أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2016
2057
التاريخ: 23-11-2016
2142
التاريخ: 2024-01-08
1003
التاريخ: 2023-12-19
875
|
من مصاديق الحمية الجاهلية ما حاوله البعض ان يحرف في معنى الجاهلية من معنى عدم العلم وفقدان المعرفة لديهم الى ا نها من الجهل بمعنى الحمية والغضب , كما قد يقال : جهل زيد على عمرو بمعنى غضب عليه ,وا نها ليست من الجهل بمعنى عدم العلم والمعرفة .
وهذا التوجيه ليس ـ كما قلنا ـ الا مصداقا من مصاديق الحمية الجاهلية , فان الظاهر من اطلاق الجهل ليس الا بمعنى ما يقابل العلم والمعرفة , ولا تحمل على معنى الحمية والغضب الا مجازا بقرينة ما, كما فيما يستشهدون به من قولهم جهل عليه, فان تعدية الجهل الى المفعول بلفظة ((على)) اجلى قرينة لفظية لذلك , والا فلا تحمل الكلمة الا على ما يقابل العلم فقط.
وليت شعري ما يقول اصحاب هذا التوجيه غير الوجيه في معنى ماجا في الآيات الكريمة الاربع ((ظن الجاهلية )) و((حكم الجاهلية )) و((الحمية الجاهلية )) و((تبرج الجاهلية )) فهل يصح ان تفسر الجاهلية في هذه الآيات بمعنى الغضب ؟.
وقد راينا امير المؤمنين (عليه السلام) وصف الجاهلية بالجهلاء تأكيدا للمعنى المعروف من الجاهلية , ثم قال : ((وبلاء من الجهل )) و((اطباق جهل)) مما يؤكد ذلك ايضا ويدفع اي ترديد فيه .
((لقد اوضح لنا الامام امير المؤمنين (عليه السلام) في كلماته المتقدمة حالة العرب ومستواهم العلمي والثقافي, وا نهم كانوا يعيشون في ظلمات الجهل والحيرة والضياع .
وهذا يكذب كل ما يدعيه الاخرون ـ كالألوسي وغيره ـ من ان العرب كانوا قد تميزوا ببعض العلوم : كعلم الطب والانواء والقيافة والعيافة)).
ويقول ابن خلدون بهذا الصدد ((ان الملة ـ العربية ـ في اولها لم يكن فيها علم ولا صناعة , وذلك لمقتضى احوال السذاجة والبداوة فالقوم يومئذ عرب لم يعرفوا امر التعليم والتأليف والتدوين , ولا دفعوا اليه , ولا دعتهم اليه حاجة فالأمية يومئذ صفة عامة)).
ويقول عن علم الطب عند العرب : ((طب يبنونه ـ في غالب الامر ـعلى تجربة قاصرة على بعض الاشخاص متوارثا عن مشايخ الحي وعجائزه ,وربما يصح منه البعض الا ا نه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير , وكان فيهم اطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره)) .
ويكفي ان نذكر هنا ما رواه البلاذري في اميتهم : ان الاسلام دخل وفي قريش سبعة عشر رجلا ،وفي الاوس والخزرج في المدينة اثنا عشر رجلا يعرفون القراءة والكتابة .
ويقول ابن خلدون عن نوعية الخط عندهم ((وكانت كتابة العرب بدوية وكان الخط العربي لأول الاسلام غير بالغ الى الغاية من الاحكام والاتقان والاجادة ولا الى التوسط , ذلك لمكان العرب من البداوة والتوحش وبعدهم عن الصنائع وانظر ما وقع ـ لأجل ذلك ـ في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الاجادة فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند اهلها،ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبركا بما رسمه اصحاب الرسول )).
بل ربما كانوا يعتبرون القراءة والكتابة عيبا , فقد قال عيسى بن عمر :قال لي ذو الرمة : ارفع هذا الحرف فقلت له : اتكتب ؟ فقال بيده على فيه اي اكتم علي, فانه عندنا عيب .
