أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017
3699
التاريخ: 15-2-2017
14815
التاريخ: 2-3-2017
7912
التاريخ: 30-11-2016
4586
|
قال تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُو كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُو خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُو شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُو كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 216 - 218].
هذه الآيات بيان لكون الجهاد مصلحة لمن أمر به قال سبحانه {كتب عليكم القتال} أي فرض عليكم الجهاد في سبيل الله {وهو كره لكم} أي شاق عليكم تكرهونه كراهة طباع لا على وجه السخط وقد يكون الشيء مكروها عند الإنسان في طبعه ومن حيث تنفر نفسه عنه وإن كان يريده لأن الله تعالى أمره بذلك كالصوم في الصيف وقيل معناه أنه مكروه لكم قبل أن يكتب عليكم لأن المؤمنين لا يكرهون ما كتب الله عليهم {وعسى أن تكرهوا شيئا} معناه وقد تكرهون شيئا في الحال وهو خير لكم في عاقبة أموركم كما تكرهون القتال لما فيه من المخاطرة بالروح {وهو خير لكم} لأن لكم في الجهاد إحدى الحسنيين إما الظفر والغنيمة وإما الشهادة والجنة.
{وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} أي وقد تحبون ما هو شر لكم وهو القعود عن الجهاد لمحبة الحياة وهو شر لما فيه من الذل والفقر في الدنيا وحرمان الغنيمة والأجر في العقبي {والله يعلم} أي يعلم ما فيه مصالحكم ومنافعكم وما هو خير لكم في عاقبة أمركم {وأنتم لا تعلمون} ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به وإن شق عليكم وأجمع المفسرون إلا عطاء إن هذه الآية دالة على وجوب الجهاد وفرضه غير أنه فرض على الكفاية حتى أن لو قعد جميع الناس عنه أثموا به وإن قام به من في قيامه كفاية وغناء سقط عن الباقين وقال عطاء إن ذلك كان واجبا على الصحابة ولم يجب على غيرهم وقوله شاذ عن الإجماع .
{يسألونك} يا محمد والسائلون أهل الشرك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام عن الحسن وأكثر المفسرين وقيل السائلون أهل الإسلام سألوا عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه {عن الشهر الحرام قتال فيه} يعني عن قتال في الشهر الحرام وهو رجب سمي بذلك لتحريم القتال فيه ولعظم حرمته ولذلك كان يسمى في الجاهلية (منزع الأسنة ومنصل الألّ)(2) لأنهم كانوا ينزعون الأسنة والنصال عند دخول رجب انطواء على ترك القتال فيه وكان يدعى الأصم لأنه لا يسمع فيه قعقعة السلاح فنسب الصمم إليه كما قيل ليل نائم وسر كاتم فكان الناس لا يخاف بعضهم بعضا وتأمن السبل إلى أن ينقضي الشهر.
{قل} يا محمد {قتال فيه} أي في الشهر الحرام {كبير} أي ذنب عظيم ثم استأنفه وقال {وصد عن سبيل الله وكفر به} أي والصد عن سبيل الله والكفر بالله {والمسجد الحرام} أي والصد عن المسجد الحرام وعلى القول الآخر معناه يسألونك عن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام وقيل معناه والكفر والمسجد الحرام عن الجبائي فحمله عن الباء في قوله {وكفر به} {وإخراج أهله} يعني أهل المسجد وهم المسلمون و{منه} أي من المسجد {أكبر} أي أعظم وزرا {عند الله} يعني إخراجهم المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة والظاهر يدل على أن القتال في الشهر الحرام كان محرما لقوله {قل قتال فيه كبير} وذلك لا يقال إلا فيما هو محرم محظور وقيل أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عقل ابن الحضرمي .
