاتبته للعلويين. نجد أن بعض خاصته انبرى ليقول: ما يدريكم لعل ما صنع أبو سلمة كان من رأي أبي مسلم (35). وعليه فلا يصح قول صاحب العيون والحدائق ص 181: «ولم يكن هوى أبي سلمة معهم، وإنما كان هواه مع الصادق جعفر الخ» فإن لجوءه إلى الصادق إنما كان لأجل استقامة الأمر. بل إن بعض المحققين لا يستبعد أن يكون من جملة أهدافهم من رسائلهم تلك، إلى الصادق، و عبد الله ابن الحسن، وغيرهما من العلويين. هو معرفة إن كان هؤلاء يطمحون إلى الحكم، ويرغبون فيه أولاً. وذلك ليستعد العباسيون ـ من ثم ـ لمواجهة دعوتهم، ورصد كل حركاتهم، وسكناتهم، ومن ثم شل حركتهم، والقضاء عليهم. وهذا أسلوب استعمله المنصور من بعد، لكن الإمام الصادق (عليه السلام) تنبه للمكيدة، وعمل على إحباطها..
د: وتصريح أبي سلمة هذا وموقف الإمام منه، وقوله: إنه شيعة لغيره يلقي لنا ضوءاً على الروايات التي تتهمه، وتتهم أبا مسلم بميول علوية. وأن أبا مسلم أراد أن يعلن خلافة علوية، بمجرد وصوله إلى خراسان، كما عن الذهبي، وشارح شافية أبي فراس، وتاريخ الخميس. فإن ذلك لا شاهد له إلا رسائلهما التي أشرنا إليها. مع أنها لم يكن الهدف منها إلا استقامة الأمر للعباسيين. خصوصاً إذا لاحظنا أن أبا مسلم قد قضى على عدة ثورات للعلويين، وباسمهم ـ كما أشرنا إليه ـ وأنه كان يلاحقهم تحت كل حجر ومدر، وفي كل سهل وجبل، على حد تعبير الخوارزمي (36).
المرحلة الرابعة:
ثم تأتي المرحلة الرابعة والأخيرة، وهي: ادعاؤهم الخلافة بالإرث، كما أشرنا إليه. ولكنهم استمروا يربطون الثورة بأهل البيت (عليهم السلام) من ناحيتين:
الأولى: ادعاؤهم الخلافة بالإرث عن طريق علي بن أبي طالب، ومحمد بن الحنفية، كما سيأتي بيانه.
الثانية: ادعاؤهم أنهم إنما خرجوا للأخذ بثارات العلويين. فأما ادعاؤهم استحقاقهم الخلافة بالإرث، عن طريق علي بن أبي طالب (عليه السلام)، واحتجاجهم بقرباهم النسبية من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإننا نلمحها في كثير من مواقفهم، حيث كانوا يستطيلون على الناس بهذه القربى، ويحتجون بها في مختلف المناسبات (37).
فقد قال داوود بن علي، أول خطيب لهم على منبر الكوفة، في أول كلام له أمام السفاح: «.. وإنما أخرجنا الآنفة من ابتزازهم حقنا، والغضب لبني عمنا..» (38).
ونرى السفاح في خطبته الأولى أيضاً في مسجد الكوفة، بعد أن ذكر عظمة الرب تبارك وتعالى، وفضل النبي (صلى الله عليه وآله) «قد قاد الولاية والوراثة، حتى انتهيا إليه، ووعد الناس خيراً..» (39).
ويقال: إن من جملة ما قاله السفاح في خطبته الأولى: «.. فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء، والغنيمة نصيبنا، تكرمة لنا وفضلاً علينا.
وزعمت السبئية الضلال: أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة. إلى أن قال: ورد علينا حقنا..» (40).
ويقول داوود بن علي في خطبته الأولى في مسجد الكوفة أيضاً: «.. وأحيا شرفنا وعزنا، ورد إلينا حقنا وإرثنا» (41).
وعندما ذهب داوود بن علي إلى مكة، والياً عليها، من قبل أخيه السفاح، وأراد أن يخطب في مكة خطبته الأولى، طلب منه سديف بن ميمون أن يأذن له في الكلام، فأذن له، فوقف، وقال من جملة ما قال:
«.. أتزعم الضلال: أن غير آل الرسول أولى بتراثه؟! ولم؟! وبم؟! معاشر الناس؟! ألهم الفضل بالصحابة، دون ذوي القرابة؟ الشركاء في النسب، والورثة للسلب»(42).
ويقول داوود بن علي في نفس المناسبة، أعني في أول خطبة له: «لم يقم فيكم إمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلا علي بن أبي طالب، وهذا القائم فيكم..» وأشار إلى السفاح(43).
وقال المنصور في خطبة له: «وأكرمنا من خلافته، وميراثنا من نبيه..»(44).
ولكنهم بعد المنصور ـ بل وحتى من زمن المنصور نفسه كما سيتضح ـ قد غيروا سلسلة الإرث هذه، وجعلوها عن طريق العباس، وولده عبد الله، ولكنهم أجازوا بيعة علي، لأن العباس نفسه كان قد أجازها.
كما سيأتي بيانه.. فكانت استدلالات الخلفاء ابتداء من المنصور ناظرة إلى الإرث عن هذا الطريق..
فنرى المنصور يبين في رسالة منه لمحمد بن عبد الله بن الحسن: أن الخلافة قد ورثها العباس في جملة ما ورثه من النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنها في ولده (45).