وقال ابن خلدون بهذا الصدد: ((مع ما يلحقهم من الانفة عن انتحال العلم حينئذ، لا نه من جملة الصنائع , والرؤساء ـ ابدا ـ يستنكفون عن الصنائع والمهن وما يجر اليها)).
فالذي رواه الرواة والمؤرخون يفيد نفي وجود اي لون من الوان التعليم , او وجوده ولكن بنسبة صغيرة جدا حيث لا يتجاوز عدد المتعلمين عدد اصابع اليدين والرجلين في كل بلدان الحجاز وحواضره .
ذهب بعض المتأخرين من المؤرخين العرب ـ منهم محمد عزة دروزة في كتابه : القرآن المجيد ـ الى ان هناك في المدن الحجازية فئة من المتعلمين بنسبة لا يمكن تجاهلها وكل ما سجله هؤلاء في كتبهم لتأييد رايهم هو : ـ ان البيئة الحجازية ـ ولا سيما مكة والمدينة ـ كانت بيئة تجارية ـ ، كما اشار الى ذلك القرآن الكريم في سورة قريش , فكانت ـ بحكم عملها وطبيعتها ـ على اتصال وثيق ومستمر مع البلاد المجاورة من الشام واليمن والعراق والتي كانت على جانب لا باس به من العلم والثقافة .
وكانت البيئة الحجازية تضم فئات كتابية: يهودية ومسيحية اصيلة ونازحة من البلاد المجاورة , والتي كانت تتداول ما بينها الكتب الدينية وغيرها قراءة وكتابة .
هذا من جهة , ومن جهة اخرى فقد ورد في القرآن العزيز اطول آية في سورة البقرة تطلب من الناس تسجيل كافة المعاملات والتصرفات وكتابتها نقدا او دينا صغيرة او كبيرة فكيف تطلب هذه الآيات من الناس تحقيق كل ذلك دون وجود قسم من المتعلمين في صفوفهم يكتبون ويدونون عن انفسهم او الاخرين .
هذا بالاضافة الى ان كتبة الوحي بين يدي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بلغ عددهم اكثر من اربعين رجلا , وان كثيرا منهم كانوا مكيين , وهم الذين كتبوا القسم المكي من القرآن قبل هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة , فهذا دليل على وجود المتعلمين في مكة وان كانوا قليلين , سوا ممن كتب الوحي من هؤلاء ومن لم يسلم بعد.
كما ان الاسرى الفقراء من قريش الذين وقعوا في قبضة المسلمين في معركة بدر الكبرى في العام الثاني للهجرة , والذين لم يستطيعوا ان يقدموا فدية نقدية لأطلاق سراحهم , كلف كل واحد منهم ـ ممن يجيد القراءة والكتابة ـ تعليم عشرة من اطفال المسلمين في المدينة القراءة و الكتابة لقاء اطلاق سراحهم , ويحدثنا البلاذري : ان كثيرين منهم قاموا بما كلفوا به من تعليم الاطفال في المدينة واصبحوا بعدها احرارا عادوا الى مكة , كما اسلم بعضهم بعدما لمسوا عدالة الاسلام وسماحته فكيف يعقل هنا ان يجيد قسم من الفقرات ومعدمي القرشيين القراءة والكتابة ولا يتقنها اغنياؤهم وتجارهم وارباب السلطان منهم.
وخلاصة القول في جواب هؤلاء هو ان نقول : ان الجهل كان هو الحاكم المطلق ولا نلاحظ نحن فيهم اي شي من العلوم قبل الاسلام بل لا نرى الا جهلا وحيرة وضياعا اما ما استشهد به هؤلاء فلا يعدو ان يكون مما قام به الاسلام لمحو الامية .
اما اولوية ان يكون ذوو الغنى والسلطان منهم يقرؤون ويكتبون فقد عرفت فساده مما سبق عن ابن خلدون واما عدد كتاب الوحي فقد فند اكثر العدد العلا مة السيد ابو الفضل مير محمدي في كتابه القيم ((بحوث في تاريخ القرآن وعلومه )).
ولا يفوتنا هنا ان ننوه الى : ان اميتهم هذه كانت السبب في قوة حافظتهم التي امتازوا بها , فاصبح الكثير منهم حفظة القرآن الكريم واحاديث الرسول العظيم(صلى الله عليه وآله وسلم) .
