المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24

Peeling Vegetables
2-10-2016
الشروط الشكلية لممارسة العمل
2023-05-08
Chebyshev Approximation Formula
19-11-2021
الأراضي العسكرية في القرن الحادي والعشرين
18-8-2022
من هو المنافق
10-10-2014
عوامل التوطن الصناعي - رأس المال Capital
10-10-2021


تفسير الاية (143) من سورة البقرة  
  
5857   05:24 مساءً   التاريخ: 14-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :

بين سبحانه فضل هذه الأمة على سائر الأمم فقال سبحانه {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} وقد ذكرنا وجه تعلق الكاف المضاف إلى ذلك بما تقدم أخبر عز اسمه أنه جعل أمة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عدلا وواسطة بين الرسول والناس ومتى قيل إذا كان في الأمة من ليس هذه صفته فكيف وصف جماعتهم بذلك فالجواب أن المراد به من كان بتلك الصفة ولأن كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم .

وروي بريد بن معاوية العجلي عن الباقر (عليه السلام) نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه وفي رواية أخرى قال إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن علي (عليه السلام) أن الله تعالى إيانا عنى بقوله {لتكونوا شهداء على الناس} فرسول الله شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه ونحن الذين قال الله تعالى {كذلك جعلناكم أمة وسطا} .

وقوله {لتكونوا شهداء على الناس} فيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) أن المعنى لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة كما قال وجيء بالنبيين والشهداء وقال ويوم يقوم الأشهاد وقال ابن زيد الأشهاد أربعة الملائكة والأنبياء وأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والجوارح كما قال يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم الآية ( والثاني ) أن المعنى لتكونوا حجة على الناس فتبينوا لهم الحق والدين ويكون الرسول عليكم شهيدا مؤديا للدين إليكم وسمي الشاهد شاهدا لأنه يبين ولذلك يقال للشهادة بينة ( والثالث ) أنهم يشهدون للأنبياء على أممهم المكذبين لهم بأنهم قد بلغوا وجاز ذلك لإعلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إياهم بذلك.

 وقوله {ويكون الرسول عليكم شهيدا} أي شاهدا عليكم بما يكون من أعمالكم وقيل حجة عليكم وقيل شهيدا لكم بأنكم قد صدقتم يوم القيامة فيما تشهدون به وتكون على بمعنى اللام كقوله وما ذبح على النصب أي للنصب وقوله {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قيل معنى كنت عليها صرت عليها وأنت عليها يعني الكعبة كقوله {كنتم خير أمة} أي خير أمة وقيل هو الأصح يعني بيت المقدس الذي كانوا يصلون إليها(2) أي : صرفناك عن القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم أو ما جعلنا القبلة التي كنت عليها فصرفناك عنها {إلا لنعلم} وحذف لدلالة الكلام عليه .

وفي قوله {إلا لنعلم} أقوال ( أولها ) أن معناه ليعلم حزبنا من النبي والمؤمنين كما يقول الملك فتحنا بلد كذا أو فعلنا كذا أي فتح أولياؤنا والثاني أن معناه ليحصل المعلوم موجودا وتقديره ليعلم أنه موجود فلا يصح وصفه بأنه عالم بوجود المعلوم قبل وجوده والثالث أن معناه لنعاملكم معاملة المختبر الممتحن الذي كأنه لا يعلم إذ العدل يوجب ذلك من حيث لو عاملهم بما يعلم أنه يكون منهم قبل وقوعه كان ظلما والرابع ما قاله علم الهدى المرتضى قدس الله روحه وهو أن قوله {لنعلم} تقتضي حقيقة أن يعلم هو وغيره ولا يحصل علمه مع علم غيره إلا بعد حصول الاتباع فأما قبل حصوله فيكون القديم سبحانه هو المنفرد بالعلم به فصح ظاهر الآية .