وكان الرشيد يقول: «ورثنا رسول الله، وبقيت فينا خلافة الله» (46). وقال الأمين عندما بويع له، بعد موت أبيه الرشيد: «.. وأفضت خلافة الله، وميراث نبيه إلى أمير المؤمنين الرشيد..» (47).
ومدح البعض المأمون، وعرض بأخيه الذي غدر به، فقال في جملة أبيات له:
ووصي كل مسدد وموفق (48)... إن تغدروا جهلاً بوارث أحمد
إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه.. ولنعد إلى ما كنا فيه أولاً، فنقول:
دعوى الأخذ بثارات العلويين:
وأما ادعاؤهم: أنهم إنما خرجوا للأخذ بثارات العلويين، واستمرارهم على ربط الثورة بأهل البيت، حتى بعد نجاح ثورتهم، وتسلمهم لازمة الحكم والسلطان ـ وهذه هي الناحية الثانية من المرحلة الرابعة ـ فذلك أوضح من أن يخفى.. وقد تقدم قول محمد بن علي لبكير بن ماهان: «وسنأخذ بثأرهم..» يعني بثارات العلويين.. وتقدم أيضاً قول داوود ابن علي: «وإنما أخرجنا الآنفة من ابتزازهم حقنا، والغضب لبني عمنا..»..
ويقول السفاح، عندما أتي برأس مروان: «ما أبالي متى طرقني الموت، فقد قتلت بالحسين، وبني أبيه من بني أمية مائتين، وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي، وقتلت مروان بأخي إبراهيم»(49).
ويقول صالح بن علي لبنات مروان: «ألم يقتل هشام بن عبد الملك، زيد بن علي بن الحسين، وصلبه في كناسة الكوفة؟. وقتل امرأة زيد بالحيرة، على يد يوسف بن عمرو الثقفي؟!
ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد، وصلبه بخراسان؟!
ألم يقتل الدعي عبيد الله بن زياد، مسلم بن عقيل بن أبي طالب بالكوفة؟!
ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين(50)؟!.
وبرواية ابن أبي الحديد، أنه قال لهن: «.. إذن، لا نستبقي منكم أحداً، لأنكم قد قتلتم إبراهيم الإمام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، ومسلم بن عقيل. وقتلتم خير أهل الأرض حسيناً، وإخوته، وبنيه، وأهل بيته، وسقتم نساءه سبايا ـ كما يساق ذراري الروم ـ على الأقتاب إلى الشام..» (51).
ولا بأس بمراجعة ما قاله داوود بن علي عندما قتل ثمانين أموياً مرة واحدة (52).
وكذلك فإنهم ما لقبوا أبا سلمة الخلال، أول وزير في الدولة العباسية ب «وزير آل محمد»، وأبا مسلم الخراساني ب «أمين، أو أمير آل محمد» (53). إلا من أجل الحفاظ على ربط الدعوة بأهل البيت (عليهم السلام)، ولتبقى ـ من ثم ـ محتفظة بقوتها، وحيويتها.
وأخيراً.. فلم يكن اتخاذهم السواد شعاراً إلا تعبيراً عن الحزن والأسى لما نال أهل البيت في عهد بني أمية (54).
وهكذا. يتضح، بما لا مجال معه للشك: أنهم كانوا يستغلون سمعة العلويين، ودماءهم الزكية في محاولاتهم للوصول إلى الحكم، وتثبيت أقدامهم فيه..
بل إن من الملاحظ أن كثيراً من الثورات التي قامت بعد ثورة بني العباس، كانت تحاول ذلك ـ بطريقة أو بأخرى ـ أي أنها كانت تظهر للناس ارتباطها بأهل البيت (عليهم السلام)، وأنها تحظى بتأييدهم، وموافقتهم، وكثير منها كان يرفع شعار: «الرضا من آل محمد».
____________
(1) شرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 150.
(2) ولقد بذل محمد بن علي جهداً جباراً في إنجاح الدعوة، وكانت أكثر نشاطاته في حياة والده، علي بن عبد الله، الذي يبدو أنه لم يكن له في هذا الأمر دور يذكر. وتوفي والده على ما يظهر في سنة 118 ه. وكان قد بدأ نشاطاته، حسب ما بأيدينا من الدلائل التاريخية من سنة 100 ه. أي بعد وفاة أبي هاشم بسنتين. إذ في: سنة 100 ه. وجه محمد بن علي بن أرض الشراة ميسرة إلى العراق ووجه محمد بن خنيس، وأباً عكرمة السراج، وهو أبو محمد الصادق، وحيان العطار إلى خراسان. وفيها أيضاً جعل اثني عشر نقيباً، وأمر دعاته بالدعوة إليه، وإلى أهل بيته.
وفي سنة 102ه. وجه ميسرة رسله إلى خراسان، وظهر أمر الدعوة بها وبلغ ذلك سعيد خذينة، عامل خراسان، فأرسل، وأتى بهم، واستنطقهم، ثم أخذ منهم ضمناء وأطلقهم.
وفي سنة 104ه. دخل أبو محمد الصادق، وعدة من أصحابه، من أهل خراسان إلى محمد بن علي، فأراهم السفاح في خرقة، وكان قد ولد قبل خمسة عشر يوما، وقال لهم «والله، ليتمن هذا الأمر، حتى تدركوا ثأركم من عدوكم».
