أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2017
9128
التاريخ: 5-2-2017
3093
التاريخ: 22-1-2017
1788
التاريخ: 7-11-2016
8547
|
نشأت هذه الدولة الشيعية في بلاد فارس لانتشار دعوة المطالبين بالخلافة للعلويين، بعد أن ثبت لهم أن العباسيين لا يريدون أن يشاركوا فيها أحدًا من غير بيتهم، وكان قد قام عدة دعاة يطالبون بالخلافة، فقاتلهم بنو العباس حتى أفنوهم، ثم نهضت شرذمة في بلاد فارس وجرجان وطبرستان وخرجت على العباسيين، حتى كانت لها جيوش وقوَّاد، وأغلب هذه الجيوش والقُوَّاد من الديلم، وهم جيل من الفُرس. فلما انقرضت دولة أولئك العلويين الخارجين على بني العباس بقي منها القُوَّاد الذين كانوا على رءوس الجيوش ولهم حولٌ وطولٌ وشوكةٌ يستولون بها على كثير من البلاد والممالك، ومن أولئك القُواد: أسفار ابن شيرويه، وماكان بن كالي، ومرداويج بن زياد، وليلى بن النعمان، وكان بنو بويه قوادًا من أتباع أولئك القواد فكانوا في أمرهم مع ماكان بن كالي، ثم انفصلوا عنه وانضموا إلى مرداويج. فلما رأوا نجاحهم وأن الأقدار معهم والسعد يخدمهم فارقوه على أن يحاربوا لأنفسهم لتمكين سلطتهم في البلاد، فنجحوا حتى تغلبوا على ممالك أولئك القواد بعد محاربات جمَّة، كان الفوز فيها أليفهم، فطمعوا حينئذٍ فيما هو وراء هذا النصر، حتى تغلبوا على الخلفاء، فكان لهم الأمر والنهي والتصرف في الخيانة والمكوس وتجييش الجيوش، وأبقَوا للخلفاء الاسم والدعاء على المنابر والتعليم على المناشير وكتابة أسمائهم على سكة الدراهم والدنانير، بل انتهت بهم القِحَة إلى تقدير الراتب للخليفة، ومنعه عن التدخل بأمور المملكة أو السلطنة، فكان الخلفاء في مدة ملكهم كُرات تتقاذفها صوالجهم على ما شاءت أهواؤهم أو هجس في خواطرهم، فكانوا يعزلون ويسملون ويقتلون ويعذِّبون مَن أرادوا من الخلفاء، ويُنَصِّبون على سرير الخلافة مَن أحبوا. ولمَّا كانوا في أوج عزهم انتحلوا لهم نسبًا حتى رقوه إلى بهرام جور من الملوك الأكاسرة، وقد وافقهم على رأيهم بعض المصانعين المملقين تزلُّفًا منهم، فوضع أبو إسحاق الصابئ كتابًا سمَّاه «التاجي»، ولا عجب من هذا الأمر، فإن انتحال الحديثي النعمة الشرفَ الرفيع لأنفسهم وموافقة الناس لهم على رأيهم أمرٌ قديمٌ في الشرق منذ عهد البابليين والآشوريين، وهو راسخ الأصول إلى يومنا هذا، يعمُّ الرفيع والوضيع. على أن المرجَّح هو أن أبا شجاع بُويه بن فناخسرو يتصل نسبه بمهرنرسي وزير بهرام جور الأول، ولم يتأثل ملك هذه الدولة إلا بسعي أولاد أبي شجاع المذكور الثلاثة؛ أي في سنة 321ھ/933م، ولم ينقرض إلا سنة 447ھ/985م، فتكون دولتهم قد دامت 126 سنة قمرية. أما أولاد أبي شجاع فهم: أبو الحسن علي بن بويه الذي لُقِّب عماد الدولة، وأبو علي الحسن بن بويه الملقَّب بركن الدولة، وأبو الحسين أحمد بن بويه والملقَّب بعز الدولة. وقد بسطنا فيما سبق من الكلام ما كان لهؤلاء الإخوة من النفوذ في وقتهم، ومن الأعمال التي أتوها حتى ملكوا العراقين والأهواز وطبرستان وجرجان، وما كان من السيطرة على العباسيين حتى اشتهر أمرهم. ولما دخل معز الدولة بغداد سنة 334ھ/945م وخلع المستكفي بالله، أراد أن ينزع الخلافة من العباسيين ويُقَلِّدها العلويين، ولما أوشك أن يُبايع واحدًا من أهل البيت قال له بعض خواص أصحابه: «ليس هذا برأي؛ فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة، ولو أمرتهم بقتله لقتلوه مستحلِّين دمه، ومتى أجلست بعض العلويين خليفة كان معك مَن تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته، فلو أمرهم بقتلك لفعلوه.» فأعرض عن ذلك وأقام المطيع خليفة بدل المستكفي المخلوع. ومما ساعد البويهيين في سعدهم ورفع منار عزمهم عثورُ كبيرهم عماد الدولة على أموال طائلة، كانت منها في سقف البيت الذي كان فيه عماد