وقوله {والفتنة أكبر من القتل} معناه الفتنة في الدين وهو الكفر أعظم من القتل في الشهر الحرام يعني قتل ابن الحضرمي وقال قتادة وغيره أن تحريم القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام منسوخ بقوله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} وبقوله {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال عطاء هو باق على التحريم وعندنا أنه باق على التحريم فيمن يرى لهذه الأشهر حرمة ولا يبتدئون فيها بالقتال وكذلك في الحرم وإنما أباح الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قتال أهل مكة عام الفتح فقال (عليه السلام) : (إن الله أحلها لي في هذه الساعة ولا يحلها لأحد من بعدي إلى يوم القيامة).
ومن لا يرى منهم حرمة الحرم وحرمة هذه الأشهر جاز قتاله أي وقت كان والتحريم منسوخ في حقه وقوله تعالى : {ولا يزالون يقاتلونكم} يعني أهل مكة يقاتلونكم يا معشر المسلمين {حتى يردوكم عن دينكم} أي يصرفوكم عن دين الإسلام ويلجئوكم إلى الارتداد {إن استطاعوا} أي إن قدروا على ذلك {ومن يرتدد منكم عن دينه} هذا تحذير عن الارتداد ببيان استحقاق العذاب عليه {فيمت وهو كافر} يعني مات على كفره {فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} معناه أنها صارت بمنزلة ما لم يكن لإيقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به لأن إحباط العمل وإبطاله عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب وليس المراد أنهم استحقوا على أعمالهم الثواب ثم انحبط لأنه قد دل الدليل على أن الإحباط على هذا الوجه لا يجوز {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} أي دائمون .
{إن الذين آمنوا} أي صدقوا الله ورسوله {والذين هاجروا} أي قطعوا عشائرهم وفارقوا منازلهم وتركوا أموالهم {وجاهدوا في سبيل الله} أي قاتلوا الكفار في طاعة الله التي هي سبيله المشروعة لعباده وإنما جمع بين هذه الأشياء لبيان فضلها والترغيب فيها لا لأن الثواب لا يستحق على واحد منها على الانفراد {أولئك يرجون رحمة الله} أي يأملون نعمة الله في الدنيا والعقبي وهي النصرة في الدنيا والمثوبة في العقبي {والله غفور} يغفر ذنوبهم {رحيم} يرحمهم وإنما ذكر لفظ الرجاء للمؤمنين وإن كانوا يستحقون الثواب قطعا ويقينا لأنهم لا يدرون ما يكون منهم في المستقبل الإقامة على طاعة الله أو الانقلاب عنها إلى معصية الله ووجه آخر وهو الصحيح وهو أن يرجوا رحمة الله في غفران معاصيهم التي لم يتفق لهم التوبة منها واخترموا دونها فهم يرجون أن يسقط الله عقابها عنهم تفضلا فأما الوجه الأول فإنما يصح على مذهب من يجوز أن يكفر المؤمن بعد إيمانه أو يفعل في المستقبل كبيرة تحبط ثواب إيمانه وهذا لا يصح على مذهبنا في الموافاة.
وقال الحسن أراد به إيجاب الرجاء والطمع على المؤمنين لأن رجاء رحمة الله من أركان الدين واليأس من رحمته كفر كما قال {ولا ييأس من روح الله} الآية والأمن من عذابه خسران كما قال {ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} فمن الواجب على المؤمن أن لا ييأس من رحمته وأن لا يأمن من عقوبته ويؤيده قوله تعالى {يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه} وقوله {يدعون ربهم خوفا وطمعا} وليس في الآية دلالة على أن من مات مصرا على كبيرة لا يرجو رحمة الله لأمرين ( أحدهما ) أن الدليل المفهوم غير صحيح عند أكثر المحصلين ( والآخر ) أنه قد يجتمع عندنا الإيمان والهجرة والجهاد مع ارتكاب الكبيرة ولا يخرج من هذه صورته عن تناول الآية له .
_______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص71-77.
2- الأل والألة : الحربة : جمع ادوات الحرب .
