أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-08-2015
5139
التاريخ: 21-6-2019
1433
التاريخ: 1-07-2015
4963
التاريخ: 1-07-2015
3444
|
إعلم أنّ الحكماء(1) لمّا منعوا من المعاد الجسماني وأثبتوا الروحاني بناءً منهم على ما سبق من تجرّد النفس أوّلًا، وعلى استحقار اللذات الحسية، وعدم الاحتفال بها، رام جماعة من المحقّقين(2) الجمع بين الحكمة والشريعة، وقالوا: دلّ العقل على سعادة النفوس في معرفة اللَّه تعالى ومحبته، وعلى أنّ سعادة الأبدان في إدراك المحسوسات، ودلّ الاستقراء على أنّ الجمع بين هاتين السعادتين في الحياة الدنيا غير ممكن، وذلك لأنّ الانسان حال استغراقه في تجلّي أنوار عالم الغيب لا يمكنه الالتفات إلى اللذات الحسية، وإن أمكن كان على ضعف جداً، بحيث لا يعدّ التذاذاً وبالعكس، لكن تعذّر ذلك سبّبه ضعف النفوس البشرية هنا، فمع مفارقتها واستمدادها الفيض من عالم القدس تقوى وتشرف، ومع اعادتها إلى أبدانها غير بعيدٍ أن تصير هناك قوية على الجمع بين السعادتين على الوجه التام، وهو الغاية القصوى في مراتب السعادة، قالوا: وهذا لم يقم على امتناعه برهان، فلذلك أثبتوا المعادين(3) ، وحيث الحال كذلك، فلنشير إلى تتميم هذا البحث بفوائد يظهر بها المعاد الروحاني:
الاولى: اثبات التجرّد:
وقد سلف شيء من أدلّته وأحكامه(4) ، لكن نزيد هاهنا. فنقول استدلوا عليه بالمعقول والمنقول:
أمّا الأوّل [أي المعقول](5) بوجوه(6):
1- إنّ الانسان كلّما بالغ في التخلّي عن الدنيا وأهلها كان عقله وحدسه وتمييزه وعلمه وجميع الصفات التي بها يمتاز عن غيره من الحيوانات أقوى، وإذا تخلّى عن ظاهر بدنه بالنوم اطلع على المغيبات، وإذا كان منغمساً في الدنيا ومعالجة امورها كان الأمر بالعكس، وهذا يدلّ على أنّ النفس الانسانية غير هذا البدن وأجزائه وأعراضه، و أنّها مباينة له في ذاتها وأفعالها.
2- إنّ البدن وأجزاءه وقواه كلّما قويت ضعف إدراك النفس، وكلّما ضعفت بالرياضة ونفي الكبر وغير ذلك قوي ادراكها، ولو كانت في البدن، أو جزء من أجزائه أو قوّة من قواه لكان الأمر بالعكس.
3- إنّ النفس لو كانت جسماً أو جسمانياً، لكلّت وفترت بكثرة أفعالها مثلهما ، لكنّها ليست كذلك، بل كلّما كثرت تصرفاتها وادراكاتها كانت أقوى في ذاتها.
وأمّا المنقول فوجهان:
1- قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169].
وجه الدلالة: لا شيء من الإنسان المقتول بميت، وكلّ بدن ميت، ينتج أنّه ليس ببدن، والصغرى ثابتة بالآية، والكبرى ضرورية.
2- قول النبي صلى الله عليه وآله في بعض خطبه: «حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرفت روحه فوق النعش، ويقول: يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي»(7) وهو دليل على أنّ الروح باقية بعد الموت لوصفه بالرفرفة، ولا شيء من البدن وأجزائه بباقٍ، فلا شيء من الروح ببدن.
واعلم: أنّ هذه الأدلّة كلّها تدلّ على أنّ هناك أمراً مغايراً للبدن، وأمّا على أنّه مجرد فلا، فيجوز أن يكون جوهراً لطيفاً له تعلّق بالبدن، وله قوى خاصّة يقوى بها على امور يعجز البدن عنها، والنقل صريح به، لأنّ القول والرفرفة يستلزمان الجسمية.
الثانية- اللذة: وعرّفها ابن سينا بأنّها:
إدراك ونيل لما هو خير وكمال من حيث هو خير وكمال بالنسبة إلى المدرك والنائل(8) ، فالإدراك حصول صورة من المدرَك عند المدرِك، والنيل، الاصابة والوجدان، فلهذا لم يقتصر على الأوّل، لأنّ حصول الصورة المساوية للشيء لا تستلزم حصول ذاته، كمن أدرك صورة حسنة ولم ينلها، وكذا لم يقتصر على الثاني، لعدم دلالته على الادراك، كمن نال محبوبه ولم يشعر به.