الدولة نفسه، ومنها وديعة 12 صندوقًا وجدها عند خياط أطروش، ومنها كنز ساخت فيه قوائم فرسه، ثم إن هؤلاء الملوك أرادوا أن يُعارضوا دولة بني العباس في ضخامتها وجلالتها ومكانتها، وحاولوا أن يتبسطوا في الحضارة والعمران والبذخ والزهو. والملوك إذا أرادوا هذه الأمور أو أن يُمعِنوا في العزة والعظمة عالجوها باستنطاق المستقبل، ليعرفوا ما يُخبئه لهم الزمان في مطاوي لياليه من مكنونات الأسرار، أو ليقفوا على مدة أعمارهم في هذه الدنيا، ثم يتطاولون إلى البحث عمَّا وراء هذا الكون ليشرفوا على ما في هوَّته من مذخر غوامضه، وهذا كله لا يُحققه لهم إلا العلم والتنقير عن مستورات الطبيعة ومحتجباتها؛ ولهذا أخذوا ينشرون ألوية المعارف والصنائع في البلاد، ويبثون في الأمة روح السعي للكمال والمحمدة، فنشَّطوا العلماء والأدباء والحكماء والشعراء، فكان عصرهم من أبهى العصور؛ إذ نبغ فيه أعظم المشاهير، حتى إن القارئ ليسأل نفسه إذا ما وقف على أسماء أولئك النوابغ: أي عصرٍ كان أنفع للحضارة والعلم والعمران؟ أعصر الرشيد والمأمون؟ أم عصر بني بُويه؟ على أن المُطالع لا يستطيع أن يحكُم في هذه المسألة إلا إذا وقف على أسماء بعض أولئك العبقريين الدواهي الذين منهم: الخرقي شيخ الحنابلة، وأبو بكر الشبلي الصوفي، وابن القاضي إمام الشافعية، وأبو بكر الصولي، والهيثم بن كليب الشاشي، وأبو جعفر النحَّاس، وأبو نصر الفارابي، وأبو إسحاق المروزي إمام الشافعية، وأبو القاسم الزجاجي النحوي، والدينوري صاحب المجالسة، والمسعودي صاحب مروج الذهب، وابن درستويه، وأبو علي الطبري أول مَن جرَّد الخلاف، والفاكهي صاحب تاريخ مكة، والمتنبي، وابن حِبَّان صاحب الصحيح، وأبو علي القالي، وأبو الفرج صاحب الأغاني، والسيرافي النحوي، وابن خالويه، والأزهري إمام اللغة، وابن العميد، والفارابي صاحب ديوان الأدب، والرفاء الشاعر، وأبو علي الفارسي النحوي. وكان أيضًا في العصر البويهي: رأس الوزراء الصاحب بن عباد، ورأس الأشعرية أبو إسحاق الإسفرائيني، ورأس المعتزلة القاضي عبد الجبار، ورأس الشيعة الشيخ المقتدر، ورأس الكرامية محمد بن الهيصم، ورأس القراء أبو الحسن الحمامي، ورأس المُحَدِّثين الحافظ عبد الغني بن سعيد، ورأس الصوفية أبو عبد الرحمن السُّلمي، ورأس الشعراء أبو عمر بن دراج، ورأس المجوِّدين ابن البواب، ورأس الملوك محمود بن سبكتكين، ورأس الزنادقة الحاكم بأمر الله، ورأس اللغويين الجوهري، ورأس النُّحاة ابن جنِّي، ورأس البُلَغاء بديع الزمان الهمذاني، ورأس الخُطباء ابن نباتة، ورأس المفسرين أبو القاسم بن حبيب النيسابوري، ورأس الخلفاء القادر بالله، فإنه من أعلامهم، تفقَّه وصَنَّف. ثم جاء بعد هذه الطبقة طبقة لا تقل عنها شأنًا ولا علمًا، منها: أبو الفضل الفلكي، والقدوري شيخ الحنفية، وابن سينا شيخ الفلاسفة، ومهيار الشاعر الذي لا يُجارَى، والبراذعي المالكي صاحب التهذيب، والثعلبي المفسر، والماوردي، وابن حزم الظاهري، وابن سيده صاحب المُحكم، والخطيب البغدادي، وابن رشيق صاحب العُمدة، وعبد القاهر الجرجاني، والأعلم النحوي. ولو أردنا سرد أسماء فطاحل ذلك العصر لطالَ بنا الكلام وخرجنا عن حدود الاعتدال، وفيما ذكرنا كفاية. ومما يدل على أن بني بويه أرادوا أن يُضارعوا كبار العباسيين في أعمالهم أن شرف الدولة أمر برصد الكواكب السبعة كما فعل المأمون على ما ألمعنا إليه، وكان ذلك في عهد الطائع لله في سنة 378ھ/988م، وهي همة عالية تتقاصر دونها هِمَم كبار الرجال وفُحول الأجيال. إلا أن مع هذه المحاسن كلها التي كانت في بني بُويه فإن الظلم كان يتراءى خلال أعمالهم؛ ولهذا لم تَطُل مدة دولتهم؛ لأن تعمير الدول قرين العدل، والظلم من العوامل الفعَّالة في إزالتها ومحوها من عالم الوجود.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|