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ} . فرض اللَّه القتال على المسلمين لا لأنه مطلوب ومحبوب لذاته ، ولا ليتسع ملكهم ، ويمتد سلطانهم ، ويعيشوا على حساب غيرهم من الشعوب ، وانما فرضه عليهم لنصرة الحق ، والدفاع عنه ، فان الحق من حيث هو ليس إلا مجرد فكرة ونظرية . أما تطبيقها والالتزام بها فيحتاج إلى العمل الجاد ، وهو أولا الدعوة بالحكمة ، والطرق المألوفة ، فإن لم تجد وجب تنفيذ الحق بالقوة . . وأية نظرية لا تعتمد على القوة التنفيذية فوجودها وعدمها سواء ، ومن أجل هذا فرض اللَّه على المسلمين في هذه الآية وغيرها جهاد كل معتد على الحق ، حيث لا يجدي معه الأمر بالمعروف والموعظة الحسنة . . ولو لا السلطة التنفيذية لكانت السلطة التشريعية مجرد كلام ملفوظ أو مكتوب .
{وهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . قال المفسرون : ان أصحاب الرسول كرهوا القتال ، لأن الإنسان بطبعه يشق عليه أن يعرض نفسه للهلاك ، ولكنهم في الوقت نفسه يستجيبون لأمر اللَّه تعالى طلبا لمرضاته ، تماما كالمريض يشرب الدواء بغية الشفاء . وان اللَّه سبحانه قد نبههم بقوله : {وعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } إلى أن ثمرة القتال والجهاد تعود إليهم ، لا إليه . . هذا ملخص ما قاله أهل التفاسير ، وظاهر اللفظ يتحمله ولا يأباه .
ولكن إذا نظرنا إلى سيرة الأصحاب الخلص وبطولاتهم في الجهاد والفداء من أجل الدين ، وسيطرته على مشاعرهم ، وكيف استهانوا بالحياة طلبا للاستشهاد ، حتى ان من كان ينجو من القتل ، ويرجع من الجهاد سالما يرى نفسه شقيا سيء الحظ - إذا نظرنا إلى هذه الحقيقة ، وأدخلناها في حسابنا ، ونحن نفسر هذه الآية نجد ان ما قاله المفسرون من كراهية الأصحاب للقتال غير وجيه ، وانه لا بد من تفسير الآية بمعنى آخر يساعد عليه الاعتبار ، ويتحمله اللفظ ، ويتلخص هذا المعنى في أن الأصحاب كانوا يرون أنفسهم دون المشركين عدة وعددا ، فخافوا إذا قاوموهم بالقوة أن يهلكوا عن آخرهم ، ولا يبقى للإسلام من ناصر ، وتذهب الدعوة الاسلامية سدى . . فكراهيتهم للقتال جاءت من الخوف على الإسلام ، لا على أنفسهم . فبين اللَّه لهم ان القتال الذي دعيتم إليه ، وكرهتموه هو خير لكم وللإسلام ، وان القعود عنه يؤدي إلى ذهابكم وذهاب الإسلام . . وأنتم تجهلون هذه الحقيقة ، ولكن اللَّه بها عليم ، لأنه لا تخفى
عليه خافية ، فالآية أشبه بقوله جل جلاله : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65].
{ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } . مر تفسير الآية في الآية 192 وما بعدها .
{وصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وكُفْرٌ بِهِ والْمَسْجِدِ الْحَرامِ وإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ }. كان العرب يحرمون القتال في الأشهر الحرم ، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، وأقر النبي هذه العادة ، لأن فيها تقليلا للشر وسفك الدماء ، وقد أقر الإسلام بوجه عام كل عادة مستحسنة أو غير قبيحة كانوا عليها في الجاهلية ، ولكن العرب الذين كانوا يقدسون هذه الأشهر قد انتهكوا حرمتها ، وأعلنوا فيها الحرب على الرسول سنة ست من الهجرة ، وصدوه مع أصحابه عن زيارة بيت اللَّه الحرام ، وفتنوا من أسلم عن دينه ، وعذبوه بشتى أنواع العذاب طوال ثلاثة عشر عاما ، كما فعلوا ببلال وصهيب وخباب وعمار بن ياسر وأبيه وأمه ، حتى إذا أراد المسلمون أن يدافعوا عن أنفسهم ، أو يقتصوا من المشركين في الأشهر الحرم رفع هؤلاء عقيرتهم بالدعاية المضللة ، وأظهروا المسلمين بمظهر المعتدي على المقدسات .