فالكمال والخير هما حصول شيء يناسب شيئاً ويصلح له، والفرق بينهما اعتباري، فإنّ حصول الشيء المناسب كمال باعتبار البراءة من القوّة، وخير باعتبار الملائمة والايثار، وقيّد بالحيثية؛ لأنّ الشيء قد يكون كمالًا وخيراً من جهة دون اخرى، وكذا قيده بالنسبة إلى المدرك؛ لأنّ اللذة ليست ادراك اللذيذ فقط، بل ادراك حصول اللذيذ للملتذ، ولذلك قال: «عند المدرك» لأنّ من لا يعتقد كمالية الشيء وخيريته، لا يكون إدراكه له لذّة، وبالعكس يكون لذّة، فليس الاعتبار بما في نفس الأمر.
ثم الادراك يختلف بحسب اختلاف القوى المدركة، وكلّ واحد منها يخصّها كمال لا يشاركها غيرها فيه، كالإبصار للصورة الحسنة، والسمع للصوت الطيّب الحسن، وكذا باقي القوى الظاهرة والباطنة، وكذا القوى العقلية لها أيضاً كمال يخصّها، وهو التعقّل للذات الظاهرة بحسب ما يمكن، وللماهيات الكلية على ما هي عليه بحسب طاقتها، فإدراكها كذلك لذة لها، وإنكاره مكابرة.
الثالثة: إنّ اللذّة العقلية أقوى من الحسية كيفاً وكمّاً، وأشرف منها.
أمّا الأوّل: فظاهر، فإنّ العلماء الراسخين في التحقيق لا يختارون اللذات الحسية بأجمعها على أقلّ لذة عقلية.
وبيانه تفصيلًا:
أمّا كيفاً: فإنّ العقل يصل إلى كنه المعقول، ويميزه إلى ذاتياته وعوارضه، ويقسم الذاتي إلى الجنس والفصل، والعوارض إلى المختصّ والمشترك، وبالجملة يدرك الماهية على ما هي عليه، وأمّا الحس فيدرك ظاهر المحسوس وكيفيته القائمة بالسطح حال حضوره، حتى لو غاب زال ادراكه، بخلاف العقل فإنّه يدرك مطلقاً.
وأمّا كمّاً: فإنّ عدد المعقولات لا يتناهى، فإنّه ما من معقول إلّا ويتصور له مناسب، وللمناسب مناسب، وهكذا، بخلاف المحسوسات فإنّها محصورة متناهية.
وأمّا الثاني: فلأنّ العقلية تدرك واجب الوجود تعالى، وهو أكمل الموجودات وأشرف، بخلاف الحسية فإنّها تدرك الأشياء الفانية الخسيسة، وهذا الإدراك يختلف بحسب اختلاف المدرك.
الرابعة: حيث عرفت معنى اللذّة ، وانقسامها إلى العقلي والحسيّ، وأن عقليّتها أشرف من حسيّتها ، فكذلك ينبغي أن تعرف معنى الألم، ونورد تعريفه على طرز تعريفها بإبدال الكمال والخير بالنقص والشرور.
فنقول: هو إدراك ونيل ما هو نقص (وشر من حيث هو نقص وشر) بالنسبة إلى المدرك والنائل، ونقسمه إلى الحسي والعقلي بحسب الادراك، ونحكم بأنّ عقليّه أيضاً أعظم نكالًا من حسيّه، وأنّ المتصفين بعدم الكمال والخير من أرباب الجهل لو عقلوا ما هم عليه، لتصوّروا أنّهم في أعظم الألم ممّن هو مقطّع الأعضاء مصلى بالنار، ولكنّهم لانغمار عقولهم في ملابس الطبيعة لا يعقلون { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
الخامسة: إنّ النفس الناطقة لها قوّتان علمية وعملية. وسعادتها تكون على قدر الكمال في هاتين القوّتين، وشقاوتها تكون بفوات الكمال فيهما لعدم استعدادها، وعدم الاستعداد قد يكون لأمر عدمي- كنقصان غريزة العقل- وقد يكون لأمرٍ وجودي، كوجود الامور المضادّة للكمالات من الاعتقادات الفاسدة والأخلاق الذميمة، وتلك قد تكون راسخة، وقد تكون غير راسخة، وتشترك بجملتها في كونها رذائل، كما تشترك مراتب السعادة في كونها فضائل.