وقوله {من يتبع الرسول} أي يؤمن به ويتبعه في أقواله وأفعاله {ممن ينقلب على عقبيه} فيه قولان ( أحدهما ) أن قوما ارتدوا عن الإسلام لما حولت القبلة جهلا منهم بما فيه من وجوه الحكمة والآخر أن المراد به كل مقيم على كفره لأن جهة الاستقامة إقبال وخلافها إدبار ولذلك وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر وأنه كذب وتولى أي عن الحق وقوله {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} الضمير في كانت يعود إلى القبلة على قول أبي العالية أي وقد كانت القبلة كبيرة وقيل الضمير يرجع إلى التحويلة وما أرقة القبلة الأولى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وهو الأقوى لأن القوم إنما ثقل عليهم التحول لا نفس القبلة وقيل الضمير يرجع إلى الصلاة عن ابن زيد وقوله {لكبيرة} قال الحسن معناه ثقيلة يعني التحويلة إلى بيت المقدس لأن العرب لم تكن قبلة أحب إليهم من الكعبة وقيل معناه عظيمة على من لا يعرف ما فيها من وجه الحكمة فأما الذين هداهم الله لذلك فلا تعظم عليهم وهم الذين صدقوا الرسول في التحول إلى الكعبة وإنما خص المؤمنين بأنه هداهم وإن كان قد هدى جميع الخلق لأنه ذكرهم على طريق المدح ولأنهم الذين انتفعوا بهدى الله وغيرهم كأنه لم يتعد بهم .

وقوله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قيل فيه أقوال ( أحدها ) أنه لما حولت القبلة قال ناس كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} عن ابن عباس وقتادة وقيل أنهم قالوا كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وكان قد مات أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وكانا من النقباء فقال {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم إلى بيت المقدس ويمكن على هذا أن يحمل الإيمان على أصله في التصديق أي لا يضيع تصديقكم بأمر تلك القبلة .

( وثانيها ) أنه لما ذكر ما عليهم من المشقة في التحويلة أتبعه بذكر ما لهم عنده بذلك من المثوبة وأنه لا يضيع ما عملوه من الكلفة فيه لأن التذكير به يبعث على ملازمة الحق والرضا به عن الحسن ( وثالثها ) أنه لما ذكر إنعامه عليهم بالتولية إلى الكعبة ذكر السبب الذي استحقوا به ذلك الإنعام وهو إيمانهم بما حملوه أولا فقال وما كان الله ليضيع إيمانكم الذي استحققتم به تبليغ محبتكم في التوجه إلى الكعبة عن أبي القاسم البلخي.

 وقوله {إن الله بالناس لرءوف رحيم} رءوف بهم لا يضيع عنده عمل عامل منهم والرأفة أشد الرحمة دل سبحانه بالرأفة والرحمة على أنه يوفر عليهم ما استحقوه من الثواب من غير تضييع لشيء منه وقيل أنه سبحانه دل بقوله {رءوف رحيم} على أنه منعم على الناس بتحويل القبلة .

واستدل كثير من العلماء بهذه الآية على أن إجماع الأمة حجة من حيث أنه وصفهم بأنهم عدول فإذا عدلهم الله تعالى لم يجز أن تكون شهادتهم مردودة والصحيح أنها لا تدل على ذلك لأن ظاهر الآية أن يكون كل واحد من الأمة بهذه الصفة ومعلوم خلاف ذلك ومتى حملوا الآية على بعض الأمة لم يكونوا بأولى ممن يحملها على المعصومين والأئمة من آل الرسول (عليهم السلام) .

وفي هذه الآية دلالة على جواز النسخ في الشريعة بل على وقوعه لأنه قال {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} فأخبر أنه تعالى هو الجاعل لتلك القبلة وأنه هو الذي نقله عنها وذلك هو النسخ .

_____________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1،ص417-420.

2- والظاهر (اليه) بتذكير الضمير بدل (اليها) كما تقدم.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآية (1) :

{ وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} . هذه الجملة بيان لقوله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، ووجه البيان ان اللَّه سبحانه قد أنعم على أتباع محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بالهداية ، وأبرز مظهر لهذه الهداية انه جعلهم في الدين معتدلين متوسطين بين الافراط الذي هو الزيادة ، كتعدد الآلهة ، وبين التفريط الذي هو النقص ، كالألحاد . . هذا من جهة العقيدة ، واما الاعتدال في الأخلاق فقد جمع لهم في تعاليمه وتوجيهاته بين حق الروح ، وحق الجسد ، فلا روحانية مقترة ، ولا مادية مسرفة ، بل تعادل وتوازن بينهما .

