أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2020
7072
التاريخ: 14-9-2018
1702
التاريخ: 2-5-2017
5068
التاريخ: 1-6-2020
5801
|
لقد أصبح التاريخ الإسلامي مادة خصبة لكل الدراسات نظراً لما يحوي في داخله من معطيات ; أي أن خصوبة هذه المادة التاريخية جعلت كل المدارس تطمع لقرائتها وتحويرها بالشكل الذي يفرضه منهج الدارس، ومحاولة عرضه على الأشخاص تارة كحل جاهز بعد إزالة غبار التخلف عنه وتقديمه كقراءة بديلة وموافقة لمتطلبات العصر، وتارة فقط بطرح أسئلة عليه وتقديمه كمادة ملغومة يجب التعامل معها باحتياط والسعي لانتقاء ما نراه الأفضل ; وذلك طبعاً وفق الحمولة المعرفية ورمي الباقي خارج التاريخ.
فتنوّعت بذلك القراءات مع اختلاف المناهج والآليات. وكما استخلصنا في المقام الأول على أن هذه المادة التاريخية الموروثة هي إنتاج فرضته اللحظة الزمنية والمكانية للمؤرخ، نصل حتما إلى كون هذه المادة أصلا تشكّل مشكلا في حد ذاتها، باعتبار تلاعبات الزمن فيها والتي هي في الواقع تلاعبات المؤرخ نفسه.
نضيف إليه كذلك الإشكال الثاني الذي له نفس الأهمية (1)، وهو الفاعل في المادة التاريخية، ذلك الحدثوي المتسلح بمعارف مدرسته ومناهجها والساعي لإيجاد حل لهذه الأزمة.
لكن مع الأسف لم يتغير أي شيء فأصبح ذلك الطابع السياسي القديم والذي هو مؤطر حتماً لايدلوجية السلطة الحاكمة المقنعة مُعبراً عنه بشكل أيديولوجي أوضح ; أي فقط بتغيير صفة المهيج. فإذا كان المؤرخ القديم يسعى لإثبات الشرعية للكيانات السياسية القائمة انذاك، وعلى حد تعبير ادريس هاني بأن التاريخ العربي قتلته السياسة، فإن القراءة التاريخية الحداثية غلب عليها الطابع الايديولوجي، وأصبحت المادة التاريخية أسس لمجموعة من النظريات، كالماركسية، البنيوية والمناهج الإبستملوجية، فجاءت الخزانة العربيّة والإسلاميّة زاخرة بعدة قراءات ابتداءاً من النزعات المادية لحسين مروة ونقد العقل العربي لمحمد عابد الجابري إلى من العقيدة إلى الثورة لحسن حنفي.
ولكن يبقى سؤالا جوهرياً وهو: إلى أي حد استطاعت هذه القراءات أن تجيب على الإشكالات الأساسية للتاريخ الإسلامي؟
فإذا كان محمد عابد الجابري يحاول استنطاق المعقول العقلي من داخل التاريخ الإسلامي بآليات ابستملوجية وبنزعة عقلانية فعلى الرغم من وسع سعته فإنه جاء برغماتيا في نفس الوقت، وتظهر من داخل نصوصه النزعة الايدلوجية المفرطة، وكما قال عنه علي حرب في كتابه نقد النص على أنه يحاول أن ينتصر للمذهب السني على الشيعي وللفكر المغربي على نظيره المشرقي، فتراه في كتاباته يجهد نفسه لجعل الغلبة للعالم الإسلامي السني المغربي ومحاولة إيجاد صيغة مشروع إسلامي ينبني أساسه على علماء وفلاسفة من أهل المغرب كابن رشد على مستوى الفلسفة، وابن حزم على مستوى الفقه، والشاطبي على مستوى الأصول، مما جعل قراءته تنطلي ببُعد ايديلوجي يغيب فيها المعقول العقلي على حد تعبيره. ويطبع عليها الانتقائية في التعامل مع المادة التاريخية، وذلك وفق الميولات المعرفية له، فأوقف شطراً كبيراً من المعرفة الإسلامية ووسمها باللامعقول الديني علماً أن رموزها المعرفية أبدعوا في مجالات المعرفة (2) ولكن نظراً لطابعهم الايدلوجي دخلوا في دائرة الغنوصي الافلوطيني.
وقد تكون المدرسة الماركسية منصفة باعتبار قربها من طبقة المعارضة، ولكنها أفرطت في التعاطي مع الجانب الاقتصادي والمادي، وهذا ما نراه من خلال كتاب النزعات المادية لحسين مروة او كتابات جل الماركسيين الذين جعلوا المشروع يأتي غير كامل وغير ملم بالجوانب الأخرى والتي لها الأهمية القصوى كالجوانب الاجتماعية، والثقافية، التي تلعب دوراً أساسياً في التاريخ العربي الإسلامي وإحدى مقوماته الأساسية.
أما حسن حنفي فقد عرف طريقه وحدد الوجهة الصحيحة حينما تحدث بمفاهيم جديدة وجذابة والتي تتمثل في هدم التراث وإعادة بنائه، ومحاولة تثوير هذا التراث، فإنه لم يخرج عن الإطار العام والمتمثل في النزعة الايديلوجية لطروحاته، وكما يعبر عنها هو نفسه وبطريقه لا تثيره بكونه المعتزلي الوحيد حيث جعل مركز فكر التراث العربي والإسلامي هو الفكر الإعتزالي وعلى ضوئه تتم قراءة الأحداث التاريخية مما يعطيه بعداً برغماتيا في التعاطي مع الأحداث التاريخية ; فيغيب فيها النقد الموضوعي والقراءة الصريحة.
