أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-03
![]()
التاريخ: 4-05-2015
![]()
التاريخ: 2024-02-19
![]()
التاريخ: 5-05-2015
![]() |
قيل : إنّها بحساب الأبجد. وأوّل من تنبّه لذلك يهود المدينة ، على حياته (صلى الله عليه وآله) وذلك :
لمّا نزلت السورة الكبرى «البقرة» بالمدينة مفتتحة بقوله تعالى : (الم) جاءت جماعة من أحبارهم ـ قيل : هم حُيَيّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب ونفر آخرون ـ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا : ما علمنا نبيّاً أخبر اُمّته بمدّة ملكهم بأقلّ ممّا أخبرتهم به ، وهي إحدى وسبعون سنة ، على حروف (الم) (1) ، فولّى (صلى الله عليه وآله) عليّاً مخاطبتهم ، فقال لهم عليّ (عليه السلام) : «فما تصنعون بـ (المص)»؟ فقالوا : مائة وإحدى وستون (2).
قال : «فما تصنعون بقوله : (الر)»؟ فقالوا : مائتان وإحدى وثلاثون (3). ثمّ قال لهم : «فما تصنعون بـ (المر)»؟ قالوا : مائتان وإحدى وسبعون (4).
فقال (عليه السلام) : «فواحدة من هذه له أو جميعها؟» فاختلط كلامهم!
وقالوا أخيراً : بل يجمع له كلّها ، وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة (5) ، ثم يرجع الملك إلينا ، نحن اليهود!
فقال (عليه السلام) : «أكتاب من كتب الله نطق بهذا أم آراؤكم دلّتكم عليه؟» قالوا : آراؤنا دلّت عليه ، ودليل صوابه أنّ هذا حساب الجمل.
فقال (عليه السلام) : «كيف دلّ على ما تزعمون من مدّة ملك هذه الاُمّة ، وليس في حساب الجمل دليل على ما اقترحتم بلا بيان؟ أرأيتم إن قيل لكم : إنّ هذا العدد يدلّ على لعنكم بحسابها ، أو غير ذلك ، فماذا تقولون؟! وعند ذلك سقط ما في أيديهم ، وباؤوا بغضب من الله ورسوله» (6).
انظر إلى دقّة تعبير الإمام (عليه السلام) في ردّه على اليهود ، لم يقرّهم في أصل المبنى ، ولا في الفرع الذي بنوه على ذلك الأصل.
وقيل : أنّها رموز إلى أسمائه تعالى ، وصفاته الجلال والجمال. فالألف في قوله (الم) رمز عن اسم الجلالة «الله» ، واللام عن «اللطيف» ، والميم عن «المجيد». أو كناية عن «آلائه» و«لُطفه» و«مجده».
أو هو اختصار عن قوله : «أنا الله العليم» وما شاكل ذلك من التأويلات التي هي أشبه بالتخرّصات.
قال محيي الدين ابن عربي في مفتتح سورة البقرة : «أشار بهذه الحروف الثلاثة إلى كلّ الوجود من حيث هو كلّ ، لأنّ «أ» إشارة إلى ذات الذي هو أول الوجود ، و«ل» إلى العقل الفعّال المسمّى جبرئيل ، وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ويُفيض إلى المنتهى ، و«م» إلى محمّد الذي هو آخر الوجود ، تمّ به دائرته وتتّصل بأولها» (7).
أنّها مجرّد أسماء حروف وأصوات هجاء ، لا تحمل في طيّها معنىً ، ولا تحتوي على سرٍّ مكنون ، سوى أنّ إيراد هذه الأحرف بهذا النمط وفي ذلك المقطع من الزمان يهدف إلى غرض ، وحكمة بالغة وإن كانت لا تعدو اعتبارات لفظيّة محضة.
وهذا نظير ما مرّ عن الزمخشري في بيان حكمة ذلك ، وقوله أخيراً : «فسبحان الذي دقّت في كلّ شيء حكمته».
وكذا قول بعضهم : إنّ لهكذا أصوات في بدء التلاوة كان تأثير بالغ في انتباه السامعين; لينصتوا إلى قراءة الذكر الحكيم. حيث كانت العرب إذا سمعوا القرآن يُتلى قالوا : {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت : 26].
وهكذا القول بأنّها أقسام. أقسم الله بها كما أقسم بأشياء; كالفجر والضحى والتين والزيتون ، وقد أقسم بأسماء الحروف الهجائيّة ، لأنّها الأصل في كلّ كلام ، والأساس لكلّ بيان في أيّة لغة من اللغات.
وذكر الزمخشري وجوهاً ثلاثة في تأويل هذه الحروف.
أحدها ـ وزعم أنّ عليه إطباق الأكثر ـ : أنّها أسماء السور(8).
وهكذا قال الإمام الرازي : «والمختار عند أكثر المحقّقين ـ من هذه الأقوال (9) ـ أنّها أسماء السور ، باعتبار أنّها أسماء ألقاب» (10).