وقد استدل البعض بقوله تعالى : {وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} ، استدل به على حجة الإجماع ، وهو استدلال في غير محله ، لأن الآية لم ترد لبيان الإجماع ، وانه حجة ، أوليس بحجة . .

وقال آخرون : ان قوله سبحانه هذا يدل على ان كل مسلم عادل بطبيعته . .

وهذا القول باطل من الأساس ، لأن العدالة من الموضوعات التي لا تثبت إلا بالحس أو البينة .

التكامل والتعادل في الإسلام :

لما كان الإنسان مكوّنا من جسم ترابي فان ، ومن سر إلهي خالد ، وهو الروح ، {و يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} . ولما كان لكل منهما مطالب وحاجات ، لذلك جاءت تشريعات الإسلام وتوجيهاته على أساس الأمرين وتنظيمهما معا دون أن يطغى أحدهما على الآخر . وبكلمة : للإنسان جزءان ، فإهمال أحدهما إهمال له بالذات .

لقد حرم الإسلام الرهبانية ، وإرهاق النفس بالقضاء على الطبيعة ، كما حرم الخبائث والإسراف في الشهوات ، والترف على حساب الغير . . وأحل زينة الحياة ومتعها من الأكل الطيب ، واللبس الطيب ، وما إليهما . . ومن يستعرض آيات القرآن يجد ان الدنيا كلها خلقت من أجل حياة راضية مرضية عند الجميع ، وان الانكماش عنها انكماش عن الدين ، كما ان التكالب على احتكارها وحرمان الغير فساد في الأرض ، وخطر على المجتمع كله . . وأفضل الأرزاق كلها عند الإسلام ما كان بكدّ اليمين ، وعرق الجبين .

قال أنس : كنا مع رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) في سفر ، ومنا الصائم ، ومنا المفطر ، فنزلنا منزلا في يوم حار ، فسقط الصائمون ، وقام المفطرون بخدمتهم . فقال رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله .

هذا هو الوسط والعدل الذي يرتكز عليه الإسلام ، ويدعو إليه ، لا عبادة تقعد بك عن السعي والعمل ، ولا شراسة في التكالب تصرفك عن اللَّه وعبادته .

{ لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} . ان معاني الكلمات المفردة واضحة ، وكذا المعنى العام للمركب منها . . ولكن الاشكال والغموض في تعيين ما نشهد به نحن المسلمين على غيرنا . . أي شيء هو؟ . ان الرسول يشهد غدا على من خالف منا بأنه لم يعمل بالإسلام وأحكامه ، فهل نشهد نحن

يوم القيامة على غير المسلمين بأنهم خالفوا الكتاب والسنة ؟ . . وقد تعددت أقوال المفسرين في ذلك ، وتضاربت ، ولم تركن نفسي إلى شيء منها .

والذي أميل إليه ان علماء المسلمين خاصة مكلفون دينا بأن يبلغوا رسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) على وجهها للناس ، سواء منهم المسلم الجاهل ، وغير المسلم . . فمن قام بهذا الواجب المقدس من العلماء يصبح شاهدا على من بلغه الرسالة ولم يعمل بها ، ومن أهمل من العلماء ولم يبلغ فان محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) يشهد عليه غدا أمام اللَّه أنه قد خان الرسالة بعد ان عرفها وحملها . .

وللتوضيح نضرب هذا المثل : رجل عنده مال ، وله ولد لم يبلغ الرشد بعد ، وحين شعر صاحب المال بدنو أجله أوصى جارا له يثق بدينه أن ينفق من المال على تربية ولده وتعليمه ، فان فعل ، ونجح الولد كما أراد الوالد فذاك ، وان اهتم الوصي بشأن الولد ، ولكنه تمرد ورفض التعليم كان الوصي شاهدا على الولد ، وان أهمل الوصي وقصر في الوصية كان الوالد شاهدا على الوصي ، والوصي مسؤولا أمام اللَّه والوالد .