السادسة: قالوا: إنّ النفس بحسب القوّة العلميّة إمّا أن تكون ذات عقائد أو لا تكون، وذات العقائد إمّا أن تكون مطابقة أو لا، والمطابقة إمّا أن يحصل لها ذلك بالبرهان أو لا، فهذه مراتب أربع:
1- ذات العقائد البرهانية المطابقة، وهي من أهل السعادة، لِحصول الكمال الذي هو العلم الملائم للنفس، بأن تتمثّل صورة المعقولات فيها فتلتذ بعد المفارقة بمشاهدة ما اكتسبته ووجدان ما أدركته، فك أنّها كانت ذات ادراك فصارت ذات نيل.
2- ذات العقائد المطابقة الغير البرهانية، فينبغي أن يحكم لها بالسعادة.
3- ذات العقائد الغير المطابقة وذات الجهل المركب، وهؤلاء منهم أصحاب الشقاوة العظيمة، لأنّهم مشتاقون إلى المعارف، راجون لها، وهي غير حاصلة لهم،
فهي بسبب تمثل أضداد الكمال فيها واعتقادها فيها الكمال رجت الوصول إلى مدركاتها، ثم إنّها بعد الموت تفقد ما رجت الوصول إليه، فتصير معذّبة بفقدان ما رجته، كما أشار التنزيل الشريف: { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [الزمر: 56، 58].
4- الخالية من الاعتقادات، فقال قوم: لا تبقى هذه، لأنّه لا موجب لسعادتها وشقاوتها، فلا يحصلان، فتكون معطلة، ولا تعطيل في الطبيعة، وقال قوم: إنّها تبقى، ولكن لا تخلو من الادراك، فهي إذن تدرك بالآلات الجسمانية، فيجب أن تتعلّق بأبدان اخرى، ولا تصير مباديء صور لها، وإلّا لزم التناسخ، فلا يجوز أن تكون تلك أبدان الحيوان، وإلّا لاستعدّت لفيضان نفوس عليها، بل تكون أبدان متولّدة من الأجزاء الهوائية والدخانية، أو تكون من الأجرام السماوية من غير أن تكون مفارقة للروح.
وأمّا بحسب القوّة العمليّة، فلها مراتب ثلاث:
1- ذوات الأخلاق الفاضلة: قالوا: ولا حظّ للنفس بحسبها في السعادة بالذات، بل زوال الشقاوة الحاصلة بتعلّقها بالبدن التي هي معذبة به، فهي مستلزمة لنفي التعذيب عن النفس، وذلك أثر عرضي في تحصيل السعادة.
2- ذوات الأخلاق الردية: وهي التي اشتدت محبتها للتعلّق بالبدن، فهي تتعذّب بمحبّتها لما زال عنها، لكن عذابها يكون منقطعاً، لزوال تلك المحبّة، والفرق بينها وبين ذات الشقاوة: أنّ تلك سبب عذابها الاعتقاد الفاسد الذي لاحظّ للبدن فيه، وهذه لا تخلو عن مفارقة البدن في استحقاق العقاب، وقد زال.
3- التي لا أخلاق لها ولا اعتقاد، كأنفس الصبيان، وفي بقائها خلاف، سبق هذا حكاية قولهم في المعاد الروحاني(9) ، وهو بناءً على إثبات النفس المجردة. وأمّا أرباب الجمع فيلزمهم القول بالأجزاء والنفس، ويكون كمال كلّ واحد حاصلًا له، والشريعة الحقّة قد نطقت بتفاصيل الجسماني، وهو مذكور في مظانّه.
_____________
(1) راجع الأسفار 9: 165 وإرشاد الطالبين: 407.
(2) منهم المحقق الطوسي والعلامة الحلي والغزالي والكعبي وغيرهم. راجع شرح المقاصد 5: 90، وإرشاد الطالبين: 408.
(3) راجع الأسفار 9: 165، وشرح المنظومة: 339.
(4) في الصفحة 453.
(5) هذه الزيادة اثبتناها بمقتضى السياق بقرينة ذكره: المنقول كما سيأتي بعد أسطر.
(6) راجع الأسفار 9: 121.
(7) بحار الأنوار 4: 161.
(8) راجع شرح الإشارات 2: 92.
(9) راجع الصفحة 452.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|