لكن يرد عليهما : أنّه كيف جعلت أسامي لتسع وعشرين سورة فحسب ، وأمّا باقي السور فخلو عن هذه التسمية الغريبة!! ثمّ ما هي المناسبة لتسمية ستّ سور (الم) : البقرة ، آل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة. وسبع سور (حم) : غافر ، فصّلت ، الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف ـ عرفت بالحواميم . وخمس سور (الر) : يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر. وسورتين (طسم) : الشعراء ، القصص. وهو من الاشتراك في التسمية لغير ما مبرّر.
هذا فضلاً عن كون التسمية ـ هنا ـ توقيفيّة ، ولم يرد بذلك نصّ من مهبط الوحي. وللزمخشري نفسه ردّ لطيف على هذا القول ، يأتي عند استعراض الوجه التالي.
الوجه الثاني الذي ذكره الزمخشري : أن يكون ورود هذه الأسماء هكذا ، مسرودة على نمط التعديد (11); كالإيقاظ وقرع العصا ، لمن تُحدِّي بالقرآن وبغرابة نظمه ، وكالتحريك للنظر في أنّ هذا المتلوّ عليهم ـ وقد عجزوا عنه عن آخرهم ـ كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ، ليؤدّيهم النظر إلى أن يستيقنوا : أن لم تتساقط مَقْدَرَتُهم دونه ، ولم تظهر مَعْجَزَتُهم (12) عن أن يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة ـ وهم أمراء الكلام وزعماء الحوار ، وهم الحُرّاص على التساجل (13) في اقتضاب الخطب ، والمتهالكون على الافتنان في القصيد والرجز ـ ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم ، المبالغَ التي بزّت بلاغة كلّ ناطق (14) ، وشقّت غبار كلّ سابق ، ولم يتجاوز الحدّ الخارج عن قوى الفُصَحاء ، ولم يقع وراء مطامح أعين البُصَراء ، إلاّ
لأنّه ليس بكلام البشر ، وأنّه كلام خالق القُوَى والقُدَر.
ثُمّ أخذ في ترجيح هذا القول على الوجه الأوّل ، قال : «وهذا القول من القوّة والخلاقة بالقبول (15) بمنزل ، ولناصره على الأوّل أن يقول : إنّ القرآن إنّما نزل بلسان العرب ، مصبوباً في أساليبه واستعمالاتهم ، والعرب لم تتجاوز فيما سمّوا به مجموع اسمين ، ولم يسمّ أحد منهم بمجموع ثلاثة أسماء وأربعة وخمسة. والقول بأنّها أسماء السور حقيقةً ، يخرج إلى ما ليس في لغة العرب ، ويؤدّي أيضاً إلى صيرورة الاسم والمسمّى واحداً». وعقّبه باعتراضات وأجوبة لا تخلو من طرافة (16).
قلت : ولله درّه في نعته هذا الجميل لجانب إعجاز القرآن الكريم ، وهو كما قال الإمام أحمد بن المنير الاسكندري في الشرح : «غاية في الصناعة ، ونهاية في البراعة» (17).
الوجه الثالث : أن ترد السورة مصدّرة بذلك ، ليكون أوّل ما يقرع الأسماع مستقلاًّ بوجه من الإعراب ، وتقدمةً من دلائل الإعجاز. وذلك أنّ النطق بالحروف أنفسها ، كانت العرب فيه مستوية الأقدام ، الأُمّيّون منهم وأهل الكتاب ، بخلاف النطق بأسامي الحروف ، فإنّه كان مختصّاً بمن خطّ وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلّم منهم. وكان مستغرباً مستبعداً من الأُمّي التكلّم بها ، استبعاد الخطّ والتلاوة ، كما قال عزّ وجلّ : {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت : 48]. فكان حكم النطق بذلك ـ مع اشتهار أنّه لم يكن ممّن اقتبس شيئاً من أهله ـ حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن ، التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها ، في أنّ ذلك حاصل له من جهة الوحي ، وشاهد بصحّة نبوّته ، وبمنزلة أن يتكلّم بالرطانة (18) من غير أن يسمعها من أحد (19).
وقال أبو مسلم : «المراد بذلك ، أنّ هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته ، ولم تقدروا على الإتيان بمثله ، هو من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في كلامكم وخطابكم ، فحيث لم تقدروا عليه فاعلموا أنّه من فعل الله ، وإنّما كرّرت في مواضع ، استظهاراً في الحجّة; وحكي ذلك عن قطرب» (20).
وقال سيدنا الطباطبائي (رحمه الله) : «إذا تدبّرت السّوَر المفتتحة بحروف مشتركة من هذه الحروف المقطّعة ، مثل ألف لام ميمات ، وألف لام راءات ، والطواسين ، والحواميم ، وجدتها متشابهة المضامين ومتناسبة السياقات. ويمكن أن يُحدس أنّ بين هذه الحروف وبين مضامين تلك السور ارتباطاً خاصّاً. مثلاً سورة الأعراف صدِّرت بقوله : (المص) فكأنّها جامعة بين مضامين الميمات (21) وسورة ص. وكذلك سورة الرعد المصدّرة بقوله : (المر) كأنّها جامعة في مضمونها بين الميمات والراءات... وهكذا.
ويستفاد من ذلك : أنّ هذه الحروف رموز بين الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) خفيّة عنّا ، لا نعلم منها سوى هذا المقدار من الارتباط. ولعلّ المتدبّر يتبيّن له أزيد من ذلك. وربّما يشير إلى هذا المعنى : ما روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله : «لكلّ كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي...» (22).
وهناك محاولات اُخرى حديثة حدثت في العصر الأخير ، حاولت كشف هذه الرموز عن طريق العقل الإلكتروني ، قام بها عالم كيمياوي مصري يعيش في أمريكا ، وهو الدكتور رشاد خليفة ، نشرتها مجلّة «آخر ساعة» المصريّة ، لعددها 1996 ـ 24 يناير 1973.
كما وقام الأستاذ سعد عبدالمطّلب العدل ، بمحاولة غريبة لتطبيق ما ورد في القرآن من الحروف المقطّعة على الخطّ الهيروغليفي المصريّ القديم ، في رسالة أعدّها لذلك ، أصدرها سنة 2002م.
وسوف نذكرها تباعاً في ختام البحث.
الرأي المختار :
والرأي المختار هو القول بأنّها إشارات رمزيّة إلى أسرار بين الله ورسوله ، لم يهتد إليها سوى المأمونون على وحيه. ولو كان يمكن الاطّلاع عليها لغيرهم لم تَعُد حاجة إلى الرمز بها من أوّل الأمر.
نعم ، لا يبعُد اشتمالها على حِكمَ وفوائد تزيد في فخامة مواضعها من مفتتح السورَ ، ولاسيّما بهذا النظم المتفنّن في تنوّعه البديع.
ولعلّ ما أشار إليه الزمخشري ، وجاء في كلام الزركشي ، واحتملته قريحة سيّدنا الطباطبائي ، لعلّه شذرات من تلك الحِكمَ والفوائد المودعة ، إلى جنب ما حوته تلك الحروف من أسرار عظام. والله أعلم بحقيقة الحال.
_______________________
1 . بفرض الواحد العددي هي السّنة ، لتكون الألف في مثل «الم» رمزاً إلى سنة واحدة ، واللام ثلاثون سنة ، والميم أربعون ، فالمجموع : واحد وسبعون.
2 . فإن «ص» 90 ، يضاف إلى 71 ، والمجموع : 161.
3 . ألف : 1 ، لام : 30 ، راء : 200 = 231.
4 . 1 + 30 + 40 + 200 = 271.
5 . وهي مجموعة : 71 + 161 + 231 + 271 = 734. وكان في الحديث سقط صحّحناه على الدرّ المنثور 1 : 23.
6 . بتلخيص من تفسير القمّي 1 : 223 ، معاني الأخبار : 19ـ26 ، بحار الأنوار 89 : 374 ـ 380 حديث 10. وهكذا تجد مقتطفات منه في سائر التفاسير : النيسابوري بهامش الطبري 1 : 121 ـ 122 ، الطبري 1 : 138 حديث 200 ، التفسير الكبير 2 : 7 ، الدرّ المنثور 1 : 23.
7 . تفسيره المختصر 1 : 13.
8 . الكشاف 1 : 21.
9. وقد عدّها إلى أحد وعشرين قولا. انظر : التفسير الكبير 1 : 5 ـ 8.
10 . التفسير الكبير 1 : 8 .
11 . التعديد والمعادّة : المناهدة ، وهي المناهضة في الحرب والمناضلة.
12 . المَعْجَزَة ـ بفتح الميم والجيم ، وبكسر الجيم أيضاً ـ مصدر ، في مقابل المَقْدَرَة ، مثلّث الدال.
13 . الحُرّاص ـ بضمّ الحاء وتشديد الراء : جمع حريص. والتساجل : التفاخر. واقتضاب الكلام : ارتجاله.
14 . أي غلبت وسلبت مقدرة الخصم.
15 . الخلاقة : الجدارة واللياقة.
16. الكشاف 1 : 27 ـ 28.
17 . المصدر السابق : 27 ، في الهامش رقم 3.
18 . الرطانة : التكلّم بالأعجميّة.
19 . الكشاف 1 : 28 ـ 29.
20 . التبيان 1 : 48 ، مجمع البيان 1 : 77 ، باختلاف يسير.
21 . يقرأ : ألف ، لام ، ميمات.
22 . تفسير الميزان 18 : 6 ، سورة الشورى. مجمع البيان 1 : 75.
|
|
"إنقاص الوزن".. مشروب تقليدي قد يتفوق على حقن "أوزيمبيك"
|
|
|
|
|
الصين تحقق اختراقا بطائرة مسيرة مزودة بالذكاء الاصطناعي
|
|
|
|
|
مكتب السيد السيستاني يعزي أهالي الأحساء بوفاة العلامة الشيخ جواد الدندن
|
|
|