وهكذا نحن العلماء مسؤولون أمام اللَّه ورسوله عن بث الدعوة الاسلامية بين أهل الأديان بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعن تعليم الأحكام لمن يجهلها من المسلمين . . ومن قصّر في هذا الواجب شهد عليه غدا سيد الكونين شهادة صريحة واضحة بين يدي العزيز الجبار . . والويل كل الويل لمن يشهد عليه رسول اللَّه ، ويحكم عليه اللَّه . . هذا إذا أهمل ولم يبشر ، فكيف إذا أساء وكان هو السبب الباعث على التشكيك في الدين وأهله .

{وما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ } . بعد ان أمر اللَّه نبيه الأكرم بالتحول من بيت المقدس إلى الكعبة ارتاب بعض أتباع الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقالوا : مرة هاهنا ومرة هاهنا ، واستغل اليهود موقف هؤلاء الجهلة ، وأخذوا يشككونهم بالنبي . وقد كان اليهود ، وما زالوا ، ولن يزالوا أبدا ودائما أرباب فتن وفساد ، وأداة مكر وخداع بطبيعتهم وفطرتهم ، يخلقون المشاكل ويضعون العقبات في طريق كل مخلص ، ويحولون المجتمعات ان استطاعوا إلى جحيم . . وهكذا يلتقي أعداء الحق دائما وفي كل عصر مع ضعاف العقول ، ويتخذون منهم أداة للكيد والتخريب والفوضى . . وقد

وصف الإمام علي هؤلاء أبلغ وصف بقوله : {همج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق} .

وأخبر اللَّه نبيه العظيم بأن الذين شككوا وارتابوا ليسوا بمؤمنين في واقعهم ، بل كان ايمانهم زائفا لا أصيلا ، ولقد محصناهم بالبلاء ، ليظهروا على حقيقتهم لك ولغيرك . ( وان كانت - القبلة الجديدة - لكبيرة الا على الذين هدى اللَّه ) . وهم أهل الإيمان المستقر الأصيل ، لا أهل الايمان المستعار المموه .

وتسأل : ان اللَّه سبحانه يعلم الشيء قبل وقوعه ، فما هو الوجه في قوله لنعلم من يتبع الرسول ؟ .

الجواب : ان المراد ليظهر الطائع والعاصي ، ويتميز لدى الناس كل بما هو فيه وعليه . . وقال أكثر المفسرين ان علم اللَّه بالنسبة إلى الحادث على قسمين :

علم به قبل إيجاده ، وهو في عالم الغيب ، وعلم به بعد إيجاده ، وهو في عالم الشهادة ، والمراد بالعلم هنا الثاني دون الأول ، أي ان اللَّه يريد أن يعلم به حال وجوده ، كما علم به حال عدمه . . وهذا تحذلق ولعب بالألفاظ . . فان علم اللَّه واحد ، وعالم الغيب بالنسبة إليه ، تماما كعالم الشهادة .

{وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهً بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} . هذه بشارة من اللَّه لمن ثبت على إيمانه مع الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) في السراء والضراء ، ولم يرتب في أمر من أوامره ، ولا نهي من نواهيه . . وقال أكثر المفسرين ، أو الكثير منهم : ان السبب لنزول هذه الآية ان جماعة من الأصحاب صلوا مع النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى القبلة الأولى ، ثم ماتوا قبل التحول إلى الثانية ، فسئل الرسول عن صحة صلاتهم ؟ فقال اللَّه :{ وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} .

ونحن لا نعتمد روايات أسباب النزول إلا القليل البالغ حد اليقين أو الاطمئنان ، لأن العلماء لم يهتموا بغربلتها وتمحيصها ، كما فعلوا بأحاديث الأحكام ، فبقيت على سقمها وعللها .