فبيّن اللَّه سبحانه ان الجرائم التي ارتكبها المشركون في حق المسلمين هي أكبر وأعظم عند اللَّه من القتال في الشهر الحرام ، ومن أجل هذا أباح للمسلمين قتال المشركين في أي مكان وزمان يجدونهم فيه عملا بمبدأ القصاص ، والمعاملة بالمثل .
{والْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}. أي فتنة المسلمين عن دينهم بالتعذيب تارة ، ومحاولة إلقاء الشبهات في قلوبهم تارة أخرى ، هذه الفتنة أشد جرما من القتال في الشهر الحرام .
{ولا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا} . فالهدف للمشركين ان لا يبقى للإسلام عين ولا أثر على الكرة الأرضية ، ومن أجل هذا وحده يقاتلون المسلمين ، ويداومون على قتالهم ، فإذا كره المسلمون قتال المشركين تحقق الهدف الذي يبتغيه أعداء الدين .
ولا زالت هذه الروح الكافرة العدائية لكل ما فيه رائحة الإسلام ، لا زالت
حية إلى اليوم في نفوس الكثيرين من الشرقيين والغربيين ، لأن الإسلام بإنسانيته وعدالته ، ومقاومته للبغي والفساد هو السبب الأول للعداء ، ولهذا وحده يضمرون لأهله كل شر ، ويحاربونهم بشتى الوسائل ، ويتفننون فيها حسب ما تقتضيه الظروف والتطورات . . وعلينا أن نتنبه لهؤلاء الأعداء ، ونقاتلهم بنفس السلاح الذي يقاتلوننا به .
{ومَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} . هذا تحذير وتهديد من اللَّه سبحانه لمن يستجيب لأعداء الدين ، ويرتد عن دينه فإنه بذلك يخسر الدنيا والآخرة ، ومآله جهنم وبئس المصير . . وقوله تعالى : {فَيَمُتْ وهُوَ كافِرٌ } يدل بصراحة على ان المرتد إذا تاب قبل الموت يقبل اللَّه منه ، ويسقط العقوبة عنه ، والعقل حاكم بذلك . . ولكن فقهاء الشيعة الإمامية قالوا : إذا كان المرتد رجلا ، وكان ارتداده عن فطرة (2) ثم تاب يسقط عنه العذاب الأخروي ، أما العقوبة الدنيوية ، وهي القتل ، فلا تسقط بحال ، اما إذا تاب المرتد عن ملة فيسقط القتل عنه مستندين في هذا التفصيل إلى روايات عن أهل البيت ( عليهم السلام ) . ومعنى حبط الأعمال في الدنيا انه يعامل معاملة الكافر ، بالإضافة إلى استحقاق القتل ، أما الحبط في الآخرة فالعذاب والعقاب .
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هاجَرُوا وجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. بعد ان ذكر اللَّه جل جلاله حال المشركين والمرتدين وعقابهم ناسب أن يذكر المؤمنين وثوابهم ، والذين هاجروا هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة مع رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله ) ، والمجاهدون هم الذين بذلوا جهدهم في نصرة الإسلام ، ومقاومة أعدائه .
________________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص322-325.
2- المرتد عن فطرة أن يكون أبواه أو أحدهما مسلما ، والمرتد عن ملة أن يكون أبواه كافرين ، ثم يسلم ، ثم يرتد .
قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}، الكتابة كما مر مرارا ظاهرة في الفرض إذا كان الكلام مسوقا لبيان التشريع، وفي القضاء الحتم إذا كان في التكوين فالآية تدل على فرض القتال على كافة المؤمنين لكون الخطاب متوجها إليهم إلا من أخرجه الدليل مثل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } [النور: 61] ، وغير ذلك من الآيات والأدلة.