وفي سنة 105ه. دخل بكير بن ماهان في دعوة بني هاشم. وفيها مات ميسرة، فجعل محمد بن علي بكيراً هذا مكانه في العراق..
وفي سنة 107، أو 108 ه وجه بكير بن ماهان عدة من الدعاة إلى خراسان، فظفر بهم عامل خراسان، فقتلهم، ونجا منهم عمارة، فكان هو الذي أخبر محمد ابن علي بذلك. وفي سنة 113 ه. صار جماعة من دعاة بني العباس إلى خراسان، فأخذ الجنيد بن عبد الرحمان رجلاً منهم، فقتله، وقال: «من أصيب منهم فدمه هدر».
وفي سنة 117ه. أخذ عامل خراسان أسد بن عبد الله وجوه دعاة بني العباس، وفيهم النقباء، ومنهم سليمان بن كثير، فقتل بعضهم، ومثل ببعضهم، وحبس آخرين. وفي سنة 118وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد ـ وهو خداش ـ والياً على شيعة بني العباس، فنزل مروا، ودعا إلى محمد بن علي ؛ ثم غلا..
وفي سنة 120 ه. وجهت شيعة بني العباس سليمان بن كثير إلى محمد بن علي في أمر خداش. وفي سنة 124 ه. قدم جماعة من شيعة بني العباس الكوفة يريدون مكة. وفيها أيضاً اشترى بكير بن ماهان أبا مسلم. راجع في ذلك كله: تاريخ الطبري مطبعة الاستقامة ج 5 ص: 316، 358، 368، 387، 389، 425، 439، 440، 467، 512، وغير ذلك من كتب التاريخ.
(3) الأغاني ج 11 ص 74، ومقاتل الطالبيين ص 167، والوزراء والكتاب ص 98.
(4) راجع أنساب الأشراف ص 63، والأغاني ج 11 ص 74، ومقاتل الطالبيين ص 167، والبداية والنهاية ج 10 ص 25، 26، و ص 3، وعمدة الطالب، وزاد في تاريخ الجنس العربي: المدائن، ونيسابور.
(5) أنساب الأشراف للبلاذري ص 63، وعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب طبع بمبئي ص 22، والوزراء والكتاب ص 98 و 99، وفرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ص 210، وفيه: أن سليمان بن حبيب بن المهلب أخذه، فحبسه، وأراد قتله، فسلم المنصور منه بعد أن أشرف على القتل.. وليراجع الجهشياري أيضاً.
(6) مقاتل الطالبيين ص 239، 240.
(7) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 87.
(8) السيادة العربية، والشيعة، والإسرائيليات ص 106.
(9) نفس المصدر ص 39.
(10) قال في العيون والحدائق ص 180: «وكان قد انتشر في خراسان دعاة من الشيعة، قد انقسموا قسمين: قسم منهم يدعو إلى آل محمد على الإطلاق، والقسم الثاني يدعو إلى أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، وكان المتولي لهذه الدعوة إلى آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابن كثير، وكان الدعاة يرجعون في الرأي والفقه إلى أبي سلمة الخ..».
(11) قد اقتبسنا هذه النصوص كلها من كثير من المراجع، وخصوصاً: مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الأصفهاني، صاحب الأغاني ص 233، 234. 256، 257، 295، وغيرها. وعلى كل فإن كون الدعوة العباسية كانت في بدء أمرها باسم العلويين، يبدو مما لا شك فيه، ومما اتفقت عليه كلمات المؤرخين، والنصوص التاريخية، التي سوف نشير إلى شطر منها في هذا الفصل..
ولا بأس أن يراجع بالإضافة إلى مقاتل الطالبيين في الصفحات المشار إليها: النصوص التي وردت في: النزاع والتخاصم للمقريزي ص 50، وتاريخ ابن خلدون ج 4 ص 3، و ج 3، ص 187، والفخري في الآداب السلطانية ص 164، 165، وتاريخ التمدن الإسلامي ج 4 ص 397، 398، والبحار ج 47 ص 120 و ص 277، وعمدة الطالب، طبع بيروت ص 84، والخرائج والجرائح ص 244، وجعفر ابن محمد، لعبد العزيز سيد الأهل ص 115، فما بعدها، وغاية الاختصار ص 22، وإعلام الورى ص 271، 272، وإرشاد المفيد ص 294، 296، وكشف الغمة ج 2 ص 383، 384، وابن أعثم الكوفي في كتابه: الفتوح على ما نقله في طبيعة الدعوة العباسية،. وأشار الطبري إلى ذلك في تاريخه ج 10 ص 143، فقال: قد ذكروا أن محمداً كان يذكر أبا جعفر ممن بايعه ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة، حين اضطرب أمر بني مروان.. وأشار إلى ذلك أيضاً ابن الأثير ج 4 ص 270، ويراجع أيضاً شرح ميمية أبي فراس ص 114، و ص 104. 105، وغير هؤلاء كثير.
(12) الكامل لابن الأثير ج 5 ص 12.
(13) المحاسن والمساوي للبيهقي ص 482.
(14) الطبري، طبع ليدن ج 9 ص 1961.
(15) الملل والنحل للشهرستاني، طبع مؤسسة الحلبي في القاهرة ج 1 ص 154، وطبع العنانية ص 87، وينابيع المودة للحنفي ص 381، نقلاً عن: فصل الخطاب، لمحمد بارسا البخاري.