_____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص224-227

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :

قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، الظاهر أن المراد كما سنحول القبلة لكم لنهديكم إلى صراط مستقيم كذلك جعلناكم أمة وسطا، وقيل إن المعنى ومثل هذا الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا وهوكما ترى، وأما المراد بكونهم أمة وسطا شهداء على الناس فالوسط هو المتخلل بين الطرفين لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك الطرف، وهذه الأمة بالنسبة إلى الناس - وهم أهل الكتاب والمشركون - على هذا الوصف فإن بعضهم - وهم المشركون والوثنيون - إلى تقوية جانب الجسم محضا لا يريدون إلا الحياة الدنيا والاستكمال بملاذها وزخارفها وزينتها، لا يرجون بعثا ولا نشورا، ولا يعبئون بشيء من الفضائل المعنوية والروحية، وبعضهم كالنصارى إلى تقوية جانب الروح لا يدعون إلا إلى الرهبانية ورفض الكمالات الجسمية التي أظهرها الله تعالى في مظاهر هذه النشأة المادية لتكون ذريعة كاملة إلى نيل ما خلق لأجله الإنسان، فهؤلاء أصحاب الروح أبطلوا النتيجة بإبطال سببها وأولئك أصحاب الجسم أبطلوا النتيجة بالوقوف على سببها والجمود عليها، لكن الله سبحانه جعل هذه الأمة وسطا بأن جعل لهم دينا يهدي منتحليه إلى سواء الطريق وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل يقوي كلا من الجانبين - جانب الجسم وجانب الروح - على ما يليق به ويندب إلى جمع الفضيلتين فإن الإنسان مجموع الروح والجسم لا روح محضا ولا جسم محضا، ومحتاج في حياته السعيدة إلى جمع كلا الكمالين والسعادتين المادية والمعنوية، فهذه الأمة هي الوسط العدل الذي به يقاس ويوزن كل من طرفي الإفراط والتفريط فهي الشهيدة على سائر الناس الواقعة في الأطراف والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المثال الأكمل من هذه الأمة – هو شهيد على نفس الأمة فهو(صلى الله عليه وآله وسلم) ميزان يوزن به حال الآحاد من الأمة، والأمة ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه طرفا الإفراط والتفريط، هذا ما قرره بعض المفسرين في معنى الآية، وهو في نفسه معنى صحيح لا يخلو عن دقة إلا أنه غير منطبق على لفظ الآية فإن كون الأمة وسطا إنما يصحح كونها مرجعا يرجع إليه الطرفان، وميزانا يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين، أو يشاهد الطرفين، فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر، على أنه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيدا على الأمة إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأمة على جعل الأمة وسطا، كما يترتب الغاية على المغيي والغرض على ذيه.

على أن هذه الشهادة المذكورة في الآية، حقيقة من الحقائق القرآنية تكرر ذكرها في كلامه سبحانه، واللائح من موارد ذكرها معنى غير هذا المعنى، قال تعالى { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } [النساء: 41] ، وقال تعالى {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: 84]  وقال تعالى {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} [الزمر: 69]، والشهادة فيها مطلقة، وظاهر الجميع على إطلاقها هو الشهادة على أعمال الأمم، وعلى تبليغ الرسل أيضا، كما يومىء إليه قوله تعالى { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] ، وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة يوم القيامة لكن تحملها في الدنيا على ما يعطيه قوله تعالى - حكاية عن عيسى (عليه السلام) - {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [المائدة: 117] وقوله تعالى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]، ومن الواضح أن هذه الحواس العادية التي فينا، والقوى المتعلقة بها منا لا تتحمل إلا صور الأفعال والأعمال فقط، وذلك التحمل أيضا إنما يكون في شيء يكون موجودا حاضرا عند الحس لا معدوما ولا غائبا عنه وأما حقائق الأعمال والمعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران، وبالجملة كل خفي عن الحس ومستبطن عند الإنسان - وهي التي تكسب القلوب، وعليه يدور حساب رب العالمين يوم تبلى السرائر كما قال تعالى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] فهي مما ليس في وسع الإنسان إحصاؤها والإحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلا عن الغائبين إلا رجل يتولى الله أمره ويكشف ذلك له بيده، ويمكن أن يستفاد ذلك من قوله تعالى {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] ، فإن عيسى داخل في المستثنى في هذه الآية قطعا - وقد شهد الله تعالى في حقه بأنه من الشهداء - كما مر في الآيتين السابقتين، فهو شهيد بالحق وعالم بالحقيقة.