يظهر لنا إذن على أن الذاتية والأنا رغم تغيّر الزمان والمكان فإنها تبقى حاضرة بفعلها على المادة التاريخية، وكما قال «كولينجورد» كلما خضع الإنسان في تصرفه لطبيعته الحيوانية، لغرائزه وشهواته حاد عن شرعة التاريخ (3).
ويبقى إذن أن نستلخص سؤالا جوهرياً يحدد أزمة التاريخ في الفكر الإسلامي العربي وهو:
كيف تعاطى المؤرخ الإسلامي مع الأحداث التاريخية؟ وماهي المحددات المتداخلة في إنتاج هذه المادة التاريخية؟
التاريخ المقدس
ماذا نقصد بالتاريخ المقدّس؟
لعل ما يواجه أي دراسة هو صعوبة تحديد المصطلحات وإدراجها بالشكل الذي يناسب طبيعة الموضوع المدروس. وليس هناك من شك بأن الدراسات التاريخية تبقى مجالا خصبا لصياغة مفاهيم واستعمالها وفق الحالات الزمكانية للمادة المدروسة.
]لقد[ آثرنا في هذا المبحث استعمال مصطلح التاريخ المقدس لما له من دلالة عميقة وخصوصاً بالنسبة لتاريخنا الإسلامي، والذي أُحيط بنوع من الهالة والقدسية أصبحت فيما بعد حاجزاً للغور في أعماقه، والذي يؤثر سلبا على المردود المجتمعي العام; بحيث لا يستطيع ممارسة النقد الذاتي ومن ثم لا يمكنه الخروج من بوتقة الظلم والذي سيؤدي حتماً إلى السقوط في التخلّف.
وهذا ما يمكن ملاحظته بالنسبة للمجتمع الإسلامي. بحيث ظل لسنوات طوال رهين قدسيّة مزيفة محاطة بأسلاك كهربائية، لتأتي في الأخير على نهاية الأمة وسقوطها في التبعية والانحطاط.
إن التاريخ لم يقصد به تأريخ الأحداث والوقائع الماضية فهذا بحد ذاته يعد حصرا لأن الامم السابقة لم تكن تملك السنوات فقط، بل كانت تملك كل مقومات المجتمع الثقافية، السياسية، الاقتصادية، وإن تم حصرها في التراث فهذا التراث هو نتاج عملية تأريخ للمجتمعات القديمة والتي كانت تخبرنا عن العالم الفلاني في السنة كذا وعن الحاكم الفلاني والحدث كذا فأعطانا كمًّا هائلا توارثته كتب التاريخ، فأخذ بذلك التراث صبغته التاريخية من ثم نستطيع أن نقول أن التاريخ هو علم تدوين مجموع الأحداث الماضية والحاقاتها الثقافية، الاقتصادية، والسياسية، والتي تكون في مجموعها المادة التاريخية يبقى إذن أن نفصّل معنى اللفظ وهو المقدس.
إن دلالة القدسي تعني ثبوتية الشيء، فمثلا حينما نقول حديث قدسي فهو ثابت القدسية من حيث هو صادر عن الله تعالى، والقدسية هي صفة ناتجة عن الهالة التي أحيط بها الشيء المراد تقديسه. فإذا قلنا مثلا التاريخ القدسي فهو ثابت القدسية ويستحيل زعزعة قدسيته وهذا ما صار مع التاريخ الإسلامي بحيث أحيط بنوع من الهالة والقدسية ومن ثم استحال الامر لولوج هذا الميدان ونقده نقداً منطقياً وبناءاً.
حتى أصبح المؤرخ يستعيض من ذكر أشياء قد تمس في قدسية هذا التاريخ ; وبالضبط في رجالاته، لما أحيط به من القدسيّة والتعظيم فاقت حد المعقول وتحولت إلى شيء ثابت راسخ في العرف التأريخي، والذي حتما جعله في ذهنية المسلم راسخاً لا يستطيع مسه او التحدث فيه او ذكره بمجرد كلمة يخيل بها أنا تمس كرامته وقدسيته، وهذا ما عبر عنه أحد شيوخ المؤرخين المسلمين حيث قال:
«في هذه السنة ـ سنة 30 هـ ـ كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية واشخاص معاوية أموراً كثيرة (4) كرهت ذكر أكثرها»، ثم يأتي بعد ذلك فيقول: «وأما الآخرون فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة واموراً شنيعة كرهت ذكرها» (5).
إذن هكذا يعبر المؤرخ عن نفسه وهكذا يتعاطى مع المادة التاريخية بأسلوب انتقائي من أجل الإبقاء على قدسية مصطنعة فيتجاوز القوانين الطبيعية التي تعطي لنا نوعين من المفاهيم الثابتة والمتحولة ; بحيث أصبح للمؤرخ هم وحيد هو كيفية الحاق هذا المتحوّل إلى ثابت.
____________
(1) راجع ادريس هاني، محنة التراث الآخر ص24، ط1، سنة 1998، دار الغدير.
(2) راجع هنرى كربان: تاريخ الفلسفة الإسلامية ترجمة نصير مروة وحسن قبسي الطبعة 2 سنة 1998 دار عويدات للنشر.
(3) عبد الله العروي، مفهوم التاريخ: 1 / 36 ط3، سنة 1997، المركز الثقافي العربي.
(4) لمعرفة هذه الأُمور التي لم يذكرها الطبري راجع كتاب تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي للأستاذ صائب عبد الحميد ص99.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 283 ـ 286.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|