(16) و(17) روح الإسلام ص 306 و 308. ولا بأس بمراجعة ما ورد في كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 جزء 2 ص 532. والسيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص 94. وإمبراطورية العرب ص 406، وطبيعة الدعوة العباسية، وغير ذلك.
(18) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية لأحمد شلبي ج 3 ص 20.
(19) طبيعة الدعوة العباسية 152، نقلاً عن: مخطوطة العباسي ص 93 أ، 93 ب.
(20) راجع: تاريخ الجنس العربي ج 8 ص 411.
(21) طبيعة الدعوة العباسية ص 155، نقلاً عن: CID. OP ص 95 أ / 95 ب.
(22) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 ص 20.
(23) ضحى الإسلام ج 3 ص 380، 381.
(24) روضة الكافي ص 274، والبحار ج 47 ص 297.
(25) روح الإسلام ص 306.
(26) راجع المجلد الأول، الجزء الأول من كتاب: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ص 57، نقلاً عن: قاموس الأعلام ج 3 ص 1821 طبع استانبول تأليف: ش. سامي.
ورغم أن أبا مسلم قد قضى على عدة ثورات قامت باسم العلويين، على ما في كتاب: طبيعة الدعوة العباسية ص 251، 253، فإننا نعتقد أن رسائله هذه، ورسائله التي أرسلها إلى المنصور يظهر فيها الندم على أنه زوى الأمر عن أهله، ووضعه في غير محله. هي السر، والسبب الحقيقي الكامن وراء قتله، مع أنه مؤسس الدولة العباسية [ومن سل سيف البغي قتل به]، ومشيد أركانها. وقد استظهر ذلك أيضاً المستشرق العلامة [بلوشيه] على ما في كتاب طبيعة الدعوة العباسية ص 251، وأشار إليه أيضاً السيد أمير علي في كتابه: روح الإسلام ص 311.
(27) مروج الذهب ج 3 ص 253، 254، وينابيع المودة ص 381، وتاريخ اليعقوبي ج 3 ص 86، والوزراء والكتاب ص 86، وهامش ص 421 من إمبراطورية العرب، والفخري في الآداب السلطانية ص 154، 155 وروح الإسلام ص 308، وعمدة الطالب، طبع بيروت ص 82، 83، والكامل لابن الأثير.
ونقله في المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 229، والبحار ج 47، ص 132 عن ابن كادش العكبري في: مقاتل العصابة. لكنهما [أعني المناقب والبحار] ذكرا أن الذي كتب للإمام هو أبو مسلم.. وفي المناقب ج 4 آخر ص 229، والبحار ج 47 ص 133 نقلاً عن رامش الأفزاري أن الذي كتب إلى الإمام هو أبو مسلم الخلال!!.
وواضح أن هذا هو السبب الحقيقي لقتل أبي سلمة، وقد صرح بذلك جمع من المؤرخين والباحثين.
(28) مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 230، والبحار ج 47، ص 133.
(29) مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 229، والبحار ج 47 ص 133، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 47.
(30) الطبري ج 10 ص 132، والإمامة والسياسة ج 2 ص 125.
(31) طبيعة الدعوة العباسية ص 209. ولقد اشتبه الأمر على الدكتور فاروق عمر، فإن ابن الكرماني كان من عمال الأمويين، ولم يكن من الشيعة في أي وقت من الأوقات، وإنما استماله أبو مسلم توطئة للغدر به.. ولم يكن أبو مسلم ولا غيره من الدعاة والنقباء ليصرحوا لعدوهم بمثل هذا الأمر الذي يخفونه عن أخص الناس بهم، بل حتى عمن هم مثل المنصور.
(32) إمبراطورية العرب ص 206، وغير ذلك كثير.
(33) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة المجلد الأول، جزء 2 ص 533، وسنشير إلى مصادر أخرى لذلك فيما يأتي إن شاء الله.
(34) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 ص 254، وفي كتاب: السيادة العربية لفان فلوتن ص 97: أن النقباء أمروا بعض الدعاة بستر اسم المدعو له، وأخفوا اسم المدعو له عن البعض الآخر..
(35) وأما كتابه للصادق فهو لا يدل على إخلاصه له، بل هو فقط ـ كان يدبر استقامة الأمر، وقتله من قبل العباسيين بهذا الجرم ليس إلا تغاضيا عن حقيقة الأمر بهدف الوصول إلى أهدافهم في التخلص بطريقة مشروعة.
(36) ولكننا لا نجد فيما بأيدينا من الشواهد التاريخية، ما يؤيد دعوى الخوارزمي هذه عدا ما ذكروه من أنه: قتل عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين.
(37) حيث قد ظلوا بحاجة لأن يصلوا حقهم الذي كانوا يدعونه. بحق علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ووصايتهم بالوصاية التي له، والتي لا يجهلها أحد، وليصححوا بهذه الوسيلة خلافتهم، ويتقبلها الناس. فكانت السلسلة التي سيأتي بيانها هي معتمدهم، مضيفين إليها تبرأهم من أبي بكر وعمر وعثمان.