والحاصل أن هذه الشهادة ليست هي كون الأمة على دين جامع للكمال الجسماني والروحاني فإن ذلك على أنه ليس معنى الشهادة خلاف ظاهر الآيات الشريفة.

بل هي تحمل حقائق أعمال الناس في الدنيا من سعادة أو شقاء ورد وقبول، وانقياد وتمرد، وأداء ذلك في الآخرة يوم يستشهد الله من كل شيء، حتى من أعضاء الإنسان، يوم يقول الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.

ومن المعلوم أن هذه الكرامة ليست تنالها جميع الأمة، إذ ليست إلا كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم، وأما من دونهم من المتوسطين في السعادة، والعدول من أهل الإيمان فليس لهم ذلك، فضلا عن الأجلاف الجافية، والفراعنة الطاغية من الأمة، وستعرف في قوله تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [النساء: 69] ، إن أقل ما يتصف به الشهداء - وهم شهداء الأعمال - أنهم تحت ولاية الله ونعمته وأصحاب الصراط المستقيم، وقد مر إجمالا في قوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7].

فالمراد بكون الأمة شهيدة أن هذه الشهادة فيهم، كما أن المراد بكون بني إسرائيل فضلوا على العالمين، أن هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف به كل واحد منهم، بل نسب وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه، فكون الأمة شهيدة هو أن فيهم من يشهد على الناس ويشهد الرسول عليهم.

فإن قلت: قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الحديد: 19] ، يدل على كون عامة المؤمنين شهداء.

قلت: قوله {عند ربهم}، يدل على أنه تعالى سيلحقهم بالشهداء يوم القيامة، ولم ينالوه في الدنيا، نظير ذلك قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] ، على أن الآية مطلقة تدل على كون جميع المؤمنين من جميع الأمم شهداء عند الله من غير اختصاص بهذه الأمة فلا ينفع المستدل شيئا.

فإن قلت: جعل هذه الأمة أمة وسطا بهذا المعنى لا يستتبع كونهم أو كون بعضهم شهداء على الأعمال ولا كون الرسول شهيدا على هؤلاء الشهداء فالإشكال وارد على هذا التقريب كما كان واردا على التقريب السابق.

قلت: معنى الشهادة غاية متفرعة في الآية على جعل الأمة وسطا فلا محالة تكون الوسطية معنى يستتبع الشهادة والشهداء، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } [الحج: 77، 78] ، جعل تعالى كون الرسول شهيدا عليهم وكونهم شهداء على الناس غاية متفرعة على الاجتباء ونفي الحرج عنهم في الدين ثم عرف الدين بأنه هو الملة التي كانت لأبيكم إبراهيم الذي هو سماكم المسلمين من قبل، وذلك حين دعا لكم ربه وقال: {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} فاستجاب الله دعوته وجعلكم مسلمين، تسلمون له الحكم والأمر من غير عصيان واستنكاف، ولذلك ارتفع الحرج عنكم في الدين، فلا يشق عليكم شيء منه ولا يحرج، فأنتم المجتبون المهديون إلى الصراط، المسلمون لربهم الحكم والأمر، وقد جعلناكم كذلك ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، أي تتوسطوا بين الرسول وبين الناس فتتصلوا من جهة إليهم، وعند ذلك يتحقق مصداق دعائه (عليه السلام) فيكم وفي الرسول حيث قال {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] ، فتكونون أمة مسلمة أودع الرسول في قلوبكم علم الكتاب والحكمة، ومزكين بتزكيته، والتزكية التطهير من قذرات القلوب، وتخليصها للعبودية، وهو معنى الإسلام كما مر بيانه، فتكونون مسلمين خالصين في عبوديتكم، وللرسول في ذلك القدم الأول والهداية والتربية، فله التقدم على الجميع، ولكم التوسط باللحوق به، والناس في جانب، وفي أول الآية وآخرها قرائن تدل على المعنى الذي استفدناه منها غير خفية على المتدبر فيها سنبينها في محله إن شاء الله.