ولم يظهر فاعل كتب لكون الجملة مذيلة بقوله: {وهو كره لكم} وهولا يناسب إظهار الفاعل صونا لمقامه عن الهتك، وحفظا لاسمه عن الاستخفاف أن يقع الكتابة المنسوبة إليه صريحا موردا لكراهة المؤمنين.
والكره بضم الكاف المشقة التي يدركها الإنسان من نفسه طبعا أو غير ذلك، والكره بفتح الكاف: المشقة التي تحمل عليه من خارج كان يجبره إنسان آخر على فعل ما يكرهه قال تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19] ، وقال تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: 11] ، وكون القتال المكتوب كرها للمؤمنين إما لأن القتال لكونه متضمنا لفناء النفوس وتعب الأبدان والمضار المالية وارتفاع الأمن والرخص والرفاهية، وغير ذلك مما يستكرهه الإنسان في حياته الاجتماعية لا محالة كان كرها وشاقا للمؤمنين بالطبع، فإن الله سبحانه وإن مدح المؤمنين في كتابه بما مدح، وذكر أن فيهم رجالا صادقين في إيمانهم مفلحين في سعيهم، لكنه مع ذلك عاتب طائفة منهم بما في قلوبهم من الزيغ والزلل، وهو ظاهر بالرجوع إلى الآيات النازلة في غزوة بدر وأحد والخندق وغيرها، ومعلوم أن من الجائز أن ينسب الكراهة والتثاقل إلى قوم فيهم كاره وغير كاره وأكثرهم كارهون، فهذا وجه.
وإما لأن المؤمنين كانوا يرون أن القتال مع الكفار مع ما لهم من العدة والقوة لا يتم على صلاح الإسلام والمسلمين، وأن الحزم في تأخيره حتى يتم لهم الاستعداد بزيادة النفوس وكثرة الأموال ورسوخ الاستطاعة، ولذلك كانوا يكرهون الإقدام على القتال والاستعجال في النزال، فبين تعالى أنهم مخطئون في هذا الرأي والنظر، فإن لله أمرا في هذا الأمر هو بالغه، وهو العالم بحقيقة الأمر وهم لا يعلمون إلا ظاهره وهذا وجه آخر.
وإما لأن المؤمنين لكونهم متربين بتربية القرآن تعرق فيهم خلق الشفقة على خلق الله، وملكة الرحمة والرأفة فكانوا يكرهون القتال مع الكفار لكونه مؤديا إلى فناء نفوس منهم في المعارك على الكفر، ولم يكونوا راضين بذلك بل كانوا يحبون أن يداروهم ويخالطوهم بالعشرة الجميلة، والدعوة الحسنة لعلهم يسترشدوا بذلك، ويدخلوا تحت لواء الإيمان فيحفظ نفوس المؤمنين من الفناء، ونفوس الكفار من الهلاك الأبدي والبوار الدائم، فبين ذلك أنهم مخطئون في ذلك، فإن الله – وهو المشرع لحكم القتال - يعلم أن الدعوة غير مؤثرة في تلك النفوس الشقية الخاسرة، وأنه لا يعود من كثير منهم عائد إلى الدين ينتفع به في دنيا أو آخرة، فهم في الجامعة الإنسانية كالعضو الفاسد الساري فساده إلى سائر الأعضاء، الذي لا ينجع فيه علاج دون أن يقطع ويرمى به، وهذا أيضا وجه.
فهذه وجوه يوجه بها قوله تعالى: {وهو كره لكم} إلا أن الأول أنسب نظرا إلى ما أشير إليه من آيات العتاب، على أن التعبير في قوله: {كتب عليكم القتال} ، بصيغة المجهول على ما مر من الوجه يؤيد ذلك.
قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}، قد مر فيما مر أن أمثال عسى ولعل في كلامه تعالى مستعمل في معنى الترجي، وليس من الواجب قيام صفة الرجاء بنفس المتكلم بل يكفي قيامها بالمخاطب أو بمقام التخاطب، فالله سبحانه إنما يقول: عسى أن يكون كذا لا لأنه يرجوه، تعالى عن ذلك، بل ليرجوه المخاطب أو السامع.