وفي الحقيقة أن تلك هي عقيدة الكيسانية انتحلوها لأنفسهم بوحي من مصالحهم الخاصة. حتى إذا ما وصلوا إلى الحكم نراهم قد قطعوا حبل صلتهم بعلي، وولده، وجعلوا الخلافة حقاً للعباس وولده.. ثم تخلوا عن ذلك كله فيما بعد، ورجعوا إلى العقيدة التي أسسها معاوية، ولكنهم اختلفوا عنه بأنهم أدخلوا علياً، وجعلوه في المرتبة الرابعة، وكان ذلك بداية وجود أهل السنة بخصائصهم، ومميزاتهم المذهبية، ولهذا البحث مجال آخر، والله هو الموفق والمستعان.
(38) الطبري، طبع ليدن ج 10 ص 31، والبداية والنهاية ج 10 ص 41، وشرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 154، والكامل لابن الأثير ج 4 ص 325.
(39) تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 129، ومروج الذهب ج 3 ص 256، والطبري ج 10 ص 37، طبع ليدن.
(40) الطبري ج 10 ص 39، 40، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 257، والبداية والنهاية ج 10 ص 41، والكامل لابن الأثير ج 4 ص 324، 325.
لكن الظاهر أن لعن السبئية [وهم الشيعة الإمامية حسب مصطلحهم] مفتعل على لسان السفاح. لأن كلمة داوود بن علي المتقدمة تدل على إنكار العباسيين ـ في بدء أمرهم ـ خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وتمسكهم بخلافة علي (عليه السلام)، حيث يصلون حبل وصايتهم بها.. وإن كانوا قد رجعوا عن هذه العقيدة بعد ذلك حسبما أشرنا إليه إلى العقيدة التي كان قد روجها معاوية.. ولكن من المؤكد أنهم استمروا على عقيدتهم تلك، أعني إنكار خلافة الثلاثة، ووصلهم حبل وصايتهم بعلي (عليه السلام)، إلى زمن المنصور، الذي كان أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين ...
(41) الطبري ج 10 ص 32، طبع ليدن، والكامل لابن الأثير ج 4 ص 325.
أمر هام لا بد من التنبيه عليه
إننا إذا تتبعنا الأحداث التاريخية، نجد: أن كل مطالب بالخلافة كان يدعي أول ما يدعي الرحمية والقربى من رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأول من بدأ ذلك أبو بكر في يوم السقيفة، وتبعه على ذلك عمر، حيث قررا أن ليس لأحد الحق في أن ينازعهم سلطان محمد، إذ أنهم أمس برسول الله رحماً [على ما في نهاية الإرب ج 8 ص 168، وعيون أخبار ابن قتيبة ج 2 ص 233، والعقد الفريد ج 4 ص 258، طبع دار الكتاب العربي، والأدب في ظل التشيع ص 24، نقلاً عن البيان والتبيين للجاحظ]، ولأنهم هم أولياؤه وعشيرته، على ما ذكره الطبري ج 3 ص 220، طبع دار المعارف بمصر، والإمامة والسياسة ص 14، 15 طبع الحلبي بمصر، وشرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 7، 8، 9، 11، والإمام الحسين للعلايلي ص 186، و ص 190، وغيرهم. أو لأنهم عترة النبي (صلى الله عليه وآله) وأصله والبيضة التي تفقأت عنه كما في العثمانية للجاحظ ص 200. فأسقطا بذلك دعوى الأنصار عن الاعتبار.
كما أن أبا بكر قد استدل على الأنصار بالحديث الذي صرح باستفاضته جهابذة أهل السنة [على ما في ينابيع المودة للحنفي]، وهو قوله (صلى الله عليه وآله) مشيراً إلى خلفائه الاثني عشر: «يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، كلهم من قريش». ـ استدل به ـ بعد أن تصرف فيه، بأن حذف صدره، واكتفى بذكر: أن الأئمة من قريش على ما في صواعق ابن حجر ص 6، وغيره..
وأصبح كون الأئمة من قريش تقليداً متبعاً، بل ومن عقائد أهل السنة المعترف بها، وقد استدل ابن خلدون على ذلك بالإجماع.
ولكن قول عمر: لو كان سالم مولى حذيفة حيا لوليته، قد أوقع ابن خلدون. كما أوقع غيره من جهابذة أهل السنة في حيص بيص، لعدم كون سالم قرشيا، فضلاً عن أن يكون أمس رحما برسول الله من غيره، فراجع مقدمة ابن خلدون ص 194، وغيره من كتبهم.
أما ابن كثير فإنه قد استشكل بالأمر من ناحية أخرى، حيث قال ـ وهو يتحدث عن فتنة محمد بن الأشعث الكندي ـ: «.. والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالإمارة، وليس هو من قريش، وإنما هو كندي من اليمن، وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك، حتى أن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين، فأبى الصديق عليهم ذلك.. ثم مع هذا كله ضرب سعد بن عبادة، الذي دعا إلى ذلك أولاً، ثم رجع عنه».. انتهى. راجع البداية والنهاية ج 9 ص 54.
فتراه يستشكل في عمل من بايعوا محمد بن الأشعث بإمرة المؤمنين، التي رآها مخالفة للإجماع المدعى يوم السقيفة. وتراه يعترف بمخالفة سعد ثم يدعي أنه رجع عن ذلك.. ولست أدري كيف رجع عنه، مع أنه من المتسالم عليه تاريخياً: أنه استمر على الخلاف معهم، حتى اغتيل بالشام ـ اغتالته السياسة، على حد تعبير طه حسين في كتابه: من تاريخ الأدب العربي ج 1 ص 146، وغيره.. وذلك أشهر من أن يحتاج إلى بيان.
وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا هو الإشارة إلى أن كون الأئمة من قريش ليس فقط أصبح تقليداً متبعاً، بل هو قد أصبح من عقائد أهل السنة المعترف بها.
ولكن ما تأتي به السياسة، تذهب به السياسة، إذ بعد تسعمائة سنة جاء السلطان سليم، وخلع الخليفة العباسي، وتسمى هو ب «أمير المؤمنين» مع أنه لم يكن من قريش. وبهذا يكون قد ألغى هذا التقليد عملا من عقائد طائفة من المسلمين، وأبطله.
ومهما يكن من أمر فإن أول من ادعى استحقاق الخلافة بالقربى النسبية من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أبو بكر، ثم عمر، وجاء بعدهما بنو أمية، فعرفوا أنفسهم ذوي قربى النبي (صلى الله عليه وآله) حتى لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام، وأصحاب النعم والرياسة فيها ـ حلفوا ـ للسفاح: على أنهم لم يكونوا يعرفون إلى أن قتل مروان، أقرباء للنبي (صلى الله عليه وآله)، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية. فراجع النزاع والتخاصم للمقريزي ص 28، وشرح النهج للمعتزلي ج 7 / 159، ومروج الذهب ج 3 ص 33.
بل لقد ذكر المسعودي والمقريزي: أن إبراهيم بن المهاجر البجلي، الموالي للعباسيين قد نظم قضية هؤلاء الأمراء شعرا، فقال:
عجباً زاد على كل العجب *** أيها الناس اسمعوا أخبركم
فتحوا للناس أبواب الكذب *** عجبا من عبد شمس إنهم
دون عباس بن عبد المطلب *** ورثوا أحمد فيما زعموا
يحرز الميراث إلا من قرب ... كذبوا والله ما نعلمه
ويقول الكميت عن دعوى بني أمية هذه:
ولا ورثتهم ذاك أم ولا أب ... وقالوا: ورثناها أبانا وأمنا وفي العقد الفريد ج 2 / 120 طبع دار الكتاب العربي: أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب قالت لمعاوية: «.. ونبينا (صلى الله عليه وآله) هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، تحتجون بقرابتكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونحن أقرب إليه منكم، وأولى بهذا الأمر الخ».
ثم جاء العباسيون، وادعوا نفس هذه الدعوى، كما هو واضح من النصوص التي ذكرناها، ونذكرها. بل لقد ادعى نفس هذه الدعوى أيضاً أكثر إن لم يكن كل من خرج مطالبا بالخلافة، سواء كان خروجه على الأمويين أو على العباسيين..
وهذا يعني أن العامل النسبي قد لعب دوراً هاماً في الخلافة الإسلامية، وكان الناس بسبب جهلهم. وعدم وعيهم لمضامين الإسلام يصدقون ويسلمون بأن القربى النسبية تكفي وحدها في أن تجعل لمدعيها الحق في منصب الخلافة. ولعل أكثر ما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة من الوصايا بأهل البيت (عليهم السلام)، والأمر بمودتهم، ومحبتهم، والتمسك بهم جعل الناس يظنون أن سبب ذلك هو مجرد قرباهم النسبية منه (صلى الله عليه وآله). وكان أن استغل الطامحون فهم الناس الخاطئ هذا. بل لقد حاولوا ما أمكنهم تكريسه، وتثبيته.
إلا أن حقيقة الأمر هي غير ذلك، فإن منصب الخلافة في الإسلام، لا يدور مدار القربى النسبية منه. بل هو يدور مدار الأهلية والجدارة، والاستعداد الذاتي لقيادة الأمة قيادة صالحة، كما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقودها، يدلك على ذلك أننا لو رجعنا إلى النصوص القرآنية. وإلى ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) بشأن الخليفة بعده، فلعلنا لا نعثر على نص واحد منها يفهم منه أن استحقاق الخلافة يدور مدار القربى النسبية منه (صلى الله عليه وآله)، وحسب.
وكل ما ورد في القرآن، وعنه (صلى الله عليه وآله) من الأمر بموالاة أهل بيته، وحبهم، والتمسك بهم، ومن تعيينه خلفاءه منهم، فليس لأجل قرباهم النسبية منه (صلى الله عليه وآله)، بل لأن الأهلية، والجدارة الحقيقية لهذا المنصب قد انحصرت في الخارج فيهم. فهو على حد تعبير الأصوليين: من باب الإشارة إلى الموضوع الخارجي. وليس تصريحه (صلى الله عليه وآله) بالقربى لأجل بيان الميزان والمقياس والملاك في استحقاقهم الخلافة.
وواضح أنه كان لا بد من الالتجاء إلى الله ورسوله لتعيين الشخص الذي له الجدارة والأهلية لقيادة الأمة، لأن الناس قاصرون عن إدراك حقائق الأمور، ونفسيات، وغرائز، وملكات بعضهم البعض.. إدراكا دقيقا وحقيقيا، وعن إدراك عدم طرو تغير أو تبدل عليه في المستقبل. ولقد عينه (صلى الله عليه وآله) بالفعل، ودل عليه بمختلف الدلالات، بالقول، تصريحاً، وتلويحاً، وكناية، ونصاً، ووصفاً، وغير ذلك، وبالفعل أيضاً، حيث أمره على المدينة، وعلى كل غزوة لا يكون هو (صلى الله عليه وآله) فيها، ولم يؤمر عليه أحداً، وغير ذلك..