فقد تبين بما قدمناه: أولا، أن كون الأمة وسطا مستتبع للغايتين جميعا، وأن قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا} الآية جميعا لازم كونهم وسطا.

وثانيا: أن كون الأمة وسطا إنما هو بتخللها بين الرسول وبين الناس، لا بتخللها بين طرفي الإفراط والتفريط، وجانبي تقوية الروح وتقوية الجسم في الناس.

وثالثا: أن الآية بحسب المعنى مرتبطة بآيات دعوة إبراهيم (عليه السلام) وأن الشهادة من شئون الأمة المسلمة.

واعلم: أن الشهادة على الأعمال على ما يفيده كلامه تعالى لا يختص بالشهداء من الناس، بل كل ما له تعلق ما بالعمل كالملائكة والزمان والمكان والدين والكتاب والجوارح والحواس والقلب فله فيه شهادة.

ويستفاد منها أن الذي يحضر منها يوم القيامة هو الذي في هذه النشأة الدنيوية وأن لها نحوا من الحياة الشاعرة بها، تتحمل بها خصوصيات الأعمال، وترتسم هي فيها، وليس من اللازم أن تكون الحياة التي في كل شيء، سنخا واحدا كحياة جنس الحيوان، ذات خواص وآثار كخواصها وآثارها، حتى تدفعه الضرورة فلا دليل على انحصار أنحاء الحياة في نحو واحد، هذا إجمال القول في هذا المقام وأما تفصيل القول في كل واحد واحد منها فموكول إلى محله اللائق به.

قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}، المراد بقوله لنعلم: إما علم الرسل والأنبياء مثلا، لأن العظماء يتكلمون عنهم وعن أتباعهم، كقول الأمير، قتلنا فلانا وسجنا فلانا، وإنما قتله وسجنه أتباعه لا نفسه، وإما العلم العيني الفعلي منه تعالى الحاصل مع الخلقة والإيجاد، دون العلم قبل الإيجاد.

والانقلاب على العقبين كناية عن الإعراض، فإن الإنسان – وهو منتصب على عقبيه - إذا انقلب من جهة، إلى جهة انقلب على عقبيه، فجعل كناية عن الإعراض نظير قوله {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] ، وظاهر الآية أنه دفع لما يختلج في صدور المؤمنين: من تغيير القبلة ونسخها، ومن جهة الصلوات التي صلوها إلى القبلة، ما شأنها؟ ويظهر من ذلك أن المراد بالقبلة التي كان رسول الله عليها، هو بيت المقدس الكعبة، فلا دليل على جعل بيت المقدس قبلة مرتين، وجعل الكعبة قبلة مرتين، إذ لوكان المراد من القبلة في الآية الكعبة كان لازم ذلك ما ذكر.

وبالجملة كان من المترقب أن يختلج في صدور المؤمنين: أولا، أنه لما كان من المقدر أن يستقر القبلة بالآخرة على الكعبة فما هو السبب، أولا: في جعل بيت المقدس قبلة؟ فبين سبحانه أن هذه الأحكام والتشريعات ليست إلا لأجل مصالح تعود إلى تربية الناس وتكميلهم، وتمحيص المؤمنين من غيرهم، وتمييز المطيعين من العاصين، والمنقادين من المتمردين، والسبب الداعي إلى جعل القبلة السابقة في حقكم أيضا هذا السبب بعينه، فالمراد بقوله {إلا لنعلم من يتبع الرسول}، إلا لنميز من يتبعك، والعدول من لفظ الخطاب إلى الغيبة لدخالة صفة الرسالة في هذا التميز، والمراد بجعل القبلة السابقة: جعلها في حق المسلمين، وإن كان المراد أصل جعل بيت المقدس قبلة فالمراد مطلق الرسول، والكلام على رسله من غير التفات، غير أنه بعيد من الكلام بعض البعد.