وتكرار عسى في الآية لكون المؤمنين كارهين للحرب، محبين للسلم، فأرشدهم الله سبحانه على خطئهم في الأمرين جميعا، بيان ذلك: أنه لو قيل: عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم أو تحبوا شيئا وهو شر لكم، كان معناه أنه لا عبرة بكرهكم وحبكم فإنهما ربما يخطئان الواقع، ومثل هذا الكلام إنما يلقى إلى من أخطأ خطأ واحدا كمن يكره لقاء زيد فقط، وأما من أخطأ خطاءين كان يكره المعاشرة والمخالطة ويحب الاعتزال، فالذي تقتضيه البلاغة أن يشار إلى خطئه في الأمرين جميعا، فيقال له: لا في كرهك أصبت، ولا في حبك اهتديت، عسى أن تكره شيئا وهو خير لك وعسى أن تحب شيئا وهو شر لك لأنك جاهل لا تقدر أن تهتدي بنفسك إلى حقيقة الأمر، ولما كان المؤمنون مع كرههم للقتال محبين للسلم كما يشعر به أيضا قوله تعالى سابقا: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} ، نبههم الله بالخطاءين بالجملتين المستقلتين وهما: عسى أن تكرهوا، وعسى أن تحبوا.
قوله تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، تتميم لبيان خطئهم، فإنه تعالى تدرج في بيان ذلك إرفاقا بأذهانهم، فأخذ أولا بإبداء احتمال خطئهم في كراهتهم للقتال بقوله: {عسى أن تكرهوا} ، فلما اعتدلت أذهانهم بحصول الشك فيها، وزوال صفة الجهل المركب كر عليهم ثانيا بأن هذا الحكم الذي كرهتموه أنتم إنما شرعه الله الذي لا يجهل شيئا من حقائق الأمور، والذي ترونه مستند إلى نفوسكم التي لا تعلم شيئا إلا ما علمها الله إياه وكشف عن حقيقته، فعليكم أن تسلموا إليه سبحانه الأمر.
والآية في إثباته العلم له تعالى على الإطلاق ونفي العلم عن غيره على الإطلاق تطابق سائر الآيات الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ } [آل عمران: 5] ، وقوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ } [البقرة: 255] ، وقد سبق بعض الكلام في القتال في قوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [البقرة: 190].
قوله تعالى: {يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه} ، الآية تشتمل على المنع عن القتال في الشهر الحرام وذمه بأنه صد عن سبيل الله وكفر، واشتمالها مع ذلك على أن إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند الله، وأن الفتنة أكبر من القتل، يؤذن بوقوع حادثة هي الموجبة للسؤال وأن هناك قتلا، وأنه إنما وقع خطأ لقوله تعالى في آخر الآيات: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم} الآية، فهذه قرائن على وقوع قتل في الكفار خطأ من المؤمنين في الشهر الحرام في قتال واقع بينهم، وطعن الكفار به، ففيه تصديق لما ورد في الروايات من قصة عبد الله بن جحش وأصحابه.
قوله تعالى: {قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام}، الصد هو المنع والصرف، والمراد بسبيل الله العبادة والنسك وخاصة الحج، والظاهر أن ضمير به راجع إلى السبيل فيكون كفرا في العمل دون الاعتقاد، والمسجد الحرام عطف على سبيل الله أي صد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام.
والآية تدل على حرمة القتال في الشهر الحرام، وقد قيل: إنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ، وليس بصواب، وقد مر بعض الكلام في ذلك في تفسير آيات القتال.
قوله تعالى: {وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل} ، أي والذي فعله المشركون من إخراج رسول الله والمؤمنين من المهاجرين، وهم أهل المسجد الحرام، منه أكبر من القتال، وما فتنوا به المؤمنين من الزجر والدعوة إلى الكفر أكبر من القتل، فلا يحق للمشركين أن يطعنوا المؤمنين وقد فعلوا ما هو أكبر مما طعنوا به، ولم يكن المؤمنون فيما أصابوه منهم إلا راجين رحمة الله والله غفور رحيم.