لكن مستواهم الثقافي هذا كان السبب الطبيعي في ان ينظروا الى اهل الكتاب عموما واليهود خصوصا نظرة التلميذ الى معلمه فتكون لهم الهيمنة الفكرية عليهم , مما بقيت آثاره في اخبار رواتهم فيقول الطبري : ((عن بعض اهل العلم من اهل الكتاب )).
غيرة وحمية ، ام حمية جاهلية :
كما حاولوا ان يوجهوا الجاهلية بتفسيرها بمعنى الغضب لا عدم العلم والمعرفة , كذلك حاولوا تحريف الحمية الجاهلية المذكورة في القرآن الكريم من كونها صفة ذميمة الى جعلها خصيصة ذات ميزة للعرب قبل الاسلام , وذلك بحذف صفة الجاهلية واضافة لفظة ((الغيرة)) الى ((الحمية)).
والحقيقة هي ان الحمية صفة ذميمة , اذ هي تعني ان يكون النصر للقبيلة وذوي القرابة فقط , وان العون لا بد وان يمحض لهم ظالمين كانوا او مظلومين فلا بد من الوقوف الى جانب ابن القبيلة سوا كان الحق له او عليه،حتى قال شاعرهم يمتدحهم بذلك:
لا يسالون اخاهم حين يندبهم .... في النائبات على ما قال برهانا.
وفي المقابل تتحمل القبيلة عنه كل جناية وجريمة يرتكبها , وتحميه من كل من اراده بسوء وهذا هو التعصب القبلي الذي لا يرحم ولا يلين فالتعصب القبلي كان من مميزات الانسان العربي وخصائصه .
ومن الطبيعي ان يكون شعور افراد كل قبيلة بالنسبة لابنا قبيلتهم قويا جدا, وذلك بدافع من شعورهم بالحاجة الى قبائلهم للدفاع عن انفسهم .
وهذا هو السر في شجاعتهم ايضا , وذلك ا نهم بحكم بيئتهم وحياتهم في الصحراء بلا حواجز وموانع طبيعية او غيرها , كانوا يشعرون بحاجتهم الى حماية انفسهم والدفاع عنها , ولا يرد عنه الا يده وسيفه ثم اهله وعشيرته , وهو يرى نفسه في كل حين عرضة للغزو والنهب والسلب والغارات والثارات .
ان حياة البادية والغزو المفاجئ وعمليات الاغتيال ثارا التي كانت تهددهم دائما , كل ذلك كان يستدعي سرعة الاقدام ومباشرة العمل فورا ,فاذا اضيف الى ذلك عدم شعورهم بالمسؤولية عما يفعلون , فان الاقدام بلا ترو ولا تريث لا بد وان يصبح هو الصفة المميزة لهم والطاغية على تصرفاتهم ولذا فقد قل ان تجد فيهم حليما.
واخيرا فقد نعى القرآن الكريم على الجاهلية هذه الحمية فعبر عنها بالحمية الجاهلية , وهذا يعني انها كانت من دون تثبت في الفكر والراي بل للجهل , فكيف تكون ميزة ؟ اجل ان الاسلام حاول ان يضع هذه الحمية في خطها الصحيح وان يجعلها تنطلق من قواعد انسانية وعواطف حقيقية وفضائل اخلاقية ,وبالأخص من احساس ديني صحيح , وان يستفيد منها في بنا الامة على اسس صحيحة وسليمة فقد حاول ان يوجه العصبية القبلية وجهة بناة ويقضي على كل عناصر الشر والانحراف فيها , فدعى الى بر الوالدين والى صلة الرحم , وجعل ذلك من الواجبات وذلك لربط الامة المسلمة بعضها ببعض وفي الوقت نفسه ادان كل تعصب لغير الحق وندد به وعاقب عليه ,واعتبر ذلك من دعوات الجاهلية المنتنة كما جاء في بعض نصوص الاحاديث وكذلك حاول ان يوجه غيرتهم وحميتهم وشدتهم الى حيث قال تعالى : ( اشدا على الكفار) .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|