وثانيا: أن الصلوات التي كان المسلمون صلوها إلى بيت المقدس كيف حالها، وقد صليت إلى غير القبلة؟ والجواب: أن القبلة قبلة ما لم تنسخ، وأن الله سبحانه إذا نسخ حكما رفعه من حين النسخ، لا من أصله، لرأفته ورحمته بالمؤمنين، وهذا ما أشار إليه بقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم، إن الله بالناس لرءوف رحيم}.

والفرق بين الرأفة والرحمة، بعد اشتراكهما في أصل المعنى، أن الرأفة يختص بالمبتلى المفتاق، والرحمة أعم.

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص266-271.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

الاُمّة الوسط

هذه الآية تشير إلى جانب من أسباب تغيير القبلة، تقول أوّلا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أي كما جعلنا القبلة وسطا، كذلك جعلناكم أُمّة في حالة اعتدال، لا يشوبها إفراط ولا تفريط في كل جوانب حياتها.

أما سبب كون قبلة المسلمين قبلة وسطاً، فلأن النصارى ـ الذين يعيش معظمهم في غرب الكرة الأرضية ـ يولون وجوههم صوب الشرق تقريباً حين يتجهون إلى قبلتهم في بيت المقدس حيث مسقط رأس السيد المسيح. واليهود ـ الذين يتواجدون غالباً في الشامات وبابل ـ يتجهون نحو الغرب تقريباً حين يقفون تجاه بيت المقدس.

أما «الكعبة» فكانت بالنسبة للمسلمين في المدينة تجاه الجنوب، وبين المشرق والمغرب، وفي خط وسط.

وهذا ما يُفهم من عبارة «وَكَذلِك»، وإن كان للمفسرين آراء اُخرى في هذه العبارة لا تخلو من مناقشة.

القرآن يؤكد أن المنهج الإِسلامي في كل أبعاده ـ لا في بعد القبلة فقط ـ يقوم على أساس التوازن والإعتدال.

والهدف من ذلك {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيِداً}.

و«شهادة» الاُمّة المسلمة على النّاس، و«شهادة» النّبي على المسلمين، قد تكون إشارة إلى الأُسوة والقُدْوَةِ، لأن الشاهد يُنتخب من بين أزكى النّاس وأمثلهم.

فيكون معنى هذا التعبير القرآني أن الاُمّة المسلمة نموذجيّة بما عندها من عقيدة ومنهج، كما أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فرد نموذجيّ بين أبناء الاُمّة.

الاُمّة المسلمة بعملها وبتطبيقها المنهج الإسلامي تشهد أن الإنسان بمقدوره أن يكون رجل دين ورجل دنيا ... أن يكون إنساناً يعيش في خضم الأحداث الإِجتماعية وفق معايير روحية ومعنوية. الاُمّة المسلمة بمعتقداتها ومناهجها تشهد بعدم وجود أي تناقض بين الدين والعلم، بل إن كلا منهما يخدم الآخر.

ثم تشير الآية إلى واحد آخر من أسرار تغيير القبلة فتقول: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}.

الآية لم تقل: يتبعك، بل قالت: {يَتَّبعُ الرَّسُولَ} إشارة إلى أن هذا الإِتباع إنما هو تسليم لأمر الله، وكل اعتراض إنما هو عصيان وتمرد على الله، ولا يصدر ذلك إلاّ عن مشرك جاهلي.

وعبارة {مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ} تعني في الأصل الرجوع على مؤخر الرجل، وتعني هنا الإنتكاس والتراجع.

ثم تضيف الآية: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله}.

لولا الهداية الإلهية، لما وجدت في نفس الإنسان روح التسليم المطلق أمام أوامر الله. المهم أن يكون الإنسان المسلم مستسلماً إلى درجة لا يحسّ معها بثقل مثل هذه الأوامر، بل يشعر بلذتها وحلاوتها.

وأمام وسوسة الأعداء المضللين والأصدقاء الجاهلين، الذين راحوا يشككون في صحة ما سبق من العبادات قبل تغيير القبلة، تقول الآية: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}.

فأوامر الله مثل وصفات الطبيب لكل مرحلة من مراحل العلاج نسخة خاصة، وكلها شافية وافية تضمن سعادة الإنسان وسلامته، والعمل بأجمعها صحيح لا غبار عليه.

_____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص335-336.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .