أقرأ أيضاً
التاريخ:
3818
التاريخ: 2-7-2017
3578
التاريخ: 22-11-2015
3965
التاريخ: 18-4-2017
3103
|
لكن قبل أن ندرس العلة الاساسية لهذا الزواج لا بد أن نلقي نظرة فاحصة إلى مسألة النسب الذي يعدّ مقوما مهما من مقومات المجتمع الصحيح.
وبعبارة اخرى وأكثر تحديدا لا بد أن ندرس الفرق الجوهري بين الولد الحقيقي، وبين المتبنى.
وتوضيحا لهذا الأمر نقول : كان يوجد في المجتمع العربي الجاهلي أبناء لا يعرف لهم آباء أو لهم آباء معروفون، وكان الرجل يعجبه أحد هؤلاء فيتبناه ويدعوه ابنه، ويلحقه بنسبه وتصير له حقوق البنوة وملحقاتها.
ولما كان هذا شذوذا عن الاساس الطبيعي للاسرة أبطله الاسلام وذلك لأن الولد الحقيقي ينتمي إلى أبيه بجذور تكوينية، فالوالد هو ـ في الحقيقة ـ المنشأ المادي لوجود ابنه، ويرث الولد من والده ووالدته الكثير من صفاتهما الجسمية والروحية، وبذلك يكون امتدادا طبيعيا لوالديه.
وعلى أساس هذه الوحدة الطبيعية، ووحدة الدّم يتوارث الآباء والأبناء، وتترتب أحكام خاصة في مجال الزواج والطلاق، والتحليل والتحريم.
وبناء على هذا فان مثل هذا الموضوع الذي ينشأ من جذور تكوينية واقعية، لا يوجد أبدا باللفظ واللسان.
ولهذا قال الله سبحانه في الكتاب العزيز في معرض الردّ على من يتصور المتبنّى ولدا حقيقيا لمجرد ادعاء البنوة :
{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 4، 5].
فلا يكون الابن المتبنى والولد الحقيقي في صعيد الموضوع سيان أبدا، فكيف في صعيد الاحكام كالتوارث، والزواج والطلاق وما شابه ذلك.
فاذا ورث الولد الحقيقي من ابيه او بالعكس أو حرمت زوجة الولد الحقيقي على أبيه بعد طلاقها من زوجها لا يمكن أن نقول أن الابن المتبني يشبهه ويشترك معه في هذه الاحكام أبدا.
ومن المسلم به أنّ مثل هذا التشريك في الحقوق والشؤون مضافا إلى كونه لا يستند الى أساس معقول وصحيح هو نوع من العبث بعامل النسب، وهو العنصر المهم في المجتمع السليم الصحيح.
وعلى هذا الاساس إذا كان التبني بدافع العاطفة أمرا مستحسنا ومقبولا، إلاّ أنّه إذا كان بهدف إشراكه في سلسلة من الأحكام الاجتماعية التي هي من شئون الولد الحقيقي وحقوقه يعد أمرا بعيدا وغريبا جدا عن المحاسبات العلمية، والاسس الموضوعية.
ولقد كان المجتمع العربي ـ كما اسلفنا ـ يعدّ الابن بالتبني كالولد الحقيقي دون فرق، وقد كلّف رسول الله (صلى الله عليه واله) من جانب الله تعالى بأن يقضي على هذا التقليد الجاهلي والسنة الخاطئة بأجراء عملي صارخ وذلك بالتزوج بزينب مطلّقة متبناه زيد ، ويمحي من حياة المجتمع العربي هذا التقليد القبيح بالعمل الذي يفوق القول، ووضع القانون، في التأثير، والفاعلية. ولم يكن لهذه الزيجة غير هذا السبب.
لقد كان هذا التقليد أمرا مقدّسا في المجتمع العربي بشكل كبير جدّا بحيث لم يكن أحد ليجرأ على نقضه ومخالفته والتزوج بمطلّقة دعيّه لقبحه في نظر العرب لذلك دعا الله سبحانه نبيّه الى القيام بهذا العمل الخطير، إذ قال :
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37].
إن هذا الزواج مضافا إلى كونه استهدف منه تحطيم سنّة جاهليّة مقيتة ( سنة عدم الزواج بمطلقة المتبنى ) واعادة العلاقات العائلية الى وضعها الصحيح يعتبر من أقوى مظاهر المساواة في الإسلام، لأن النبيّ الاكرم (صلى الله عليه واله) تزوّج بمطلّقة عتيقه وقد كان مثل هذا العمل مخالفا لشؤون المجتمع يومذاك.
ولقد أثار هذا الاقدام الشجاع موجة من الاعتراض والنقد من جانب المنافقين، وأصحاب العقول الضيّقة، فقد طرحت هذه المسألة في الاوساط والنوادي وأخذوا يشنعون بها على رسول الله (صلى الله عليه واله) ويقولون : لقد تزوّج محمّد بمطلّقة دعيّه.
فأنزل الله تعالى في الرد على تلكم الافكار والاقوال الباطلة قوله : {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40].
على أن القرآن لم يكتف بهذا البيان بل امتدح نبيّه الذي نفّذ حكم الله بشجاعة كاملة بقوله :
{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 38، 39] .
وخلاصة المفاد لهاتين الآيتين هي أنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) كغيره من الأنبياء يبلّغ رسالات الله ولا يخاف لوم اللائمين، وكيد المنافقين، وإرجاف المرجفين.
هذه هي فلسفة تزوّج رسول الله (صلى الله عليه واله) بزينب بنت جحش مطلّقة دعيّه ومتبناه وعتيقه زيد بن حارثة في ضوء القرآن الكريم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يصدرُ مجموعةَ أبحاثٍ علميَّةٍ محكَّمةٍ في مجلَّة الذِّكرِ
|
|
|