قوله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم} إلى آخر الآية حتى للتعليل أي ليردوكم.
قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه} "إلخ"، تهديد للمرتد بحبط العمل وخلود النار.
_____________________
1- الميزان ، الميزان ، ج2، ص139-142.
التضحية بالنفس والمال :
الآية السابقة تناولت مسألة الإنفاق بالأموال، وهذه الآية تدور حول التضحية بالدم والنفس في سبيل الله، فالآيتان يقترن موضوعهما في ميدان التضحية والفداء، فتقول الآية {كُتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم}.
التعبير بكلمة (كُتِب) إشارة إلى حتميّة هذا الأمر الإلهي ومقطوعيّته.
(كُره) وإن كان مصدراً، إلاّ أنّه استُعمل هنا باسم المفعول يعني مكروه، فالمراد من هذه الجملة أنّ الحرب مع الأعداء في سبيل الله أمر مكروه وشديد على الناس العاديّين، لأنّ الحرب تقترن بتلف الأموال والنفوس وأنواع المشقّات والمصائب، وأمّا بالنّسبة لعشّاق الشّهادة في سبيل الحقّ ومن له قدم راسخ في المعركة فالحرب مع أعداء الحقّ بمثابة الشراب العذب للعطشان، ولاشكّ في أنّ حساب هؤلاء يختلف عن سائر الناس وخاصّةً في بداية الإسلام.
ثمّ تشير هذه الآية الكريمة إلى مبدأ أساس حاكم في القوانين التكوينيّة والتشريعيّة الإلهيّة وتقول : {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم}.
وعلى العكس من تجنّب الحرب وطلب العافية وهو الأمر المحبوب لكم ظاهراً، إلاّ أنّه {وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شر لكم}.
ثمّ تضيف الآية وفي الختام {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فهنا يؤكّد الخالق جلّ وعلا بشكل حاسم أنّه لا ينبغي لأفراد البشر أن يحكّموا أذواقهم ومعارفهم في الاُمور المتعلّقة بمصيرهم، لأنّ علمهم محدود من كلّ جانب ومعلوماتهم بالنّسبة إلى مجهولاتهم كقطرة في مقابل البحر، وكما أنّ الناس لم يُدركوا شيئاً من أسرار الخِلقة في القوانين التكوينيّة الإلهيّة، فتارةً يهملون شيئاً ولا يعيرونه اهتماماً في حين أنّ أهميّته وفوائده في تقدّم العلوم كبيرة، وهكذا بالنسبة إلى القوانين التشريعيّة فالإنسان لا يعلم بكثير من المصالح والمفاسد فيها، وقد يكره شيئاً في حين أنّ سعادته تكون فيه، أو أنّه يفرح لشيء ويطلبه في حين أنّه يستبطن شقاوته.
فهؤلاء النّاس لا يحقّ لهم مع الإلتفات إلى علمهم المحدود أن يتعرضوا على علم الله اللاّمحدود ويعترضوا على أحكامه الإلهيّة، بل يجب أن يعلموا يقيناً أنّ الله الرّحمن الرحيم حينما يُشرّع لهم الجهاد والزكاة والصوم والحجّ فكلّ ذلك لما فيه خيرهم وصلاحهم.
ثمّ أنّ هذه الحقيقة تعمق في الإنسان روح الانضباط والتسليم أمام القوانين الإلهيّة وتؤدي إلى توسعة آفاق إدراكه إلى أبعد من دائرة محيطه المحدود وتربطه بالعالم اللاّمحدود يعني علم الله تعالى.
القتال في الأشهر الحُرُم :
{ يسْئلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرُ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُو كَافِرٌ فَأُوْلَئكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأُوْلَئكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
كما مرّ بنا في سبب النّزول ويُشير إلى ذلك السياق أيضاً فإنّ الآية الاُولى تتصدّى للجواب عن الأسئلة المرتبطة بالجهاد والاستثناءات في هذا الحكم الإلهي فتقول الآية {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٌ فيه} ثمّ تُعلن الآية حرمة القتال وأنّه من الكبائر {قل قتال فيه كبير} أي إثم كبير.
وبهذا يُمضي القرآن الكريم بجديّة السنّة الحسنة الّتي كانت موجودة منذ قديم الأزمان بين العرب الجاهليّين بالنسبة إلى تحريم القتال في الأشهر الحُرم (رجب، ذي القعدة، ذي الحجّة، محرم).
ثمّ تضيف الآية أنّ هذا القانون لا يخلوا من الاستثناءات، فلا ينبغي السّماح لبعض المجموعات الفاسدة لاستغلال هذا القانون في إشاعة الظلم والفساد، فعلى الرّغم من أنّ الجهاد حرام في هذه الأشهر الحُرم، ولكنّ الصد عن سبيل الله والكفر به وهتك المسجد الحرام وإخراج الساكنين فيه وأمثال ذلك أعظم إثماً وجرماً عند الله {وصدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله}(2).
ثمّ تضيف الآية بأنّ إيجاد الفتنة والسعي في إضلال الناس وحرفهم عن سبيل الله ودينه أعظم من القتل {والفتنة أكبر من القتل} لأنّ القتل ما هو إلاّ جناية على جسم الإنسان، والفتنة جناية على روح الإنسان وإيمانه(3)، ثمّ إنّ الآية تحذّر المسلمين أن لا يقعوا تحت تأثير الإعلان الجاهلي للمشركين، لأنّهم لا يقنعون منكم إلاّ بترككم لدينكم إن استطاعوا {ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا}.
فينبغي على هذا الأساس أن تقفوا أمامهم بجزم وقوّة ولا تعتنوا بوسوساتهم وأراجيفهم حول الأشهر الحُرم، ثمّ تُنذر الآية المسلمين وتحذّرهم من الارتداد عن دين الله {ومن يرتدد منكم عن دينه فيُمت وهو كافر فاُولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة واُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
فما أشدَّ عقاب المرتد عن الإسلام، لأنّ ذلك يُبطل كلّما قدّمه الفرد من عمل صالح ويستحق بذلك العذاب الإلهي الأبدي.
ومن الواضح أنّ الأعمال الصّالحة لها آثار طيّبة في الدنيا والآخرة، والمرتدّون سوف يُحرمون من هذه البركات بسبب إرتدادهم، مضافاً إلى محو جميع معطيات الإيمان الدنيويّة للفرد حيث تنفصل عنه زوجته وتنتقل أمواله إلى ورثته فور إرتداده.
الآية التالية تشير إلى النقطة المقابلة لهذه الطائفة، وهم المؤمنون المجاهدون وتقول : {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اُولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}.
أجل، فهذه الطائفة الّتي يتحلّى أفرادها بهذه الصّفات الثلاث المهمّة (الإيمان والهجرة والجهاد) قد يرتكبون خطأً بسبب جهلهم وعدم أطّلاعهم (كما صدر ذلك من عبدالله بن جحش الوارد في سبب النزول) إلاّ أنّ الله تعالى يغفر لهم زلّتهم بلطفه ورحمته (4).
________________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1، ص522-527.
2 ـ «صدٌّ» مبتدأ، «كفر» و«اخراج أهله» معطوف عليه، و«اكبر» خبرها وهوما ذهب إليه
الطبرسي في «مجمع البيان» والقرطبي في تفسير «الجامع».
3 ـ قدمنا بحثاً مفصلاً عن معنى «الفتنة» في ذيل الآية (191) من هذه السورة المبحوثة.
4 ـ أشرنا إلى معنى «المرتد الفطري والحلي» في ذيل الآية (106) من سورة النحل، وسيأتي الكلام عنه في ذيل الآية (89) من سورة آل عمران من هذا المجلد.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|