هذا هو رأي الشيعة، وهذا هو رأي أئمتهم في هذا الأمر، وكلماتهم طافحة ومشحونة بما يدل على ذلك. ولا يبقى معه مجال لأي لبس أو توهم، فراجع كلام الإمام علي في شرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 12، وغيره مما قد يتعسر استقصاؤه..
ومما ذكرنا نستطيع أن نعرف أن ما ورد عن الإمام علي (عليه السلام)، أو عن غيره من الأئمة الطاهرين، من قولهم: أنهم هم الذين عندهم ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنما يقصدون به الميراث الخاص، الذي يختص الله به من يشاء من عباده، أعني: ميراث العلم، على حد قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا..) وقد اعترف أبو بكر نفسه لفاطمة الزهراء بأن الأنبياء يورثون العلم لأشخاص معينين من بعدهم، وعلى كل فلقد أنكر علي (عليه السلام) مبدأ استحقاق الخلافة بالقرابة والصحابة أشد الإنكار، فقد جاء في نهج البلاغة قوله (عليه السلام): «واعجباً!! أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة؟!!». هكذا في نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ولكن الظاهر هو أنها محرفة، وأن الصحيح هو ما في نسخة ابن أبي الحديد، وهي هكذا «واعجباً!! أن تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالصحابة والقرابة!!».
وأما ما يظهر منه أنهم يستدلون لاستحقاقهم الخلافة بالقربى من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنما اقتضاه الحجاج مع الخصوم، فهو من باب: «الزموهم بما الزموا به أنفسهم». ويدل على هذا المعنى ويوضحه ما قاله الإمام علي (عليه السلام) لأبي بكر، عندما جيئ به ليبايع، فكان مما قاله: «.. واحتججتم عليهم [أي على الأنصار] بالقرابة من النبي (صلى الله عليه وآله).. وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى الخ».. راجع: الإمامة والسياسة ج 1 ص 18.
ويشير أيضاً (عليه السلام) ـ إلى هذا المعنى في بعض خطبه الموجودة في نهج البلاغة فمن أراد فليراجعه.. كما ويشير إليه أيضاً ما نسب إليه (عليه السلام) من الشعر [على ما في نهج البلاغة] وهو قوله:
فكيف بهذا والمشيرون غيب ... فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم
فغيرك أولى بالنبي وأقرب ... وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم
ولكن أحمد أمين المصري في كتابه: ضحى الإسلام ج 3 ص 261، و ص 300، و ص 222، و ص 235، وكذلك سعد محمد حسن في كتابه: المهدية في الإسلام ص 5.
والخضري في محاضراته ج 1 ص 166: إن هؤلاء ينسبون إلى الشيعة القول: بأن منصب الخلافة يدور مدار القربى النسبية منه (صلى الله عليه وآله) وحسب، رغم اعتراف أحمد أمين في نفس الكتاب، وبالتحديد في ص 208، 212: بأن الشيعة يحتجون بالنص في خصوص الخليفة بعد الرسول. بل والخضري يعترف بذلك أيضاً حيث قال: «أما الانتخاب عند أهل التنصيص على البيت العلوي، فإنه كان منظورا فيه إلى الوراثة الخ».
وهي نسبة غريبة حقاً ـ بعد هذا الاعتراف الصريح منهم، ومن غيرهم ـ فإن عقيدة الشيعة ـ تبعاً لأئمتهم هي ما ذكرنا، أي ليس منصب الخلافة دائراً مدار القربى النسبية منه (صلى الله عليه وآله)، وأدلة الشيعة تنطق وتصرح بأن القربى النسبية وحدها لا توجب بأي حال من الأحوال استحقاق الخلافة، وإنما لا بد من النص المعين لذلك الشخص الذي يمتلك الجدارة والأهلية والاستعداد الذاتي لها.
إنهم يستدلون على خلافة علي (عليه السلام) بالنصوص القرآنية، والنبوية المتواترة عند جميع الفرق الإسلامية، ولا يستدلون بالقربى إلا من باب: ألزموهم.. أو من باب تكثير الأدلة، أو في مقابل استدلال أبي بكر وعمر بها، وإذا ما شذ واحد منهم، واستدل بذلك، معتقداً بخلاف ما قلناه عن قصور نظر، وقلة معرفة، أو لفهمه ـ خطأ ـ ما ورد عنهم (عليهم السلام). من أن عندهم ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا يجب، بل لا يجوز أن يحسب على الشيعة، ومن ثم القول بأن ذلك هو قولهم، وأن تلك هي عقيدتهم.
ولعل أحمد أمين لم يراجع أدلة الشيعة!!
أو أنه راجعها، واشتبه عليه الأمر!!
أو أنه. لا هذا. ولا ذاك.. وإنما أراد التشنيع عليهم، فنسب إليهم ما ليس من مذهبهم!
ويدلنا على صحة هذا الاحتمال الأخير، اعترافه المشار إليه، بأن الشيعة يستدلون على إمامة علي (عليه السلام) بالنص، لا بالقربى!!..
وخلاصة القول هنا: إن القربى النسبية ليست هي الملاك في استحقاق الخلافة. ولم تكن دعوى أنها كذلك، لا من الأئمة، ولا من شيعتهم. وإنما كانت من قبل أبي بكر، وعمر، ثم الأمويين، فالعباسيين.
وإذا كان أهل السنة ـ تبعاً لأئمتهم ـ قد جعلوا كون الإمامة في قريش من عقائدهم. وإذا كان غير أهل البيت هم الذين ادعوا هذه الدعوى، وهللوا وكبروا لها. فمن الحق لنا إذن أن نقول:
«رمتني بدائها وانسلت».
وأخيراً.. فلقد كان من أبسط نتائج هذه العقيدة لدى أهل السنة، وقبولهم أن القربى النسبية تجعل لمدعيها الحق في الخلافة.. أن سنحت الفرصة لأن يصل أشخاص إلى الحكم من أبرز مميزاتهم، وخصائصهم جهلهم بتعاليم الدين، وانسياقهم وراء شهواتهم، أينما كانت، وحيثما وجدت، جاعلين الحكم والسلطان، وسيلة إليها، مسدلين على حماقاتهم هنا، وتفاهاتهم هناك ستاراً من القربى النسبية منه (صلى الله عليه وآله). وهو من هؤلاء وأمثالهم بريء.
ولما لم يعد ذلك الستار يقوى على المنع من استكناه واقعهم، وحقيقة نواياهم وتصرفاتهم، كان لا بد لهم من الالتجاء إلى أساليب أخرى، تبرر لهم واقعهم، وتحمي تصرفاتهم، وتؤمن لهم الاستمرار في الحكم، ولعل بيعة المأمون للإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد هي من تلك الأساليب...
(42) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 89، والعقد الفريد، طبع دار الكتاب ج 4 ص 485.
(43) مروج الذهب ج 3 ص 237 و 256، والطبري ج 10 ص 33 و 37، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج 2 ص 252، وتاريخ اليعقوبي ج 3 ص 87، 88، والكامل لابن الأثير ج 4 ص 326، وتاريخ ابن خلدون ج 3 ص 129 و 173، وإمبراطورية العرب ص 422، والبداية والنهاية ج 10 ص 42، وشرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 155، وفيه: «إنه لم يخطب على منبركم هذا خليفة حق إلخ».. وبرواية أخرى فيه: «أقسم بالله قسماً براً، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أحق به من علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين هذا»..
(44) مروج الذهب ج 3 ص 301، والطبري ج 10 ص 432.
(45) الطبري ج 10 ص 215، والعقد الفريد طبع دار الكتاب ج 5 ص 81، إلى 85، وصبح الأعشى ج 1 ص 333، فما بعد، والكامل للمبرد، وطبيعة الدعوة العباسية..
(46) البداية والنهاية ج 10 ص 217.
(47) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 163.
(48) مروج الذهب ج 3 ص 399.
(49) مروج الذهب ج 3 ص 257 وفي شرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 131، وحياة الإمام موسى بن جعفر للقرشي ج 1 ص 337، نقلاً عن مختصر أخبار الخلفاء، هكذا. «.. وقد قتلت بالحسين ألفاً من بني أمية. إلى أن قال: وقتلنا سائر بني أمية بحسين، ومن قتل معه، وبعده من بني عمنا أبي طالب»..
(50) الكامل لابن الأثير ج 4 ص 332، ومروج الذهب ج 3 ص 247، ولا بأس بمراجعة خطبة السفاح في مروج الذهب أيضاً ج 3 ص 257.
(51) شرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 129.
(52) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 92.
(53) الفخري في الآداب السلطانية ص 155، ومروج الذهب ج 3 ص 271، والبداية والنهاية ج 10 ص 54، والطبري ج 10 ص 60، وتاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الأول، جزء 1 ص 152، وغيرهم، فإنه مما نص عليه أكثر المؤرخين..
(54) هذا يصح بالنسبة للملابس السوداء. وأما كون الرايات سوداء، فيحتمل أن يكون لأجل ذلك، حسبما صرح به ابن خلدون ص 259، ويحتمل أن يكون لما ورد من أن راية علي (عليه السلام) يوم صفين كانت سوداء، على ما نص عليه فإن فلوتن في هامش: ص 126 من كتابه السيادة العربية، أو لأن رايات النبي (صلى الله عليه وآله) في حروبه مع الكفار كانت سوداء، يقول الكميت مشيراً إلى ذلك:
على أهل الضلالة والتعدي ... وإلا فارفعوا الرايات سوداً
وفي صبح الأعشى ج 3 ص 370، نقلاً عن القاضي الماوردي في كتابه: «الحاوي الكبير»: أن السبب في اختيارهم السواد هو أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد عقد في يوم حنين ويوم الفتح لعمه العباس راية سوداء. وفي صبح الأعشى أيضاً ج 3 ص 371 نقل عن أبي هلال العسكري في كتابه «الأوائل» أن سبب ذلك هو قتل مروان لإبراهيم الإمام، حيث لبس شيعته السواد حدادا عليه، فلزمهم ذلك، وصار شعاراً لهم..
ونرجح أن حادثة قتل يحيى بن يزيد، ولبس الخراسانيين السواد عليه سبعة أيام، هي التي شجعت العباسيين على اتخاذ السواد شعاراً لهم، إظهارا للحزن والأسى لما نال أهل البيت في الدولة الأموية. ويذهب إلى هذا الرأي السيد عباس المكي في نزهة الجليس ج 1 ص 316. بل صرح البلاذري في أنساب الأشراف ج 3 ص 264 بما يدل على ذلك فراجع.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|